مؤرخون المهلب بن أبي صفرة عُماني والتاريخ لا يمكن تزويره

ما يقرب من ٦ سنوات فى الشبيبة

مسقط : خالد عرابي- تصوير: إسماعيل الفارسيأجمع المؤرخون والعلماء من العالم العربي والسلطنة على عُمانية القائد الفذ المهلب بن أبي صفرة الأزدي؛ وذلك بشواهد مستندة إلى المصادر والمراجع التاريخية والأدبية القديمة المختلفة، كما أكدوا على أنه من مواليد ولاية أدم وأنه انتقل إلى ولاية دبا وأقام بها لفترات طويلة وأن هذا الرجل الذي شوهد فيه نوع من الذكاء الحاد منذ فترات مبكرة من حياته لمحها فيه الخليفة عمر بن الخطاب وتحققت رؤيته فيه، وكان المهلب واحدا من أهم القادة العرب والمسلمين في عصره حيث قاتل الخوارج وكسر شوكتهم وفتح خراسان وأصبح واليا عليها. جاء ذلك في الندوة الدولية التي نظمها مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية بجامعة نزوى أمس تحت عنوان «المهلب بن أبي صفرة الأزدي العُماني» والتي أقيمت فعالياتها بجامع السلطان قابوس الأكبر برعاية مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية معالي عبدالعزيز بن محمد الرواس.. «الشبيبة» استطلعت آراء بعض المؤرخين في تصريحات خاصة لها.يقول د.حيدر عبدالرضا حسن، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة البصرة بالعراق: المهلب بن أبي صفرة هو شخصية عربية إسلامية مهمة ولها أثر تاريخي وسياسي في الدولة الإسلامية، وقد قمت بإجراء بحث تحت عنوان «المهلب بن أبي صفرة الأزدي العُماني ودوره في الفتوحات العربية الإسلامية.. حربه مع الخوارج نموذجا»، وقد وجدت من خلال المراجع والكتب التاريخية أنه عُماني بكل المراجع التاريخية والإسلامية وأنه نشأ وترعرع في دبا العُمانية.وأكد د.حيدر أن أمهات الكتب الإسلامية من ابن حجر العسقلاني وابن قتيبة وابن سعد والطبري وغيرهم من المصادر تحدّثوا وقالوا وأكدوا بشكل جازم وصريح عن عُمانية هذا الرجل البطل الفذ الأزدي، وهو ابن قبيلة عربية ساهمت في مد الحضارة العربية الإسلامية والعُمانية تحديدا بمنجزات تاريخية وأثرية وحضارية في الدولة العربية والإسلامية.وعن محاولات البعض نسبة تاريخ ليس لهم إليهم قال د.حيدر حسن: من الصعوبة بمكان أن تنسب إليك شيئا ليس لك على الإطلاق، بمعنى أن كل المصادر وكما ذكرت والمراجع التاريخية والأدبية تؤكد على عُمانية هذا القائد ولدرجة أنه وصفت القبيلة في عُمان بأنها قبيلة الأزد العُمانية. والكل يعرف أنه كانت هناك مملكة هرمز العُمانية الأصيلة وأنها كانت تسيطر على واقع الخليج العربي السياسي والاقتصادي ولي كتاب كامل حول ذلك وهو كتاب «مملكة هرمز» والذي يؤكد على أهمية دولة عُمان في شبه الجزيرة العربية وخاصة منطقة الخليج العربي.وأشار د.حيدر عبدالرضا حسن إلى أن حرب المهلب بن أبي صفرة مع الخوارج لها أسباب فالتاريخ له سبب ونتيجة، وأنه حارب الخوارج وتحديدا الأزارقة في ولاية البصرة، وقد تمكّن بحنكته السياسية والعسكرية وذكائه من كسر شوكتهم وطردهم من هذه الولاية الإسلامية المهمة في زمن قصير في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان سنة 65 هجرية.