بيت (المدى) يستذكر الروائي الراحل سعد محمد رحيم

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

  زينب المشّاط عدسة/ محمود رؤوف
بين عامي 2017 و2018 تملّكني قلق كبير على الثقافة والأدب والفنون لما خسرته هذه الاوساط من شخصيات عميقة في أهميتها على تلك الصُعد، آخرها توديعنا للروائي العراقي سعد محمد رحيم، الذي فارق الحياة في غفلةٍ منا وبعيداً عنا نحن قُراؤه ومتابعوه، في وقت كان الراحل بمنتهى ألقه وإشراقه الادبي والفكري والثقافي...
في جلسة استذكارية لمنجز الراحل أقامها بيت المدى في شارع المتنبي صباح يوم الجمعة الفائت، قرأ الناقد السينمائي علاء المفرجي ما كتبه سرمد ابن الراحل من كلمات مُحزنه، هذه الكلمات التي كتبها سرمد كانت نقلاً عن والده سعد محمد رحيم .وذكر سرمد "أن سعد محمد رحيم في هذه الكلمات كأنه كان عارفاً بيوم رحيله." وهذا ما جاءت به كلمات رحيم" قاسٍ هو الربيع، أبريلُ قاسٍ، كذلك يوم الإثنين، كذلك وقت مابعد الظهيرة، قاسٍ هو سرير المستشفى، الأرضية النظيفة، بياض الشراشف والستائر المنسدلة والجدران كلها قاسية."
مرضٌ مشتركالشيء المحزن في رحيل سعد محمد رحيم هو جمعة المتنبي الذي شكّل خلالها رحيم علامة فارقة، هذا ما جاءت به كلمة الناقد السينمائي علاء المفرجي مُتحدثاً عن مواساته لصديقه الراحل وقال " مرضنا المشترك جمعنا، وقد كان يواسيني بعد أن أجرى هو عمليته بأن هنالك صديقاً يحمل ذات المرض وعاش عشر سنوات وواسيته أنا بأنّ أحد الأصدقاء استطاع العيش لخمسة عشر عاماً رغم هذا المرض."
مغادرة مُبكّرةبين الحزن على رحيل سعد محمد رحيم، وبهجة الحديث عنه واستذكاره، يقف الناقد نجم عبد الله كاظم للحديث عنه قائلا " كلمتي تأتي في ضوء لقاءاتي المتعددة به، أعني اللقاءات التي جمعتني به شخصياً، حين أخبرتني ميسون هادي أنه بالمستشفى وأن حالته غير جيدة لم أتوقع أنه يومه الأخير ، فلم أتصور أن يغادرنا ولم أجد أنّ من المناسب مغادرته المبكرة."تحدث كاظم عن حالة الراحل قبل وبعد انتكاسته الصحية التي تفاوتت بين ألم ونهوض انطفاءٍ وإشراقة حتى داهمته انطفاءته الاخيرة، وذكر كاظم أنه بعد ترشيح الراحل لقائمة جائزة البوكر "كانت العافية بادية عليه مقرونه بطفولة جميلة جعلت منه خفيف ظل وحلو معشر، حينها وجدته إنساناً بسيطاً ولكن وراء بساطته امتلاء ،وكان دمثاً ووراء دماثته جبروت مبدع وإنسان تلقائي ،ولكن وراء تلقائيته دقة فيما يتحدث وقد بدأ في حصد ما زرعه."أحاديث وأسفارصديقه الذي شاطره حكاياه وأسفاره الشاعر كاظم الواسطي يتحدث عنه بصيغة أقرب الى الشاعرية ويقول " كانت لنا أكثر من سفرة مشتركة الى بيروت، كنت أرى الحسرة في عينيه الهادئتين ويقول كم ضيعنا من حيواتنا في الحروب والأزمات هناك ، حيثما كنا نلتقي يفاجئني بحكاية من يوميات الحرب أو يعيد حكاية فيلم شاهده أو يروي لي ما يقرأ من كتب في تلك الصور الساحرة لفوكنر وماركيز او دستوفسكي، التقط من وجع الحروب صوراً لأبطال رواياته ونتاجاته الأدبية التي قدمها ليكتب له الوطن أخيراً روايته المؤجلة."
