«أبو السعيد».. روح وثابة قوية التأثير

حوالي سنتان فى الرأى

لا شك أن هنالك أرواحاً شفافة وثّابة تمهّد الدرب لمستقبل أفضل تبُثّ حول صاحبها هالة مضيئة تجد قبولاً من غالبية الناس مما يضيف كاريزما جذّابة لصاحبها تثير الإعجاب أو أحياناً الغيرة..

لم أشأ أن أدلو بدلوي في سيرة السياسي والدبلوماسي والإعلامي والوزير الأردني الراحل عدنان أبو عودة لكثرة ما كُتب وقيل عنه لئلا أقع بمطب الاجترار.

لكنني ارتأيت أن أتناول سيرته من منطلق آخر لم يتطرق له الكثيرون مع انني حضرت له ندوات وشاركت معه بمؤتمرات واطّلعت على كتاب مذكراته الضخم الذي يتجاوز الألف صفحة فأعماله المدونّة تتميز برؤيتها الهادفة ونظرتها الموضوعية..

وللأسف خسرناه بزمن نحن بأمس الحاجة إلى الحكمة والحكماء خسرنا روحه المرحة الوثّابة حيث نفتقد تلك البسمة الدائمة التي طالما علت محياه حتى لو تكلّم بموضوع جادّ..

لكن ما حفّزني على كتابة المقالة هو تداول واتساب لفتاة بغاية الجمال والكمال تجيب على اسئلة الصحفيين بكل ذكاء وفطنة ولباقة ليتبين بانها «روبوت أندرويد» اخترعه الصينيون متفوقين باختراعهم هذا على الإنسان نفسه الذي اخترعه لكن تفاجأنا من اعتراف «الروبوت الذكيّة» بأن الإنسان ما زال متفوقا عليها لامتلاكه روحا بينما هي كروبوت بلا روح! فعلا فالروح وجوْدتها هما الأساس قاصدين الأرواح الخّيرة! فبعض البشر يتركون أثراً بالغاً بنفسك وهنالك من لا يترك على الإطلاق.. فكلنا نملك أرواحاً ولكنها متفاوتة بالشفافية وهي أمر خاص بالله لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى: "ويسألونك عن الرُّوح قل الرُّوح من أمر ربي»..

فقد ميّز الله العلي القدير الإنسانَ بالرُّوح التي تتباين بين الخفّة القريبة لقلب السامع والعكس صحيح! بالمناسبة حظيتُ بجلسات مع «أبو السعيد» احداها بمؤتمر باليمن عندما نزلت إلى المطعم مبكّرة عند آذان الفجر لأتناول وجبة الفطور لأنني لم أتناول أي طعام باليوم السابق بسبب المايغرين «الشقيقة» التي انتابتني طيلة النهار والليل.. فتوجهت للمطعم بعد أن أكدوا لي بأنهم باشروا بتقديم وجبة الفطور لأجد القاعة خالية على عروشها فالوقت مبكر جداً.. فشكرت الله لخلوّه مما يساعد على استجماع قواي ولملمة نفسي من بقايا المايغرين قبل «العجقَة»..

فسارعت بتناول فنجان قهوة وشيء من الخبز المحمص ليعدل الدماغ ويزيل البقية الباقية من الشقيقة..

وبينما كنت ارتشف فنجان القهوة حامدة الله على نعمه سمعت صوتاً جهورياً يناديني ويقول: افتقدناكِ بعشاء الأمس في بيت السفير الأردني.. أين كنتِ؟ تلفت حولي فإذا بمعالي عدنان أبو عودة جالس على طاولة بزاوية بعيدة يتناول وجبته..

فأخبرته بأنني اعتذرت بسبب آلام الشقيقة التي المّت بي طيلة الأمس.. فدعاني للجلوس معه لنفطر سوياً..

وسرعان ما نسيت كل بقايا الشقيقة واستغرقت بالحديث مع هذه الشخصية الاستثنائية التي تعرّفت بها أكثر عن قرب بعيداً عن الرسميات! حدثني عن كتاب يومياته ونوستالجيا الحنين للزمن الماضي الجميل.. متطرّقاً لأمثال شعبية عربية مركزاً على النابلسية منها متسائلاً بمرح شديد إن كنتُ فعلاً أدرك معناها وأبعادها فكان يصاب بالدهشة لإلمامي بها..

حتى سألني سؤالاً كالآتي: قولي لي برأيك لماذا عندما تلد الأنثى يرسل لها والدها هدايا عدة من ضمنها «كبدة خروف"؟ فقلت طبعاً لأن الكبدة تقوي الدم وبها حديد! وافقني لكنه قال: إنها رسالة من الوالد لابنته ليعلمها بطريقة غير مباشرة: «الآن فقط ستدركين معنى الأمومة الحقّة من خلال فلذة كبدك"! ذكراً أو أنثى هما بمثابة قطعة من كبد الأم لا ينفصلان عنه.. فعلاً خير تشبيه! وأيضاً كان لي شرف المناسبة الجلوس بقربه في حفل بإحدى الجمعيات الخيرية فكان لماحاً اثناء الجلسة حاضر البديهة صاحب نكتة فكما يقولون: «يفهمها وهي طايرة» لدرجة أنه كان يتكئ على عصاته وهو جالس ويقهقه بصمت مكبوت..

أدركتُ حينها أن «الروح الوثّابة» المكتنزة بالحيوية لا تشيخ مع الزمن بل هي التي تحرّك الإنسان مهما ضعف جسده وهزلت أعضاؤه..

وهنا مربط الفرس! hashem.nadia@gmail

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على