التيار والحزب متمسكان بتحالفهما الاستراتيجيّ (جورج عبيد)

حوالي ٦ سنوات فى تيار

كشفت السجالات السياسيّة في الدائرة اللبنانيّة، بأنّ الأزمة بين التيار الوطنيّ الحرّ وحركة أمل، وبين الرئاسة الأولى والرئاسة الثانية، متصلة بجوهر النظام اللبنانيّ، ومرتبطة بمنطق الشراكة الميثاقيّة بين المكونات التكوينيّة للبنان. المرسوم الموقّع من قبل رئيس الجمهوريّة، ليس العلّة، جعلوا منه العلّة لهذا النقاش الحامي والصاخب في آن، العلّة كيانيّة متجلببة في جلباب دستوريّ-سياسيّ، تطال عمق النظام يما يحويه من قيم ومثل، وبما ينتجه من رؤى وأفعال، وبما يظهره من حضور وأبعاد.
 
تلك السجالات في مضامينها المتعدّدة لم تنطلق بإيقاعات داخليّة، وليست منحصرة بالمعركة الانتخابيّة. وتظهر بعض الأوساط العارفة، بأن تلك الانتخابات المزمع حصولها على قانون دامج بين النسبية والصوت التفضيليّ، تأسيسيّة بنسبة عالية لمرحلة جديدة غير مستقلّة عن الانتخابات في العراق، والتطورات في سوريا. ويعتبر بعض المراقبين، بأنّ لبنان يمرّ في مرحلة دقيقة للغاية، مستتبعَة بالتطورات الميدانية الأخيرة في سوريا، وبنوعيّة الانتخابات التأسيسية للعراق. وفي بعض المعطيات المتوافرة، يصرّح المراقبون، بأنّ لبنان المستقرّ أمنيًّا أمسى هدفًا لصراع سياسيّ جذريّ، يراد منه قلب الطاولة من جديد، على إنجازات سياسيّة كسبها العهد مدعومًا بقوّة من المقاومة، وكأن آخرها تحرير الرئيس سعد الحريري من قبضة السعوديين. وتتوضّح الصورة رويدًا رويدًا، بفعل وجود لبنان في وسط صراع تقوده أميركا من القدس إلى بغداد، وتحاول فيه تنظيم المنطقة وفقًا لشروطها وقيمها المتهوّرة، تساندها دول خليجيّة، بوجه الرؤية الروسيّة-الإيرانيّة، فيما الأتراك الموغلون في الدخول إلى الميدان السوريّ من بوابة عفرين ومنبج بسلخ الأكراد المدى السوريّ-العراقيّ-التركيّ حائرون حول ما إذا كانوا سيخوضون معاركهم ضمن المعسكر الثنائيّ الروسيّ-الإيرانيّ، أو سيتموضعون مع الأميركيين في رسم دورهم للمرحلة القادمة.
 
هذه الصورة البانوراميّة كافية لتوضيح المشهد اللبنانيّ-الانتخابيّ. إنه مشهد صاخب بين معسكرين أساسيين تتفرع منه معسكرات أخرى تتواجه أو تتلاحم أو تتآلف. ممّا لا شكّ فيه، بأنّ الصخب الصارخ بين المعسكريين الأساسيين، هدفه في لبنان تقويض العهد وتطويق المقاومة كوجود استراتيجيّ كبير، وتهميش المسيحيين، وإبطال الشراكة الفعليّة بفلسفتها الميثاقيّة بزعم ضبابيّ ومبهم، بأنّ ثنائيّة جديدة مسيحيّة-سنيّة تترسّخ على حساب الشيعة، فيما الوقائع الظاهرة على الأرض كشفت أنّ عددًا من الشيعة المتضررين من بعض الممارسات التي احتسبت كيديّة، أعربوا وللمرة الأولى عن رفضهم للتعسّف الممارَس عليهم، ولعلّ المؤتمر الصحافيّ الذي عقده المدير العام السابق لوزارة الإعلام محمد عبيد كاف في ظلّ هذا التشادّ لتبيان الحقائق، ومعروف بأنّ الأستاذ عبيد منتم إلى جبهة الممانعة والمقاومة، وأدبياته السياسيّة لصيقة بها كما هي في الوقت عينه لصيقة برئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
 
