كشفت فساد زعماء العالم.. من قتل الصحفية المالطية دافني جاليزيا؟

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

بعد تلقيها تهديدات كثيرة خلال الأسابيع الأخيرة من قبل أشخاص نافذين ومسئولين بارزين بالحكومة المالطية؛ نشرت تقارير حول تورطهم في قضايا فساد وغسيل أموال في جزيرة مالطا، لقيت الصحفية والمدونة "دافني كاروانا جاليزيا"، عضو الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين مصرعها عبر انفجار سيارتها من طراز (بيجو 108) على مقربة من منزلها بعبوة ناسفة، وتناثر حطامها في الحقل المجاور.

"دافني" تعد من أشهر الصحفيين المحليين في مالطا، والتي شاركت في كشف وقائع الفساد في موطنها عبر "وثائق بنما" الشهيرة، وفق ما ذكرته صحيفة "الجارديان" البريطانية التي ذكرت أن جاليزيا سبق وأن تقدمت بشكوى لدى الشرطة منذ أسبوعين عن تهديدات تتلقاها، وبعد ساعات من وقوع حادث الاغتيال، أصدر رئيس الوزراء المالطي جوزيف موسكات بيانًا أدان فيه الحادث ووصفه بالهجوم الوحشي على حرية الصحافة في بلاده ودونّ عبر حسابه الخاص على موقع التدوين الصغير "تويتر"، أكد فيه أنّه "لن يرتاح قبل تحقيق العدالة".

 

الصدمة

شعور بالغ بالصدمة إزاء الأخبار المأساوية لمقتل "دافني" ظهر أمس، عدد كبير من المواطنين في جميع أنحاء مالطا، وفي مختلف أنحاء العالم، وأعلنوا الحداد على حادث مصرعها المأساوي، وذلك على صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكن العديد من الناس التقطت الجملة الأخيرة في مشاركة مدونة دافني وعلقت بأذهانهم عن المحتالين في كل مكان.

كانت "دافني" تبلغ من العمر 53 عامًا، ولديها ثلاثة أبناء من زوجها المحامي بيتر جاليزيا، وبدأت مسيرتها الصحفية في عام 1987 ككاتبة عمود لصحيفة "صنداي تايمز" في مالطا، لكنها كانت معروفة في السنوات الأخيرة عبر تحقيقها الأخير عن "وثائق بنما"، ووصفت مدونتها الأخيرة كلًا من رئيس هيئة الأركان ورئيس الوزراء في مالطا بـ"المحتال" وحذرت: "هناك المحتالين في كل مكان نظرتم الآن، الوضع يائس".

وهي واحدة من أبرز المحققين الصحفيين خلال السنوات الأخيرة، واهتمت بالكشف عن الفساد الذي يحيط بشركات الأوف شور في موطنها، وهي تلك الشركات التي تقع خارج الأراضي في بلدان تتمتع بالسرية المصرفية وغالبًا ما تستخدم أسماء وهمية، ما يسمح بإخفاء هوية المالكين الحقيقيين.

بث مباشر

وكانت مدوناتها المعروفة باسم "بث مباشر" «Running Commentary»، والذي كان له جمهورًا واسعًا يفوق في أحيان كثيرة بعض الصحف المالطية وكانت تدويناتها اليومية بمثابة شوكة في جانب كل مسئول بالدولة يستغل سلطاته ونفوذه وكان لها تأثيرًا بالغًا يتخطى حدود مالطا، أصغر دولة في أوروبا حتى وصفت مؤخرًا من قبل موقع "بوليتيكو" الأمريكي المعارض بأنها "إمرأة ويكيليكس الوحيدة".

وفي فبراير الماضي، دونت عبرها أن وزيرة الاقتصاد في البلاد وحليف لها قد رفعت دعوى قضائية ضدها بسبب التشهير، وتم تجميد حسابات الوزيرة في البنوك بعد اتهامها بزيارة بيت للدعارة في ألمانيا أثناء وجودها في أعمال حكومية رسمية، وآخر ما دونته "دافني" قبل 30 دقيقة من مقتلها: "هناك أوغاد في كل مكان تنظر إليه الآن، لقد أصبح الوضع مؤسفًا"، وهاجمت خلال التدوينة قادة المعارضة، ووَصفت الوضعَ السياسي الحالي في بلدها بأنه "يائس".

 

وتحتل مالطا المرتبة 47 في مؤشر الحرية العالمية للصحافة فوق اليابان وإيطاليا وإسرائيل، وفقًا لما ذكرته "منظمة مراسلون بلا حدود" المعنية بحرية الصحافة حول العالم، والتي أدانت الحادث.

وفي مارس قبل الماضي نشرت "دافني" تحقيقًا استقصائيًا ضمن فريق الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين الذي يتخذ من واشنطن مقرًا له ويضم أكثر من 370 صحفيًا داخل ما يقرب من 70 دولة حول العالم، استنادًا إلى 11.5 مليون وثيقة مسربة حصلت عليها، أن 140 زعيمًا سياسيًا من حول العالم، بينهم 12 رئيس حكومة حاليًا أو سابقاً، هربوا أموالاً من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية آمنة كان من بينها "جزيرة مالطا"، وتم تسريب هذه الوثائق من مكتب المحاماة البنمي "موساك فونسيكا" الذي يعمل في مجال الخدمات القانونية منذ أكثر من 40 عامًا.

وتعيد هذه التسريبات إلى الأذهان الوثائق السرية التي نشرها موقع "ويكيليكس" الذي أسسه جوليان أسانج في 2006، كما تذكر بالوثائق السرية التي سربها المحلل السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، والتي كشفت نطاق عمليات التجسس التي تقوم بها الوكالة.

