يوميات الأخبار

أكثر من ٧ سنوات فى أخبار اليوم

كانت زيارتى الأخيرة إلى نيويورك فى الولايات المتحدة استثنائية، مختلفة، رغم تعدد رحلاتى الخارجية إلى دول عربية وإلى امريكا بصفة خاصة، فنصف العائلة استوطن هناك فى نيويورك، منذ سنوات طويلة، فطبيعتى الشخصية اننى لأ اجيد التمتع بفرصة السفر إلى الخارج، فلست من هواة التسوق والتجول فى المولات، وأنا أسرع من يشترى احتياجاته، ولا من الحريصين على « الصعلكة « والسير بدون هدف فى الشوارع والطرقات، وفى أحيان كثيرة وفى زيارات العمل لم اخرج أبدا عن البرنامج،وكثيراً ماتمر ايام الرحلة بين فندق الإقامة ومكان انعقاد المؤتمر او الفعالية، التى استدعت سفرى، وعندما يكون مقر الإقامة هو نفسه مكان المؤتمر، لا أغادر الفندق سوى فى طريق العودة إلى المطار.
اقترح علىّ اخى عبد المنعم عندما اتفقنا على اللقاء فى نيويورك، ان يعد لى رحلة إلى بعض المدن الأمريكية واشنطن وفيلادلفيا وشلالات نياجرا، فرحبت شاكرا،خاصة أن العاصمة هى الوحيدة التى سبق لى ان زرتها فى عام ١٩٩٩، لتغطية احدى زيارات الرئيس الأسبق حسنى مبارك إليها، كما ان الزيارة لن تعطله كثيراً عن عمله، فقد تستمر ثلاثة ايام منها اثنان فى نهاية الأسبوع، تبدأ يوم السبت صباحا وتنتهى مساء الاثنين، كما انها فرصة للاقتراب من امريكا خارج نيويورك، والتعرف على قارة تحتاج عشرات الزيارات، للتعرف عليها بشكل كامل اذا استطعت، فأنت تتحدث عن٥٠ ولاية فى مساحة تصل إلى ٨. ٩مليون كيلو مترمربع فى المرتبة الرابعة عالميا بعد روسيا وكندا والصين، وهى الثالثة ايضا من حيث عدد السكان، بعد الصين والهند طبعا، وبها حوالى ٣١ مجموعة عرقية، سواء أمريكيين بيضا او من جذور ألمانية وأيرلندية وإنجليزية وآسويين وأفارقة، وأما الاقتصاد فهنا تسمع عن الأرقام القياسية، فهى تمثل ٢٣ من الناتج العالمى، وأكبر مستورد للسلع، وثالث اكبر مصدر.
الرحلة بدأت منذ الصباح الباكر من موقع مبدئى لتجميع المشاركين إلى نقطة الانطلاق، والتى بدأت من الحى الصينى فى نيويورك، خاصة أن الأغلبية منهم من دول جنوب شرق آسيا، وكنا بالطبع أنا وأخى العرب والمصريين الوحيدين فى الأتوبيس،الذى يضم اكثر من ٤٠ راكبا، الباص ليس فاخرا ولكنه بحالة جيدة، سمحت له بالسير آلاف الكيلومترات دون اى شكوى او أعطال، وكانت الوجهة الأولى فى الرحلة إلى فيلادلفيا عاصمة ولاية بنسلفانيا، ومعناها باللغة اليونانية مدينة «المحبة الأخوية» أو» المدينة التى تحبك»، وتسمى ايضا مدينه التلال السبع، لأنها أقيمت على سبع تلال، وتبعد عن نيويورك بحوالى ٤٨ ميلا، وقد ظلت أعواما عاصمة لأمريكا، قبل اختيار واشنطن، وشهدت كل احداث اعلان استقلالها، هنا عبق التاريخ الأمريكى، رغم انه لم يمر على مرحلة التأسيس سوى عدة قرون، اعلان الاستقلال تم فى ٤ يوليو ١٧٧٦، هنا الحقيقة المجردة، وتتلخص فى ان امريكا نجحت فى «صناعة الوهم» والمهم فى تسويقه للعالم، عندما تعرف ان عدد الزوار سنويا لهذه المدينة يتجاوز ٤٠ مليون سائح، يقفون فى طوابير طويلة، فقط لدخول قاعة الاستقلال، والتى تم فيها مناقشة وثيقة الاستقلال، هنا جرس الحرية الذى دق وفقا للتقاليد لاستدعاء سكان مدينة فيلادلفيا، لسماع تلاوة الوثيقة، هنا مقر الكونجرس القديم،ومركز الدستور الوطني، كل ذلك فى مساحة تقدر بميل، يسمى «الميل المربع التاريخى».
