استوديو النحاس.. حكاية أسوار شاهدة على تاريخ السينما المصرية

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

انطلقت أعمال تصوير المسلسلات الدرامية التي تخوض ماراثون رمضان المقبل، واختار عدد من صناعها ديكورات خارجية وأماكن حية كمواقع لتصوير الأحداث الدرامية، وقرر آخرون السفر إلى الدول الأوروبية أو مناطق داخل الأقاليم،
وفي الوقت الذي اختار عدد من صناع الدراما ديكورات خارجية وأماكن حية كمواقع لتصوير أحداث المسلسلات، قرر آخرون السفر إلى الدول الأوروبية أو مناطق داخل الأقاليم، فضل الفنان عادل إمام تصوير مشاهد مسلسله الجديد «عوالم خفية» بـ«لوكيشنات» استوديو النحاس، ليسلط الضوء على المكان التاريخي في الذاكرة الدرامية المصرية، الذي لا يزال قادرا على المنافسة بالأعمال القوية رغم مرور حوالي 72 عاما على تأسيسه. 

أسرة فنية

يعود تاريخ استوديو النحاس الذي يقع بمحافظة الجيزة بالقرب من الأهرامات إلى عام 1946، فكان مشروعا مشتركا بين جبرائيل نحاس وإخوته إدمون وشارل نحاس والفنان القدير يوسف وهبي أشهر نجوم الأربعينيات، فهو أحد رموز العصر الذهبي للسينما، وأنطوان خوري، وكانت عائلة النحاس مهتمة بالسينما والتصوير والإنتاج والصناعة الفنية ككل، فأقدموا على بنائه بجوار «استوديو النسل» الذي سبقه بـ11 عاما، على يد الاقتصادي المصري طلعت حرب الذي كان يؤمن بالثقافة والفنون ودورهما فى نشر الوعى، لذلك أسسه من أجل إنتاج أفلام مصرية لكل من «كوكب الشرق» أم كلثوم، والموسيقار محمد عبد الوهاب وغيرهما من الفنانين فى ذلك الوقت.

وقام المهندس المعماري هنري أوجي ببناء الاستوديو، وفى حفل الافتتاح تجمعت عائلة جبرائيل نحاس وعائلة يوسف وهبي وجميع الأصدقاء والأقارب، إذ كان الاستوديو حينها من أرقى الاستوديوهات فى مصر، وزاره مخرجون عالميون من بينهم المخرج الأمريكي سيسيل بلونت ديميل، الذي قدم ما يقرب من 70 فيلما سينمائيا ما بين صامت وناطق، حيث يعتبر علما من أعلام السينما الأمريكية فكان أول من قدم فيلما طويلا فى تاريخ هوليوود.

وتم بناء حارة شعبية داخل استوديو النحاس على يد السينمائي الأرمني هاجوب أصلانيا وبإشراف المفكر المصري حسين فوزي، والتي يتم الاستعانة بها فى العديد من الأعمال الدرامية، آخرها مسلسل «خلصانة بشياكة» للفنان أحمد مكي، الذي عرض فى موسم رمضان الماضي وحقق نجاحًا كبيرًا.

الاسم يغلب «التأميم»

واستمر الإنتاج السينمائي باستوديو النحاس على مدى 17 عامًا حتى تاريخ تأميمه من قبل جمال عبد الناصر ضمن القرارات الاشتراكية التي اتخذها ليكون تابعًا للحكومة المصرية، دون تعويض أى من عائلة جبرائيل النحاس ويوسف وهبي وأنطوان خوري ماديًا، وتم ضمه إلى مدينة السينما التي تأسست فى ذلك الوقت وتم تغيير اسمه إلى استوديو النيل ولكن بقى اسم النحاس مرتبطا به حتى الآن.

وتم تصوير أكثر من 70 فيلمًا داخل استوديو النحاس، من بينها: «إجازة في جهنم، ست الحسن، فتاة السيرك، لك يوم يا ظالم، النمر، دهب، 4 بنات وضابط، شباب امرأة، هذا هو الحب، المعجزة، خان الخليلي، لا تتركني وحدي، الحرافيش، العفاريت، الإرهابي»، بينما سجلت موسيقى فيلم «الرجل الآخر» للفنان صلاح ذو الفقار وشمس البارودي داخله، كما كان يجرى داخلهالاستوديو تسجيل الصوت والمكساج، بالإضافة إلى أعمال الطبع والتحميض.

أول فيلم ملون

تم تصوير أول فيلم ملون فى مصر داخل استوديو النحاس، وهو «بابا عريس» الذي تم إنتاجه عام 1950، معتمدا على الألوان التي اخترعها النظام الفرنسي عام 1947، للمخرج حسين فوزي، وبطولة نعيمة عاكف وشكري سرحان وكاميليا وماري منيب، ودارت أحداث الفيلم حول (رأفت بك الخازندار) رجل ثري يقرر أن يترك أسرته سعيًا للزواج من امرأة أخرى، ويقع في حب (قشطة)، لكن بناته يرفضن بشدة ما فعله ويسافرن إلى القاهرة من أجل البحث عنه، ومن بين أشهر الأفلام المصرية التي تم تصويرها بالألوان داخل الاستوديو أيضا «وا إسلاماه» وهو إنتاج مشترك مصري إيطالي.

احتراق التاريخ

فى العام قبل الماضي تعرضت حارة بلاتوه النحاس ومحيط مبنى سينما رادوبيس التابعة لأكاديمية الفنون ومقر شركة الصوت والضوء، الموجودة داخل مدينة السينما بمنطقة الهرم، في الجيزة، إلى حريق ضخم استمر ما يقرب من 4 ساعات وتم الدفع بـ13 سيارة إطفاء للسيطرة على الحريق، الذي نشب في أخشاب وخيش، ووصل الحريق إلى ارتفاع 20 مترًا،  واقتصرت الخسائر على الحارة المفتوحة داخل الاستوديو فيما نجا مجمع الصوت ووحدات المونتاج من النيران. 

وبعد الحادث نعى عدد من النجوم بعبارات مليئة بالحزن والأسى احتراق جزء من تاريخ السينما المصرية، حيث كتب الفنان خالد النبوي على حسابه الرسمي على «تويتر»: «استوديو النحاس ذاكرة مصر السينمائية»، بينما قالت الناقدة الفنية ماجدة خير الله: «استوديو النحاس مش مجرد مبنى وحيطان، ممكن جاهل يقول نقدر نعيد بنائه، لكن تاريخ يستحيل تكراره، قطعة من قلب تاريخ السينما المصرية»، وتم ترميم الحارة الشعبية بعد أن التهم الحريق كل الديكور الموجود داخلها، وافتتحها للتصوير مسلسل «خلصانة بشياكة» العام الماضي.

شارك الخبر على