بعد اقترابهم من النهاية.. الحوثيون نادمون على قتل عبد الله صالح

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

بدأ الحوثيون جني ثمار فعلتهم بعد انقلابهم على الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، والذي انتهى بهم الأمر إلى قتله في ديسمبر الماضي. فعقب سلسلة انهيارات وخسائر فادحة تكبدتها ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، اعترفت الأخيرة لأول مرة بالتأثير السلبي الكبير الذي أحدثه قتلهم للرئيس اليمني الراحل في التأثير على جبهاتهم.

ترميم الجراح

بعد التقدم الذي أحرزه الجيش اليمني المدعوم من التحالف العربي في مختلف الجبهات، كشفت ميليشيا جماعة الحوثيين الانقلابية في شكل رسمي عن مخاوفها المتصاعدة بعد تصدع صفوف ميليشياتها.

من جانبه، اعترف رئيس مجلس الانقلاب صالح الصماد، رسميا، بأن الأحداث الأخيرة التي وقعت في ديسمبر - يقصد مقتل عبد الله صالح - ربما أحدثت صدمة وهزة داخل المجتمع، معربا عن أمله أن يتم ترميم الجراح على مستوى المحافظات، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين .

وأعرب الصماد عن مخاوفه من تقدم القوات الشرعية المسنودة بالتحالف في مختلف الجبهات، خاصة في محافظة البيضاء والساحل الغربي ومحافظة إب بالإضافة إلى بقية الجبهات.

دعوة للمصالحة

وخلال اجتماع موسع بمحافظي المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مساء أمس الأربعاء، أطلقت الجماعة، دعوة صريحة للمصالحة مع أنصار صالح وقيادات حزبه الموجودين في مناطق سيطرتها، وذلك على وقع الخسائر الميدانية التي تواجهها وتقدم الجيش اليمني.

وأمر الصماد في الاجتماع بإطلاق سراح بقية المعتقلين من أنصار الرئيس السابق وأعضاء حزب المؤتمر الشعبي في غضون 3 أيام. كما أبدى الانقلابيون على لسان رئيسهم الاستعداد لوقف إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي السعودية مقابل وقف الضربات الجوية.

كما تضمن الخطاب، غزلا ضمنيا للقوى اليمنية المساندة للشرعية، للتفاهم مع الجماعة للتوصل إلى سلام، من خلال تأكيد الجماعة على أن "أي طرف داخلي لديه القدرة على اتخاذ قرار نحن على موقفنا وسنمد أيدينا بعيدا عن المخاوف بيننا وبينهم، ونجلس على طاولة واحدة نقدم فيها كامل الضمانات لبعضنا كأخوة يمنيين ونوقف الاقتتال".

استشعار العزلة

فيما يؤكد شعور الحوثيين بالندم على قتل صالح، يرجح مراقبون أن الخطاب التصالحي الذي قدمته الجماعة، أمس، لأنصار الرئيس السابق جاء استشعارا منها للعزلة التي باتت تحيط بها داخليا بعد أن قتلت حليفها صالح وخسرت دعم القوات الموالية له في الجبهات، بالتزامن مع تصاعد الخسائر في صفوف ميليشياتها، وذلك حسبما ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط".

وفشلت الجماعة في الأسابيع الماضية في حشد المزيد من المجندين للدفع بهم للجبهات المتهاوية، ما جعلها بحسب مراقبين تحاول أن تتصالح مع أنصار الرئيس السابق، وقيادات حزبه الموجودين في مناطق سيطرتها في مسعى لاستغلال نفوذهم لحشد مقاتلين من أتباعهم إلى صفها.

كما يكشف عن محاولتها للاستعانة بقيادات حزب صالح لجهة حشد العسكريين الموالين له إلى صفوفها وقطع الطريق أمام تدفقهم المستمر باتجاه المعسكرات التي أقامها نجل شقيقه العميد طارق صالح في محافظة عدن لاستقبالهم، تمهيدا لخوض معركة الانتقام لدم عمه.

تحالف جديد

تأتي مصالحة الحوثيين بعد تصريح لافت، طالب فيه نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل، بالتوصل إلى تفاهمات بين كل الأطراف والقيادات في الجبهات بمختلف مسمياتها وانتماءاتها الميدانية والسياسية، بما يخدم الهدف المشترك لمواجهة ميليشيات الحوثي الانقلابية.

التصريح جاء ردا على إعلان ما يسمى رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، دعمه للعميد طارق صالح، حيث وصف إعلانه بـ"الخطاب السياسي المتقدم"، لدعم جهود التحالف العربي وكل من يتحالفون معه من أجل تحرير العاصمة صنعاء وكل المحافظات الشمالية من الحوثيين.

واعتبر مراقبون يمنيون هذا التصريح خطوة باتجاه تشكيل تحالف سياسي وعسكري جديد ضد ميليشيات الحوثي، وتطمين الأطراف المتخوفة من دور عائلة صالح، أو كما تسميها "عودة النظام السابق".

نقض الاتفاقيات

تعليقا على دعوة الانقلابيين للمصالحة، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، أن عملية السلام صعبة في اليمن خاصة بعد أن غدر الحوثيون بالرئيس صالح، لكونهم فقدوا مصداقية السلام والحوار معهم، فهم غالبا ما ينقضون الاتفاقيات السياسية والعسكرية، منذ حروبهم السابقة مع علي عبد الله صالح إبان حكمه لليمن.