من العاصمة الأولى إلى واشنطن
الرحلة إلى فيلادلفيا لم تستمر سوى عدة ساعات، وغادرناها فى طريقنا إلى واشنطن، التى أصبحت عاصمة دائمة لأمريكا منذ ١٦ يوليو ١٧٩٠، عندما وافق الكونجرس على ذلك وتقع على احد انهار امريكا المتعددة ويسمى نهر البوتماك،بها مقر الرئاسة البيت الأبيض، ومبنى الكونجرس البرلمان، وبداية المزارات كانت فى متحف مدام توساد، الطوابير ممتدة وفى انتظام انتظارا لدخول المتحف، وإن كان هناك مدخل خاص للمجموعات السياحية، المدخل لا يوحى ابدا بأنك امام متحف، فهو احد أبنية واشنطن العادية، بعد المدخل تجد عدة سلالم تقودك إلى الأسفل، حيث توجد تماثيل بالحجم الطبيعى لمشاهير العالم من السياسيين ورجال الثقافة، فتجد تمثالا للارى كنج مقدم البرامج الشهير فى السى ان ان،والراقصة والمغنية الشهيرة بينونسيه، هنا رصد لتاريخ امريكا وتماثيل لكل رؤسائها ال٤٤، بداية من جورج واشنطن حتى اوباما دون استثناء لأحد،المكان الوحيد فى المتحف الذى يعانى من حالة زحام منظم، فى الجزء الأخير منه، فى المكان المخصص للرئيس اوباما وميشيل زوجته، فهناك طابور من الزائرين فى انتظار الدخول إلى المكان للحصول على صورة شخصية معهما،او الجلوس على نموذج مكتب اوباما فى البيت الأبيض، واستعمال هاتفه، وبالطبع التصوير عليه او معه، والدخول هنا تحديدا مرتبط بدفع مبلغ من المال،لم اسأل عن قيمته، لأنى لم اتحمس لخوض تجربة الجلوس على مكتب الرئيس، او التصوير معه.
المتحف يسجل التاريخ ولا يقيم أداء الرؤساء، فهو ليس مسئولا عن فضيحة ووترجيت التى عصفت بالرئيس نيكسون، ولايهمه خيانة الرئيس كلينتون لزوجته والتى اعترف بها، ولا الكوارث التى ارتكبها بوش الابن فى حق شعوب عديدة فى أنحاء العالم، هو يتعامل مع حقائق ان هؤلاء رؤساء فى تاريخ امريكا، اختارهم الشعب والتاريخ -وليس المتحف - هو من سيحكم لهم ام عليهم، هنا وتذكرت بلدى، وقلت فى نفسى لو قدر لأى من حكوماتها ان تقيم مثل هذا المتحف، هل ستلتزم بالتاريخ وتقيم تماثيل لكل من تولى رئاستها،ام ان الامر سيخضع لرؤى القائمين فى ذلك الوقت؟ وكانت الإجابة واضحة ان هناك من يحاول حذف وطى صفحة مرحلة كاملة من تاريخ مصر، استمرت ٣٠ عاما، عندما لجأ موظف فى وزارة التعليم، إلى حذف اسم الرئيس الأسبق حسنى مبارك من المناهج، دون اى اعتبار. خرجت من المتحف وأنا على ثقة بنجاح امريكا فى صناعة الأوهام، التى تثمر ملايين الدولارات سنويا، رسوم دخول الآلاف ومبيعات اجنحة التذكارات المتواجدة فى أركان المتحف، إنه التفكير خارج الصندوق.
خرجنا من المتحف إلى المنطقة المحيطة بالبيت الأبيض، بالطبع ترى المبنى على بعد أمتار وفى مرمى البصر، ولكن الخوف من العمليات الإرهابية دفع الأمن إلى إقامة الحواجز الحديدية، وتشديد الحراسات دون منع الزوار من الاقتراب لمساحة مناسبة، من هنا يحكم العالم، يتم تحديد مصائر دول ومستقبل شعوب، وفى منطقة قريبة من البيت الأبيض لايفصلها عنه سوى بحيرة صناعية، تجد على اليمين النصب التذكارى للشهداء، وهو عبارة عن لوحة من الرخام، بها صور لنماذج من المقاتلين، ومجموعة تماثيل لعدد من الجنود بأسلحتهم من الحرب الكورية والعالمية الثانية، اجزاء من الرخام مكتوب عليها معلومات سريعة ومهمة، تبين إسهامات وأدوار القوات الأمريكية والأثمان التى دفعتها فى تلك الحروب، من خلال رصد العدد الإجمالى للقتلى فى تلك الحروب، والمصابين والأسرى والمفقودين مقارنة بعدد الأمريكيين منهم، فى القلب من المشهد وعلى بعد أمتار تجد المسلة المصرية التى قد تمثل أحد إفرازات تاريخ حقيقى، ولاتزوير فيه ولا ادعاء، لم ينته اليوم فمازال أمامنا رحلة بحرية فى نهر البوتماك، وهو اكثر عرضا من نهر النيل بقليل، على احد شواطئه مرسى عادى، به عدد من المطاعم والكافيهات، يقف فى المرسى مجموعة من المراكب الصغيرة، تستقبل مجموعات السائحين، لتسير بها فى النهر فى رحلة بحرية لاتختلف عن تلك التى يموج بها نيل القاهرة، ولكنهم نجحوا فى تسويق الأوهام، بادعاء ان الرحلة لمشاهدة مبنى البنتاجون، رغم انه بعيد بمسافة عن النهر.