ترنيمة البحرعن روايته ترنيمة البحر، يتحدث الروائي خضير فليح الزيدي عن الراحل وتلك الرواية محاولاً أن يختصر شخصية سعد محمد رحيم من خلال تلك الرواية ، ويقول الزيدي" حين أنهيت روايته ترنيمة البحر، قلت له إنك في طبعك الحيوي إنسان هادئ جداً، هنالك علاقة وطيدة بين خصوصيات وسلوكيات الكاتب تنعكس على وعيه ، وهذه واحدة من الامور التي انعكست في روايتك ترنيمة البحر، فمعظم أبطالك يميلون للهدوء حتى في سلوكياتهم."في مرثيّته طُلب منه أن يرثيه إلا أنه وجد في رثائه لصديقه الراحل قسوة كبيرة، الكاتب والقاص محمد علوان جبر يتحدث عن الراحل ويقول " كم أنا قاسٍ وأنا أدير جلسة تأبين صديقي سعد محمد رحيم في اتحاد الأدباء، وكم الموت قاسٍ حيث خيّم عليه وسرقه منّا ؟! سعد محمد رحيم لم يرحل، لكنه ذهب بنزهة وهو عائدٌ حتماً، هذا ما أكده جبر من خلال حديثه لمحمود المرزوك بائع الكتب وبطل رواية رحيم الذي قُتل." ليتحدث بعدها علوان عن روايات رحيم وأبطالها الذين يعرفونه حق معرفة.
لم يُربكه خراب الوطنشخصٌ واحد تتشاطر الحروف والكلمات وصفحات الكتب التي ألفها بشخصيته، يتحدث الروائي والكاتب حميد المختار عن سعد محمد رحيم مؤكداً أنه " رحل ولم يرحل ، فهو أشبه بفارس الليالي القديمة الذي يغيب في سراديب العشق القديم وكان يحمل في طيات رحيله قصص وحكايات يكتبها ويرويها لنا بهدوئه الطويل الذي لم يزلزله اهتزاز الوطن الخرب، سعد كان راكزاً في رويّه ولم يربكه خراب الوطن."مؤخراً شكّل سعد محمد رحيم ظاهرة لأهمّ كاتب في العراق وعُدّ واحداً ممن تصدروا المشهد الادبي في الوطن العربي، فيذكر المختار" أنه أنطق التاريخ السياسي للشعوب من خلال استنتاج مفكريها وهو شخص تنويري بامتياز دخل في أنطقة المحرم المثقف وشبكة علاقاته بالسلطة وخاض في الكثير من المجالات الفكرية والسياسية والإعلامية."
بين مرحلتي التحوّل الأدبي والفكريصديقه الأقرب حيث انطلقت علاقتهما منذ تسعينيات القرن الماضي في مدينة بعقوبة، المخرج طارق العزاوي يتحدث عن الراحل قائلاً "انطلقت معرفة سعد محمد رحيم بالمجال الادبي من خلال تواصله مع اتحاد أدباء ديالى، ولكنه امتزج بهذا الوسط بعد زيارته الاولى لمؤسسة الموسوعة الصغيرة وتواصله مع موسى كريدي من هنا بدأت علاقته بالأدب."في داخل سعد محمد رحيم آبار من الحزن ، فهو لم يقل كل ما قال وكان عاشقاً لفن الرواية والقصة حاز العديد من الجوائز وبدأت مرحلة تحوله الادبي بعد عام 2003 الى حالة من التحول الفكري.
صوت نقديعدّه رمزاً من رموز الثقافة، وتحدث لنا عن اندهاشه به خلال لقائهما الاخير في مهرجان كلاويش في السليمانية، الناقد فاضل ثامر يقول " كان المدعوون من بغداد الى كلاويش قلّة ومن ضمنهم أنا والراحل وشاركنا في ندوة عن الترجمة وترجمة الآخر، والموضوع سحبنا إلى سجالات ذات طابع فكري، وجدت أنّ سعد محمد رحيم درس ما يعرف بالترجمة الثقافية وأثار اهتمام الحضور في ما قدمه ودل على استعياب كبير لما قدمه، وعن غياب للحظة التنوير ،وكانت مادته غنية برؤى فاجأت الجميع بطروحاته، سعد محمد رحيم صوت نقدي وصاحب قراءة فكرية ونقد ثقافي."
الموت والقدريّاتضمن الآراء الاخيرة التي تضمنتها الجلسة حديث للناقد علي حسن الفواز الذي أكد أنّ سعد محمد رحيم رحل في الوقت الذي تضمن أعلى نقطة لبهائه وتألقه، وأوضح " نحن نستذكر سعد محمد رحيم ونحتفي به ونستعيده بوصفه منتجاً للمعرفة والأفكار، ويبدو انه نموذج يجعلنا نؤمن أنّ الذين يفكرون بشكل كبير يمكن أن يكتبوا بشكل كبير، فالراحل اتّكأ واستند إلى الافكار الكبيرة واستطاع بذلك أن يكوّن لمشروعه الأدبي الكبير الذي يؤسفنا القول بأنه انطفأ رغم أننا غير مسيطيرين على الموت وغير متحكمين بقدرياته ،ولكن للأسف هذا هو الواقع هو أنّ الموت سرعان ما أخذ منّا رحيم وهو في قمّة عطائه."

شارك الخبر على