رؤيـــة عن الكتلة الأكبر

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

 ساطع راجي
بعد انتخابات ٢٠١٠ برزت مشكلة تفسير مصطلح " الكتلة البرلمانية الأكبر" إذ جاءت النتائج لصالح القائمة العراقية بتقدمها على دولة القانون بفارق بسيط وهو ما دفع دولة القانون للتحالف مع بقية القوى الشيعية ومن ثم اللجوء الى المحكمة الاتحادية التي أقرت بإن الكتلة الاكبر المقصودة في منحها حق تشكيل الحكومة هي التي تتكون بعد الانتخابات وليست الفائز الأكبر بعدد المقاعد؛ هذا التفسير نسف تقريباً اهمية الانتخابات لأنه يعني ذهاب السلطة الى القائمة الأكثر قدرة على تقديم التنازلات وعقد الصفقات؛ لذلك تجد حزباً صغيراً في حجمه الانتخابي يحصل على وزارة أو أكثر بسبب وضعه التفاوضي، لكن هذا ليس الخطر الكبير الوحيد الناجم عن تفسير المحكمة الاتحادية.التفسير السياسي الشائع والمعتمد لمصطلح "الكتلة الاكبر" يركز فقط على حق هذه الكتلة في ترشيح رئيس للوزراء دون الاهتمام بواجبها في تأمين الاستقرار السياسي عبر دورها في اسناد عمل الحكومة أو واجبها في حل الحكومة عندما تفشل ولا مسؤوليتها عن وجود واستمرار كل وزير في الحكومة؛ بل تم تجاهل وظيفتها الاولى في توفير العدد اللازم من النواب لاستمرار عقد جلسات البرلمان والحفاظ على نصابه الدستوري اللازم لإداء مهامه، وهذه النقطة تحديداً هي التي شلت عمل البرلمان وجعلت منه لأشهر عديدة مجرد مؤسسة رعاية هائلة المصاريف بسبب استمرار إنفاقها وتعطل عملها لتغيب النواب الذي لا نجد جهة محددة يمكن تحميلها مسؤوليته السياسية مع تساهل رئاسة البرلمان في القيام بمسؤوليتها الإدارية والقانونية.لقد اهتمت الاحزاب الكبيرة بتفسير "الكتلة الاكبر" لكنها ومعها المحكمة الاتحادية لم تخبرنا بالمعنى السياسي والقانوني لمصطلح "الكتلة البرلمانية" رغم أهميته في تسيير العمل السياسي بمجمله؛ وبمراجعة سريعة لصور اجتماعات رؤساء الكتل البرلمانية في مجلس النواب مع رئيس المجلس أو اجتماعاتهم في رئاسة الجمهورية نعرف أن الكتل الكبيرة غير موجودة فعلاً؛ إذ لايوجد رئيس حقيقي لكتلة التحالف الوطني مثلا وحتى رئاسة السيد عمار الحكيم هي رئاسة سياسية لا تأثير لها في البرلمان كون الحكيم ليس عضواً في مجلس النواب؛ بل إن كتلة مثل دولة القانون او العراقية لاتحضر الاجتماعات أو توقع الاتفاقات برئيس واحد وليس لها متحدث رسمي محدد، بل نجد كل حزب فيها يقدم رئيساً خاصاً ويسمي نفسه رئيس كتلة، وأول امتيازات رئيس الكتلة عدم تسجيله غائباً حتى لو كانت الكتلة تضم شخصاً واحداً هو رئيسها نفسه وهذا سبب غياب بعض النواب عن الجلسات لأشهر وسنوات؛ ولأن النظام توافقي يعتمد الصفقات والمراضاة يكون لهذا الرئيس دور وتأثير في تمرير أو عرقلة اتفاقات وقوانين.تمارس القوى السياسية وبتواطؤ إعلامي واستسهال شعبي، مخاتلة كبيرة في الخلط بين مفهوم رئيس الائتلاف الانتخابي الذي يستخدم شهرته وقوته وماله في تمرير عشرات النواب المجهولين الى البرلمان ورئيس الكتلة البرلمانية الذي يتخذ القرار الفعلي ولذلك لا تجد زعيماً انتخابياً يفسر مشكلة غياب اتباعه عن جلسات البرلمان ومع ذلك يستمر بالحديث عن عدد المقاعد التي تمتلكها كتلته بينما هو لا يقدر أو لا يهتم بالزام أعضاء كتلته حضور جلسات البرلمان.تم تمرير خدعة الكتلة الاكبر لأكثر من دورة ليس في موضوع رئيس الوزراء فقط وانما في سياق المعارضة والمساومة أيضا؛ وتحدث زعماء بأنهم يمتلكون ثاني أو ثالث اكبر كتلة وهو خداع مطلق، ففي الدورة البرلمانية يصعب معرفة الكتلة التي ينتمي اليها النائب ويصعب معرفة عدد الكتل الحقيقية لتتلاشى بذلك واحدة من أهم أركان النظام البرلماني.غياب التوصيف القانوني والسياسي للكتلة الأكبر تركنا أمام سيل من المواقف المتناقضة والمهاترات اليومية والحراك العشوائي للنواب الذين يقفزون من كتلة الى أخرى خلال الدورة البرلمانية بحسب مصالحهم مهدرين بذلك الاساس الذي اصبحوا بموجبه نواباً، اذ ينتقل النائب الذي لم يحصد إلا بضعة أصوات ودخل البرلمان بفضل أصوات كتلته الى كتلة مناوئة لتحقيق أحلام جديدة وهو يحاول اقناع نفسه بامتلاكه شعبية أهلته لدخول البرلمان بينما هو مجرد تابع يبيع ولاءه بسهولة ويبقى صمت الكتلة الأم على تصرفات النائب مثيراً للاستغراب وكأنها تخشى منه، الكتلة الفاشلة في ضبط نوابها وملاحقتهم إعلامياً بعد انقلابهم عليها هي كتلة فاشلة وفاسدة حتى لو حملت رايات الإصلاح.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على