اللقاء اللبنانيّ السوريّ ضروريّ في التأكيد على العودة الآمنة للنازحين

أكثر من ٦ سنوات فى تيار

بقلم جورج عبيد
 
في حمأة التطورات البليغة المتدحرجة نحو كركوك ضمن إقليم كردستان، والمتدحرجة بهذا الكيان النفطيّ نحو احتراب حاسم لن يكون متفصلاً عن واقع الحسم في دير الزور والرقة، حصل تطوران على المستوى اللبنانيّ بخطين معاكسين، خطّ تمثّل بلقاء وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل بوزير الخارجية السورية وليد المعلم في نيويورك، وخط زيارة الدكتور سمير جعجع والشيخ سامي الجميل إلى الرياض.
بين الخطّين المعاكسين وقبل تشريحهما، لا بدّ من التوقّف عند كلمة لبنان التي ألقاها رئيسه من على منبر الأمم المتحدة خلال انعقاد الجمعية العموميّة وما صاحبها من حراك، وزيارته الهامة إلى باريس وقد ساهمت كثيرًا بجلاء تاريخ تدحرج بالعلاقة الفرنسيّة-اللبنانيّة إلى خلف، ليعيد اللقاء لبنان إلى موقع متقدّم ومسيحيي المشرق إلى الموقع المتفاعل.
لقد أظهر فخامة الرئيس حرصه الكبير في كلمته في الأمم المتحدة، على أن لبنان دولة كاملة الأوصاف ترفض التوطين بأنواعه المتعددة، وذكّر بأن في لبنان خمسمئة ألف فلسطينيّ يعيشون في المخيمات وواحد منها قد غدا ملجأ للإرهابيين، وللسوريين الذين فاق عددهم على المليون ليبلغ مليون ونيّف. أهمّ ما أظهره في مسرى الحرص تركيزه في العودة الآمنة وليس العودة الطوعيّة ردًّا على المنطق الأميركيّ الكامن في خطاب الرئيس دونالد ترامب. فمنذ نشوء تلك الأزمة ، وقد غدا النزوح إلى لبنان قنبلة موقوتة ومزروعة في أحشائه لتنفجر كما انفجرت فلسطين في قلب لبنان سنة 1973 ومن ثم 1975، وكما أنفجرت في الأردن يوم أيلول الأسود سنة 1969. لقد أدخل اللجوء السوريّ مصطلحًا بات مألوفًا في المجتمع الدوليّ بل هو من نحته وهو مصطلح الاندماج كما كشف وزير خارجية لبنان جبران باسيل غير مرّة، وهذا المصطلح تم وصلح بمصطلح آخر غريب وعجيب وهو العودة الطوعيّة، ليظهر اللاجئين في لبنان ما بين خيارين إما أن يعودوا بملء إرادتهم إلى سوريا، أو أن يرغموا على العودة بعد جدولتها من قبل السلطات السورية واللبنانية على السواء. لقد ركّز السيّد الرئيس بمصطلح لبناني عنوانه العودة الآمنة بمعنى بأن اللاجئ السوريّ أو النازح السوريّ سيعود إلى سوريا إلى القرى والبلدات والمدن التي تحررت وتأمّن أمنها ضمن اتفاق أمنيّ بين لبنان وسوريا.
على هذا الإيقاع تم لقاء "باسيل-المعلّم"، وهو لقاء بديهيّ بين وزيرين محترمين يملكان خصوصيتان نظاميتان تعترف الواحدة بسيادة الأخرى ويتمازجان في توق متوثّب بغية اكتمال عملية تطهير الأرض من الإرهابيين ورسوّ سوريا نحو تسوية سياسيّة تقود إلى رسوخ جديد لها في سلام داخليّ. ما هو مهم للبنان وسوريا على السواء أن تتأمّن عودة كريمة وآمنة للنازحين السوريين إلى القرى المحررة. اللقاء بين الوزيرين جاء من منطلق الحرص على تأكيد العودة الآمنة، وهي تعبّر عن فهم مشترك بضرورة نزع هذا الفتيل وإبطال اللغم من أحشاء لبنان وسوريا معًا، عكسه بصورة إيجابيّة حديث وزير الخارجية جبران باسيل إلى برنامج كلام الناس مع مارسيل غانم. لكنّ رئيس الحكومة سعد الحريري أفصح في مؤتمره الصحافيّ عن اعتراضه على هذا اللقاء مظهرًا رفضه بالتعامل مع النظام السوريّ كما هو قال، مثبّتًا كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق وكلام الوزير باسيل في حديثه التلفزيونيّ بأنّه أبلغ الرئيس الحريري خروجه عن التسوية مع الحريري بخصوص مسألة النازحين والتحاور مع السوريين. لا ينفي الحريري ذهابه إلى السعوديّة والدكتور سمير جعجع والشيخ سامي الجميل ذهبا إلى الرياض، ليبدو لبنان أمام معطى جوهريّ يترسّب إلى الداخل مع محاولة السعوديّة لإعادة تجميع القوى من جديد، واستهلاك لبنان كورقة في صراع مأخوذ إلى كركوك ترعاه بدورها إلى جانب إسرائيل.
