سيد حجاب مآلات التمرد ومناوءة الرؤى (٢ ٢)

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

يروى الكاتب محمد العزبى فى كتابه: " كناسة الصحف" جانبا من ذكرياته فى المعتقل: «دخلت تنظيم "وحدة الشيوعيين" الذى أسسه الناقد الأدبى إبراهيم فتحى»، وفى فصل: "همه عذبوك يا أستاذ حجاب؟" يحكى عن اعتقال سيد حجاب: "دخل السجن فى 10 أكتوبر 1966، وخرج بعد شهور بلا تهمة ولا سبب ليصطدم بنكسة 67، فسافر إلى سويسرا بعد أن خرج من زمن الزنازين".

ويحكى سيد: "كنا نرى عبد الناصر بطلا وطنيا لكن نظام حكمه يفتقد الديمقراطية، وحين أعلن عبد الناصر عن اشتراكيته كنا نقول إنها ليست اشتراكية، فى عام 1966 وبالتحديد فى شهر أكتوبر تم اعتقال مجموعة كبيرة من المثقفين المصريين، من بينهم أنا وسيد خميس وجلال السيد ومحمد العزبى وعلى الشوباشى وصلاح عيسى وإبراهيم فتحى وجمال الغيطانى والأبنودى وغالب هلسا".

الإفراج كان نتيجة لإحراج سارتر خلال زيارته لمصر؛ ومعه سيمون دى بوفوار، لجمال عبد الناصر، ونتيجة الضجة التى أحدثتها تقارير صحفية وعدة محاولات مع لجنة العفو الدولية وحقوق الإنسان.

فى الاعتقال سمع أغنيته الثانية: "الأغنية الثانية كانت لمجموعتنا من المثقفين الأصحاب الذين نجتمع معا فى جلساتنا، اسمها «ياما زقزق القمرى على ورق الليمون» وفوجئت بها وأنا فى المعتقل وقد لحنها إبراهيم رجب وغناها ماهر العطار، والمفارقة الأكبر أنه ذهب لزوجتى وأعطاها نقودا كثيرة ثمنا للأغنية، ولما قالت له هذا كثير جدا قال لها سيد حجاب جمايله مغرقانى رغم إنى لم أكن أعرفه أصلا".

أصبح الاعتقال أخف وطأة حين حلت الهزيمة، وعقب خطاب التنحى ساد النحيب: "وكان الوحيد الصامد هو هلسا الذى بدأ يقول لنا: «انتو بتعيطوا ليه؟ بكره العالم العربى كله سيخرج فى مظاهرات ليطالبه بالعدول عن قراره»، وقد كان وقبل نهاية الخطاب وجدنا شرفة أمامنا تفتح ويخرج منها رجل كبير السن ليصرخ صرخة لا نهائية «لاااا»، وبعدها بلحظات خرجت القاهرة فى مظاهرات تطالب عبد الناصر بالعدول عن قراره".

وتشققت صورة عبد الناصر كفارس الأحلام عند البعض؛ كان الموقف من عبد الناصر موضوعا خلافيا بين سيد حجاب وصلاح جاهين، فرغم التقدير البالغ الذى ظل حريصا عليه حتى وفاته، والذى كان أحد أوجه التعبير عنه هذا الإهداء لكتاب "مختارات من شعر سيد حجاب": "إهداء إلى صلاح جاهين وعبد الوهاب البياتى والفلاح المصرى المجهول الذى أبدع المأثور الشعبى.. منهم تعلمت أن أخطو على عتبات عالم الأصوات حيث يختلط سر السحر وسحر الشعر".  

كان الغضب والتمرد يبحثان عن مسرب للتعبير والفاعلية: "شاركت فى تأسيس مجلة «جاليرى 68»، التى غيرت مناخ الكتابة المصرية، وفى هذه المجلة نشر العديد من الشعراء، ولعبت المجلة دورا هاما فى الكتابة والثقافة المصرية،...، كان عندى حالة ترفع عن ميدان الأغنية وحتى عندما كتبت سنة 1968 كلمات المقدمة والنهاية لمسلسل "الفنان والهندسة" إخراج "محمد فاضل" (تأليف على سالم)، وكان أول بطولة مطلقة لعادل إمام، لم أحضر تسجيل أو غناء التتر، ولم أره وقت عرضه لأنى سافرت لأول مرة لسويسرا".

