ما بين نسختين من «جمعة الشوان»

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

(1)

اكتشفت أن الموعد البرامجى الوحيد الذى أحفظه جيدا – بخلاف برنامج توك شو أو اثنين- هو موعد عرض الحلقة الجديدة من مسلسل "دموع في عيون وقحة" على ماسبيرو زمان، المسلسل موجود بالكامل على يوتيوب ويمكن مشاهدته كاملا في عدة ساعات خاصة، لكننى أفضل إنتظار موعد العرض التليفزيونى الجديد باللهفة نفسها التي كنت أنتظر الحلقات بها طفلا.

أتذكر جيدا اللحظة التي ارتبطت فيها بهذا المسلسل، يوم أخرج (الريس زكريا) من درج مكتبه في مبنى المخابرات ساعة اليد التي اشتراها من جمعة الشوان في أثينا وأعادها له رافضا أن يأخذ ثمنها قائلا : مش انت اللى دفعت تمن الساعة يا جمعة .. دى مصر.

كانت تقريبا المرة الأولى التي يرى فيها الواحد طفلا اسم مصر مفعلا بشكل درامى أكبر من تحية العلم، في سياق به لعبة السيناريو المفضلة لدينا جميعا (أن تلقى بتفصيلة ما في وقت مبكر ثم تعود إليها بعد أن ينساها الجميع)، وقعت في غرام المسلسل بسهولة من بعدها، وبمرور الوقت كان الواحد يكتشف تفاصيل جديدة مع كل مرة يعرض فيها المسلسل، موسيقى عمار الشريعى، سيناريو صالح مرسى، دون ان تخفت نظرة الإجلال لكل من يساهم في عمل وطنى بداية من صلاح قابيل نهاية ب سيد حاتم عامل الشاي في مبنى المخابرات.

بعد سنوات طويلة من عرض المسلسل كنت اقف في السوبر ماركت الذى يمتلكه جمعة الشوان الحقيقى في أحد شوارع فيصل الجانبية، كنت أتأمله و هو يجلس خلف ماكينة الكاشير، أدهشنى الفارق بين البطل الذى ثبتت ملامحه في وعى الطفل و بين الشخصية الأصلية، لا شيء يجمعهما سوى بشرة سمراء، و بعد قليل أضيف على البشرة السمراء خفة الظل، كنت أطلب منه حوارا صحفيا.

(2)

في بيته كان يحكى كروائى محترف، قلت له يبدو أنك قد استفدت من عشرة الكاتب الكبير (صالح مرسى)، قال لى: أجضرت المخابرات لى في البداية كاتبا لأقص.

عليها ما حدث، جلست معه عدة أيام ثم طلبت تغييره، فاحضروا لى صالح مرسى، كان ابن بلد تقع في غرامه بسهولة، لكننى لم أحب انه حول القصة إلى كتاب طرحه في السوق دون استئذانى، أقمت ضده دعوة قضائية، استمرت عدة سنوات ثم أغلق الملف بوفاته.

سألته ما الجهاز الذى أستقدمته من هناك و تم اعتبار ذلك بطولة؟، قال: الموبايل الذى أصبح موجودا في يد الجميع حاليا، حاول الموساد قبل ذلك أن يمدوا الجاسوسين ( إبراهيم و إنشراح) بجهاز مماثل/ أدخلوا الجهاز و قاموا بدفنه في الكيلو 20 بطريق القاهرة السويس أسفل فنطاس ماء، لكن فيما يبدو أنهما أثناء الحفر لاستخراجه قاما بتحطيم جزء منه فأصبح لا يصلح للعمل، فاتفقوا معى على أن أضع الجهاز في (توستر) سأصطحبه معى إلى مصر، و أدخلته بسهولة، لكننى تسلمته بعد اختبار جهاز كشف الكذب و هو لا يشبه كرسى الحلاق الذى يظهر في المسلسلات، فالحقيقة أنك تجلس عاريا تماما و يخرج من جسدك ما يقرب من 86 سلكا متصل بعدد مماثل من الأجهزة و أكثر من 36 جهاز تليفزيون، في حضور 8 أشخاص يوجهون لك الأسئلة، كان اختبارا مرعبا لا أعرف كيف مر .

سألته عن نهاية الخدمة، فقال ظللت أعمل حتى يناير 1976 كان مطلوبا منى في هذا اليوم معلومات عن طريق السويس وفى الطريق صدمتنى سيارة جيش و كدت أموت، وأصبت في مفصل القدم إصابة قوية لازالت تؤثر على حتى يومنا هذا، بعدها طلبوا منى أن أفتتح سوبر ماركت لأقدم تقارير عن حالة التموين، ثم توقفت تماما في نهاية عام 1979.

