«منبج السورية» تعيد تركيا وأمريكا إلى طاولة المفاوضات

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

بعد أن وصلت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة إلى مرحلة حرجة ولوحت أنقرة بقطعها في حال استمرت واشنطن في دعم القوات الكردية، جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون لأنقرة في محاولة لرأب الصدع وتخفيف التوتر في العلاقات بين البلدين.

فقد اتفقت تركيا والولايات المتحدة أمس الجمعة، على العمل معا في سوريا بعد أسابيع من التوتر في العلاقات نتيجة الهجوم التركي في شمال سوريا، مما أثار مخاوف من مواجهة عسكرية بين الحليفين في حلف شمال الأطلسي.

"العمل معًا"

أعلن وزيرا الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون والتركي مولود تشاوش أوغلو أن الطرفين سيشكلان مجموعات عمل لحل القضايا الأساسية التي كانت موضع خلاف بين البلدين، مشيرين إلى أن حل الخلاف المتعلق بمنبج السورية يشكل "أولوية".

وقال تيلرسون: إن "بلاده وتركيا لن تتحركا بعد الآن كل بمفرده في سوريا، ونريد العمل معا لتجاوز الأزمة حاليا بشأن مناطق الشمال في سوريا.

وأوضح أن الجانبين اتفقا على وضع آلية مشتركة لحل مصير منبج السورية كأولوية، نظرا لسيطرة وحدات حماية الشعب المدعومة من أمريكا عليها، مضيفًا "سنعمل معا، لدينا آليات جيدة حول كيفية تحقيق هذه الأمور وهناك الكثير من العمل للقيام به".

تهدئة الغضب

وفي الوقت الذي وصف فيه مراقبون مباحثات تيلرسون في أنقرة بالأصعب، يبدو أن المهمة الرئيسية لوزير الخارجية الأمريكي خلال زيارة أنقرة، هي تهدئة غضب تركيا إزاء السياسة الأمريكية في سوريا، وهو خلاف أسفر عن أكبر أزمة في العلاقات الثنائية منذ حرب العراق عام 2003.

والعملية التي تشنها تركيا ضد وحدات حماية الشعب الكردية في منطقة عفرين السورية أضافت مشكلة جديدة في علاقات ثنائية يشوبها توتر متزايد، فقد حذرت واشنطن من أن العملية التركية في منطقة عفرين يمكن أن تحرف مسار الحملة ضد الجهاديين، إلا أن زيارة تيلرسون ربما تحمل الكثير من التغيير.

من جهته قال وزير الخارجية التركي: إن "الولايات المتحدة وتركيا اتفقتا على ضرورة تطبيع العلاقات"، موضحا أن العلاقات في مرحلة حساسة، متعهدا بإنشاء آليات لبحث القضايا الخلافية، بعد أن توصل الجانبان إلى اتفاق بشأن إعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي.

وأشار أوغلو إلى أن بلاده ستمضي قدما مع أمريكا لاتخاذ خطوات آمنة، لكن بعد خروج التنظيمات من مدينة منبج السوري، مشددًا على ضرورة أن تتحقق الوعود والالتزامات المقدمة من واشنطن على أرض الواقع، وألا تبقى في إطار التصريحات.

شريكان استراتيجيان

وعقب مؤتمر الوزيرين صدر عنهما بيان مشترك أكدا فيه الوقوف بحزم ضد كل محاولات التغيير الديمجرافي، وفرض الأمر الواقع على الوضع في سوريا.

ونوه البيان المشترك حول الشراكة الاستراتيجية التركية الأمريكية، بأن الجانبين تربطهما علاقة تحالف في حلف شمال الأطلسي الناتو منذ 65 عاما، وأنهما شريكان استراتيجيان.

ولفت إلى إقرار تشكيل آلية مشتركة إلى منتصف مارس كحد أقصى لحل المشكلات بين البلدين، مشيرًا إلى تنديد الولايات المتحدة، بالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا في يوليو 2016، وتضامنها التام مع الحكومة التركية المنتخبة بطرق ديمقراطية والشعب التركي.

وشدد البيان على التزام تركيا والولايات المتحدة، بوحدة أراضي سوريا والمحافظة على وحدتها الوطنية.

