السيد الرئيس الأولى إدارة والثانية سياسة

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

لا يوجد عاقل في الكون يقول إن هناك منافسا حقيقيا للرئيس السيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة، فكل من أعلن النية في الترشح، أو لم يزل ينوي لن ينال من الأصوات أكثر ممن سيرشحونه بتوكيلات، والحقيقة التي لا تحتاج إلى إيضاح أن في مصر مرشحا واحدا هو الرئيس الحالي، وأن حالة العمل السياسي في مصر لا تستطيع أن تفرز غير هذا، وأن مصر لا تحتمل تغييرا في بنية الدولة وإدارتها في المرحلة الحالية، وأن ما قام به الرئيس السيسي في السنوات الأربع الماضية جدير بأن يعطيه الفرصة في دورة ثانية لإكمال ما بدأ، وتحقيق انطلاقة حقيقية لمصر بعد أن كانت في تابوت التحنيط لنصف قرن أو يزيد.

الانتخابات ستحدث، وحقيقتها إهدار للمال والوقت والجهد، ولكنها لا بد أن تحدث لأن مشايخ الديموقراطية سيصبون لعناتهم على مصر إن لم تقم بذبح الديك وإتمام حفلة الزار لإرضاء الأسياد، وإفساد السحر، وطرد الشياطين، الانتخابات في معظم دولنا هي طقوس دراويش، وحفلات زار، وممارسات غرائبية لا علاقة لها بالواقع الحياتي للناس، النتائج محسومة بفعل الواقع، وليس بافتعال التزوير… مصر فيها مرشح واحد للرئاسة، وعلى عباد العجل الديموقراطي أن يزيدوا له من البرسيم، لعله ينجب ديموقراطية حقيقية في المرة القادمة، مع افتراض أن الدستور لن يتم تعديله ليكمل الرئيس الأمانة التي حملها من كان قبله في مصر وغيرها من الجمهوريات الأبدية العربية؛ وآخرها المشير عمر البشير الذي أكمل ثلاثة عقود، ولم يزل لديه المزيد ليقدمه لشعب السودان الشقيق.

وحيث إن الرئيس السيسي هو الرئيس القادم لا محالة، فليسمح للمواطن الضعيف التائه في ديار الله أن يقدم بعض خلاصات من عاش خارج المشهد، فشاهده بعمق، وبكل تفاصيله دون أن تستوعبه الجزئيات، ويغرق في الفرعيات، ويتوه مع التحيزات والتعصبات.

أولاً: لقد كانت الفترة الأولى قدرية بمعنى أن الرئيس السيسي كان مرشح الضرورة، ورجل المرحلة، والمنقذ لمصر من السقوط، وهنا أقصد الرئيس القادم ومعه القوات المسلحة المصرية بكل شرعيتها وقوتها، وحضورها، وجاهزيتها للقيام بكل ما من شأنه ضمان عدم سقوط مصر في الثقب العربي الأسود؛ الذي ابتلع كثيرا من الدول العربية ولم يزل، ولذلك كانت مصر في يده أمانة، وشعبها يرعاه بعيونه، وكان هو الأب الحاني، والمخلص والمنقذ.. إلخ، وكان هذا الفهم حاضرًا في ذهنه دائمًا، فيقسم بالله بين كل جملتين؛ لأنه يتحرك من موقع الأمانة القدرية التي ألقاها الله على عاتقه في لحظة تاريخية حاسمة، وكان دائما يوصي أولاده وبناته من شعب مصر وكثير منهم يكبره سنا، ولكنهم أمانة في عنقه، فصار الأخ المسؤول عن إخوته، لذلك يوصيهم أن يساعدوه في حمل أعباء البيت ومسؤولياته.

