رحلة الملك «جورج وايا»من حى «كلارا تاون» الفقير إلى كرسى رئاسة ليبيريا

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

«من رحم حي فقير بقلب القارة الإفريقية السمراء، خاض صبي صغير رحلة شاقة في حياته، من فقر وتهميش وعنصرية.. أقسم يوماً لأبواي أنه يومًا سينجو بالبلاد مما هي فيه.. يومًا سيحملها على كتفه وينقذها من شظايا الحرب الأهلية حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى».. أنه جورج وايا الرجل الذي يعتبره كثيرون أفضل لاعب أنجبته القارة السمراء على الإطلاق، ولقبه الزعيم الراحل نيلسون مانديلا «فخر أفريقيا» ويلقبه أبناء بلده بالأسد الملك

اليوم فاز أسطورة إفريقية بالانتخابات الرئاسية في ليبيريا، ليصبح الرئيس رقم 25 في تاريخ بلاده بداية من العام الجديد، بعد أن حقق الفوز في 12 مقاطعة في حين استطاع خصمه جوزيف بواكي الذي يشغل منصب نائب الرئيس للبلاد منذ 12 عامًا أن حصل على مقاطعتين فقط للتصويت له.

نشأة وايا

جورج مانيه أوبونج أووسمان وليا ولد في الأول من أكتوبر لعام 1966 في حي كلارا تاون الفقير في مدينة مونروفيا، أحاطه الفقر في سنوات عمره الأولى، حيث كانت عائلته ورفقاء الطفولة وزملاء الدراسة جميعهم ينتمون إلى الطبقات الأكثر فقرًا في بلده، يقول وايا: «الحياة في ليبيريا صعبة للغاية عائلتي لم تكن تمتلك أي شيء.. هنا قد يعجز والداك عن توفير وجبة طعام جيدة لك، النشأة في هذه الظروف القاسية تدفعك للخروج في سن مبكرة إلى الشارع وسط الصخب والضجيج».
 
وتلقى جورج وايا تعليمه الإعدادي في الهيئة التشريعية الإسلامية، وواصل في مدرسة ويلز هيرستون الثانوية، وقبل احترافه كرة القدم كان يعمل كتقني في شركة الاتصالات الليبيرية، وحصل على البكالوريوس من جامعة باركوود في لندن، ونال شهادة في إدارة الأعمال وماجستير في الإدارة العامة.

جورج الذي تزوج من كلار ويا، وهي أمريكية من أصل جاميكي، له ثلاثة أبناء، وولد ويا مسيحيًا وتحول إلى الإسلام لمدة 10 سنوات ثم عاد لاحقاً والتحق بالديانة المسيحية، وفي حوار له قال أنه يتمنى السلام للمسلمين والمسيحيين مضيفاً أنهم "شعب واحد".

الملك

جوروج وايا يعد أحد أهم نجوم الساحرة المستديرة ليس في تاريخ القارة السمراء، فقط بل على مستوى العالم كله فهو واحد من أهم اللاعبين المؤثرين فى تاريخ اللعبة إذ بدأ في مايتي بارول ثم إليفن الليبريين، وانتقل للاحتراف إلى نادي أفريكا سبورتس العاجي، ومنه إلى تونير ياوندى الكاميرونى، ثم بدأ مسيرته في أوروبا عن طريق موناكو الفرنسي ومنه إلى باريس سان جيرمان ثم أعير إلى تشيلسي الإنجليزي، والميلان الإيطالى، كما لعب في مانشستر سيتي ومارسيليا، والجزيرة الإماراتي.
 
وحصل وايا في سنة 1995 على جائزة أفضل لاعب في العالم ليكون الأفريقي الوحيد الذي يتوج بتلك الجائزة، كما أنه نال جائزة أفضل لاعب في أوروبا، وأفضل لاعب في أفريقيا ثلاث مرات، كما يعتبره الكثيريون أفضل لاعب أنجبته القارة السمراء على الإطلاق.

وايا توج بجائزة أفضل لاعب في أفريقا ثلاث مرات الأولى كانت عام 1989 من الفرانس فوتبول بعد حصوله على 133 صوتًا حين كان لاعبًا في صفوف موناكو متفوقًا على الكاميرونيين جوزيف أنطوان بيل الذي حصل على 105 صوت، وكالوشا بواليا الذي حلص على 49 صوتًا.

وفي 1994 حصل على الجائزة أيضًا من جائزة الفرانس فوتبول حين كان لاعبًأ في صفوف باريس سان جيرمان، بعد حصوله على 148 صوتًا، متفوقًا على النيجيريين إيمانويل إيمونكي الذي حصل على 133 صوتًا، ودانييل أموكاتشي الذي حصل على 99 صوتًا.

وكرر الجائزة للمرة الثالثة عام 1995 ولكنها جاءت من الكاف، بعد فوزه على النيجيريين إيمانويل إيمونكي ودانييل أموكاتشي، بعد أن قاد باريس سان جيرمان للفوز بكأس فرنسا وكأس الرابطة الفرنسية.

