ليلى مراد.. خانها أنور وجدي وصدمها عبد الوهاب وأجبرها ناصر على الاعتزال

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

ليلى مراد.. قيثارة الغناء العربي، «بنت الأكابر» و«بنت الفقراء» و«فقية» كما كان يُناديها محمد عبد الوهاب الذي «طال انتظاره في بعده عنها» وخطفها أنور وجدي، والتي جعلت نجيب الريحاني «عينه بترف وراسه بتلف وعقله فاضله دقيقة ويخف»، وأصبح من أجلها محمد فوزي «شحات غرام مادد إيديه وكسر خاطره حرام»، لم تكن مجرد نجمة لمعت على الشاشة الفضية، أو مطربة من طراز فريد أسهمت بعذوبة صوتها في حركة تطوير الأغنية المصرية، بل كانت وستظل حالة استثنائية في تاريخ الفن المصري.

هي ليليان زكي مراد موردخاي، المولودة في 17 فبراير 1918 بحي محرم بك في الإسكندرية، تنتمي لأسرة يهودية مغربية الأصل، فهي ابنة ملحن وشقيقة الفنان منير مراد، عانت من مرحلة طفولة فقيرة، وتعرضت أسرتها للطرد من المنزل لنفاد أموالهم، ولجأت للدراسة بالقسم المجاني برهبانية «نوتردام ديزابوتر» بعد سفر والدها للخارح ليبحث عن عمل وانقطاع أخباره لسنوات، وتخرجت فيها.

تعلمت الفن على يد كبار المقرئين، حيث كان والدها يصحبها للصوانات لكي تسمع الشيخ علي محمود، والشيخ محمد رفعت، وغيرهما من المشايخ الكبار في المآتم والأفراح، وبدأت مشوارها الفني في عمر 14 عامًا من بوابة الحفلات الخاصة والعامة، بعد أن تعلمت على يد والدها والملحن داود حسني، وفي عام 1932 التقت الفنان محمد عبد الوهاب في حفل غنائي أقامه لها والدها على مسرح القاهرة، وكان بمثابة انطلاقة حقيقية لمشوارها الفني، واتفق موسيقار الأجيال مع والدها أن تكون مشروعه الفني، وتقدمت للإذاعة المصرية عام 1934 ونجحت في الاختبارات، وفي أول حفلة غنائية لها في الإذاعة غنت موشحًا بعنوان «يا غزالًا زان عينه الكحل».

وفي عام 1937، وقع «عبد الوهاب» معها عقدًا بـ10 أسطوانات، وآخر لتلعب دور البطولة في فيلم «يحيا الحب»، وقبل انتهاء تصوير الفيلم ذهبت ليلى إلى عبد الوهاب، وصرحت له بحبها وغيرتها عليه، فما كان من موسيقار الأجيال إلا أن صدها قائلًا: «دي قلة أدب»، موضحًا لها أنها خلطت بين مشاعر إعجابه بصوتها وبين الحب، فكانت صدمة ليلى العاطفية الأولى، وفقًا للكاتبة حنان مفيد فوزي بكتابها «سيدة قطار الغناء».

عقب ذلك لاحظها الراحل القدير يوسف وهبي، وطلب منها المشاركة في فيلم «ليلة ممطرة» عام 1939، وانطلقت في رحلتها السينمائية، حيث يبلغ رصيدها الفني 27 فيلمًا، منها: «قلبي دليلي، حبيب الروح، عنبر، غزل البنات، شاطئ الغرام، ورد الغرام، آدم وحواء»، فيما قدّمت ما يقرب من 1200 أغنية، ومنها: «يا شاغلني وأنا شغلاك، شحات الغرام، من بعيد يا حبيبي بسلم، بتبص لي كده ليه»، ولّحن لها عمالقة الموسيقيين العرب، كالسنباطي والقصبجي وزكريا أحمد وعبد الحليم نويرة.

بعد قيام ثورة يوليو، غنّت «ليلى» للرئيس الأسبق محمد نجيب، أغنية «بالاتحاد والنظام والعمل»، وهي على سيارة مكشوفة تجوب ميدان التحرير، وأعلنت اعتزالها الفن عام 1955، وهو ما أرجعه أغلب النقاد إلى رغبتها في الاختفاء عن أعين الجمهور بعد أن نال التقدم في السن من جمالها، فيما ذكر الناقد أشرف غريب، في كتابه «الوثائق الخاصة لليلى مراد»، أنها أُجبرت على اعتزال الفن بضغط من السلطات المصرية لتدفع ثمن ولائها لـ«نجيب».

تزوجت 3 مرات، الأولى من الفنان أنور وجدي، وتعارفا من خلال فيلم «ليلى بنت الفقراء»، وحينها كان الأول منتجًا للعمل، وبعد مرض المخرج كمال سليم نصحته بأن يؤدي المهام مكانه، وفي أحد أيام التصوير فاجأها بأمر الزواج خلال مداعبته لها: «يا سلام يا ليلى لو اتجوزتك وعشت معاكي على طول»، وكان المشهد الختامي للفيلم هو حفل الزفاف الحقيقي لـ«ليلى وأنور»، وذلك في أكتوبر 1945.