أما الفترة الثانية فكل هذا لم يعد موجودًا، فرئيس مصر قد جاء بالاختيار يعني صار موظفًا لدى الشعب، وليس قدرًا مقدورًا، ومصر ليست أمانة في عنقه، بل هو أجير عند شعبها، وهو ليس مسؤولاً عن الشعب، بل مسؤولٌ أمام الشعب، ولا يحق له أن يصدر توجيهات للشعب، بل يجب عليه أن يسمع لتوجيهات الشعب ومؤسساته، وأن يطيع وينفذ.. كل ذلك حتى يحقق المسؤولية التي كانت على عاتقه في الفترة الأولى، وهي إنقاذ مصر من السقوط، هذا الإنقاذ في الفترة الثانية يستوجب تجهيز أرض مصر لحكم ديموقراطي، وتقوية المؤسسات السياسية، وترسيخ الممارسة الديموقراطية، وإعطاء الفرصة للمؤسسات المنتخبة للقيام بدورها، بحيث لا تبدو باهتة بجوار الرئيس، ومن ثم يتم التمهيد لحكم الفرد السلطوي كما كان فيما قبل 2011.

ثانيًا: يدرك كل من يتابع الرئيس السيسي أنه مستبطن لشخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رحمة الله عليه، ويسعى بكل جهده أن يسير على منهجه، وليس على خطاه، أي يحقق الأهداف التي حققها عبد الناصر، ولكن لا يقوم بنفس الأفعال التي قام بها عبد الناصر، وهذا أمر محمود وعظيم لمصر وشعبها، وقد قضى الرئيس السيسي الفترة الأولى يحاول وضع مصر على نفس الطريق الذي سلكه عبد الناصر، طريق المشروعات القومية الكبرى، والاهتمام بالفقراء، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعظيم دور مصر، وضمان استقلال قرارها وإرادتها… إلخ.

وفي الفترة الثانية على رئيس مصر أن يضمن أن نهاية مشروعه لن تكون نهاية مشروع عبد الناصر الذي تمت تصفيته مع سبق الإصرار والترصد، إلى الحد الذي عبر عنه كاتب أمريكي متخصص في دراسة مصر هو "جون ووتربيري"، من خلال نكتة تقول إن السادات عندما ركب سيارة الرئاسة التي كان يستخدمها عبد الناصر ومع نفس السائق، وحين وصل السائق إلى تقاطع سأل السائق: إلى أي اتجاه نسير سيادة الرئيس... فرد السادات: ماذا كان يفعل عبد الناصر، قال السائق: كان يتجه يسارًا، فقال السادات في حزم: اعمل إشارة يسار واتجه يمين.

كان السبب الحقيقي في تدمير مشروع عبد الناصر على يد نخبة الانفتاح الفاسدة، ومن سار على نهجها حتى 2011، يعود إلى أن عبد الناصر لم يعط الجانب السياسي أهمية تذكر في مشروعه، بمعنى لم تكن هناك قوى سياسية حقيقية تحمل هذا المشروع، كان فقط الحزب الواحد الذي يمثل قطيعًا من البشر تقوده لجنة مركزية على رأسها شخص واحد، عندما يغير اتجاهه يتم تدمير كل ما أنجزته مصر منذ عصر محمد علي باشا، لذلك لا بد أن تكون الفترة الثانية للرئيس السيسي فترة سياسية بامتياز، وإلا سنعيد الكرة مرة أخرى مع سادات جديد، ورشاد عثمان جديد، وتوفيق عبد الحي جديد….. إلخ.

