إستراتيجية الربيع العبري

أكثر من ٦ سنوات فى الشروق

لعله من الأهداف القريبة التي كانت وراء مرحلة "الربيع العربي" والتي أطلقت عليه شخصيا مصطلح الربيع العبري هي إضعاف الدولة الوطنية . بل وإنهاكها ثم إستراتيجيا تفكيكها والقضاء عليها . وذلك لصالح الفوضى الخلاقة ,التي ستؤسسها إبتداء من تسليم مفاتيح الحكم للإخوان المسلمين بعد عهدتهم للشيخ حمد آل ثاني في مشيخة قطر في بيعتهم لواشنطن ولندن وباريس والتطبيع النهائي مع إدارة أوباما .تلك التي ستعمل خلافا لإدارة بوش الإبن على الدخول في الحروب الناعمة عوضا عن الحروب المعلنة بتعبيد الطريق بجيش من المنظمات وجمعيات المجتمع المدني المشبوهة من فريدوم هاوس إلى مركز الإسلام والديمقراطية إلى فريدريك إيبارت وغيرها كثير .و ستدخل إدارة أوباما عصر حروب الجيل الرابع الناعمة التي سترفع شعار "دمر نفسك بنفسك" بإسم التغيير والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي . وستعمل على إيجاد معاول الهدم والتدمير ونشر الفوضى عن طريق تسونامي المجاميع الإرهابية المدرّبة كأحسن ما يكون التدريب والرسكلة في معاهد السي آي آي ومعسكراتها لتكون جيوشها التي ستضرب بها فيما بعد في كل من سوريا والعراق ولبنان وليبيا ومصر واليمن بعد ما تطلق صفارة الإنذار الأمريكية مواقيتها .و بالتالي ستستعين بنقل تجربة المجاهدين الأفغان والعرب للقيام بنفس الدور في تأسيس تنظيم القاعدة لضرب الإتحاد السوفيتي سابقا وروسيا والصين والهند في إطار محور البريكس لاحقا. مع تحويل شعار ضرب المد الشيوعي بإسم محاربة الكفر والإلحاد إلى شعار الإنتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي والتغيير السلس للسلطة بإسم الإطاحة بالنظم الدكتاتورية والمستبدة .و هكذا سيتم تعميم وإنتشار الإرهاب الأعمى الذي ستصنّعه وتشغّله الإدارة الأمريكية عن طريق وكلائها المحليين والإقليميين .وهذا سيكون بواسطة مجاميع إرهابية وعصابات مسلحة, تدعي الإسلام والإصلاح والتغيير بإسم الدين. وكأنها الناطق الرسمي بإسم الإله في الأرض . فسترفع شعار الرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله من أجل تطبيق شرع الله وإقامة دولة الخلافة الر اشدة وفق منهج الإسلام السياسي لحركة الإخوان المسلمين .ذلك المنهج الذي جرى العمل على ترويجه والدعاية له فكريا وسياسيا كحل لا غنى عنه ومخرج لما بعد نكسة وأزمة جوان 1967 .وستكتسب "الصحوة الإسلامية" على يد خطباء الإخوان وشيوخ المد الوهابية شرعيتها وبريقها خلال ثلاثة عقود خلت . وذلك منذ عقد السبعينيات بعدما سيتعرّض له قادتها من تعذيب ممنهج وتنكيل متعمد ومحاكمات صورية وغير عادلة والزج بهم في غياهب السجون. وبما أن خطاب الصحوة الإسلامية والإسلامويين عموما سهل في مجتمع سني " ديني متخلف كان خطابا معسولا وجذابا للشارع paternel" أبوي بطريكي العربي الذي غزته الفضائيات الوهابية في بيوته أعني في عقر داره في العقدين الأخيرين عن طريق شيوخ الإخوان والوهابيين .