أميرة من الرستاق

حوالي ٦ سنوات فى الشبيبة

عزيزة راشدفي إحدى الليالي خرجت متنكرة بملابس الرجال، بعد أن سمعت أن خصومها قد لجأوا إلى الرشوة والمال لإغراء الجنود المدافعين عن العاصمة بهدف السيطرة عليها، بعد عجزهم عن ضمها بالقوة، فذهبت بنفسها تريد أن تمتحن ولاء جنودها، فالتقت بأحد العساكر، وحاولت -باعتبارها من رجال المعارضة- إغراءه بالمال كي يتخلى عن الأميرة الحاكمة وينضم إلى صفوف خصومها، ولكن انفعال الجندي وغضبه أسعد الأميرة الحاكمة ورفع من معنوياتها، وكاد الموقف أن يكلفها حياتها على أيدي أنصارها -باعتبارها من المعارضين، لو أنها لم تكشف لهم عن هويتها.كانت الأميرة السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس دولة البوسعيد، إحدى أبرز الشخصيات النسائية التي يزخر بها التاريخ العماني التليد، وقد لعبت الأميرة السيدة موزة دوراً محورياً، فقد هيأت الحكم لابن أخيها السيد سعيد بن سلطان، ذلك السلطان العظيم مؤسس الإمبراطورية العمانية والذي حكم الإمبراطورية العمانية الممتدة من قطر والإمارات والساحل الإيراني وعمان مروراً بالساحل الإفريقي بدءاً من الصومال وكينيا وتنزانيا وزنجبار وبعض الجزر في المحيط ودول الداخل الإفريقي، إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، فأينما أشرقت تشرق على أراضٍ عمانية.كانت السيدة موزة تحكم الرستاق كوصية على ابن أخيها السيد سعيد بن سلطان حتى بلوغه سن الرشد، رغم استقلال أخويها السادة سعيد وقيس بمسقط وجعلها عاصمة ثانية لهم، إلا أنها حاصرت مسقط ما أدى إلى استسلام أخويها ولجوئهم إلى التفاوض، يقال من قوة هذه المرأة أنها عندما رأت عدم كفاية مخزونها من البارود اللازم للمعركة لجأت إلى صهر قروش خزنة القصر وجمعت الحديد والنحاس والمسامير والرصاص وصهرتها لتصنع منها قذائف وطلقات وقنابل. الرستاق، تلك الولاية التي لا تنجب سوى الرجال الأشاوس والنساء الماجدات، يسري فيها العلم مع مياه أفلاجها، وتخشع فيها عمائم الأئمة في صوت الأذان، سماها الشعراء: الرستاق دار المشتاق، لطبيعتها الملهمة للشعر والأدب والتأليف والكتابة.أسترجع شخصية السيدة موزة وأنا أستمع لعجوز الرستاق التي تفتخر بالرستاق وتعدد مناقبها، وصفات سكانها وكرمهم وأخلاقهم، تعطي انطباعاً حقيقياً عن قوة المرأة الرستاقية وعظمة شخصيتها وذكائها وأفكارها المتجددة والنبيهة.ليس بغريب على المرأة العمانية هذه الشخصية المتمكنة والذكية والقائدة، فهي سلالة جينية بدأت قبل أربعة آلاف عام قبل الميلاد، عندما كانت تحكم عمان امرأة تدعى الملكة شمساء، تلتها الملكة مريم في قلهات، ومن جينات هؤلاء النسوة العظيمات تناسلت المرأة العمانية التي تعد فخر عمان في كل زمان ومكان.

شارك الخبر على