الطارئون على التحليل السياسي

أكثر من ٦ سنوات فى الشبيبة

فريد أحمد حسنلا يصرف أولئك الذين صاروا يعتبرون أنفسهم محللين سياسيين ويتزايدون يوميا شيئا من «وقتهم الثمين» في البحث عن المعلومات التي يمكن أن تعينهم على تكوين رأي واتخاذ موقف موضوعي من أي حدث جديد في الساحة، فهؤلاء لهم في كل خبر رأي وموقف وتحليل يقدمونه عبر كل وسيلة تتاح لهم وهم واثقون من قدراتهم ومن صحة رأيهم بل يتحدون بما يقولونه الآخرين وأكبر المحللين رغم أنهم لا يمتلكون المعلومات التي تعينهم على التحليل ، وفي الغالب لا يعرفون ما يحدث!لعل المثال المعين هنا على توضيح هذا الأمر هو خبر الزيارتين اللتين قام بهما الشهر الفائت زعيم التيار الصدري بالعراق مقتدى الصدر إلى المملكة العربية السعودية والتي التقى فيها نائب الملك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وإلى دولة الإمارات العربية المتحدة واستقبال ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد له، حيث شرّق أولئك «المحللون» وغرّبوا، وكالعادة لم يوفروا «لجمهورهم» مفيدا بسبب «اجتهادهم» واعتمادهم طريقة تحليل يعرفون جيدا أنها لا يمكن أن توصلهم إلى شيء لأنها لا تقوم على شيء وتؤكد على أنهم إنما يريدون بذلك التعبير عن قناعاتهم ومواقفهم المسبقة والسالبة وغير المبنية على حقائق.ما لا يعرفه أولئك الداخلون عنوة في المساحة المخصصة للمحللين الحقيقيين هو أن هذا النوع من الزيارات واللقاءات يحرص المسؤولون عنها والمشاركون فيها على عدم التصريح بالمعلومات التي يحتمل إن تم توفيرها أن تكون سببا في عدم تحقيق النتائج المرجوة منها وأنهم لهذا يتكلمون في المجمل ولا يوفرون إلا خطوطا عريضة تعين المحللين السياسيين الحقيقيين على فهم جانب أو جوانب من الموضوع كل حسب خبرته وكفاءته. هذا يعني أن كل ما قاله أولئك الداخلون عنوة في مساحة المعنيين بالتحليل عن الزيارتين وعن كل حدث اقتحموه لا قيمة له ولا فائدة لأنهم باختصار لم ينطلقوا من معلومة صحيحة ولا تتوفر لديهم خلفية مناسبة عن الموضوع تعينهم على التحليل وإبداء الرأي واتخاذ موقف.في أخبار كهذه يركز بعضهم على مسألة أن المسؤول الفلاني كان قد فعل كذا وقال كذا ويقولون الكثير عن مواقفه وتصريحاته وتصرفاته ، ويركز بعضهم الآخر على أمور أخرى توصلهم غالبا إلى استنتاجات خاطئة وعبارات جارحة واتهامات يوجهونها إلى أفراد وجهات مختلفة.ما لا يدركه أولئك الداخلون في مساحة المحللين عنوة أيضا هو أن القياديين في أي بلد وخصوصا في دول مجلس التعاون يعرفون جيدا كيف يوصلون المعلومة التي يريدون إيصالها إلى المحللين الحقيقيين ويعرفون لماذا يوصلون هذه المعلومة وليست تلك وفي أي وقت، وما لا يعرفه أولئك أيضا هو أن المحللين الحقيقيين يعرفون جيدا ما يرمي إليه القياديون ولماذا ، فهم بناء على خبراتهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور لا يتيسر معرفتها للجميع يقرأون التصريح الذي يراه الآخرون عاما بشكل صحيح فيكتبون مقالاتهم التحليلية بشكل صحيح. فمثلا عندما يحتوي الخبر على تأكيد القيادي على «أهمية استقرار وازدهار العراق والتطلع لأن يلعب دوره الطبيعي على الساحة العربية بما يعزز أمن واستقرار العالم العربي» فإن ما يصل منه إلى المحللين الحقيقيين يختلف تماما عن الذي يصل إلى الدخلاء في هذه المساحة ، والسبب هو أن هؤلاء لا تتوفر لديهم خلفيات الموضوع ولا جانبا ولو يسيرا من أسراره بينما يتوفر الكثير لدى أولئك فيفهمونه بشكل مختلف ويبنون على ذلك آراءهم ومواقفهم. لهذا فإن الناس يأخذون منهم وليس من أولئك، ويفهمون منهم وليس من أولئك.ما يزيد الطين بلة هو التطور اللافت الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي والتي أتاحت الفرصة لكل من يعرف كيف يصف الأحرف كي يدلي برأيه ويعتبر نفسه مؤثرًا ومتقدمًا على مجتمعه. وما يزيد الطين بلة أكثر هو أن من هؤلاء من يلوي عنق الخبر ليخدم موقف بلاده السالب من هذا المسئول أو ذاك ومن هذه الدولة أو تلك ، حيث صار الداخلون على مساحة المحللين يفسرون كل شيء على هواهم ويتخذون منه المواقف التي يعتقدون أنها تخدمهم وتخدم الدول التي ينتمون إليها أو يتكسبون من ورائها.المثير في كل هذا هو أن الجهات المسؤولة عن الإعلام في كل دول مجلس التعاون وفي غيرها من الدول لا تستطيع أن تمنع أحدًا من القيام بعملية تحليل الأخبار، وهي إن تمكنت من السيطرة على هذا الأمر في قنواتها الرسمية وإذاعاتها وصحفها فإن الأكيد أنها لا تستطيع أن تسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي التي توفر كل الفرص لكل من يرغب في ممارسة هذا الأمر طالما أنه لم يفعل ما يمكن اعتباره تجاوزا للقوانين أو تحدثا باسم الحكومات والدول.كاتب بحريني

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على