قاهر الفراعنة 

وقع المنتخب الوطني بجوار كلًا من تونس وليبيريا وناميبيا في تصفيات كأس العالم 1998، اكتسحت مصر ناميبيا في البداية 7-1، قبل أن تخسر أمام تونس بهدف نظيف في الجولة الثانية، ليُقال الجهاز الفني الذي كان يقوده فاروق جعفر ويعود الأسطورة التدريبية الجوهري على رأس الجهاز الفني قبل لقاء ليبيريا الذي لم يكُن يُعد منتخبًا قويًا وقتها، أُقيم اللقاء في العاصمة الغانية أكرا بسبب قرار الاتحاد الدولي بمنع اقامة أي مُباريات في ليبريا وقتها
 
وفي ابريل من العام السابق للمونديال فاجئ ويلفريد لاردنر، المدير الفني وقتها، الجوهري باشراكه جورج وايا في خط الدفاع، ورغم ذلك تمكن من خطف هدف المُباراة الوحيد في الدقيقة 29 من اللقاء من كرة خادعة لعصام الحضري، في هدف لن ينساه المصريين، حيث أوهم الحارس الدولى المصرى انه سيلعب الكرة عرضية وسددها فى الزاوية الضيقة لتسكن الشباك ويفشل منتخبنا الوطنى فى ادارك التعادل.

الخسارة ساهمت فى ازدياد موقف مصر صعوبة في المجموعة بـ3 نقاط من 3 مُباريات، قبل أن تُنهي مباريات المجموعة بـ6 نقاط خلف تونس التى تأهلت لكأس العالم، بعدما تصدرت المجموعة ب10 نقاط ليغيب الفراعنة عن ثاني مونديال على التوالي.  
 
ولعب مع جورج وايا مع منتخب بلاده 60 مباراة دولية سجل خلالها 22 هدفًا، وقاد منتخب بلاده للتأهل لكأس الأمم الأفريقية نسختي 1996و2002، ولكنه فشل في تحقيق البطولة، كما أنه انضم لعظماء الكرة الذين لم ينالوا شرف اللعب فى المونديال أمثال ألفريدو دي ستيفانو وجورج بست، ليعتزل الكرة في يوليو 2003.

وكان وايا يدفع من جيبه الخاص لتمويل رحلات الفريق القومي للعب مبارياته في الخارج فيما اعتبر تحرك على أعلى مستوى في العلاقات العامة، كما قام بإنشاء محطتي إذاعة وتلفزيون في ليبيريا.
 
وايا كلاعب كان له تاريخ عظيمًا وزين مسيرته بالعديد من البطولات على رأسها الدوري الليبيري مرتين وكأس ليبريا مرة، وكأس فرنسا مع موناكو والدوري الفرنسي مع باريس سان جيرمان والدوري الإيطالي مرتين مع ميلان، وكأس الاتحاد الانجليزي مع تشيلسي.
 
أعماله الخيرية

أثناء مسيرته الكروية التى كانت مليئة بالتتويج بالعديد من البطولات، أصبح جوروج وايا رمزًا إنسانيًا في ليبيريا، وتم احتياره سفير الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، كما تم تعيينه سفيرا للنوايا الحسنة لليونيسيف لدوره الانساني لبلده، كما حاول نجم ليبيريا استخدام كرة القدم كوسيلة لتحقيق السعادة وتعزيز التعليم للأطفال في ليبيريا، وفي 1998 أطلق وايا (سي دي) مع مجموعة من نجوم الغناء، وذهبت عائداته إلى الأطفال، كما أسس فريق كرة قدم في 1994 لتشجيع الشباب على التعليم والبقاء في المدرسة، والطلب الوحيد للنادي للعضوية هو حضور المدرسة.

في بلده ليبريا كانوا يطلقون عليه دائما "ويسترن يونيون" كان أمامه فرصة اللعب لفرنسا وللكاميرون التي احترف فيها لكنه لم يوافق، وكان دائمًا يسعى لان يكون هناك منتخبا لبلده الصغير التي تقسمها الحروب دفع من جيبه الخاص ملايين الدولارات وهو ما دفع البعض لإطلاق هذا اللقب عليه لكنه لم يتوقف عند ذلك فكان دائمًا أول من ينفق لدعم القضايا الإنسانية ولم يكتف بمنتخب بلاده ولا بالرياضة فقط فهو له اسهامات عديدة في مجال التعليم.

حمله وايا القوية التى أطلقها لتشجيع الأطفال على مواصلة تعليمهم وعدم ترك مدارسهم كما كان يحدث وقتها بسبب الفقر وخلافه، وانضم للحملة آلاف من أطفال لبيريا، وتبنى وايا فكرة رائعة تقتضي بمنح اشتراك في نوادي لأي طفل نسبة حضوره مُرتفعة في المدرسة، وشارك فى الحملة العديد من اللاعبين الدوليين في المتتخب ممن كانوا في هذه الحملة، كما أعلن الملياردير الهندي نيراف تيرابسي، شراكه مع وايا بملايين الدولات لانشاء أكاديميات لكرة القدم. 