يعيدنا السجال والمشهد الانتخابيّ، إلى مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسيّة، وقد ارتبط السجال السياسيّ مثلما ارتبطت مواقف بعضهم بالصراع في سوريا وحولها وعليها. في تلك اللحظة ظهر أمر غريب عن أدبيات المقاومة توّج بالتحالف بين الرئيس نبيه برّي والرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط وإئتلافهم حول ترشيح السعوديّة وفرنسا مع فرنسوا هولاند والرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجيّة لرئاسة الجمهورية بوجه ترشيح حزب الله بقوّة وشدّة وبلا مراوغة بل بوفاء ونبل للعماد ميشال عون للموقع عينه. كثيرون ممن رافقوا الحقبة اكتشفوا بأنّ من أراد تبني ترشيح سليمان فرنجيّة للرئاسة هدف إلى إضعاف حزب الله، وقد كان منهمكًا في معركة حلب ومحيطها ومعارك أخرى بوجه القوى التكفيريّة. والإضعاف نما من خطّة ممنهجة هدفت إلى شطر الجناح المسيحيّ في معسكر الممانعة، ومتى تم شطره ضعف وضع الحزب وموقعه، وخشي بعضهم من اتجاه لبنان إلى التفلّت الأمني، وقد ظهرت علامات مشيرة إلى ذلك. وما إن استعاد الجيش السوريّ حلب حتى تبدّلت المعادلات وانكسرت السعوديّة وتوافق الجميع على انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهوريّة، والرئيس نبيه برّي كان رأس حربة في محاولة منع وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية.
 
الموقف عينه يتكرّر، على الرغم من الحلف المتين بين حركة أمل وحزب الله. هناك سعي حثيث مترافق وربما متماه مع واقع التطورات في شمال سوريا وشرقها، فهي جذريّة بمجموعة أهدافها المتمحورة بصراع تركيّ-كرديّ وخلف الأكراد اميركا، ومحاولة تركيا ربط حدودها مع سوريا بالحدود مع العراق مع مخاوف من انتشار لجبهة النصرة وأحرار الشام من جديد خلف الجيش التركيّ في تلك المناطق بحال استطاع الأتراك دخولها، وفي ظلّ عدم وضوح الموقف الروسيّ على وجه التحديد من دخول نركيا الأراضي السوريّة، وقد يبدو ضبابيًّا للغاية. وتتوازى المعارك مع فشل لقاء فيينا وقد يترافق مع فشل اللقاء الآخر في سوتشي، ممّا يعني أنّ الأوراق ستختلط من جديد ويمتدّ اختلاطها إلى الداخل اللبناني مؤثّرًا في التحالفات وما يرافقها من حراك واصطفافات.
 
مصادر من التيار الوطنيّ الحرّ ومصادر أخرى من حزب الله، أشارت إلى أن التحالف بآفاقه الاستراتيجيّة راسخ ولن يمسّه سوء أو يزعزعه نوء، بل هي ساطعة في الضوء. وصرح مصدر من حزب الله بأنّ التحالف بين التيار الوطنيّ الحرّ وتيار المستقبل مفيد جدًّا وليس قائمًا على حساب الرؤى الاستراتيجيّة بأهدافها العالية الجامعة بين التيار والحزب. وهي تعي بأن التحالف المشار إليه لا يؤّلف ثنائيّة ضارّة بأية طائفة أخرى، ذلك أن التيار مرتبط بتفاهمات مع الحزب ومع تيار المستقبل، ومع القوات اللبنانية، ويعمل على تعميق وترسيخ تفاهم آخر مع الحزب التقدميّ الاشتراكيّ. وتلك ضمانة ممتازة يفيد منها الجميع في حركية اللقاء وحيويته مع كلّ المكونات اللبنانيّة. ويشير المصدر بأن ما عبّر عنه وزير الخارجية جبران باسيل خلال مؤتمره الصحافيّ حول الثنائيّات لا غبار عليه، بل سطع صادقًا ويرى المصدر بأنّ العلاقة بين التيار والحزب، لم تتأثّر البتة مع اندراجه في تفاهمات أخرى، ويؤكّد بأنّ تفاهم التيار والقوات اللبنانيّة لم يكن على حساب تفاهمه مع الحزب، وتحالفه الواضح مع تيار المستقبل لم يكن على حساب تفاهمه مع الحزب، من دون النسيان بأنّ حزب الله تربطه مساحة حوار مع تيار المستقبل، والرئيس نبيه برّي كان راعيًا للحوارات بين الحزب والمستقبل، وأثمر هذا الحوار مجموعة تفاهمات رسخت مع الوقت وهي قائمة في صلب البيان الوزاريّ وفي تأمين شبكة الأمان والاستقرار للبنان. لقد أعلن أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله، بأنّ لا أحد يعزل أحدًا، حزب الله رافض رفضًا مطلقًا لمبدأ العزل من أين أتى أو صدر، لبنان محكوم بالتفاهم، وبالتالي فإنّ التيار الوطنيّ الحرّ بشبكة التفاهمات التي أرساها، منفتح على الجميع ومدرك لهذا المبدأ. وعلى هذا فإنّ مسألة المرسوم لا تنتمي إلى ثقافة العزل، ولبنان قائم على مبدأ فصل السلطات وعلى المناصفة، والجميع رافض لمبدأ المثالثة إذا ما رام بعضهم إليها.
 
