بيت المدى يحتفي بفارسة التراث نبيلة عبد المنعم

أكثر من ٦ سنوات فى المدى

إنه ليس انحيازاً لدور المرأة، إلا أنه محاولة للتأكيد على دورها، وإثبات مدى خطأ الاداعاءات القائلة بأنها كائن ضعيف غير قادر على الإدارة والقيادة والعطاء، لذا حين نقتنص شخصية نسوية ظاهرة نسارع لتسليط الضوء على منجزها...
الاحتفاء هذه الجمعة في بيت المدى في شارع المتنبي كان بامرأة استطاعت أن تختزل الثوابت، وتزحزح القواعد المخطوءة بأن عطاء المرأة محدد بمجالات معينة، فدخلت التاريخ ونفضت الغبار عن كُتبه ومكتباته وتراثه، وحضارته، وبثت فيه نفسها الطويل، وروحها الجميلة الباحثة، وقدمت الكثير الكثير من عطاءاتها في مجال التاريخ والبحوث التراثية...الأستاذة والدكتورة المؤرخة والباحثة والمُحققة نبيلة عبد المنعم في ضيافة المدى للاحتفاء بمنجزها الذي دام لعقود طويلة وذلك ضمن منهاج بيت المدى الأسبوعي أصبوحة كل يوم جمعة في شارع المتنبي...
فارسة التراث انحدرت نبيلة من مدرسة قدمت الشيء الكبير للمكتبة العربية ورغم أن الاحتفاء بها جاء "مُتأخراً" كما ذكر الباحث رفعت عبد الرزاق إلا أنه أكد على أن "هذا الاحتفاء كان للثقافة العراقية التراثية وبالمحققين في العراق ، والدكتورة نبيلة عبد المنعم عندما وصفها الملحق أنها فارسة التراث كانت هذه العبارة في موضعها تماماً."
رمز النسويّة العراقيّة بين الفنان والمؤرخ لاوجود لعلاقة، رغم أن أرسطو حاول أن يجد رابطاً لهذه العلاقة، إلا ان المخرج المسرحي والاكاديمي عقيل مهدي أكد أن" هذا التساؤل حيّر الكثيرين وتبين ان المؤرخ يذهب الى الوقائع بشكلها الذي لا يمتلك عموم الدلالة." وأشار مهدي إلى الفترة التي زامن فيها مهدي نبيلة عبد المنهم خلال تحضرها لإدارة مركز إحياء التراث العلمي والعربي والإسلامي، ذاكراً "لقد كنت مُنبهراً بأفكارها وآرائها، وقد شهدت مرحلة اختبارها من قبل البعض بموضوعات علمية وأخرى مختلفة." مؤكداً" أنها كانت رمزاً للنسوية العراقية ."
عن عضويّة المجمع العلمي هذه المرأة مثلت امتداداً طبيعياً لنساء مميزات أمثال صبيحة الشيخ داود، ونزيهة الدليمي، وروز قدوري، وسعاد خليل إسماعيل، وهذا جاء على وفق شهادة تلميذها الدكتور عادل تقي البلداوي الذي وجد صعوبة للحديث عنها كونه أحد تلامذتها وقال " ما ميّز عبد المنعم عن هذه الاسماء النسوية أنها لم تنتمِ لأي حزب، ولم تنخرط بالعمل السياسي، بل ركزت على نتاجها التاريخي وانتجت الكثير من البحوث الرصينة وأرفدت المكتبة العربية والعراقية بدرر ثمينة تفيد الباحثين حتى اليوم."من أهم ميزات عبد المنعم أنها تحب التحدي ،لذلك اختارت رسالة الماجستير عن موضوعة "الشيعة الإمامية" وهو موضوع يمثل من الخطورة الكثير، وهي تناولته بروح بعيدة عن مغازلة السلطة آنذاك، وقد اتهمت بالطائفية وأنها تميل الى الحكم الملكي لكنها لم تتوقف عند هذه الاحاديث، فشعارها كان القافلة تسير والجهلاء ينبحون. وهنا يترك البلداوي تساؤله أن "الدكتورة نبيلة أنتجت جيلاً علمياً رصيناً يمتد في كل الجامعات العراقية وهم أعلام في مجال التاريخ والتراث الإسلامي ،ألا تستحق أن تكون عضوة في المجمع العلمي العراقي؟
الجانب الإنسانيعُيّن بدرجتها في مركز إحياء التراث، إلا انه عاصرها كأستاذة ممارسة في المركز، فتعرف الى جانبها المعرفي والإنساني، وقد أشار لكلا الجانبين المعرفي غير الغائب عن الكثيرين، والإنساني حدثنا عنه د. علي حداد قائلا " ليس بغريب ان تكون قد سميت بنبيلة، إنها ذات القلب الكبير الأخت والأم والزميلة المتفانية بعلاقتها مع الآخرين، فقد فتحت أدراج مكتبها لمن شاء ليأخذ ما يشاء سواء أكان جائع علم أو طعام."ليتحدث حداد عن ندوة أقيمت قبل أشهر عن المطبخ العراقي وتأريخه وقد أحضرت نبيلة عبد المنعم العديد من الطبخات العراقية التي صنعتها بنفسها والتي جاءت من منبع المطبخ العراقي، ليذكر حداد "أنها مبدعة معرفيا وثقافياً إضافة الى قدراتها كطباخة ماهرة."
