«روشتة» لمنع الحروب

حوالي ٦ سنوات فى الشبيبة

فريد أحمد حسنالحروب ليس نهايتها منتصر ومهزوم فقط، الحروب ويلات لا تنتهي وهي تشمل المنتصر أيضا، فويلاتها ليست حكرا على المهزوم ولا تقتصر على البشر لأنها تحرق الأخضر واليابس، وجروحها لا تقتصر على الأجساد، لهذا فإن الوضع الطبيعي هو الوقوف ضدها ومنعها، لكن هذا لا يحدث للأسف إلا قليلا.ما حدث ولا يزال يحدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها، وما حدث من قبل ويمكن أن يحدث في كل وقت في لبنان، حروب الكل فيها مهزوم وهي تدخل في باب العار على البشرية، وسواء ما قيل عن استخدام الأسلحة الكيماوية في بعضها صحيحا أم غير صحيح فإن الضحايا في الغالب هم من الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا علاقة لهم بتلك الحروب.الحروب أداة تسعى الدول من خلالها إلى تحقيق مصالحها التي تشعر أنها مهددة أو أنها لا تتحقق بالطرق السلمية والدبلوماسية، وهي أداة أيضا لتحقيق أهداف ضمن مشروعات اعتمدتها تلك الدول تدرك أنها لا يمكن أن تتحقق بغير هذه الأداة، وبالطبع هناك حروب تنشب لأسباب تتعلق بسوء الفهم أو نتيجة خلاف يمكن أن يحل بطرق أخرى ولكن أصحاب القرار يستعجلون الأمر أو يستغلونه بغية تحقيق أهداف رديفة.وهناك بالطبع الحروب التي لا تجد معها الدول بدا من خوضها وهي تلك التي تكون فيها في موقف الدفاع عن النفس، إذ من غير المعقول أن تقف الدولة مكتوفة الأيدي أمام أي اعتداء أو تهديد أو تتلقى الضربات من دون أن تحرك ساكنا. ولأن المنظمات الدولية الكبرى مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن تظل في كثير من الأحايين عاجزة عن منع نشوب الحروب لذا فإنها تنشب وتستمر ويحدث بسببها التدمير وكل الأذى الذي ينال من كل الأطراف ذات العلاقة بها.قليلة هي الدول التي اتخذت قرارا لا رجعة فيه بعدم التورط في الحروب أو تأييدها والانحياز إلى طرف من أطرافهـــا أبـــرزها اليابان وسلطنة عمان، وقليلة هـــي الدول التي تغلب العقــــل فلا تستجيب لطبول الحـــرب إلا بعد أن تنفد كل الوسائل والحيـــل، عـــدا هذه فإن كل دول العالم قابلة للتـــورط في الحروب والمشاركة فيها بطريقة أو بأخرى، مثال هذا ما حدث إثر الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا السبت الفائت ضد بعض الأهداف في سوريا حيث صدرت من بعض الدول مواقف مؤيدة لما قامت به هذه الدول لأسباب هي مقتنعة فيها وتفاصيل لا يعلمها عامة الناس، مؤكدة بذلك أن الدول مصالح وأنها هي التي تحكم العلاقات بينها.هذا يدفع إلى التساؤل عما إذا كان يمكن أن يكون للعلاقات الاقتصادية بين الدول دورا في منع وقوع الحروب؟ بمعنى أن تنظر الدول إلى تلك العلاقات التي تعبر عن مصالحها فتكون سببا في منعها من التورط في حروب تدمر كل شيء، وبمعنى آخر أن يكون القرار للعلاقات الاقتصادية وليس السياسية.هنا مثال عملي ويمكن أن يشكل مقاربة ذات قيمة؛ العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة توترت مع إيران بسبب مشكلة جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وظلت سياسة الإمارات مختلفة عن سياسة إيران، لكن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر بل تطورت وتتطور بشكل كبير خصوصا مع دبي التي يتوفر فيها حاليا آلاف التجار الإيرانيين الذين لا يعطون أي اعتبار للعلاقات السياسية وينظرون – ومعهم تجار الإمارات - إلى مصلحتهم وكيف يمكن أن يطوروا العلاقات الاقتصادية بين البلدين.هذه مصلحة اقتصادية بين بلدين توجد بينهما مشكلة هي بكل المقاييس كبيرة، حيث الاختلاف على ملكية جزر، أي على جزء من أرض الوطن، ومع هذا سارت العلاقات الاقتصادية وتطورت وكأن شيئا لم يحدث ولا يحدث بين البلدين. هذه العلاقات لم تتأثر حتى مع اتخاذ الإمارات موقفا من إيران بشأن اليمن وغيرها من الدول التي تشهد صراعات إقليمية، كل هذا لم يؤثر على العلاقات الاقتصادية، وكل هذا يدعو إلى دراسة هذا المثال واتخاذه نموذجا يؤكد أن تمتين العلاقات الاقتصادية يمكن أن يمنع من نشوب الحروب بين الدول حيث المحافظة على تلك العلاقات وما ينتج عنها من مصالح تجعل الدول تفكر مليون مرة قبل أن تنحاز إلى القرار السياسي المتمثل في التوجه إلى حسم الأمور بالقوة.هذا لا يمنع من القول بأن الدول تضطر أحيانا – رغم موقفها السالب من الحروب – إلى دخول حرب صغيرة أو كبيرة، فعندما تتعرض للاعتداء فمن الطبيعي أن تدافع عن نفسها ولكن بعد أن تنفد كل السبل الرامية إلى منع وقوع الحرب.تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدول من شأنه أن يمنع حروبا كثيرة، لهذا فإن الرأي هو اعتماد هذا التوجه الذي بسببه تتردد الدول – منطقا – عن الدخول في حروب تفضي بها إلى خسارة تلك العلاقات وتلك المصلحة. ربما يكون هذا التصور بعيدا شيئا ما عن الواقع ولكنه فرضية قابلة للنجاح خصوصا وأنه يتوفر عليها العديد من الأمثلة والنماذج التي يعتد بها.ربما كان مناسباً أيضا اتخاذ الدول عبر الأمم المتحدة قرارا بالامتناع عن الدخول في حروب جديدة والتوقف عن مواصلة الحروب الجارية لمدة عام أو أكثر بغية توفير المثال على ما يمكن أن يحققه السلام من أمور لا تتحقق بالحرب، وهو أمر ممكن رغم مثاليته.كاتب بحريني

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على