 الوقوع فى « الفخ »
لم تنته جولات الرحلة، لنكتشف اننا امام التفكير خارج الصندوق، وخلق مناطق جذب سياحى، قد لا تتميز بشئ مختلف او استثنائى، سوى أفكار البشر ومقترحات المتخصصين، وهذا ما يظهر فى المغامرة التى كان علىّ خوضها، فى منطقة بها حديقة وتكنس جلين،وهى عبارة عن غابة من الأشجار الكثيفة، على قمة جبل قمنا بالصعود إليه بالأتوبيس، لنبدأ منها رحلة الهبوط سيرا على الأقدام، وهناك من يفضل العكس، ليبدأ من الساحة امام الجبل فى طريقه للصعود إلى اعلى، نموذج الجبل لا يختلف فى شئ عن ذلك الموجود فى لبنان، او فى مناطق أخرى من العالم العربى، او حتى فى جنوب سيناء، ولكن الفرق هنا فى الاستثمار السياحى، حيث تدخلت أيادى البشر لشق طريق للسير الأفراد، لا يتجاوز مترين او اقل، وتتنوع أشكاله، مرة يصبح عبارة عن سلالم عليك استخدامها فى الهبوط او الصعود،او طريق يستمر عدة أمتار يستهدف التقاط الأنفاس، وأحيانا ثالثة تجد الطريق كما لو كان مشقوقا كالكهف داخل الجبل نفسه، وفى مناطق أخرى تجد بركة مياه، وأخرى تتساقط المياه على مرتادى التسلق او الهبوط، من ينابيع من داخله، المشهد بديع خاصة مع الأشجار والنباتات التى تكسو جنبات الجبل.
بعد دقائق من بداية الرحلة، يكتشف أمثالى من الذين لم يتعودوا على المغامرة، او حريصون على مثل هذه التجارب، انهم وقعوا بالفعل فى» فخ»، فالخوف من السقوط بدأ يجتاحنى، وأحيانا يشل تفكيري، فكرت فى العودة حيث كنت،ولم استحسن الفكرة،فالخطر هو الخطر، اسمع ضحكات الشباب والشابات حولى، وبعضهم فى رحلة الصعود، فأشعر بالخجل، من عدم قدرتى على استكمال المغامرة، ارى ابتسامة طفل مع والديه فيتولد لدى عزيمة فى استكمال المغامرة، والقضاء على مشاعر الخوف داخلى، أتأمل عظمة الخالق وعظمة خلقه فى كل ذلك المشهد المحيط بك، من طبيعة خلابة، وقدرات البشر على التفكير والإبداع، فيطمئن قلبى وأمنى نفسى كل فترة بقرب الانتهاء من تلك المغامرة بسلام، والخروج من هذا الفخ، واستمر الحال على ذلك حوالى الساعة حتى وصلنا إلى السفح، وشعور طاغ بالسعادة يجتاحنى بعد ان نجحت فى امتحان التحمل والقدرة، على تجاوز المصاعب، واجتياز تلك المغامرة التى لم يسبق لى ان مررت بها، وأفكر فى بلدى وحاله والذى يعيش فقط على آثار الأجداد، دون اى جهد او اضافة او ابتكار من الأبناء والأحفاد، فى البدء كانت الفكرة، فمغامرة صعود او الهبوط من الجبل لاتحتاج إلى استثمارات، سوى عمليات شق الجبل، وتمت لمرة واحدة مع قليل من الرعاية، نفس الشعور بالحسرة اجتاحنى فى زيارة لما سمى متحف حربى،وأقيم على الحدود الأمريكية الكندية، التى يفصل بينهما نهر نياجرا، لاشئ هناك سوى مجموعة من المدافع القديمة، والقواذف من النحاس،التى قد تجد مثلها هنا فى السبتية، ولكنهم خلقوا من ذلك كله مقصدا سياحيا، ومحاولة اعادة الزائر إلى نفس اجواء سنوات مضت، ومن ذلك الاستعانة بعدد من الرجال كبار السن،يرتدون نفس ملابس الجنود، ولامانع من ان تخرج سيدة ترتدى ملابس التمريض، وهى تسير فى جنبات المتحف،ومجموعة من الحصون القديمة والدشم على حالها.
