تقسيم العراق

أكثر من ٦ سنوات فى الشبيبة

علي ناجي الرعويواضح تمامًا أن العرب اقتنعوا أخيرًا بأنهم الذين لم يعد لهم أي دور مؤثر في مجريات الأحداث المتسارعة والمتصاعدة في المنطقة، وواضح أيضًا أنهم الذين باتوا يشعرون أن إصلاح النظام العربي الذي تتجاذبه اليوم رؤيتان متنافستان حول ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا وفي غيرها من الساحات العربية المضطربة أصبح هو الآخر رهانًا ميؤوسًا منه، بعد أن انكشف هذا النظام -أقله- على مستوى الأزمات الأساسية، ليغدو لا وزن له على النطاق الإقليمي والدولي، ولا فاعلية له تذكر عند الآخرين.وبفعل هذا الشعور والإحساس المتأخر فقد فضَّل وزراء خارجية الدول العربية عدم الاستعجال في التعبير عن موقفهم بشأن دعوة قادة إقليم كردستان العراق للاستفتاء على الانفصال يوم 25 سبتمبر الجاري، حتى يتمكن أولئك الوزراء من الوقوف على ردود فعل الآخرين على هذه الدعوة، واتخاذ الموقف بناء على ما يُستنبط من تلك المواقف، مع أن الشيء الطبيعي أن يكون الموقف العربي هو من يتعين أن تستلهم منه الأطراف الإقليمية والدولية تقديراتها لأبعاد الخطوة الكردية التي تستهدف -بدرجة مباشرة- وحدة وسيادة دولة عربية، إلا أن المفارقة الصادمة وغير السارة أن ذلك الموقف العربي الذي جاء متأخرًا زمنيًا لم يكن بحجم التوقعات، فقد بدا باهتًا وخجولًا مقارنة بمواقف دول إقليمية ودولية؛ ما ترك انطباعًا لدى الآخرين من أن الدول العربية انصرفت كليًا إلى شؤونها الداخلية، ولم تعد لديها قدرة التركيز على أكثر من قضية، والعمل على أكثر من جبهة في وقت واحد.لذلك لن أقف طويلًا أمام موقف وزراء الخارجية العرب الذي لم يُرد أصلًا اختبار قدرته في هذا المجال، لظني -ربما- أن ذلك الموقف الرخو لم يكن سوى لرفع العتب، ولن أخوض في التداعيات التي ستترتب على تقسيم العراق ووضعه على مشرحة التفتيت والتفكيك على مرأى ومسمع من أشقائه العرب الذين يعلمون أن تكرار تجربة السودان الذي انتهت حربه الأهلية باتفاق رسمي على تقسيمه لدولتين على الطريق يعكس إلى حد كبير أن ثمة مسارًا تقسيميًا مرسومًا بعناية، ويجري حاليًا تجهيز أدواته لتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة عرقية وطائفية ومذهبية، يسهل التحكم بها على النحو المخطط له في العراق، والذي لن يُقسَّم إلى دولتين وإنما ربما إلى ثلاث كيانات: كردية وشيعية وسنية، وهو ما سيقود حتمًا إلى اختفاء اسم العراق من خريطة العالم العربي، وإذا ما تساقطت أحجار الدومينو انطلاقًا من العراق وفق الخرائط الموجودة فإنها قد تتدحرج وتتمدد على تخوم الوطن العربي كله.والسؤال: من الذي شجَّع الزعامات الكردية على هذه الخطوة؟ بالتأكيد فإن المجتمع الدولي ولاسيما الولايات المتحدة التي تفردت بإدارة الملف العراقي بعد إسقاطها لنظام صدام حسين ستجد في خطوة انفصال إقليم كردستان طريقًا لتحقيق طموحاتها في تجزئة هذا البلد، والسيطرة على إقليم كردستان الذي يشتهر بأنه غني بالنفط، وبالتالي فهو من قد يحتاج -حكمًا- إلى رعاية خارجية لكي يستطيع تحقيق خطته بالانفصال عن بغداد، وقد كان لافتًا في هذا الصدد أن الموقف الأمريكي قد جاء ليطالب بتأجيل الاستفتاء وليس إلغاءه؛ ما يعني أن اعتراض واشنطن هو على موعد الاستفتاء فقط لكونه لا يخدم خططها -ربما- في الوقت الراهن، أو أنه قد يؤثر على وجــود قواتها المنتشرة على مقربة من الحدود السورية العراقيـــة، ولذلك فما يُفهم من هذا الموقف هو أن واشنطن لا ترى في انفصال إقليم كردستان تجاوزًا أو مانعًا قانونيًا بقــدر ما هو تعبير عن رغبة جـزء من الشعب العراقي فـــي ممارسة حقه في تقرير المصير، وأن هذا الحق ينطبق علــى المكونات العراقيـــة الأخرى إذا ما سعت إلى الانفصال، أو احتاج أي منها إلى مقومات بناء دولة مستقلة.نعرف أن عالم السياسة ليس ملائكيًا، وأن هناك من له حساباته وتكتيكاته المبيتة تجاه ما يتعلق بموضوع انفصال إقليم كردستان العراق، ونعلم كمتابعين أنه وكلما اقترب موعد الاستفتاء الخاص بانفصال ذلك الإقليم؛ ارتسمت طبيعة شبكات المصالح التي ستحدد موقف هذه الدولة أو تلك من قبول أو رفض ذلك الانفصال، بما في ذلك موقف الدول العربية التي وإن أعلن وزراء خارجيتها رفضهم أي إجراء من شأنه المساس بوحدة العراق، فهناك من المؤشرات ما يدفع للاعتقاد أن بعض الدول العربية قد تتجه لتأيد الانفصال إما نكاية بتركيا أو رغبة في مناكفة إيران، وبالذات في ظل الإجماع على أن انفصال أكراد العراق سيشكل حافزًا لأكراد تركيا وإيران وسوريا للتمرد والسير في اتجاه إقامة كيان كردي يضم جميع الأكراد بالمنطقة، وهو ما يمكن أن يصبح بمثابة المخلب في مواجهة الأطماع التركية والإيرانية، ولا شك أن ما يمكن أن يقال هنا هو إننا في لحظة حساسة وخطيرة، تقتضي أن ينصبَّ تفكير العرب حول ما يساعدهم على ابتكار حلول جديدة تنبع من خيال وطني وقومي وسياسي، يستطيعون من خلالها استعادة المبادرة والفاعلية والتحول إلى قطب إقليمي متكامل الأركان، بوسعه التعاطي مع الأطراف الدولية على قاعدة المصالح، بدلًا من الاستمرار في جلد الذات من موقع المفعول به.تكمن مشكلة العرب في أنهم لم يستفيدوا من أخطائهم والتجارب التي مروا بها في الماضي؛ ولذلك يعيدون إنتاج تلك الأخطاء بصور مختلفة؛ ما يجعل أوطانهم اليوم عرضة لعبث التفتيت والتقسيم، تارة باقتطاع أجزاء من هذه الدولة، وتارة بافتعال الفوضى في دولة أخرى تمهيدًا لتفكيكها كما حدث أمس في الصومال والسودان، وكما قد يحدث غدًا في العراق واليمن وسوريا وليبيا، وبعد غد في دول عربية هي على قائمة الانتظار، وهو المسلسل الذي إذا ما استمر فستكون له تداعيات وارتدادات طويلة وعميقة على طبيعة المستقبل العربي الذي سيكون مكتظًا حتى التخمة بالأمثلة.كاتب يمني

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على