هناك محاولة سعى إليها بعضهم ولا يزال، لأخذ لبنان إلى أزمة مسيحيّة-شيعيّة. توصيف الأزمة على هذا النحو وإكسائها اللباس الطائفيّ خطا استراتيجيّ وخطير. إنه لباس من نار، وهناك من يتعمّد على غرسه وزرعه في التربة اللبنانيّة، ووصلها بالتأزم الكبير في سوريا، ومحاولة خلط الأوراق على أرضها. الإكساء هو الجوهر. وتلفت أوساط عارفة بأنّ اللقاء بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله دائم، وخلال هذا الأسبوع المشرف على نهايته حصل لقاء هام بين الطرفين أكّد على متانة العلاقة بين الحزب والتيار، ومتانة ورقة التفاهم، وأكّد الطرفان أن وضع التوتر في العلاقة بين حركة أمل والتيار الوطنيّ بهذا الإطار خطأ استراتيجيّ كبير، لا الحزب ولا التيار يقبلان به. يكفي كلام جبران باسيل حول التحالف بين التيار والحزب. خطورة ما يحدث، بأنّ ثمّة سعيًا حثيثًا بأوراق خفيّة استدخلت من جديد، واستغلّت مسألة المرسوم، لتحوّله من أزمة مرسوم إلى أزمة سلطة ونظام سياسيّ وكيان وجوديّ، هناك متداخلون ومتدخلّون من الخارج عملوا منذ أكثر من شهر لتفجير هذا الموقف، وتناسوا بأنّ ثمة رئيسًا عاصيًا على الأزمات، ومواقفه عصيّة على الآخرين، وتناسوا بأن في لبنان حزبًا متمازج ومتماه بالكليّة مع رئيس لا يزال يدافع عنه في المحافل الدوليّة والعربيّة، فيما آخرون لم يقرنوا القول بالفعل. هذا السعي الحثيث تقوده دولة أو دولتان بأبعد تقدير، وتستغل موقع لبنان في وسط صفيحة ملتهبة ما بين القدس وعفرين، لتعمد على إضعاف الحزب في هذا الصراع، وتطويق العهد بإضعاف الحزب، وأخذ لبنان إلى مدى متعثّر يؤثّر على واقع الانتخابات فيستغلّ ذلك بغية تأجيلها وتطييرها.
 
في النهاية ما قاله جبران باسيل في مؤتمره الصحافي دقيق للغاية، لقد وضع اللبنانيين بين خيارين: إمّا نظام يعبّر عن شراكة، أو نظام مدنيّ. لم يجب وزير المال عن منطق الشراكة، بل قال لنذهب مباشرة إلى إلغاء الطائفيّة السياسيّة. لا أحد يقف بوجه تطبيق المادة 95 من الدستور، غير أن المشترع في هذه المادّة شدّد على أنّ المناصفة الفعليّة شرط للبلوغ نحو الإلغاء، وتأويل المواد 54 و55 و56 من الدستور تحريف للنصوص، والتحريف بدوره من شأنه أن يضرب منطق المناصفة في المادتين 24 و95 من الدستور المشدّدة على المناصفة، فتؤول المناصفة إلى مثالثة.
 
إن معركة التيار الوطنيّ الحرّ والتي جاراه فيها حزب الله ووقف بجانبه بقوّة، خلال الانتخابات الرئاسيّة وخلال إقرار قانون الانتخابات اتخذت من الشراكة الميثاقية عنوانًا لها، وفي هذا النقاش الصاخب لا يزال التيار متمسّكًا بالفلسفة الميثاقيّة، وهي الشرط الجوهريّ مع المبدأ الدستوريّ القائل بفصل السلطات لتنفيذ المادة 95 من الدستور الآيلة إلى إلغاء الطائفية السياسيّة.
 
ومجموعة التفاهمات التي يحبكها التيار الوطنيّ، هدفها حماية لبنان من العواصف المحيطة به، وهي المنطلق لتاكيد الاستقرار والتحوّل منه إلى الازدهار. والانتخابات النيابية المقبلة سبيل لترسيخ هذا التحول والتأكيد على ديمومته.

شارك الخبر على