المغامرة مع بيونج يانج

حوالي ٦ سنوات فى الشبيبة

جون س. هولسمانعلى مرّ التاريخ، لاحظ المراقبون السياسيون أن صانعي القرار الذين يُعتبرون «مجانين» هم الأكثر صعوبة في التقييم. في الواقع، نادرا ما تكون المشكلة نفسية. ويشير التصنيف عادة إلى سلوك مختلف عمّا كان يتوقعه المحللون التقليديون. كان هذا بالتأكيد صحيحا بالنسبة لرشيد الدين سنان، القائد الديني السوري في القرن الثاني عشر. خلال الحملة الصليبية الثالثة، حقق الملقّب بـ«رجل الجبل العجوز» المجنون نجاحا ملحوظا في تعطيل تقدُّم صليبي إلى القدس من خلال توجيه أتباعه لتنفيذ عمليات الاغتيال المستهدفة. بعد تنفيذ أوامرهم، ظل القتلة ينتظرون أن يتم القبض عليهم على مرأى ومسمع من السكان المحليين، لضمان حصول قائدهم على الفضل المناسب لهذا الفعل. وفي ذلك الوقت، كانت هذه التصرفات غير مفهومة من وجهة نظر الغرب. كان الغربيون يصفون أتباع الرجل العجوز بـ«الحشاشين»، أو مدمني الحشيش؛ لأنهم اعتبروا تعاطي المخدرات هو التفسير الوحيد الممكن لهذا التجاهل «غير المنطقي» لرفاهية الفرد الخاصة. لكن الحشاشين لم يكونوا متعاطين للمخدرات بشكل دائم. والأكثر من ذلك، أنهم كانوا ناجحين: لقد أدّى اغتيال كونراد من مونتفرات في نهاية المطاف إلى الانهيار السياسي للائتلاف الصليبي وهزيمة ريتشارد الملقّب بقلب الأسد في إنجلترا. كما يقول بولونيوس عن هاملت، كانت هناك طريقة لجنون الرجل العجوز. واليوم، ظهرت مشكلة تحليل القادة المجانين من جديد مع الأزمة النووية الكورية الشمالية. سواء كان رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون مجنونا أم لا، فهذا ليس مجرد سؤال أكاديمي، بل هو صلب الموضوع. لقد صرّحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها لن تتسامح مع تهديد كوريا الشمالية للولايات المتحدة باستخدام الأسلحة النووية. ووفقا لماكماستر مستشار ترامب للأمن القومي، يعكس موقف الإدارة اعتقادها بأن كيم شخص مجنون، وأن «نظرية الردع الكلاسيكية» غير ملائمة. وخلال الحرب الباردة، أشار الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور إلى أنه حتى لو ارتكب ستالين (ولاحقا ماو) جرائم قتل عديدة، فقد كان عقلانيا أيضا، ولم يرغب في الهلاك بسبب ضربة مضادة أمريكية. لقد نجح منطق «التدمير المتبادل المؤكد» الذي يقوم عليه الردع النووي. ومع ذلك، إذا كان زعيم دولة مسلحة نووياً مجنوناً غير مبالٍ بأمانه الشخصي وبأمن المحيطين به، فإن إستراتيجية الردع بالكامل ستبوء بالفشل. إذا كان كيم مجنوناً، فالخيار الوحيد هو خلعه قبل أن يقتل نظامه الانتحاري ملايين الناس.لكن هل كيم شخص مختل عقليا بالفعل، أم لديه رؤية عالمية تربك المحللين الغربيين؟ إن عرضه الدرامي لعقد قمة مع ترامب بحلول شهر مايو لا يتناسب مع رواية شخص «مجنون». في الواقع، يبدو وكأنه تصرُّف شخص عاقل يعرف بالضبط ما يفعله.يجب اعتبار ثلاثة اعتبارات إستراتيجية يمكن أن يأخذها كيم بعين الاعتبار. أولاً، يخطط نظامه لتقديم تنازلات لا ينوي الالتزام بها. فبعد كل شيء، كانت الصفقة النووية الفائتة التي توسّطت فيها الولايات المتحدة مع والده، كيم جونج إيل، قد خرجت عن مسارها بسبب الازدواجية. وفي العام 2002، اكتشفت الولايات المتحدة أن النظام كان يعمل على تخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة سرا، في انتهاك مباشر لتعهده السابق.في الواقع، لقد أثبتت كوريا الشمالية مرارا وتكرارا أنها لا تلعب وفقا للقوانين. فهي تقوم بالمفاوضات للحصول على تنازلات مثل المساعدات الغذائية، ثم تعود إلى أنشطتها غير المقبولة، وبالتالي تبدأ مسلسل أسطورة سيزيف مرة أخرى. لا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذه المرة ستكون الأمور مختلفة. لكن لا ينبغي أن يعتبر انحراف النظام مرادفا للاعقلانية أو للجنون. ومن خلال التعبير عن انفتاحه على المحادثات، تمكّن كيم من الحصول بالفعل على الشرعية السياسية التي يتوق إليها.ثانياً، وإن كان يبدو كيم مختلا عقليا، إلا أنه واع بالتاريخ الحديث. وقد دفع صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا ثمنا باهظا للتخلي عن برامجهما النووية. ونتيجة لذلك، طوّر كيم قدرات النظام النووية وأصبح الآن بمثابة أقوى رجل على وجه الأرض. لطالما سعى نظام كيم إلى مثل هذا التبرير فوق كل شيء آخر.الاعتبار الثالث والأخير هو أن كوريا الشمالية تقوم باللعب على عنصر الوقت. رغم موافقتها على وقف التجارب النووية والصاروخية في الفترة التي تسبق القمة، إلا أنها يمكن أن تستخدم الأشهر المتداخلة لتطوير التقنيات ذات الصلة. على سبيل المثال، ما تزال تحتاج إلى تحسين آلية إعادة دخول الغلاف الجوي لجعل صواريخها الباليستية العابرة للقارات قادرة على ضرب البر الرئيسي الأمريكي بشكل موثوق ودقيق. ما دامت القمة واردة، فإن كوريا الشمالية لا ينبغي أن تقلق بشأن ضربة عسكرية أمريكية. هذه مكافأة أو ضمانة معقولة ومهمة يسعى كيم وراءها.وعلى كل حال، فإن «انفتاح» كوريا الشمالية سيكون مخيِّبا للآمال. لكن من الملاحظ أن إستراتيجية المناورة الدبلوماسية لكيم قيّمة للغاية. ومن المؤكد أن التفكير الكوري الشمالي ماكر، لكنه يعكس أيضا إرادة النظام للبقاء، ورغبته في السيطرة على الوضع الحالي. هذا يشير إلى أن كيم ليس «مجنونا» بعد كل شيء، وأن الردع التقليدي سينجح بالتأكيد، كما كان الحال منذ العام 1945.هذه أخبار جيّدة للجميع، ولإدارة ترامب بشكل خاص؛ نظرا إلى أنها ستفشل بالتأكيد في الحصول على أي تنازلات جادة من كوريا الشمالية في المحادثات المقبلة.رئيس ومؤسس مشارك لمؤسسةجون س. هولسمان وهي شركة استشاريةعالمية في مجال المخاطر السياسية

شارك الخبر على