“خليفة بن أحمد.. السيرة والمسيرة” وثيقة من وثائق تاريخنا البحريني المجيد

أكثر من ٦ سنوات فى البلاد

السيرة والمسيرة

كتاب “خليفة بن أحمد.. السيرة والمسيرة” رؤية شاملة وعميقة وخصبة للباحثين والمجتمع عن ظاهرة فكرية شديدة الثراء والعمق، شخصية بحرينية أصيلة عرفت البطولة منذ الصبا وكافحت في سبيل الحق والمجد ولها موهبة عجيبة تمكنها من تدبر كل الأمور مهما كانت.

ولقد أمضيت ساعات طويلة في قراءة هذا الكتاب واستقر في داخلي يقين بأنني أدركت أخيرا كلمة السر ونفذت إلى قلبها وكشفت عن تركيب كيانها وأصبحت قادرا على الإحاطة بها من جميع جوانبها، فمحبة الناس إلى القائد العام لقوة دفاع البحرين المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة ليست من نوع معين أو محدد يمكن حصره أو فصله، بل هو شيء مختلف بمعناه العميق، وأكاد أجزم انها إحدى الشخصيات النادرة في التاريخ المعاصر ومن القادة العسكريين القلائل في العالم الذين كان لديهم دائما الكثير مما يقولونه للإنسانية.

ويرصد الكتاب عبر فصوله الستة معالم شخصية هذا القائد منذ طفولته والبطولات والعطاء في ميدان تأسيس قوة دفاع البحرين ومرحلة التنمية والتطوير ومن ثم مرحلة الاكتمال، وكذلك الحروب والعمليات العسكرية، والهوايات، والصفات الاستثنائية التي اتصف بها، وقبل الدخول في التفاصيل استعرض المؤلفان الإعلامي سعيد الحمد والعقيد الركن عبدالله سعيد الكعبي الأصول والجذور التي ينتمي اليها المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، فتحت عنوان “العتوب” ونقرأ:

(مثل هذه الشخصية المعطاة والخلاقة في قيادتها لم تأت من فراغ وإنما جاءت من أعماق تاريخ عريق وبعيد وضارب في أعماق هذه الأرض، وينبغي علينا وحتى نمسك بالخيوط أن نبدأ من هناك من التاريخ فنقرأ شيئا من سطوره ونتأمل في شيء من صوره قبل أن نقرأ التفاصيل عن شخصيتنا التي نوثق لها، ينتمي المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة الى عائلة آل خليفة وهي عائلة تحتل مكانة عريقة في سجل تاريخ منطقة الخليج العربي خلال القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا).

ثم يسلط الكاتبان الضوء على تاريخ البحرين الحديث والذي يرتبط ارتباطا وثيقا بآل خليفة الكرام.

-  صداقة عمر ومشوار ونبض مشترك مع جلالة الملك

-  “المحرق والرفاع” ذكريات مغروسة في سنين الدراسة

حفيد الفاتح.. الشيخ خليفة هو الابن الثاني للشيخ أحمد بن سلمان بن خالد بن علي بن خليفة بن سلمان بن أحمد بن محمد “الفاتح” ولد يوم الأحد 24 فبراير 1946 في مدينة المحرق، وفي عام 1950 انتقل مع والده الشيخ أحمد بن سلمان آل خليفة الى مدينة الرفاع الشرقي وفي هذا العام وبالتحديد بتاريخ 28 يناير 1950 ولد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه في مدينة الرفاع وسوف تجمعهما صداقة مميزة ومشوار طويل في بناء قوة عسكرية تدافع عن استقلال وحدود مملكة البحرين.

بعد التخرج من الثانوية التحق الشيخ خليفة بن احمد بقوة الدفاع “الحرس الوطني آنذاك” في الأول من يناير 1966 وحصل بعدها على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية “ساندهيرست” البريطانية في ديسمبر 1968 ومن ثم تقلد العديد من المناصب في عدد من وحدات قوة الدفاع.

ثم يعرج الكاتبان ومن منظور تاريخي عن الشيخ خليفة بن احمد والصفات التي أهلته للقيادة، فتحت عنوان “الوالد حضور في العمر والذاكرة”.. يقول الشيخ خليفة:

(ربانا الوالد رحمة الله عليه تربية حازمة لم تكن تربية شديدة ولكنها لاشك حازمة، كان دائما وأبدا يركز على الدين بشكل أساسي في حياتنا ويعلمنا ونحن بعد أطفالا مبادئ ديننا الحنيف ويحرص أن نفهم ديننا ونتمسك به وبعقيدتنا الإسلامية السمحاء).