الصحفية "دافني" بدورها اهتمت بالكشف عن "كواليس الملاذ الضريبي" داخل موطنها بـ "جزيرة مالطا" التي تقع في منتصف البحر المتوسط شمال ليبيا وجنوب إيطاليا، ويتعلق بنشر وثائق وملفات التهرب الضريبي وغسيل الاموال والفساد، ويكشف عن أشخاص ومسئولين بارزين وكيانات ومؤسسات مشاركة في 53 الفا و247 شركة مسجلة في مالطا.

من يقف وراء الحادث؟

حادث اغتيال "دافني" جاء بعد أربعة أشهر من فوز حزب العمل بزعامة رئيس وزراء مالطا الحالي، جوزيف موسكات، في الانتخابات العامة، التي دعا إليها في وقت مبكر، نتيجة سلسلة من الفضائح والإتهامات التي كشفت عنها الصحفية المالطية تحت ضغط تورط مقربين منه في فضيحة "وثائق بنما".

عرّض موسكات (43 عامًا) زعيم الحزب العمالي منذ 2008 الذي انتخب على رأس الحكومة المالطية في عام 2013، بذلك منصبه للخطر قبل عام من انتهاء ولايته في الوقت الذي تتولى فيه مالطا الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي حتى 30 يونيو، منذ انضمامها إليه في عام 2004، ووجّهت "دافني" أصابع الاتهام إلى جوزيف موسكات، رئيس وزراء مالطا، واثنين آخرين من مساعديه المقرّبين على خلفية تورّطهم في قضية تتعلق بشركات الـ"أوف شور"، التي ارتبطت بثلاثة رجال بارزين يبيعون جوازات سفر مالطيّة وتلقي دفوعات ماليّة من حكومة من أذربيجان.

المحتال والفاسد

 

 

"الفساد يأخذ أشكالاً عديدة، ولكنه ينطوي دائمًا على إساءة استخدام السلطة لتحقيق مكاسب خاصة".. هكذا جاء تعريف الفساد من منظمة الشفافية الدولية، ومن بين الأسماء الأخرى التي وردت ضمن قائمة المتهمين بالتربح والفساد واستغلال النفوذ في قضية وثائق بنما والتي كشفت عنها "جاليزيا" عبر تحقيقها الأخير كان أوباما كيث شمبري، رئيس الأركان المالطي الذي وجهت له اتهامات باستخدام نفوذه لصالح شركته الخاصة في مالطا.

وكان هذا المحتال "شمبري" في المحكمة اليوم، مدعيًا أنه ليس المحتال.. كان هذا أخر ما دونته جاليزيا صباح أمس الإثنين عبر مدونتها الخاصة قبل مصرعها بساعات، وجاء فيها أن "السيد شمبري، رئيس الأركان المالطي يدعي أمام المحكمة أنه ليس فاسدًا، على الرغم من قيامه بإنشاء شركة سرية "أوف شور" في بنما جنبًا إلى جنب مع وزير السياحة كونراد ميززي، عضو البرلمان المالطي والسيد إجرانت بعد أيام فقط من فوز حزب العمل في الانتخابات العامة التي أجريت في عام 2013، وإيواء ذلك في سرية للغاية في نيوزيلندا".

وفي تحقيقات "وثائق بنما" اتهمت "دافني" أيضًا زوجة جوزيف موسكات، رئيس وزراء جمهورية مالطا بتلقيها أموالاً من ابنة رئيس أذربيجان، من خلال شركة أنشأتها "موساك فونسيكا" في بنما، ونفى كل من موسكات وزوجته الاتهامات وقاضيا غاليزيا في وقت سابق من هذا العام. 

هؤلاء متورطون

نجل الصحفية الراحلة، ماثيو مارك جون، نشر اليوم "بوست" مطول على "فيسبوك"، أكد من خلاله أن مصرع والدته ليس حدثا مأساويًا، بل نتيجة حربها ضد الجريمة المنظمة، وأن والدته تدفع ثمن مواجهة الفساد، واتهم رئيس الوزراء في البلاد ودائرته الداخلية بأنهم "متواطئون" في اغتيالها.

وفي المنشور الإلكتروني عبر "فيسبوك" الذي وصف فيه ماثيو ما رأى بعد لحظات من إنفجار سيارة والدته بالقرب من منزلها، أكد أن "دافني" اغتيلت لأنّها وقفت بين حكم القانون ومن أرادوا تجاوزه، قبل أن يختم نصه الطويل ملقيًا اللوم على عاتق رئيس الحكومة، ومدير مكتبه كيث شمبري، رئيس الأركان المالطي.

كما اتهم نجل الراحلة كلا من النائب العمّالي كريس كاردونا، ووزير السياحة كونراد ميزي (عضو البرلمان عن حزب العمّال)، والنائب العام ومفوضي الشرطة الذين لم يتحرّكوا، متهماً إيّاهم بـ "التواطؤ"، ومحمّلاً إياهم مسؤولية ما حدث لوالدته.

حادث وحشي

وفي تصريحات صحفية لجريدة "الإندبندنت" البريطانية، طلب زوجها، بيتر جاليزيا، من القاضي المالطي "سسيري هيريرا" استبعاده من التحقيق بسبب وقائع اتهامات سابقة مع زوجته الصحفية الراحلة.

فيما وصف رئيس البرلمان الأوروبي "أنطونيو تاجاني" حادث القتل بأنه "وحشي"، وقال في تصريحات صحفية عن "دافني" بأنها "مثال مأساوي للصحفي الذي ضحى بحياتها للبحث عن الحقيقة.. إنها لن تُنسى".

 

شارك الخبر على