باسل خيّاط... سيّد «الكاريزما» مرّ من هنا

أكثر من ٦ سنوات فى تيار

وسام كنعان-

 

دمشق | الكاريزما مصطلح يوناني مشتق من كلمة نعمة، أي هبة إلهية تجعل المرء مفضلاً بفعل جاذبيته المقنعة أو السحر الذي يمكن أن يلهم التأثير العميق في الآخرين بمجرد الحضور. لو جالت الكلمة للبحث عن أفضل من يتمتع بها في سوريا، فستحطّ حتماً على كتف الممثل باسل خيّاط (الصورة)، على اعتبار أنّه لقب بـ «نجم الكاريزما السورية»، بذريعة مشوار طويل مكّنه من ترك مساحة خاصة لنفسه لا تشبه الآخرين.
الممثل الوسيم عرف باكراً طعم الشهرة منذ أولى بطولاته مع المخرج هشام شربتجي في مسلسل «أسرار المدينة» (تأليف حسن سامي يوسف ونجيب نصير ــ 2000). يومها، رشّحه الممثل عبد الهادي الصبّاغ لهذا الدور وتوسّم فيه خيراً. في الوقت ذاته، كان يعرض مسرحية «أبيض أسود» (إخراج سامر المصري) على خشبة مسرح «راميتا» في دمشق. في تلك الليالي، كان أمام اختبار النجومية الأول عندما تجمهرت فتيات جميلات أمام الصالة، ليأخذن توقعيه بعد أوّل مسلسل له، ثم تتابعت حلقات الألق في حياته من «التغريبة الفلسطينية» (وليد سيف وحاتم علي)، إلى «وشاء الهوى» (أمل حنا والمثنى صبح)، ثم «أحلام كبيرة» (أمل حنا وحاتم علي)، و«تعب المشوار» (فادي قوشقجي وسيف الدين السبيعي)، و«الظاهر بيبرس» (غسان زكريا ومحمد عزيزية)، و«عصر الجنون» (هاني السعدي ومروان بركات)، «الغفران» (حسن سامي يوسف وحاتم علي)، فـ «سنعود بعد قليل» (رافي وهبي والليث حجو)، وصولاً إلى الكثير من الأعمال في سوريا وخارجها.ربما يكون لهذا الحضور الفني الآسر مفعول علاجي في بعض الأحيان عندما يتمكّن طفل مصاب بالتوحد مثلاً من التعاطي والتفاعل للمرّة الأولى في حياته مع ما يقدّمه ممثل عبر الشاشة. كذلك يمكن للطب النفسي تفسير الدوافع الغريزية للتمثيل، ويصف الطريقة التي تجعل الانفعالات تنتقل من الممثل إلى المتفرّج بأفضل حال. وفي مناسبة الحديث عن الطب النفسي، فإن آخر ما حققه نجم «طريقي» (تامر حبيب ومحمد شاكر خضير) كان في هذا الإطار، يوم شارك في رمضان الماضي بطولة «30 يوم» (كتابة مصطفى جمال هاشم تحت إشراف أحمد شوقي، وإخراج حسام علي، وإنتاج «سيلميديا» و«تريلر» و«ماكس برودكشن» يعاد عرضه حالياً على «CBC دراما») متقمّصاً شخصية رجل مضطرب نفسياً يملك مقدرات خارقة، ويبحث عن إثبات وجهة نظره مهما كلّف الأمر من جرائم يدفع الآخرين تجاهها. بدت هذه الشخصية المركبة كأنها «فريسة» للصيّاد الماهر الذي انقضّ عليها بحماسة، خصوصاً أنّه لم تعد تعنيه الأدوار العادية، أو الشخصيات المسطحة التي لا تقول شيئاً. في الشخصية التي لعبها أخيراً، نحن أمام رجل مهووس بموسيقى الجاز، يعزف الساكسوفون ببراعة ويستمع ليلاً نهاراً للويس أرمسترونغ. في هذا الدور، احتفظ خيّاط لنفسه بفرصة إذهال مشاهديه، وتقديم سوية أدائية متصاعدة ومختلفة عما قدّمه سابقاً، بعدما رسم بإتقان عالٍ خطوط الشخصية، بدءاً من اتفاقه مع مصمّمة الملابس والمخرج على أن تطل الشخصية بزي أسود ثابت، يمثّل الشر، لكنّها بسبب مرّدها إلى الطفولة ترتدي جوارب ملوّنة لأنه لا بد من مساحة للخير مهما طغى الشر في داخل أي بشري، وصولاً إلى الضحكة والمشية والإحساس العميق بعزف الموسيقى وأدق التفاصيل. لذا، تبدو إجادة الممثل السوري للهجة المصرية مجرّد تحصيل حاصل أمام ما هو أهمّ. عندما حقق هذا النجاح المشهود، أحاله بعضهم إلى شخصية الـ «جوكر» التي لعبها هيث ليدجر في فيلم The Dark Knight، لكن خيّاط أطل في أكثر من لقاء ليحكي عن التقاطاته، وحالة البحث التي تلازمه من الحياة والفن، ووضعها في سياق درامي سليم. العمل كان مفتاح نجاة هذا الموسم، بسبب الفشل الذريع لمسلسله السوري «أوركيديا» (عدنان العودة وحاتم علي). على أي حال، في تاريخ الرجل إشراقات مهنية تشفع له بهنّة هنا، وعدم توفيق هناك. لا يزال جمهوره يأخذ عليه ما يوحيه من تعالٍ وغرور، وحقيقة الأمر أن ما يشي به ظاهرياً، كان يسيطر عليه منذ بدء مشواره المهني، ولم يكن في رصيده ما يخوّله للتعالي. فذلك ليس سوى انعكاس لحدّة مزاجه التي تطغى أحياناً على شخصية الفنان. إضافة إلى ذلك، تبدو المصادفة في أفضل أحوالها عندما تتم مقارنته عربياً بالراحل رشدي أباظة. ففي بداية حياة الاثنين، لم تكن مهنة التمثيل حلماً وارداً. أما عالمياً، فيشبهونه بآل باتشينو الذي عاش في بيت جدّه بسبب فقر الحال، وهي الخطوة الشبيهة بحياة باسل الذي عاش في كنف عمّاته وعانى من فقر الحال إلى درجة أنه عمل بائعاً متجولاً أيام الدراسة! حساسية خيّاط المفرطة تجاه العنف، جعلته يحزم حقائبه باكراً، ويمضي بعيداً عن سوريا مع اندلاع شرارة الحرب، ليجلس في دبي من دون عمل لأكثر من عام، تاركاً وراءه تاريخاً طويلاً من الشهرة والنجاح، إلى أن أعاد انطلاقته بمزاج استثنائي. قبل أيّام، زار خياط بلده للمرّة الأولى منذ سفره قبل حوالى ست سنوات، حيث أمضى أربعة أيّام بالقرب من أهله وعاد إلى مقر إقامته في دبي من دون حتى أن يخبر أحداً، أو يزور الأماكن التي نسج فيها ذكرياته.

شارك الخبر على