وقال الطاهر، في تصريحات خاصة لـ"التحرير": "نقض الحوثيون اتفاقيات مع الحكومة اليمنية في 2003 و2006 و2009، ومع السلفيين في اليمن عام 2012، ومع القبائل اليمنية في عمران 2014، ومع حكومة الرئيس هادي مرتين في 2014، وكانت الاتفاقيات التي يبرمونها مع خصومهم السياسيين، بمثابة تمهيد الطريق للوصول إلى دار الرئاسة والسيطرة علي اليمن".

وأضاف الطاهر: "أي حوار قادم، بمثابة تمهيد طريق أخر ربما للوصول إلى أبعد من اليمن، فبعد سيطرتهم على اليمن، فهم يحلمون بالتوسع الخارجي لتحقيق حلم الهلال الشيعي".

مجرد خديعة

وتابع الطاهر: "إطلاق الحوثيين مبادرة للمصالحة مع حزب المؤتمر الشعبي العام بعد أن قتلوا رئيس المؤتمر، خديعة منهم من أجل الالتفاف على حزب المؤتمر الشعبي، وسحب البساط مما يتم تجهيزه في الوقت الحالي، ويريدون قطع الطريق على أحمد علي عبد الله صالح الذي يتوقع أن يتم رفع العقوبات الدولية خلال الفترة القريبة المقبلة، والتي ستتزامن إطلاق عملية عسكرية نهائية لاقتلاع جذور الحوثيين".

وأوضح أن إطلاق المبادرة لها شقين، الأول سياسي، وهم يريدون تثبيت أركانهم، وحكمهم بتجاهل شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وينظمون انتخابات يضمنون نتائجها بقوة السلاح، وهذه خديعة كبرى، لن يلتفت لها أحد، ولن يقبلها، والشق الثاني عسكري، وهذا يدل على أن هناك انهيارات في صفوفهم وانشقاقات، وربما قد تزداد تلك الانشقاقات بعد أن يتم رفع العقوبات عن أحمد علي صالح، وتعيين علي محمد صالح قائدا للحرب الجمهوري، وطارق في جبهات القتال.

واختتم: "على كل، فإن الحالة تشير إلى انسداد الأفق السياسي في ظل تشبث كل الأطراف بمواقفه وحرص أمراء الحرب وجماعاتها على استمرارها لاستمرار المصالح والمنافع المكتسبة منها وتعيين مبعوث جديد لن يغير من الواقع شيئا، وتقرير الخبراء أعطى مؤشرات قوية على حالة الانحدار لليمن وعدم حسم الوضع فيه سلما أو حربا إن لم يكن المشهد السياسي يشير إلى حالة من تعميق الانقسام والتشرذم".

مبادرة إنهاء المآسي

استمرارا لإعلان الحوثيين اقترابهم من السقوط بطرق مباشرة وغير مباشرة واقترابهم من حافة الهاوية، أعلنت ميليشيات الحوثي تقديم ما وصفته بمبادرة سلام جديدة الى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة لوقف الحرب باليمن.

ونشر رئيس ما يسمى باللجنة الثورية الحوثية محمد علي الحوثي، وثائق المبادرة، التي قال إن ميليشياته قدمتها رسميا لمجلس الأمن الدولي والتي جاءت بعنوان "مبادرة لإنهاء المآسي التي جلبها العدوان على اليمن".

وتضمنت المبادرة بحسب الوثائق المنشورة 6 نقاط فقط، وهي تشكيل لجنة مصالحة وطنية، ثم الاحتكام لصندوق الانتخابات لانتخاب رئيس وبرلمان يمثل كل الشعب اليمني، ووضع ضمانات دولية ببدء إعادة الإعمار وجبر الضرر.

وفي النقاط الثلاثة المتبقية تحدثت المبادرة عن منع أي اعتداء من دولة أجنبية على اليمن، وإعلان عفو عام وإطلاق كل المعتقلين لكل طرف، فيما نصت النقطة السادسة على وضع أي ملف مختلف عليه للاستفتاء.

تجاهل أسباب الأزمة

الغريب في الأمر أن المبادرة الحوثية تجاهلت كليا الأسباب الحقيقية للأزمة الحالية، وهي الانقلاب والسيطرة على معسكرات وأسلحة الدولة ومقارها ووزاراتها، فضلا عن احتلالها للمدن اليمنية وفرض أمر واقع بقوة السلاح وإجبار المواطنين على النزوح والتشرد.

كما لم تتضمن المبادرة أي حلول جذرية كانت أو حتى مؤقتة للأزمة الحالية واختصرتها بلجنة مصالحة وصندوق الانتخابات في الوقت الذي يشكل الانقلاب والاستحواذ على أسلحة ومعسكرات ومقدرات ومحافظات الدولة، فضلا عن احتكامها للسلاح والقوة العسكرية لفرض واقع مغاير للمجتمع اليمني السبب الحقيقي للأزمة والحرب التي تشهدها اليمن منذ العام 2014.

ولم تكتفِ ميليشيات الحوثي بكل ذلك بل عمدت خلال السنوات الماضية على إحداث شرخ طائفي ومذهبي كبير عندما عملت على تغيير المناهج الدراسية والكتب الثقافية ودور العبادة، بشكل ينافي تماما القيم والأعراف والعادات والتقاليد اليمنية، بالإضافة الى عسكرة المدن والمدارس والمساجد وحتى المرافق الحكومية وتجنيد الأطفال دون سن الـ15، ما يدل بحسب مراقبين سياسيين على نهج استراتيجي توسعي من الصعب تجاوزه.

شارك الخبر على