فى رحلته لأوروبا تعززت ثقافة سيد حجاب بمعرفة وثقافة كانت فى لحظة تمرد هى الأخرى، وبدأت أحلام جديدة تراوده عند عودته: "كنت مهموما جدا بالمسألة المسرحية وأحلم بمسرح مصرى شعبى حقيقى، كونت مجموعة مسرحية بهذا الفكر الجديد، كان من أفرادها أحمد راتب وعهدى صادق وطلعت فهمى وشعبان حسين ومجموعة من الناشطين المسرحيين، هذه الفرقة اعتقل معظم أفرادها فى أحداث عام 72، وبعد قيامنا بالتدريبات لم تخرج المسرحية للنور وجرت في النهر مياه كثيرة ولم نكرر التجربة، ووقعت الحرب عام 1973 وكانت مساهمتى الغنائية الثالثة بأغنية الباقى هو الشعب".

مع عام 1979 كان قد مضى عقد كامل منذ أن ترك النضال السياسى التنظيمى السرى، واستقر سيد حجاب نهائيا على الوفاء للجمهور العريض، وباتت الأغنية فى الدراما التليفزيونية وسيلة التعبير الرئيسية، هكذا ظهرت كلماته فى مقدمات ونهايات مجموعة كبييرة من أفضل الأعمال وأكثرها تأثيرا، وكون ثنائيا مع عمار الشريعى، وكانت هذه المسلسات:

موسيقى وأغاني مسلسل الأيام.. عمار الشريعي وعلي الحجار

 

تتر بداية مسلسل أبنائى الأعزاء شكرا كامل

مسلسل "العملاق"

يمكن طبعا أن نضيف ما يتم تصنيفه على أنه "أشهر 10 تترات لسيد حجاب"، دون قصد الإحصاء، وهى: الشهد والدموع، ليالي الحلمية، بوابة الحلواني، أرابيسك، المال والبنون، الليل وآخره، أوبرا عايدة، من الذى لا يحب فاطمة، أميرة في عابدين، العائلة.

وهكذا أصبح سيد حجاب مكرسا بفضل وصول كلماته -التى تحمل رؤيته للحياة- إلى آذان عشرات بل مئات الملايين، هذا التكريس الجماهيرى، توج "ثقافيا" بدخوله إلى لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، كأنه فصل الخطاب لمعركة لم يكن أحد يتصور نهايتها هكذا، فـ"لجنة الشعر" التى كانت برئاسة عباس العقاد والتى رفضت ديوان صلاح عبد الصبور لأنه نثر وليس شعرا، فالشعر لا بد أن يكون مقفى وموزونا بشطريه، ها هى يترأسها شاعر عامية وليس فصحى.

لكن العقد الأخير شهد عودة للشعر بغزارة لافتة، فجاءت قصيدة  "قبل الطوفان الجاى"

تحمل الكثير من ملامح مسيرة الشعر وروح التمرد الجامح، وقد أصبحت فى مأمن بعد تكريس رسمى محمول طبعا على تكريس كاسح نابع من سماعات التليفزيونات، هكذا أصبح سيد حجاب فى موقع العقاد، وليس فى موقفه بالطبع.

مع ثورة 25 يناير بدا أن استشراف "الطوفان" كان "رؤيا" صادقة، وواقعية، وشعر سيد حجاب بالزهو والفتوة، ثم نزل مرات إلى الشارع والميدان، وذهب إلى ما هو أبعد، وحين ورد اسمه ضمن لجنة تعديل الدستور، وأسهم فى كتابته وصياغته، كان كأنه يرفع المجداف لينهى تمرده.

سهرة شريعي عمار الشريعي لقاء مع الشاعر سيد حجاب 

شارك الخبر على