لقاء الـ3 ساعات

وخلال زيارته التقى تيلرسون بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أبلغ خلالها الأخير وزير الخارجية الأمريكي بـ"أولويات تركيا في سوريا والعراق بكل وضوح"، حسبما نقلت وكالة "الأناضول".

وصرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، بأن تيلرسون أجرى محادثات إيجابية وصريحة مع الرئيس التركي بشأن سبل تحسين العلاقات بين البلدين.

حيث اقترحت أنقرة نشر قوات مشتركة تركية - أمريكية في مدينة منبج شرقي حلب، ضمن اللقاء الذي جمع الرئيس التركي، وتيلرسون.

اتفاق بعد التصعيد

ويرى محللون أن الأزمة حول منبج، تعيد إلى الأذهان مستوى التوتر بين البلدين عام 2003 عندما رفضت تركيا السماح للقوات الأمريكية بالعمل من أراضيها أثناء حرب العراق، أو حتى لفترة ما بعد الاجتياح التركي لجزيرة قبرص عام 1974، وفقًا لقناة "آي 24 نيوز".

العملية التي أطلقتها تركيا ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة "منظمة إرهابية"، أدت إلى معارك بين الجنود الأتراك ومقاتلين أكراد متحالفين بشكل وثيق مع الولايات المتحدة في المعركة ضد "داعش".

"الفرصة الأخيرة"

وتعليقا على زيارة تيلرسون، كتب المحلل السياسي الروسي "إيغور سوبوتين" مقالة تحت عنوان "تركيا تمنح تيلرسون الفرصة الأخيرة" بصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، عن أن أنقرة لا تنوي الاحتفاء بالسياسة الأمريكية في سوريا، ولا التراجع قيد أنملة عن سياساتها ضد الأكراد.

وجاء في المقال: "كان الغرض من زيارة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى أنقرة تخفيف التناقضات التي ظهرت بشكل حاد بين شريكي الناتو، على خلفية العملية العسكرية التركية "غصن الزيتون" في سوريا".

وأضاف سوبوتين "لا يبدو أن الحديث بين الولايات المتحدة وتركيا حول سوريا أمر بسيط، فزيارة تيلرسون إلى أنقرة تأتي في وقت سيئ للغاية بالنسبة لعلاقات الشريكين في حلف شمال الأطلسي".

وأشار إلى أن القيادة الأمريكية تحاول أن تتصرف بمزيد من التحفظ. فخلال اجتماعه مع وزير الدفاع الوطني التركي، نور الدين جانيكلي، على هامش اجتماع وزراء دفاع الناتو في بروكسل، أكد جيمس ماتيس (وزير الدفاع الأمريكي) أن واشنطن تدرك التهديد الذى يمثله حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا ومستعدة لدعم أنقرة في حربها ضده.

وأعلن مدير قسم دراسة نزاعات الشرق الأوسط بمعهد التنمية الابتكارية، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مارداسوف، لـ"نيزافيسيمايا غازيتا" أن من غير المربح للأمريكيين التدخل في العمليات التركية الجارية في منطقة عفرين، وأن "موضوع عفرين لا يهم الولايات المتحدة على الإطلاق، فهم يتباحثون، على اتجاهات أخرى، وهي منبج وكوباني والحسكة - المنطقة العازلة التي تريد السلطات التركية إقامتها، تمتد على طول الحدود مع سوريا، أي ليست مجرد بناء جدار، إنما دفع موقع الأكراد لعدة كيلومترات عنها".

ونشرت صحيفة "ديلي صباح" التركية الموالية للسلطة مقالا افتتاحيا قبيل وصول تيلرسون، جاء فيه أن هذه الزيارة تكاد تكون الفرصة الأخيرة لرأب الصدع في العلاقات بين الشريكين في حلف شمال الأطلسي.

فالخلاف حول سوريا ليس سوى أحد الملفات الشائكة في العلاقات بين البلدين، حيث تضررت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا أيضًا بعد الانقلاب الفاشل عام 2016 إثر شعور أنقرة بالغياب الملحوظ للتضامن الأمريكي معها، والغضب منها إزاء رفضها تسليم فتح الله جولن، المتهم بتدبير الانقلاب.

شارك الخبر على