ثالثًا: يمكن وصف الفترة الأولى للرئيس السيسي بأنها فترة إدارية؛ كان فيها الرئيس مديرا للدولة داخليا وخارجيا، لعب دور مديري الشركات الدولية الكبرى عابرة القارات ومتعددة التخصصات، وحقق إنجازات هائلة، وغير مسبوقة على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وعلى مستوى الأمن القومي، وإعداد جيش مصر ليكون في الموقع الذي يستحق، وعلى المستوى الاقتصادي، وعلى مستوى البنية التحتية… حقيقة إنجازات تشبه المعجزات إذا ما قيست بالزمن الذي تحققت فيه، وبحالة مصر وشعبها عند تحقيقها، ولكن كل ذلك كان يتم بطريقة إدارية، بمعنى أن المدير يقوم بهذه الإنجازات دون إعلان، ويفاجئ أصحاب الشركة الذين هم شعب مصر بهذه الأعمال العظيمة، وللحقيقة والتاريخ، لم يكن يصلح مع مصر في هذه المرحلة إلا هذا الأسلوب، ولو تم الأمر بطريقة سياسية لتم تحويل كل تلك المشروعات الكبرى إلى زيادة في المرتبات، وتوظيف العاطلين، والترفيه عن الشعب المحروم.

وفي الفترة الثانية المطلوب يجب أن تكون سياسية بامتياز، وأن تدار بطريقة سياسية، وأن يتم طرح المشروعات للنقاش العام، وأن يتاح للشعب خصوصا الشباب، كل الشباب وليس الظرفاء الذين يحضرون جميع المؤتمرات، وأصبحوا شلة مثل شلة جمال مبارك، يجب أن يشارك الشعب، ويتدرب على المشاركة في صناعة قرار التنمية، وأن يكون له دور في تقرير المشروعات والخطط، وأن تتم بطريقة عادلة ولا تتركز كالعادة في الوجه البحري وسيناء ومطروح، ويتم تجاهل الصعيد كعادة الدولة التي يتحكم فيها أبناء الشمال والمدن؛ ليدخل في غياهب النسيان ويتم الضحك على أهله بعشرات العمارات وكوبري ومدرسة.

رابعًا: كان من الضروري في الفترة الأولى التركيز على توحيد الرؤية المصرية، والتركيز على الأمن القومي المصري، ومقاومة الإرهاب، وضمان عدم الاختراق الخارجي، وقد تحقق هذا بامتياز في ظل ظروف غير مواتية، وتحديات خارجية وداخلية شديدة، وفي ظل ذلك تم تجاهل الحياة السياسية بالمعنى الحزبي، والإعلامي والحقوقي، خوفا من أن تكون تلك المؤسسات والأحزاب والجمعيات أبوابا خلفية للتدخل الأجنبي، أو لتسرب عناصر جماعة الإخوان الفاشلة.

وفي الفترة الثانية لم يعد هناك إخوان ولا أخوات، التنظيم تم تفكيكه، ولا داعي لاستخدامه كفزاعة مرة أخرى، ومصر نجحت في مواجهة كل التدخلات، لذلك لا بد أن تكون هذه الفترة بداية لبناء حياة سياسية صحيحة؛ من الحكم المحلي إلى نظام حزبي قوي وفعال بعدد محدود جدا من الأحزاب، ومجتمع مدني قوي، ومنظمات حقوقية فاعلة ووطنية، وإعلام إيجابي، لذلك أتوقع في الفترة الثانية أن يتم تطهير النظام الإعلامي المصري من كل البوم والغربان الذي نشر الكآبة والسلبية والقبح في مصر، وأربك حركتها، ولطخ سمعتها بكل سواد في الخارج، وأن تختفي تلك الوجوه الشاذة التي تتحكم في الفضائيات المصرية والتي صارت رمزا للقبح والتخلف وانعدام الأخلاق.

الفترة الرئاسية الأولى كانت للبنية التحتية أي المرافق والاحتياجات الأساسية؛ لذلك كان يغلب عليها طابع الإدارة، والفترة الرئاسية الثانية ستكون للبنية الفوقية؛ أي الإنسان والمجتمع لذلك يجب أن تكون سياسية. فتكون الأولى إدارة والثانية سياسة، ولا ثالثة لهما، وإنما تمثال ضخم لرئيس مصر في أعظم ميادينها.

شارك الخبر على