فنّ التّحقّقلم تكُن د.نبيلة عبد المنعم من مُدّعي الثقافة والعلم فهي كما وصفها المؤرشف والوثائقي حسن عريبي " شديدة التواضع بعيدة عن الزهو المصطنع ، وقد عملت في مجال فني غاية في الصعوبة وهو فن التحقق، وهي من الشخصيات التي نأمل فيهم الخير، لأنها أستاذة فاضلة نتمنى لها العمر المديد لتجود علينا بالمزيد من عطاءاتها."
أولى النساء في مجال التحقيق اسم نبيلة عبد المنعم ارتبط بالتراث والتحقيق، يذكر الدكتور محمد عزيز أنها " كرست كل حياتها في مجال التراث، حيث كانت تقيم الندوات الكثيرة في مركز إحياء التراث وكان المسؤولون في ذاك الوقت يهتمون بهذا الجانب وينبهرون به."في جانب التحقيق كانت عبد المنعم من أوائل النساء اللاتي حققن النصوص والمخطوطات، وقد شهد في ذلك واحد من كبار المحققين وهو محمد رضا الجلالي، كما ذكر عزيز قائلا" إن الجلالي اندهش حين علم أن في العراق طاقات نسوية في مجال التحقيق هذا ما أخبرني به في إحدى الندوات التي اقيمت في العتبة والتي دعينا اليها منذ 3 سنوات تقريبا."
حريصة في عملها لم تمنعه شهادة من سبقوه من الحديث عنها، فهو يجد لذة في الحديث عنها،هذا ما ذكرة مازن قاسم الباحث الذي عمل معها في 6 أيار عام 2003 في مركز إحياء التراث، قائلاً " عرفتها إنسانة رائعة بكل خصالها وسماتها وربما الحديث عن أخلاقها ضربا من الخيال، فمِن أهم صفاتها أنها تحسن حتى إلى مَن أساؤا لها."يبدو أن نبيلة عبد المنعم تعرضت لظلم كبير ولم تشكُ وحرصت على العمل الدؤوب وكانت كما أكد قاسم "قلقة بشكل مستمر في النشاطات العلمية حيث لاتبادر بالجلوس حتى ينتهي هذا النشاط، وكانت تنفق على بعض النشاطات من جيبها الخاص، وتعمل لساعات متأخرة من أجل إنجاز هكذا نشاطات."
مركز إحياء التراثكان تلميذها في بداية التسعينيات، حين كانت رئيسة مركز إحياء التراث، شهد الندوات والدورات المهمة التي أقامتها، حيث يذكر الباحث زين أحمد النقشبندي أنها " حققت في هذه الدورات التي أقامتها العديد من النتائج الطيبة، وقد توقفت هذه الدورات بعد عام 2003، كما لم تستمر عبد المنعم في منصبها، وقد بلغ المشاركون في كل دورة ما يقارب الـ100 مشارك."ويبدو أن الدورات المعرفية والتراثية والبحثية والتاريخية التي أقامتها د. نبيلة عبد المنعم في المركز تفوقت بها على نظيراتها في مراكز محلية او عربية اخرى كما أكد ذلك النقشبندي.