من يوسف القرضاوي في قناة الجزيرة القطرية إلى الشيخ حسان إلى وجدي غنيم والشيخ العريفي إلى ساحر الشباب الدكتور عمرو خالد. وذلك من خلال قنوات إقرأ والرسالة وغيرها التي نصفها معد لآخر تقليعة وتسريحة في الشعر إلى آخر موضة في صناعة الجمال . بل إن بعض القنوات الخليجية التي تدعي الحرص على التسنّن المتشدد في بعده الأخلاقوي ذهبت إلى حد الترويج للدعاية والإثارة الجنسية. ولعل السبب الذي يكمن وراء كسب عواطف عامة الناس من الجمهور العربي وغيره المستهدف من هكذا عشرات القنوات الدينية هو فشل الأنظمة العربية في الخروج من التخلف والتبعية . ذلك أن الشارع العربي قد إكتوى لعقود من تجارب أنظمة غير وطنية إستبدادية وفاسدة سواء منها التي حكمته بإسم الدولة الحديثة والحداثية كما في تونس أو مصر السادات وحسني مبارك . أو تلك الأنظمة الوطنية العسكرتارية التي تجعل من المؤسسة العسكرية هي السلطة الحاكمة والمتنفذة في المجتمع مختفية في زي مدني شكلاني صوري ,كما في عراق صدام حسين أو ليبيا القذافي أو سوريا التي تغولت فيها الدولة الأمنية العسكرية على حساب الدولة المدنية. وبالتالي وجد ذلك الخطاب الديني رواجه وسحره في وجدان المجتمع العربي الذي مازال في أغلبه تراثيا يعيش على أنقاض الماضي والسلف .هذا المجتمع العربي الذي مازالت بناه الثقافية والإجتماعية والسوسيولوجية تقليدية رثة وفي أحسن الأحوال بنية يطغى عليها الإستيراد لنموذج الغرب وأنماطه الثقافية بالضبط كما تستورد التكنولوجيا الغربية الحديثة للإستهلاك لا غير . وتبعا لذلك إنتقل السلوك الإجتماعي الغربي للمجتمع العربي بعقلية التقليد الأعمى والإنبهارالشكلي بسلوك المجتمع الأوروبي .ما أنتج إزدواجية وإنفصام في الشخصية العربية المتذبذبة .فهي من جهة لم ترم الخروج من تراث ديني سلفي مغرق في الإنغلاق والماضوية إلا شكليا وفي المظهر , ومن جهة أخرى لم ترم الحداثة والتفتح على الآخر بمعنى الثورة على الذات التراثية الغارقة في الماضي الجامد والمضي قدما نحو التجديد وفق قاعدة جدلية الأصالة والمعاصرة . لذلك نجد الخطاب السلفي هو الخطاب المكثف والحاضر بثقل كبير في كل الحركات الأصولية الإسلاموية الإمتداد الطبيعي لفرقة أهل السنة والجماعة التي تطالب بالعودة بقوة إلى الرجوع للسلف الصالح على معنى ما إستلهمه الإمام مالك فيما قاله " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها". ولم تكن مراكز البحوث الأمريكية الإستراتيجية ولا المخابرات غافلة عن هذه الحقائق , بل كانت موضوع أبحاثها وإستنطاقها للتراث العربي والإسلامي والواقع السياسي الذي تعيشه الأنظمة العربية بغاية توظيفه سياسيا في العديد من الأعمال والدراسات الأكاديمية والعلمية .و من ثمة السعي إلى وضع الخطط والبرامج للتنفيذ كمشروع الشرق الأوسط الكبير ثم الجديد . ومن أمثال الأساتذة الذين سخروا أبحاثهم لفائدة المركزية الأمريكية نجد برناردلويس أستاذ التاريخ المختص في الشرق الأدنى الذي قام بعمل ضخم في: تنبؤات - مستقبل الشرق الأوسط وكذلك صامويل هنتنتغون منظر "صراع الحضارات" الذي أثار نقاشا فكريا وسياسيا كبيرا على المستوى العالمي وإشتهر بهذه الأطروحة" حول "صراع الحضارات"، التي يرى من خلالها أن "صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية لعوامل سياسية أو اقتصادية أو أيديولوجية، لكن توقع أن تظهر مواجهات حضارية لأسباب دينية وثقافية". كما أن لفرانسيس فوكوياما في أطروحته حول" نهاية التاريخ والإنسان الأخير" الذي كان من المحافظين الجدد نظريته في إنتصار الديمقراطية الليبرالية على النموذج الإشتراكي , وبالتالي يذهب حسب قوله إلى عولمة النظام الديمقراطي .فوكوياما الذي قال "بضرورة أن تعجل أمريكا في غسل يديها من اللوثة التي إرتكبتها في العراق من خلال دعم التحول في العالم العربي , وأن تضع هذه الإستراتيجية كبند أساسي في سياستها الشرق أوسطية " .

شارك الخبر على