غيبوبة أسبوعا تخللتها تلاوة القرآن.. المشهد الأخير في حياة عبد الله محمود

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

داخل أحد استوديوهات مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، جلس مفعما بالحماس إلى جوار صديقه "محسن محيي الدين"، الذي شجعه على المشاركة في برنامج للأطفال مع المخرجة إنعام الجريتلي، لتمر السنوات وينتقل للعمل موظفا في كلية الزراعة، حيث الاحتكاك المباشر بجمال الطبيعة، متمثلا في الأزهار ورحيقها، والأشجار الفارعة، ليفاجأ بترشيح جديد من صديقه "محسن" للاشتراك في بطولة فيلم سينمائي جديد بعنوان "إسكندرية ليه؟"، مع المخرج العالمي يوسف شاهين، حيث بدأت انطلاقته المكوكية إلى النجومية، وهو لا يزال في العشرين من عمره.

لم يكن "عبد الله محمود"، المولود في  6 ديسمبر 1959 ممثلا عاديا، سواء من حيث الملامح والانفعالات على وجهه، أو حتى على صعيد موهبته الاستثنائية، لذا تلاقت شخصيته مع شخصية الفنان الراحل أحمد زكي، إذ اهتم الأخير به، وكان بمثابة أخ أكبر له، وبالمثل قابله "عبد الله" بمشاعر الحب والود، لتشاء الأقدار أن يجمعها مصير واحد، متشابه حتى في تفاصيله المأساوية.

في عام 2003، بدأ صداع شديد يضرب رأس "عبد الله" بعد عودته من العمرة في رمضان، فأجرى فحوصات طبية، كشفت عن إصابته بمرض السرطان الخبيث في جزء من المخ، ورغم فداحة الخبر، فإنه بدا متماسكا قدر المستطاع، يحافظ على ممارسة عمله من جانب، ويمشي في إجراءات تلقي العلاج القاسية من الجانب الآخر.

أثناء ذلك كان "محمود" يخوض أولى تجاربه الإنتاجية من خلال فيلم "واحد كابتشينو"، الذي قام ببطولته إلى جانب حسن حسني، ونشوى مصطفى، وجيهان قمري، ومع نهاية التصوير اشتدت وطأة المرض عليه، ودخل معهد ناصر، فتم إرجاء عرض الفيلم جماهيريا لحين الوقوف على حالته الصحية.

في الوقت الذي مكث فيه "محمود" بمعهد ناصر لإزالة آثار عدوان المرض الخبيث عن مخه، كان "النمر الأسود" أحمد زكي في مستشفى "دار الفؤاد"، ينازع نفس المرض الذي أصاب رئتيه، ومع ذلك حرص على السؤال عن صديقه الأصغر "عبد الله محمود"، ومتابعة حالته باستمرار، وكان الأمر أشبه بمعركة يخوضها الاثنان في مواجهة "السرطان"، يبعث كل منهما بالأمل في نفس الآخر.

خسر "زكي" معركته أمام المرض اللعين، وخرج "محمود" بنفس مثقلة لتشييع جنازته في 27 مارس 2005، وكان العلاج الكيميائي قد أذهب كل خصله شعر في رأسه، وما هي إلا أسابيع قليلة حتى دخل "محمود" في غيبوبة السرطان، تماما كما حدث مع أحمد زكي.

ويحكي بعض أصدقائه عن آخر مشهد في حياته: "عندما دخل عبد الله محمود في غيبوبة السرطان المرعبة اعتبر ذلك مؤشرا قويا لسوء الحالة، وقد تعرض لحالة من الضيق في التنفس اضطر على أثرها الأطباء إلى أن يضعوه على جهاز التنفس الصناعي فترة ثم دخل في الغيبوبة، وكانت آخر أمنياته قبل الغيبوبة عرض فيلمه الأخير في الموسم الصيفي"، إذ إنه تعرض بسبب ذلك الفيلم لمشكلات عديدة اضطرته إلى الاستدانة، وكان أحد الأسباب التي وصلت به إلى معاناته مع المرض، وبالفعل تم عرض الفيلم في حفل ختام جمعية الفيلم تكريما له ونال إعجاب الحضور.

استمرت الغيبوبة لمدة أسبوع، كان يفيق منها لدقائق يتلو آيات من القرآن الكريم، خاصة سورة الفاتحة ثم يفقد وعيه من جديد، فتم اتخاذ القرار بنقله إلى العناية المركزة، وأثناء ذلك كان "محمود" يردد كلماته: "الحمد لله خلاص هانت"، ثم يعود من جديد للغيبوبة.

بعد يومين نصح الأطباء بعودته إلى غرفته مرة أخرى وإيقاف العلاج إلا من بعض المسكنات، فلم يعد لوجوده في العناية المركزة ضرورة، فقد تمكن المرض منه، ولم يعد للعلاج فائدة، كما تأثر نظره بسبب الورم الخبيث الموجود في المخ، وقد صدقت نبوءة الأطباء، فسرعان ما ودع "محمود" الدنيا بعد خروجه من غرفة العناية المركزة في 9 يونيو 2005، عن عمر ناهز 40 عاما.

شارك الخبر على