تسولت في الشارع وجمعوا الأموال لدفنها.. المشهد الأخير في حياة فاطمة رشدي

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

هي نجمة النجوم، ورائدة المسرح، التي لُقبت بـ"سارة برنار مصر"، نسبة إلى الممثلة المسرحية التي ذاع صيتها في أوروبا أوائل السبعينيات من القرن التاسع عشر، إلا أن الجيل الجديد لا يعرف عن "النسخة المصرية" شيئا، فقط يدرك قيمتها المسرحيون، وطلاب معهد التمثيل، إذ كانت فرقتها المسرحية بمثابة مدرسة يتخرج فيها الممثلون، وقد قدمت معظم مسرحياتها باللغة العربية الفصحى، لذا كانت فصيحة اللسان، بليغة القول، وفوق كل ذلك جميلة في ملامحها وقوامها الممشوق، كالملكة المتوجة على عرش المسرح، وعلى قدر النجومية التي فازت بها على مدار نصف قرن في محراب الفن، كانت المعاناة والنهاية المأساوية التي لم تتوقعها هي لنفسها، حتى إنها لعنت الفن الذي أوصلها لهذه الحالة.

"فاطمة رشدي"، المولودة في 15 فبراير 1908، دخلت مجال الفن بالصدفة، وهي لا تزال في العاشرة من عمرها، وكونت فرقة مسرحية كان لها شأنها بين الفرق الأخرى، قدمت ما يزيد على 100 مسرحية، و16 فيلما من بطولتها، أشهرها "العزيمة"، الذي اختير من بين أفضل 100 فيلم في السينما المصرية، وبعد عام 1969 اعتزلت الفن وانحسرت عنها الأضواء، وتدهورت حالتها المادية والصحية.

المتعمق في سيرتها الذاتية، يشهد بنجومية طاغية حققتها تلك السيدة على مدار مسيرتها الفنية الممتدة لما يزيد على نصف قرن، والحقيقة أنها لم تنل تلك النجومية من فراغ، ولكن بالدراسة والتثقف، وتعلم 4 لغات، وإجادة اللغة العربية بشكل تام، لتقدم النصوص المقتبسة والمترجمة بإتقان، بالإضافة إلى بعض المؤلفات المحلية وفي مقدمتها مسرحيات أحمد شوقي.

المشهد الأخير في حياة "فاطمة"، كان صادما لجمهورها، خاصة بعد أن كتبت جريدة "الوفد" عن ظروف معيشتها الصعبة، فقد شوهدت "نجمة النجوم" وهي تتسول في شارع الجمهورية، ثم تعود في آخر اليوم لتبيت في غرفة ضيقة بفندق شعبي في منطقة وسط البلد، ولم يكن يعرف أحد من المقيمين معها حقيقة أمرها، وأنها إمبراطورة المسرح، التي زلزلت الصالة بأدائها الخاطف.

وبمجرد أن علم الفنان الراحل فريد شوقي بظروفها الصعبة، ذهب إلى مقر إقامتها في ذلك الفندق المتواضع، وفور نزولها على الدرج لتستقبله، بادرها هو بالصعود إليها وتقبيل يدها، الأمر الذي فاجأ المقيمين معها وأصابهم بالدهشة، فمن تلك السيدة العجوز التي يهرول لها "ملك الترسو"، فريد شوقي، وقد ذكرت "رانيا" ابنته في لقاء تليفزيوني أن والدها قصد ذلك المشهد، حتى يُعرف الحاضرين بقيمة تلك الفنانة، وأن لها تاريخا مشرفا في محراب الفن.

تدخل فريد شوقي لدى المسؤولين، وأقنعهم بتوفير علاج لها على نفقة الدولة، كما تم توفير المسكن المناسب لها، فحصلت على شقة، وقد ماتت فاطمة رشدي وحيدة في تلك الشقة، يوم 23 يناير 1996 عن عمر ناهز 84 عاما، وعند وفاتها لم يجد جيرانها كلفة جنازتها، فقاموا بجمع الأموال اللازمة من بعضهم ودفنوها، وكنوع من التكريم أطلقت الدولة اسمها على أحد أكبر الشوارع في منطقة الهرم.

شارك الخبر على