وصرّح مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية معالي عبدالعزيز بن محمد الرواس في تصريحات للإعلاميين عقب افتتاح الندوة قائلا: «نحن نجتمع اليوم هنا لوقف الاعتداء على أسلافنا وعلى تاريخ رجال عظام خدموا البلاد والعباد في كل مكان ذهبوا إليه، وأن نقول للآخرين كفى اعتداءً على الأموات، فالتاريخ ليس إرثا لأحد ولكن الشخصيات تعود إلى أوطانها وإلى انتمائها.. تمنّينا أن تكون جلستنا هذه لمد جسور الحوار مع الآخرين ليكونوا جزءا من هذه الأرض الطيبة التي تحتوي الكثير، ولكنهم تركوا عُمانيتهم وذهبوا إلى شيء آخر، وتاهوا في الأرض أربـــــعين عاما ثم عادوا الآن مرة أخرى يريدون أن يكونوا عُمانيين فعلى الرحب والسعة ولكن سمِّ الأشياء بمسمياتها وأعطِ الحق لأصحابه، فالاعتداء على الأموات ليس من شيم الكرام، ونحن الآن هنا لنصرة هذا الحق والتاريخ الممتد منذ مالك بن فهم ومنذ الملكة شمساء إلى جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي فجّر النهضة المباركة فعمّت البلاد والعباد، ندعو الله سبحانه وتعالى أن يمده بالشفاء وبموفور الصحة وكمال العافية والعمر المديد وأن يكون ذخرا للعُمانيين وأن يكون لهم نبراسا يهتدون به يخدمون الخير والأمن والأمان والسلام للجميع ولا يضمرون إلا المحبة للجميع».أما د.فاروق عمر فوزي، أستاذ التاريخ الإسلامي، العراقي الأصل والمقيم بالأردن، فصرّح لـ«الشبيبة» قائلا: المهلب بن أبي صفرة كان عسكريا وسياسيا وإداريا فذا، والأسرة المهلبية أزدية عُمانية موجودة أصولها في عُمان منذ القدم ومنذ توالي الهجرات العربية على عُمان، وقد شارك أبو المهلب ومن بعده المهلب وإخوته في الفتوحات الإسلامية وبعد أن هاجروا من عُمان إلى البصرة التي كانت قاعدة عسكرية في عهد الخلفاء الراشدين وقد استقروا في البصرة التي كانت بحسب تعليمات الخليفة عمر بن الخطاب مقسّمة إلى خمسة أخماس، وبما أن قبيلة الأزد كانت كبيرة فقد كان لها خمس كامل، ولذلك سُمِّيت فيما بعد بصرة المهلب.وأكد المؤرخ فوزي على أن محاولة البعض القول بأنه غير عُماني أو نسبته إليهم خطأ كبير وزعم غير علمي لأنه من الصعب تزييف التاريخ، وكما يقال «حبل الكذب قصير» وأنهم حينما يقولون بذلك فهم يسيئون إلى أنفسهم والآخرون يهزأون منهم. ونحن نعرف التاريخ الذي لا يمكن عمل مساومات عليه، والعراق نفسها التي أقام بها لم تحاول أن تنسبه إليها لأنها دولة ذات تاريخ حافل.وأشار د.فوزي إلى أن المهلب وقبيلته كان له تأثير كبير في التاريخ الإسلامي وخاصة في العصر الأموي وعند الفتوحات الإسلامية باعتباره قائدا عسكريا متمكنا واستفاد منه الأمويون.وألقى د.سعيد بن محمد الهاشمي، من جامعة السلطان قابوس- قسم التاريخ، كلمته التي كانت بعنوان «إضاءات من التاريخ العُماني» وتناول فيها ثلاثة محاور حول جغرافية عُمان والدولة العُمانية وإضاءات من التاريخ العُماني والحضاري تطرّق فيــــــها إلى وصول مالك بن فهم الأزدي إلى عُمان وتحريرها من الفرس، ودخول الإسلام إلى عُمان في عهد عبد وجيفر ابني الجلندى.كما تناول الهاشمي في ورقته تعاقب الإمامة ومنها دولة اليعاربة وبداية دولة البوسعيد في عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي وامبراطورية عُمان في عهد سيف بن سلطان، واختتم ورقته بالحديث عن النهضة المباركة في العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه.وقال د.