في الأيام الأولى للزواج كانت «ليلى» تنزعج من أصوات أذان الفجر، وعليه طلبت من أنور أن يستأجر شقة جديدة بدلًا من منزلهما بعمارة «الإيموبيليا» بشارع «شريف»، وفي أحد الأيام ودون سابق إنذار، استيقظت على صوت الأذان لكنها طلبت هذه المرة من أنور أن تُشهر إسلامها لاستمتاعها بجمال صوت المؤذن، وأسوة بأختها «سميحة»، وفي 27 رمضان عام 1946، توجهت إلى مشيخة الأزهر وأعلنت إسلامها، وقبل إسلامها كانت تتعرض لمحاولات تبشيرية مسيحية من قبل راهبات نوتردام، ورفضت العرض الذي قدمه لها، شمعون بيريز، لكي تصبح سفيرة فوق العادة لإسرائيل.

عقب ذلك، أسس «أنور» شركة إنتاج «الأفلام المتحدة» وأصبح محتكرًا لزوجته، لدرجة أنه لم يكن يقبل أن تشارك في عمل لصالح شركة أخرى، وكان يتعمد افتعال خلاف معها قبل موعد التصوير، حتى تذهب إلى الاستوديو وهي في حالة نفسية سيئة تنعكس سلبًا على أدائها، كما كان يرفض إعطاءها أجرًا عن الأفلام التي تؤدي بطولتها من إنتاجه، مكتفيًا بدفع الضرائب المستحقة عنها، وأعربت عن رفضها لذلك فضربها في إحدى المرات، بينما اشتبك الثنائي من جديد بعد أن قبلت الزوجة العمل مع المنتج أحمد سالم، في فيلم «الماضي المجهول»، عام 1946، حينها غضب الزوج وكسر أثاث المنزل وخرج غاضبًا، هذه الأزمات انتهت في عام 1951 بوقوع الطلاق الأول، بعد خلاف بسبب «عدم وجود كمون في المنزل»، ثم تدخل شقيقاها «إبراهيم ومنير» وحلا الأزمة، إلا أن الأزمات بينهما لم تقتصر على ذلك، حيث أطلق عليها الزوج شائعة تبرعها بمبلغ 50 ألف جنيه لإسرائيل، حتى يُفسد فيلمها «سيدة القطار» عام 1952، ما ترتب عليه وضع الحكومة السورية اسمها على القوائم السوداء، وحظر فيلمها في الأردن، ثم شمل المنع كل أفلامها، وبعد تكرار الطلاق ثلاث مرات خلال 8 سنوات، شهد عام 1953 انفصالا بين «أنور وليلى»، بعد أن ضبطته مع الفرنسية «لوسيت» واكتشفت خيانته لها، عقب عرض فيلم «بنت الأكابر».

تقول «ليلى» عن «أنور» في اعترافاتها للكاتب محمد ثروت، وفقًا لما نشره فيما بعد: «كان إنسانًا عصبيًا جدًا، لكنه كان طيبًا لدرجة غير عادية، وكان هذا سبب ما تحملته منه خلال فترة زواجنا، لأنه كان يثور جدًا وبعد قليل ينسى كل شيء وكأنه لم يكن، لكن كانت تحدث بعض الأشياء التي لم أستطع تحملها، وهو كفنان رجل عبقري وبعيد النظر».

الزيجة الثانية كانت من الطيار وجيه أباظة، شقيق الفنان رشدي أباظة، وأنجبت منه ابنها أشرف، والأخيرة كانت من المخرج فطين عبد الوهاب، وأنجبت منه «زكي»، وكانت ترفض أن يدخل ابناها المجال الفني، حتى إن الفنان زكي فطين عبد الوهاب، كان يدرس في معهد السينما دون علم والدته، واستمر ذلك عامًا دراسيًا كاملًا، وحينما أُعلنت النتيجة وعلمت أنه أول الدفعة صُدمت، وبعد ذلك دخل ابنها مجال الفن، وحينما تزوج من الفنانة سعاد حسني عام 1981، وحدث طلاقهما خلال 4 أشهر فقط، اتهم البعض «ليلى» بالتسبب فيما حدث.

«ليلى» كانت إحدى المُترددات على الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكانت مواظبة على سماع دروسه، وتمنت أن تُنتج فيلمًا بعنوان «ليلى المسلمة» على غرار سلسلة «ليلى بنت الشاطئ»، «ليلى بنت الأغنياء»، و«ليلى بنت الريف»، وذات مرة وفقًا لمجلة «آخر ساعة»، فوجئ بها الشيخ تسأله سؤالًا غريبًا: «ثدي المرأة معمول عشان لما ييجي طفل يرضع منه.. مش كده؟»، فأجابها صحيح، فأكملت: «طيب الراجل عنده ثدي ليه؟»، وعندما سمع الشعراوي السؤال، تمكّن الخجل منه وضحك بصوت عال، إلى أن قال لها: «هذه المسألة دي يمكن المستقبل يبين حكمة الله في خلقه، قرأت أنه في الدنمارك حدث أن فتى انقلب إلى فتاة فماذا لو لم يكن له ثدي كان يبقى إيه الوضع؟».

ذكرت في شريط مسجل معها، قبل وفاتها بأشهر قليلة، أنها أحبت «عبد الوهاب» طوال حياتها، وأنها ستظل تحبه حتى آخر يوم من عمرها، وهي مدينة له بالكثير، حيث إن ثلاثة أرباع أغانيها من تلحينه، وفي 21 نوفمبر 1995 توفيت ليلى مراد عن عمر ناهز 77 عامًا، وتم دفنها بجوار ضريح السيدة نفيسة بناء على وصيتها.

شارك الخبر على