نهاية الصراع المهلك

حوالي ٦ سنوات فى الشبيبة

فريد أحمد حسنالبحث عن سبل لإنهاء الصراع المهلك، والذي يزداد ضراوة في البلاد العربية كلما بقي الحال على ما هو عليه هو ما ينبغي أن يعمل فيه الجميع اليوم لأنه هو المطلوب وهو الذي به يتحقق الاستقرار السياسي على أسس أكثر صلابة ويتحقق الأمن، فالصراع المستمر منذ ما أطلق عليه عنوة اسم «الربيع العربي» قبل نحو سبع سنوات نتيجته المنطقية هي غياب الاستقرار عن كل هذه البلدان وترك الأبواب مشرعة أمام التدخل الأجنبي على اختلافه فيها وجرح الأمن الذي من دونه لا تتحقق أي تنمية ولا يحدث أي تطور، ولا يكون للبلاد العربية من دونه ومن دون الاستقرار أي إسهام في الحضارة الإنسانية التي ظل العرب مشاركين فيها قرونا طويلة وارتبط اسمهم باسمها.الاستقرار في البلاد العربية لا يتحقق من دون توفر الأمن، والأمن لا يتحقق مع استمرار المواجهة المميتة ضد كل الآخرين وضد كل شيء. كي تبقى البلاد العربية ويكون لها ما تريد لا سبيل لها سوى البحث عن الأمن، ولأن هذا الأمن لا يتحقق عن طريق الصراع والاستمرار في المواجهة مع الآخرين وإنما يتحقق عن طريق السلام لذا صار على المعنيين في البلاد العربية كافة العمل على تحقيق السلام ليتوفر الأمن الذي بدوره يوفر الاستقرار فتعود الأمة العربية إلى تأثيرها الموجب في الحضارة الإنسانية، ويعود للعرب وزنهم ومكانتهم بين الأمم.لتحقيق كل هذا لا مفر من تقديم تنازلات بعضها صعب ومؤلم، لكن تنازل الإنسان عن بعض ما يخصه ويعتبره حقا له لا بأس به لأن هذا التنازل سيقابله دونما شك تنازل من الآخر عن بعض حقه لو أراد أن يصل إلى النتيجة نفسها ويتحقق الاستقرار والسلام لكليهما، بمعنى أنه إذا أراد هذا وذاك الإفلات من الخوف الذي يهدد الحياة والمنافع فلا مفر من تمسكه بالعقد الذي يبرم بين الطرفين. هكذا يقول الفلاسفة، وهكذا تقول الحياة التي لا يمكن أن تستمر مع غياب هذه القناعات وهذا التفكير الواقعي.الكل لديه طموح ولديه الرغبة في التفوق على الآخرين وهذا حق تفرضه طبيعة البشر، والكل يمكن أن يلجأ إلى العنف لإرضاء رغباته وغرائزه لو وجد أنها لا تتحقق إلا من هذا الطريق، ولكن لأن هذا يحرمه من الأمن الذي يفقده الاستقرار ويحرمه من البناء والاستمرار في الحياة لذا فإنه يقدم التنازلات التي لا بد أن يقابلها تنازلات من الآخر فيحدث التفاهم الذي يفضي إلى تمكن كل طرف من تحقيق ما يصبو إليه وما يعينه على التفوق والتميز.هذا يعني أنه من غير المنطقي ومن غير الممكن أن يظل طرف بعينه متفوقا على طول الخط أو يظل الطرف الآخر مهزوما ومتخلفا على طول الخط حيث التفاعل بين الطرفين يستوجب تحقق السلام الذي يمنحهما معا الأمن والاستقرار الذي يعينهما على أن يعطيا كل حسب قدراته وبما يكفل له الاستمرار وتقديم المساهمة التي تتناسب مع قدراته وتسهم في تحقيق جزء من تطلعاته وأحلامه.الاستمرار في المواجهة المميتة ضد الآخرين؛ كلهم أو بعضهم، أمر بعيد عن الحكمة وبعيد عن العقل، لأن هذا ببساطة يحرم الجميع من الأمن والاستقرار ويودي بالجميع إلى المهالك، فتتعطل التنمية بأنواعها وتتعطل الحياة فتضيع اللحظة الحاضرة التي ينبغي من الجميع أن يظل قابضا عليها كونها ملك الجميع.لا مفر من البحث عن السبل المعينة على إنهاء الصراع المهلك الذي تعاني منه اليوم العديد من البلاد العربية ومثالها الناصع متوفر في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ولا مفر من التعاون لتوفير الأمن لتثبيت حالة الاستقرار المنشودة وتثبيت هذه الحالة فيتحقق الاستقرار السياسي على أسس أكثر صلابة ويخرج الجميع من هذا المأزق الذي صاروا فيه ولا يستفيد منه إلا الذي خطط له وعمل من أجله.إن خطوة في الواقع خير من خطوات في الوهم. هكذا يقول الفلاسفة، وهكذا يقول كل عاقل وحكيم، والأكيد أن ما صارت فيه تلك الدول وغيرها سببه خطو البعض في الوهم وابتعادهم عن الواقع والسماح لأنفسهم بالعمل على تحقيق حلم لا تتوفر أساسات تحققه على أرض الواقع.معرفة أسباب ما صارت فيه البلاد العربية اليوم أمر مهم، لكن الأهم هو معرفة سبل الخروج من هذا الذي صارت فيه وتتضرر منه ويعاني منه الجميع، وليس من سبيل أفضل من ذاك الذي يحكم به العقل وتفرضه الحكمة والمتمثل في العمل معا على تثبيت الاستقرار السياسي وإن أدى إلى تقديم تنازلات صعبة ومؤلمة، فالأمن لا يتحقق إن اقتصر العمل على تحقيقه لطرف دون طرف، والاستقرار لا يتحقق مع غياب الأمن، والأمن والاستقرار لا يتحققان في ظل استمرار المواجهة المميتة ضد كل الآخرين.ليس مبالغة ولا يدخل في باب المجاملات القول بأن دراسة المثال العماني في العمل من أجل السلام وتحقيق حالة الأمن والاستقرار، وتطبيق تجربة السلطنة على أرض الواقع من شأنهما أن يعينا على تبين الطريق المفضي لإنهاء كل الصراعات التي تشهدها البلدان العربية وخصوصا تلك التي تغير واقعها ومستقبلها بسبب ما مرت به من آلام، فسلطنة عمان تمكنت بحكمة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم من تثبيت حالة الاستقرار في أرض عمان على أسس صلبة وفرت لها ولشعبها ما صار اليوم حلما لدى الآخرين.· كاتب بحريني

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على