محمد الديباجي، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدوكالي المغربية: أنا رجل أكاديمي وأؤمن بالعلم والمراجع والكتب التاريخية وقد وجدت في كل المراجع لتي اطّلعت عليها أن القائد المهلب بن أبي صفرة هو عُماني وأن أصوله معروفة وهي واضحة وضوح العيان ومعروفة وبالتالي لا نحتاج لأن نقول «السماء فوقنا» فهي بطبيعة الحال فوقنا، وهو رجل نشأ في عُمان وهو رجل عظيم ورجل حرب وسياسة وأخلاق وإيمان ومبادئ.وقال: كان لي بحث تناول وصية المهلب بن أبي صفرة والتي قدّم فيها خلاصة تجربته الحياتية وقد وردت في كتاب «التعازي والمراثي» للمبرد والذي جمع فيه أهم وصايا الأعلام الكبار ومنهم المهلب بن أبي صفرة.وأشار إلى أن المهلب ركّز في وصيته على أن الإنسان لن ينجح في هذه الدنيا مهما كانت قيمته إلا عند الالتزام بأوامر الله والانتهاء بنواهيه، وهذا هو الجانب الروحي للمهلب، وأنه رجل ذو أخلاق لأن الخُلق أساس الحياة.وكان د.محمد بن ناصر المحروقي، رئيس اللجنة العلمية للندوة ومدير مركز الفراهيدي بجامعة نزوى قد ألقى كلمة قال فيها: إن هذه الندوة الدولية تأتي في إطار الجهود الوطنية المبذولة عبر البحث العلمي للإسهام الفاعل في صون الإرث التليد لأمتنا العظيمة بشقيه المادي والمعنوي، مبيِّنا أنه في هذا المسعى تتكامل جهود مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية بجامعة نزوى عبر سلسلة ندوات تعنى بأعلام عُمان تخليدا لعطائهم الإنساني الفياض وتمحيصا علميا دقيقا لنزع ما قد يشوبه من دخن الزمان وعوالق الهوى.وأضاف المحروقي أن علم هذه الندوة هو المهلب بن أبي صفرة الأزدي العُماني هذه الشخصية القيادية الفذة التي برعت في فنون الحرب وصنع الانتصارات كما أشرقت في إدارة الأقاليم وترسيخ الملك والذي نشأ في بيت زعامة وقيادة لقومه وهو أبو صفرة سارق بن ظالم العتكي الأزدي الذي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه وكنّاه بأبي صفرة ثم وفد على خليفة رسول الله أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ضمن وفد عُماني رسمي رفيع المستوى بقيادة عبد بن الجلندى وكان خطيب الوفد فألقى كلمة الوفد في مسجد رسول الله، كما يحفظ التاريخ لهذا الأب الزعيم درسا لا ينسى في تربية القادة.وأكد المحروقي في كلمته أن التاريخ العُماني يضرب بجذوره في القدم منذ سبعة آلاف سنة وفي كثير من مراحل التاريخ كانت امبراطورية عُمان قوية سادت بحار العالم وتمددت على أراض آسيوية وهندية وإفريقية، وأنجبت هذه الأرض الكثير من القادة والعلماء العظام والإرث الفكري والحضاري العُماني بمخطوطاته ووثائقه التي هي شاهد على تلك الإنجازات رغم أنه متوزع في دول العالم في فارس والهند والبرتغال وشرقي إفريقيا حتى جزر القمر ومدغشقر.وأضاف د.المحروقي أنه مع الجهود الكبيرة والمقدّرة التي تبذلها المؤسسات الرسمية فإن المهمة تعدّ كبيرة جدا جدا، داعيا الجامعات والمراكز البحثية الحكومية والأهلية إلى أن تباشر لتوثيق ذلك التراث وحفظه وعرضه للداخل والخارج في عُمان والعالم وتكثيف العمل لتقديم هذا التراث للنشء حفاظا على الهوية والأصالة المميّزة لعُمان، معتبرا أن الانقطاع عن التراث «خيار مَن لا خيار له»، داعيا إلى إنشاء صندوق وقفي يساهم فيه الجميع ليكون داعما لهذه الجهود على أن يُسخَّر ريع هذا الوقف لتمويل الأبحاث العلمية.

شارك الخبر على