الاحتفاء بها واجب أخلاقي د. نبيلة عبد المنهم قامة علمية وثقافية مهمة، استذكارها والحديث عن منجزها والاحتفاء به لم يكن بهدف عدم النسيان، بل كان كما وصفه الناقد علي حسن الفواز "واجب ومهمة أخلاقية وثقافية وتاريخية وهي ليست مسؤولية الهدف منها مقاومة النسيان."حين تكون هنالك كفاءة علمية بمستوى نبيلة عبد المنهم ينبغي الحرص عليها، لتكون هذه العالمة ذاكرة وسياق حيث دعا الفواز من خلال كلمته الى "إعادة تأهيل المؤسسة العلمية الرصينة." ذاكراً أنه يتوجب أن تكون "هناك أمكنة تسمى باسمها وأن يُدرّس منهجها العلمي."
صاحبة رؤية تاريخيّةالأمين العام للاتحاد الدولي للمؤرخين إبراهيم سعيد البيضاني طلب الحديث عن الدكتورة لأنه كان واحداً من تلامذتها، حيث ذكر خلال مداخلته قائلاً " إنها مؤرخة مهمة ومميزة، لها هوية وحضور، ونتشرف أن تكون عضوة في اتحادنا الذي يضم اكثر من 400 مؤرخ ينتسبون لأكثر من 30 دولة، لابد ان يكون لنا كلمة ومباركة لجهدها ونشاطها، لأنها صاحبة رؤية ومنهج تاريخي تركت أثرها وعطاءها الكبير."
محققة صبورةأسماء المحققات والمؤرخات قليلة جداً على الصعيد المحلي فيمكن ان نذكر ما يُعدّ على أصابع اليد الواحدة أمثال ابتسام الصفار، بهيجة الحسني، فاطمة الراضي، هذا ما يؤكده د. داود العنبكي الذي يجد على جانب آخر انه يستطيع ذكر عشرات الاسماء الذكورية في ذات المجال، ويعلق العنبكي على "أن المحققات النساء يكتفين بالشهادة العليا، ويخترن مناقشة مخطوطات سهلة وبسيطة، من دون سعي للحصول او البحث عن المزيد في مجال التحقيق والتاريخ، إلا ان هذا لم نجده في الدكتورة نبيلة عبد المنعم التي عدّت بالفعل فارسة التحقيق، لأنها محققة ومعالجة ، تحمل صبراً في مجال البحث والتحقيق لانجده في الكثير من نظيراتها."
بين التلميذ والأُستاذ درّسته بين عامي 1974 و1975، في مادة التاريخ العباسي، وكان تلميذها الذي غاب بعد تخرجه وخدمته العسكرية وعاد للبحث عنها في كلية الآداب، ليجدها تدرّس في كلية التربية في ما بعد، الدكتور والباحث التاريخي أسامة عبد الرحمن الدوري يتحدث عن معلمته نبيلة عبد المنعم ذاكراً" التقيتها في مؤتمر عن تاريخ محافظة واسط وذهبنا الى المؤتمر وكانت مبدعة كعادتها، وقد جلسنا على مائدة طعام واحدة ووجدت أن هذا الخجل لايزال ملازماً لي."
مداخلاتشهدت الجلسة مداخلتين، الاولى للقاص حسين الجاف الذي عبّر عن سعادته كون العراق يمتلك امرأة بهذه المعرفة والفكر والقدرات القيادية والثانية للاستاذ عبد الجليل البديري الذي أكد أهمية الاحتفاء بقامات العراق الذين يعدّون مفخرة لنا والذين مهما كرّمناهم لم نثمّن دورهم وجهودهم."
المحتفى بهالم تمتلك المحتفى بها د. نبيلة عبد المنعم كلمات تعبّر بها عن سعادتها سوى الشكر، لتختصر حديثها قائلة " أنا لا أعاني من ضيق الوقت ولا نقص الكلمات ، ولكن ما قدمتوه أنتم كان أكبر من أن أُعبّر عنه."

شارك الخبر على