ويأخذنا بعدها الكاتبين فيما تبقى من الفصل الأول تأثير “المحرق والرفاع” في وجدانه وذكريات مغروسة في عمر سنين الدراسة والخطوات الأولى ثم عشق العسكرية وكيف اختارها ولماذا ومتى قرر أن يكون عسكريا؟

ويسرد علينا الشيخ خليفة بن أحمد قصة حدثت له مع والده رحمه الله، حيث تصدوا لمجموعة أغراب متسللين من إيران إلى بلادنا وهو لازال صغيرا لم يتجاوز الثامنة وذلك بعد توجه والده الى البحر المحاذي “للعريش” الذي يسكنونه في فترة “المقيظ” في ساحل سترة، فقد تبع والده وهو يحمل بندقيته الصغيرة وصوبها الى الأغراب، وبعدها جاءت الشرطة وأخذتهم وكان يوما مختلفا كل الاختلاف في حياته كما يقول وهو في عمره الصغير، حيث انغرس بداخل الطفل الذي شهد وشارك في صد ومنع التسلل الى البلد، انغرس إحساس وقرار آخر، لقد انغرست تلك الحادثة وتداعياتها بداخله وتفاصيلها ترسخت في ذهنه، وحينها قرر ودون تردد ان يكون “جنديا” عسكريا يذود عن وطنه في مواجهة الخطر.

الفصل الثاني من الكتاب يستجلي الكاتبان فيه روح الصداقة المبكرة التي جمعت وتوثقت بين جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه وبين معالي المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، وهي صداقة عمر ومشوار مشترك وحدت فيه الاقدار بينهما لهدف وطني نبيل وكبير.. يقول الشيخ خليفة بن أحمد:

(كنت ألعب مع جلالته في “حوشهم” كل لعبة للأطفال تخطر على البال، نلعب الكرة ونلعب على “السياكل” ونلعب “الصعقير” و “الكيرم”، كنا نخرج إلى رحلات برية كثيرة ونرمي ونصطاد الطيور، نمرح كفتية صغار في البر، نتعرف على الطبيعة من حولنا وجمعني مع جلالته رعاه الله عشق الطبيعة والتعلق بها، وجمعتنا الرياضة من هواية ركوب الخيل الى السباحة وكرة القدم والجولف).

ويتابع المشير، في أحد الأيام وفي تلك المرحلة ومع جلالة الملك رعاه الله وإذ كنا نتحدث كأصدقاء سألني “إلى أين يا خليفة بعد الثانوية؟” وقبل أن أجيب واصل جلالته “اسمع يا خليفة مشروعي بعد الثانوية هو تأسيس وإنشاء جيش وطني بحريني”.. وخفق القلب واستجاب اللسان بلا تردد “وأنا معك”.

وهكذا بدأت الخطوة الى الحلم القديم الذي ظل بداخلي وملازما لي “العسكرية هي عنواني وهي مستقبلي وهي محط تفكيري منذ الطفولة، وكان حديث جلالته ذاك هو بوابة الطريق الى تحقيق حلمي الذي ظل يسكنني لسنوات وسنوات، إنها ليست صداقة ولكنها عمر وحياة ونبض.

أما في الفصل الثالث فيأخذنا الكتاب وبأسلوب توثيقي الى الحياة العسكرية العملية للمشير من خلال أول قيادة له والمناصب التي تقلدها بدءا من قائد سرية، كتيبة، مرورا برئيس لهيئة الأركان، ووزيرا للدفاع، وصولا إلى نائب القائد العام ثم القائد العام لقوة الدفاع ودوره في تأسيس وبناء مرحلة تنمية وتطوير قوة الدفاع، ويتحدث هنا المشير عن العرض العسكري الأول بالصخير في 3 فبراير عام 1971 فيقول:

(في هذا العرض كنت قائد كتيبة المشاة الأولى وبرتبة نقيب، وشاركنا بعدد ثلاث سرايا مشاة وسرية إسناد، لقد كان استعدادنا كبيرا وأجرينا الكثير من البروفات الدقيقة وتحمل جنود المشاة العبء الأكبر لأن مسافة الاستعراض التي يقطعونها كانت طويلة وهم يؤدون واجباتهم بشدة وبأس، وفي الحقيقة إن الكل كان يعمل بجد وإخلاص متحملين المسؤولية لإنجاح أول استعراض عسكري تحت رعاية المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل طيب الله ثراه).

وقد خصص الفصل الرابع من هذا الكتاب القيم للحديث عن مرحلة الاكتمال في قوة دفاع البحرين ودور المشير في هذه المرحلة، والفصل الخامس وثق مشاركات قوة الدفاع منذ تأسيسها في الواجبات والمهام العسكرية مع الدول الشقيقة والصديقة داخل وخارج المملكة ومنها بكل تأكيد عمليتي “الفاروق 1 و 2”، والباب السادس حلق بنا في سماء وأفق هوايات المشير الشيخ خليفة بن أحمد، فمعاليه رياضي بارع وهواياته متعددة كالقنص والرماية والفروسية والرياضات البحرية وكرة القدم والجولف، ولديه رصيد غزير من الثقافة من شعر وقراءة ومطلع على المدارس التشكيلية ويحب التشكيل، كما انه ملم إلماما كبيرا بالطوالع والنجوم وقرأ كتب الفلك القديم منها والجديد

- العسكرية هي عنواني ومحط تفكيري منذ الطفولة

- هوايات متعددة ورصيد غزير من الثقافة

إن هذا الكتاب الموسوعة بالفعل وثيقة من وثائق تاريخنا البحريني المجيد، وفيه قدر هائل من الرصد بشكل يدعو للإعجاب ويحوي أبعادًا عميقة فسيحة المدى، ويستحق القراءة والدراسة المتأنية والعميقة.

شارك الخبر على