هنا الشلالات
لا يختلف الامر كثيراً عند شلالات نياجرا، التى تمثل نموذجا للتمازج بين الطبيعية، باعتبارها احدى الظواهر الكونية، دون اى تدخل بشرى، وبين القدرة على استثمارها سياحيا، والنجاح فى جعلها مقصداً من اهم المقاصد السياحية على مستوى العالم، فهى شلالات غزيرة على نهر نياجرا، وتقع بين ضفتى مدينة نياجرا على الجانب الأمريكى والكندى،وأعلى ارتفاع لها من الجانب الأمريكى ٥٦ مترا، ومن الكندى ٥٤،وهى اعلى معدل لتدفق المياه فى العالم وتقدر ب١٦٨ ألف متر مكعب فى الدقيقة، وتمثل احدى مناطق الجذب السياحى على مستوى ليس امريكا فقط، ولكن لكندا ايضا ، وتجسد إمكانيات التعاون والاستثمار المشترك بين دولتين جارتين، فهناك رحلات عن طريق المراكب السياحية بين الجانبين، مع التزام باللون الأزرق فى كل ما يتعلق بالجانب الأمريكى، والأحمر فيما يخص الكندى، بعد ان تقوم بالنزول بالمصاعد إلى مستوى النهر، ليستقل السائحون المراكب لخوض احدى المغامرات التى لم استطع القيام بها، بعد مغامرة الهبوط من الجبل،واكتفيت بالمشاهدة من اعلى بالعين المجردة، او عن طريق مجموعة من النظارات المكبرة، مثلما هو الحال فى قمة برج القاهرة، والمركب فى دوامات الشلالات تتقاذفه الأمواج، يقترب منها ليستكمل رحلته إلى الجانب الكندى، نفس الأمر يتم بالنسبة للزوار من الجانب الآخر بلون مختلف هذه المرة باللون الأحمر، ناهيك عن تجربة المشاهدة لبانوراما المكان كله من الجو، عن طريق «التلفريك « مثل ذلك المشهور فى لبنان.
الصورة من الجانب الآخر
لا يختلف احد على ان مصر فى حاجة إلى عوائد السياحة من دولة مثل امريكا، وقد تعلمنا ان السياحة هى قاطرة التنمية، التى تجر وراءها عشرات الصناعات والنشاطات التجارية، كما أنها احد موارد النقد الأجنبى للموازنة المصرية، وتعتمد عليها ملايين الأسر والأفراد، ومع ذلك لدى ملاحظتان تفسدان اى جهد للترويج للسياحة، الأولى ذلك الزحام البشع وغير المنظم فى المطار الجديد كل صباح، عند الدخول وقبل الوصول إلى مكاتب شركات الطيران، وهو الموعد الذى تبدأ فيه رحلات الشركة الوطنية، وقد استغرق وصولى إلى البوابة الخاصة بالتفتيش الأولى حوالى الساعة،دون ان يكون هناك نظام، وأتساءل: لماذا لايتم فتح تلك البوابات فى تلك الساعات، خاصة أن الامر متكرر فى كل يوم؟ وقد سمعت من احد المسئولين اغرب تبرير، هى قلة العمالة،لااعرف هل يقصد من الشرطة، وهم من يتولون مسئولية الأمن، ام من العاملين فى المطار، والثانية فى طريق العودة من نيوريورك، وعلى الشركة الوطنية، وفى رحلة تستمر حوالى عشر ساعات ومعظمها ليلا، تسأل عن بطاطين، يقولون العدد ناقص، وتنصحنى احدى المضيفات بضرورة الشكوى، لأن الوضع مستمر منذ ايام، وليس هناك اى رد على شكوى طاقم الطائرة.
 ردود على يوميات سابقة
اتصل بى الصديق العزيز السفير احمد قطان، وأثنى على الاقتراح الذى جاء فى يوميات سابقة، ان يكون الحوار فى المنتدى الثقافى رياض النيل الذى يقيمه فى منزله شهريا، لمناقشة احدى القضايا الفكرية والثقافية، وضرورة ألا يقتصر الحوار على المثقفين المصريين، وقال لى «الموضوع محل اهتمام، وفى القريب سيكون هناك ضيوف سعوديون فى المنتدى، لإثراء الحوار مع النخب المصرية، التى تشارك بصفة منتظمة».. وذكر ان هناك موافقة مبدئية من وزير الدولة للشئون الخارجية السعودى نزار مدنى، ونحن فى الانتظار.
كما أرسل المهندس شريف عصمت عبد المجيد، مشيدا بيوميات «فى الأمانة العامة كانت لنا ايام» خاصة الجزء الخاص بوالده المغفور له بإذن الله الدكتور عصمت عبدالمجيد.

 

شارك الخبر على