ثمّة من يطرح على الرئيس الحريري سؤالاً مفاده، ألم تبرّئ يا دولة الرئيس سنة 2010 وفي حديث لك لجريدة الشرق الأوسط الرئيس بشار الأسد من قتل أبيك؟ لماذا ترفض الاندراج بتسوية جديدة يعرف معظم القوى بأنها ستولد من رحم الركام والميدان وستقود لبنان إلى الاشتراك بعملية الإعمار في الداخل السوريّ، بعد حسم الصراع في كردستان حيث الأكراد أوراق يتمّ التلاعب بها لمصالح تخص على وجه التحديد إسرائيل وتختصر بعنوان واحد تفكيك المنطقة؟ ويستطرد طارح السؤال ليقول، بأن الرئيس الحريري يعلم علم اليقين بأنّ المجتمع الدوليّ وعلى رأسه الولايات الأميركيّة المتحدة، غير مصمّم على حلّ مسألة اللاجئين السوريين فالوثائق المقدّمة منه تتكلم على مفهوم الاندماج أو الدمج، مذيّلة بعبارة العودة الطوعيّة وهي عبارة استعملها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته في الأمم المتحدة، ولا تتكلم البتّة على مفهوم العودة الآمنة وهو موجودة في كلمة الرئيس، حيث تتجدول العودة أمنيًّا وقانونيًّا بين لبنان وسوريا. يفترض بالرئيس سعد الحريري أن يدرك بأن حلّ العودة محضورة بدولتين معنيتين هما لبنان وسوريا. الخطورة في ظلّ التراكمات السائدة أن ينعزل لبنان عن سوريا تحت ستار النأي بالنفس، فتسعمل تلك المألفة كغطاء لندراج أفرقاء سياسيين آخرين في الخطّ السعوديّ.
هل الخطان المعاكسان مرتبطان بالنزاع حول كردستان والعراق وبالتحديد حول كركوك؟ من الواضح جدًّا بأنّ العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد عون والمملكة تمرّ بحقبة سيّئة، فخطاب الرئيس المتبنّي للمقاومة يتنافى بالكليّة مع قراءة المملكة لدور المقاومة على مستوى الصراع في المنطقة، وعلى الرغم من ذلك فإنّ الخطّان المعاكسان يسيران على إيقاع الدعوة إلى استفتاء شعبيّ حول مسألة قيام دولة كردية. فهذه المسألة كما يظهر تقود ذلك المدى بالإضافة إلى دير الزور والرقة إلى معارك طاحنة وحاسمة بالمطلق، ضمن مشروعين يتصادمان عموديًّا وأقفيًّا:
1-مشروع تقسيميّ لا تزال إسرائيل تصرّ عليه منذ الخمسينيّات من القرن المنصرم، حاولوا تمريره بعد حصول نكبة فلسطين في لبنان والأردن والعراق وسوريا. في لبنان الذي ذاق مرارة الحروب المتنقلة على أرضه فشل المشروع وسقط، ولبنان قبل هذا المشروع سواء صنع كبيرًا أو كان صغيرًا مؤسّس من كيانات طائفيّة، وفي الأردن قبل لبنان، حاولوا تفجيره وكان أيلول الأسود سنة 1969 القمّة ففشل بدوره لكن العراق لا يزال واقفًا على فوهة بركان، وفي العراق بدأ المشروع يتسلّل إليه سنة 2003 مع الدخول الأميركيّ وسقوط صدام حسين، ليجد نفسه في أزمة كيانيّة لكنّه فهم أن إقرار دويلة كردية على تخومه وفي كركوك بالذات سيعرّضه للتمزّق، وفي سوريا كانت الحرب فيها وعليها تهدف إلى ترميدها ومن ثمّ تقسيمها، فتمّ إجهاض المشروع هذا بواسطة التحالف المتين بين روسيا وإيران والمقاومة والجيش السوريّ، قبل سوريا حاولوا زرع الفوضى الهدّامة على أرض لبنان بقتل رفيق الحريري ومن ثمّ بالحرب الإسرائيليّة على لبنان سنة 2006، ليظهر لبنان أكثر مناعة على الرغم من كلّ خلاف سياسيّ فيه، فلبنان بني على التوافق وهو يبنى على التوافق، والتسوية السوريّة ستبنى على مبدأ المشاركة الفعالة بين الشرائح والأطياف وحجر الزاوية هو الرئيس بشار الأسد، بعد حسم واقع هذا المثلّث كركوك دير الزور والرقّة.
2-مشروع وحدويّ، يبقي الاعتبار راسخًا لمفهوم الدول والأنظمة الراعية الضابطة للكيانات. وهذا المشروع تتبناه روسيا وإيران وعدد من الدول الأوروبيّة، ذلك أنّ أي مشروع تقسيميّ قائم على الدويلات لن يبقى محصورًا في ما سمي قديمًا برّ الشام أو المشرق العربيّ، بل سيتوسّع نحو تركيا وصولاً إلى روسيا ويطال بدوره الخليج العربيّ بفعل عدم إيجاد حلّ للصراع المذهبيّ، والصراع البنيويّ بين قطر والسعوديّة. وتلك كانت نظرية برنارد لويس القائمة على تقسيم السعوديّة. المشروع التقسيميّ جوهره إسرائيليّ وأميركا تستخدمه للسيطرة على نفط كركوك إلى جانب السعوديّة، والمشروع الوحدوي جوهره روسيّ-إيرانيّ يهدف إلى إعادة كركوك للعراق ومن ثم إعادة الاعتبار لمفهوم الدول.
أمام تلك الرؤية إنّ خطاب الرئيس مع لقاء جبران باسيل ووليد المعلّم، ينتمي إلى المشروع الوحدويّ الهادف لترسيخ الدولة ورفض أيّ توطين على أرض لبنان أي التأكيد على العودة الآمنة للنازحين، فيما السعوديّة في لقاءاتها هادفة لتطويق العهد وحزب الله وسوريا، وهادفة لكي تجعل من لبنان منصّة في المعركة الفاصلة في المثلّث العراقيّ-السوريّ، أي كركوك ودير الزور والرقة، وهي المعركة التي ستحدّد مصير المنطقة بأسرها ومسارها السياسيّ والكيانيّ. وما على الأفرقاء اللبنانيين سوى فهم تلك الحقائق والعمل بمقتضياتها.
 

شارك الخبر على