علاقات الدول الإقليميّة، إنفراج تسوَويّ أو انفجار نوويّ

ما يقرب من سنتين فى تيار

تعمل القوى الإقليميّة في الشرق الأوسط على إعادة التموضع ومحاولة التعامل مع بعضها بطريقة أقلّ تصادميّة، مدفوعة باتّجاه الغرب شرقاً للتركيز على المنافسة مع الصين من جهة، والحرب الروسيّة في أوكرانيا وتركيزها على مواجهة الناتو من جهة أخرى.وفي المحصّلة، إنفراجة في العلاقات التركيّة - السعوديّة التي بدأت تشهد تحسّناً في أعقاب زيارة الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان إلى الرياض في 28 نيسان الماضي، تلاها اللّقاء الذي جمعه أمس مع الملك محمد بن سلمان في أنقرة لإطلاق حقبة جديدة من التعاون بين البلدين في جميع المجالات السياسيّة والإقتصاديّة والعسكريّة والأمنيّة، في إطار تعميق التشاور في القضايا الإقليميّة من أجل تعزيز الإستقرار والسلام في المنطقة.وتهدف الزيارتان لطَي صفحة الخلاف القائم بينهما منذ العام 2018 على أثر موقف تركيّا من مقتل الصحافيّ السعوديّ جمال خاشقجي داخل القنصليّة السعوديّة في اسطنبول، ووقوفها الى جانب قطر بعد خلافها مع السعوديّة، وانحيازها الى جماعة الإخوان المسلمين التي تعادي نظام الحكم السعوديّ.وفي السياق ذاته، تأتي هذه المصالحة ضمن إطار جهود إقليميّة واسعة أطلقها الرئيس التركيّ لتحسين علاقة بلاده إقليميّاً مع السعوديّة وإسرائيل، مروراً بالإمارات ومصر، لمواجهة عزلة دبلوماسيّة متزايدة تعاني منها بلاده أدّت إلى تراجع كبير في الإستثمارات الأجنبيّة، والإستعاضة عنها باستثمارات إقليميّة وخليجيّة لدعم الإقتصاد التركيّ المتعثّر. في مقابل اهتمام سعوديّ وإماراتيّ بالبحث عن قوّة إقليميّة لتلبية احتياجاتهما الأمنيّة وبروز كفاءة صناعات الدفاع التركيّة، ومحاولتهما سحب تركيا من حلفها مع قطر التي تنافس المملكة بعلاقاتها الخارجيّة المبنيّة بشكل أساسيّ على قدراتها الماليّة، وبالتالي إعادة المملكة إلى تزعّم الشرق الأوسط السنّي في مواجهة تمدّد الجمهوريّة الإيرانيّة، التي بدورها تراقب عن كثب الجهود الدبلوماسيّة والتغيّرات في السياسة الخارجيّة وتطبيع العلاقات بين هذه الدول، خصوصاً وأنّ الخلاف بين أنقرة وطهران يسود في دول المنطقة حول قضايا عدّة أبرزها في سوريا والعراق وأذربيجان. ومن المرجّح أن تُؤجَّج المواجهة بينهما في سوريا سعياً لتعزيز وجودهما فيها على ضوء التطوّرات الدوليّة وانشغالات القوى العالميّة، سيّما وأنّ إسرائيل التي ترى في تركيا رأس حربة في مواجهة النفوذ الإيرانيّ في شمال العراق وسوريا، تعمل بدورها على رأب الصدع وفتح صفحة جديدة معها عقب زيارة الرئيس الإسرائيليّ إسحاق هرتسوغ إلى تركيا في آذار الماضي بعد 14 عاماً من العلاقات الفاترة بين البلدين، لحاجة إسرائيل أوّلاً إلى إنشاء حلف عسكريّ إقليميّ يقف في وجه إيران وأذرعها في المنطقة، وحاجتها ثانياً إلى نقل الغاز الطبيعيّ الإسرائيليّ إلى أوروبا عبر تركيا في المرحلة القادمة.أمّا اللّقاءات الخمس التي بدأت بالإنعقاد بين الرياض وطهران على مستوى كبار المسؤولين الأمنيّين منذ حوالي العام بوساطة عراقيّة، فما زالت أعجز من تطبيع العلاقات الدبلوماسيّة بينهما بعد قطعها عام 2016 واحتدامها في السنوات الأخيرة التي تلت، على أثر تعارض مصلحة البلدين في معظم النزاعات الإقليميّة وأبرزها الحرب اليمنيّة.لكن، تبقى هذه العلاقات الإقليميّة رهن نجاح محادثات الإتّفاق النوويّ بين واشنطن وطهران، والذي إذا تمّ توقيعه قد يشجّع هذه الدول على مواصلة سعيها للتوصّل إلى تسوية سلميّة مرحليّة، من شأنها تشكيل نظام سياسيّ جديد في الشرق الأوسط تكون محاوره كلّ من السعودية وتركيا وإيران وإسرائيل، في حين لا تستطيع مراكز القوى التقليديّة في مصر وسوريا والعراق سوى لعب دور ثانويّ لانشغالها بمشاكلها الإقتصاديّة والسياسيّة الداخليّة.أمّا في حال فشل التوصّل إلى الإتّفاق النوويّ، فمن شأن ذلك زيادة الإضطرابات في الشرق الأوسط، خصوصاً في الدول التي تشهد أزمات سياسيّة ونزاعات مسلّحة، كما وقد تكمل إيران تخصيبها لليورانيوم حتّى تمتلك قنبلة نوويّة، وبالتالي تدفع بكلّ من السعوديّة وتركيا إلى السعي لامتلاكها أيضاً، فيتحوّل التنافس الإقليميّ إلى سباق تسلّح نوويّ، بالتزامن مع زيادة فرص العمل العسكريّ من قبل إسرائيل والولايات المتّحدة، ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة.
باتريك إيليّا أبي خليل

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على