وسّع لشرطة الإعلام!

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

ما من شيء نجحت فيه السلطة الحالية بقدر توفيقها في اختيار الأستاذين مكرم محمد أحمد وكرم جبر، على رأس المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة. فالرغبة العلنية والمتكررة في العودة إلى إعلام الستينيات والسيطرة التامة على ما تبقى من المهنة تحت دعاوى الاصطفاف والأولويات ومساندة الدولة مهمتان مناسبتان بشكل مثير للإعجاب للرجلين.

رغم أدبه الجم لم يستطع الصحفي الكبير محمد العزبي أن يمنع نفسه من التعليق على أدائهما، معتبرا في حوار مع صحيفة "الدستور" ألا فارق بينهما سوى حرف الميم، وأن عليهما مراجعة ما يفعلانه في منصبيهما الجديدين، ومطالبا الأول باحترام تاريخه والثاني بالتعفف.

كان اسم الأستاذ مكرم محمد أحمد مجاورا للسيدة إلهام شرشر، على إعلانات صحيفتها الملاكي "الزمان" مستشارا صحفيا لها قبل أن تأتيه المهمة التي يبذل فيها كل طاقته الآن للانتقام مما تبقى من الصحافة، لا يبدو أن الرجل نسي مشهد الصحفيين الذين كان نقيبهم حين قامت الثورة، ورغب الناس في مشهد جديد فجعلوه أول من يغادر منصبه ليلحق بمبارك.

منذ أن تولى الأمر يعمل بحماس وطاقة شاب في مقتبل عمره، حين يرى الرئيس يبدي ملاحظات كثيرة على مشاهد من مسلسلات تليفزيونية، ويستاء من موضوعاتها يشكل الرجل  فورا لجنة للدراما تحدد للعاملين في المجال الموضوعات ذات الأولوية لتقديمها في حلقاتهم، تفكير يليق به أن يعيد إلينا برنامج "مرفوض وقابل للتعديل" من تسعينيات القرن الماضي ليشرح للمشاهدين في كل حلقة مساوئ سلوك سلبي ينبغي عليهم هجره.

الخطوة الأخيرة أخرجت الكثيرين من صمتهم ليعلنوا رفضهم الوصاية الجديدة، ويطالبوا رئيس تلك اللجنة باحترام تاريخه، بل وصل الأمر إلى ظهور الفنان عادل إمام في برنامج العاشرة مساء مع وائل الإبراشي غاضبا مما يجري وواصفا تلك الخطوة بالكلام الفارغ واللجان الفاشية.

تارة يتحدث مكرم نيابة عن شفيق، وتارة أخرى يجور على مهام مجلس نقابة الصحفيين المنتخب، وبعدها يعلن أنه سينظم دورات تدريبية استراتيجية للصحفيين في أكاديمية ناصر العسكرية، ويواجه أبلة فاهيتا وإعلاناتها، ويتنازع مع نقابة الإعلاميين على من له الحق في إيقاف البرامج التليفزيونية أو التحقيق مع مقدميها، ويمنع SNL بحجج أخلاقية، كأب غاضب يدخل إلى المنزل ليلا فيقرر دون سبب عقاب أبنائه بحرمانهم من مشاهدة برامجهم المفضلة والخلود للنوم.

بالطبع لا نفع من أن تشرح للسيد مكرم ولجنته أن ملايين المصريين الآن يتابعون برامج ومسلسلات لا يعرضها هذا التليفزيون، ولا علاقة لها بعالمنا العربي كله، وأن أموال الإعلانات التي تبقت لم يعد أصحابها يفكرون في هذا الوسيط الذي يدمر هو بكل إصرار ما تبقى منه. هل في المجلس من لم يتجاوز الخمسين من العمر ليشرح للأستاذ مكرم كيف يعمل موقع يوتيوب الذي سجل فيه الإعلان الذي منعه أكثر من اثنتين وثلاثين مليون مشاهدة؟
أداء  تسبب في تراجع اسم محامي البلاغات الشهير سمير صبري وجعله يتوقف عن متابعة التوك شو للبحث عما يصلح لبلاغاته اليومية ضد الضيوف والمذيعين، وينتقل إلى ملاحقة السياسيين بدلا من ذلك، بعد أن قامت الدولة وهيئاتها الإعلامية بالواجب.

أما زميله كرم جبر فكان مجاورا لعبد الناصر زيدان ومحمد موسى في قناة "الحدث اليوم" يقدم برنامجها الرئيسي حين اختير للمهمة التي قيل لنا إنها لهيكلة المؤسسات الصحفية القومية، ومراجعة أدائها ووضع حد لنزيف المال العام الضائع على إصداراتها التي تتكدس على الأرصفة بعناوين متطابقة لا يجد فيها القارئ ما يدفعه لإنفاق ماله على صفحاتها التي تكررت زيادات أسعارها.

من سيوقف الخسائر ويضع خطط تطوير وإعادة الحياة لمئات الإصدارات الحكومية دخلت إحدى هذه المؤسسات -روز اليوسف- في عهده مرحلة أسقطتها من الذاكرة، وحقق إصداراها اليومي والأسبوعي أرقاما قياسية في الخسائر، وأرقاما مضحكة في التوزيع، حتى ظن قراء الصحيفة التي أسستها فاطمة اليوسف وخرج للمصريين من صفحاتها نخبة من المبدعين في الصحافة والأدب والفنون قد توقفت عن الصدور.

لا تعني هذه الأشياء من اختاروه، فالرجل يقوم بما يحتاجه منصبه حقا. يخرج ليلا ليشيد بإنجازات المرحلة، ينتقد "نيويورك تايمز" مزاحما زميله الدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مهمته الأثيرة، ويدعو في ليلة أخرى للتصويت في الانتخابات الرئاسية، ويهاجم من سيقاطعها ويصفهم بالمرتبطين بالإخوان، وأن عبد الناصر لو كان حيا لتبرأ منهم، دون أن نعرف ما علاقة ذلك بدوره في الصحافة، وما الذي أنجزه في مهمته التي تولاها قبل عام كامل، سوى الخروج لإعلان أن خسائر المؤسسات القومية وصلت إلى ما يقرب من عشرين مليار جنيه.

لكن يبقى السؤال الأهم، كيف سيهيكل الأستاذ كرم الصحف القومية وهو يكتب مقالات أسبوعية على صفحاتها؟ وهل يحق لنا أن نسأل إن كان يتلقى مقابلا لتلك المشاركات أم أنها جزء من شغل وقته إلى جانب عمله في مهمة إعادة المؤسسات الصحفية إلى سابق عهدها؟

شارك الخبر على