انتهى الحوار معه و نشرته على حلقات في نصف الدنيا، أعتقدت أننا لن نتقابل سويا، و في يوم كانت المجلة تجهز عددا خاصا بمناسبة عيد ميلادها، و كانت الفكرة أن يجرى الصحفى حوارا يجمع اثنين من المشاهير، اتصلت بجمعة الشوان فوافق، لكن موافقة الممثل علاء ولى الدين لم تكن سهلة أبدا.

(3)

خاف علاء ولى الدين من الفكرة لأن جمعة الشوان اقترح أن يكون الحوار في شقة باب اللوق، تلك الشقة التي اشتراها خصيصا ليرسل منها رسائله المعلوماتية إلى الموساد، خاف علاء ولى الدين : يا ابنى أحسن تكون متراقبة، قلت له : لقد أصب العالم كله يعرف القصة يا علاء لا تخف.

تعطل بنا الأسانسير و أصيب علاء بحالة ذعر، انتهت بظهور الشوان، جلسنا وقتا طويلا، كان علاء ولى الدين لديه فضول حقيقى ليعرف كواليس اصطياد الشوان من قبل الموساد، وإن كانت أحداث المسلسل حقيقية، قال لنا الشوان : المسلسل لم يقدم سوى 7% من الأحداث، بقية الأحداث عجز فريق العمل عن تقديمها نظرا لضعف الإمكانيات وقتها، بالإضافة لإعتبارات أمنية و مخابراتية.

سأله علاء ولى الدين: بعد أن شعرت بالشك فيما يحدث معك في أوربا، كيف تصرفت عندما عدت على القاهرة؟، قال الشوان: بعد وصولى بيوم واحد قررت أن اذهب لمقابلة (جمال عبد الناصر)، ذهبت إلى كشك خشبى في ميدان التحرير مكتوب عليه ( المباحث العامة)، وقابلت عميد شرطة، حاول أن يعرف أسباب طلبى فرفضت و أمتنعت عن الكلام إلا أمام الرئيس، تعرضت للضرب المتواصل على مدى ثلاثة أيام، و عندما فشلوا في معرفة أي شيء عرضوا الأمر على مدير مكتب عبد الناصر، و بعد محاورات كثيرة قابلت ( ناصر)، دخلت فوقف و صاافحنى ثم طلب من الجلوس و قال : تشرب ليمون؟، قلت له: أشرب، ثم قصصت عليه كل ما حدث، قال لى ناصر: أنا والدى كان مدير مكنب البريد في السويس و أنا أعرف أهل المدينة و أعرف أخلاقهم و جدعنتهم و أنت هتعرف تفيد مصر بشجاعتك دى، ثم طلب منى ان أتوجه إلى مبنى المخابرات ليقرروا الشكل المناسب للتصرف و من هناك بدأت الرحلة.

طالت الجلسة و عند الباب و بينما نتودع فوجئنا أن الشوان يعتقد أن علاء ولى الدين صحفى زميل ولا يعرف أنه ممثل، ضحك علاء من قلبه و قال للشوان: أومال بس عامل فيها جاسوس؟

(4)

ما الذى كنت أحاول تقليده في الطفولة بعد متابعة المسلسل؟

جاكيت عادل إمام الجينز.

كان ملهما وبحثت كثيرا عما يشبهه، و لم يكن متوافرا في مدينة بعيدة في الصعيد ما يشبهه، بعد فترة من الإلحاح عثر والدى على مجرد قميص جينز، لكنه لسن أكبر، كان يبدو على مثل الجلابية، لكن لا بأس، كنت أرتديه طول الوقت، و كنت أفتش عن الطريقة التي يمكن أن أصنع بها فوق وجنتى عاهة مستديمة مثل التي كانت على وجنة محمود الجندى طول المسلسل.

انتهى كل ذلك مع الطفولة أما ما بقى معى حتى يومنا هذا هو أننى لم أعد أشرب الشاي، إلا كما كان يطلبه عادل إمام في المسلسل.. (خمسينة).

(5)

صور من الحوار الصحفى المنشور في مجلة نصف الدنيا في فبراير 1999، و بعده بشهور كانت بطولة علاء ولى الدين الأولى ( عبود على الحدود).

تصوير: محمد مسعد

شارك الخبر على