وقال عنه منديلا «فخر إفريقيا» وهو يضع يديه على كتف جورج متحدثاً عن دوره الإنساني وانتمائه لوطنه وحبه الشديد للأطفال في الشوارع للنساء والرجال من أبناء جلدته ووطنه وفي أغسطس 2014 أطلق جورج وايا أغنية، قال إنها وسيلة لتوعية مواطنيه بمخاطر فيروس «إيبولا» القاتل، الذي ضرب غرب أفريقيا ومنها بلده ليبيريا.

وقال «وايا» في تصريحات لإذاعة فرنسا الدولية، إنه لجأ للغناء حتى يحذر مواطنيه من خطر هذا الوباء القاتل في بلده عن طريق الموسيقى، مؤكدا بأن الغناء وسيلة مهمة للتخفيف على الناس من انتشار الأمراض الخطيرة، على حد قوله، وأضاف أن الغناء كفيل بالتصدّي لفيروس يزحف برعب في قارة بائسة، حيث يتطلّب حلولا عملية جادة.
 
وفي ديسمبر 2015 حضر جورج وايا إلى القاهرة للمشاركة في فعاليات دوري ساتوك للأيتام الذي أقيم في مدينة شرم الشيخ، تحت شعار «مصر آمنة» لدعم السياحة وأكد خلال ذلك الحدث على دعمه الكبير لهذا الحدث الخاص بالأيتام الذين يحتاجون للوقوف بجوارهم في كافة المجالات، خاصة الرياضة ليظهروا إمكانياتهم الرياضية، مما يجعل منهم نجوما في كرة القدم مستقبلًا.
 
وايا والسياسة 

بعد نهاية الحرب الأهلية الليبيرية الثانية، أعلن وايا عزمه على الترشح لرئاسة ليبيريا في انتخابات عام 2005، وعلى الرغم من انه شخصية شعبية في ليبيريا، أشار المعارضون إلى افتقاره إلى التعليم كعائق أمام قدرته على قيادة البلاد علاوة على نقص الخبرة، على النقيض من خصمه إلين جونسون سيرليف الذي شغل منصب وزير المالية في ولاية ويليام تولبرت (الرئيس العشرون لجمهورية ليبيريا في الفترة من سنة 1971 إلى سنة 1980 قبل اغتياله أثناء انقلاب قاده صمويل دو ).
 
كما تم التشكيك في أهلية وايا في الترشح للرئاسة حيث أفيد بأنه أصبح مواطنا فرنسيا أثناء فترو لعبه في باريس سان جيرمان، ولكن تم  رفض الشكاوى في المحكمة، وسمح لويا بالمضي قدمًا في الانتخابات وحصل على عدد وافر من الأصوات في الجولة الأولى من التصويت في 11 أكتوبر، بنسبة 28.3٪ من الأصوات، وهذا ما جعله يتنافس في انتخابات الترشيح ضد سيرليف، المرشح الثاني، إلا أنه خسر الجولة الثانية في سيرليف في 8 نوفمبر، حيث حصل على 40.6% فقط إلى 59.4% لسيرليف.
 
وادعى وايا أن الانتخابات كانت مزورة من خلال تخويف الناخبين والعبث بالاقتراع، واحتج العديد من أنصاره على النتائج في شوارع مونروفيا، ومع ذلك، وبعد التأكيدات بأن التصويت كان عادلا دعا العديد من القادة الأفارقة البارزين مؤيدي وايا إلى قبول النتيجة بهدوء وكرامة، وأصبح سيرليف رئيسا، ووصف الاتحاد الأفريقي الانتخابات بأنها "سلمية وشفافة ونزيهة".

ورغم الخسارة ظل وايا أيضا نشطًا في السياسة الليبيرية، وعاد من الولايات المتحدة في عام 2009 من أجل التغيير الديمقراطي في الانتخابات الفرعية لمجلس الشيوخ في مقاطعة مونتسيرادو، ورأى بعض المحللين هذه التحركات استعدادا لتكرار رئاسة الجمهورية في عام 2011.
  
وفي عام 2014، ترشح وايا  للانتخاب لمجلس الشيوخ للتغيير الديمقراطي عن مقاطعة مونتسرادو، وانتخب بأغلبية ساحقة في مجلس الشيوخ الليبيري في 20 ديسمبر 2014، بعد أن هزم وايا روبرت سيرليف، ابن الرئيس سيرليف، ليصبح أول رياضي ليبيري دولي ينتخب لتمثيل مقاطعة في المجلس التشريعي. 

وحقق فوزا ساحقا، حيث حصل على 99.226 صوتًا أي ما يمثل 78%، من مجموع الأصوات من مراكز الاقتراع البالغ عددها 141 مركزا، في حين حصل سيرليف، أقرب منافسيه على 13692 صوتا، أي ما يقرب من 11%  في الانتخابات التي لم يشهدها سوى انخفاض نسبة المشاركة وفي أبريل 2016.

شارك الخبر على