أبعاد سياسيّة كثيرة خلف زيارة ماكينزي إلى لبنان... هل كانت فقط من أجل افتتاح بئر؟

حوالي ٣ سنوات فى تيار

زار قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي، والسفيرة الأميركيّة في بيروت دورثي شيا، بلدة "غزة" البقاعيّة مؤخراً، في زيارة قيل إنها "للإطلاع على مشروع حفر بئر ارتوازي يعمل على الطاقة الشمسيّة تموّله الوكالة الأميركيّة للتنميّة المحليّة".
ماكينزي لم يلتقِ خلال زيارته لبنان أيّ مسؤول سياسي، وبعث برسالة أساسيّة مفادها بأن واشنطن ملتزمة بدعم الجيش اللبناني. ما يطرح العديد من التساؤلات: هل يأتي ماكنزي فقط من أجل افتتاح بئر؟ لماذا تمّ تحويل المنطقة إلى منطقة عسكريّة خلال الزيارة؟ وهل لموقع البئر في البقاع علاقة بقرار الزيارة؟.
السؤال الأهم، لماذا لم يلتقِ ماكينزي أيّ مسؤولين سياسيين وحتى وزير الخارجيّة ناصيف حتي، هل يمكن اعتبار زيارته رسالة واضحة بالفصل بين الجيش والسلطة السياسية؟ وماذا يعني ذلك خصوصاً على ضوء ما يحصل في الشارع من توترات وقطع طرقات مع ضغط الأزمة الاقتصاديّة والماليّة الخانقة التي يعاني منها لبنان؟
يمكن اعتبار زيارة ماكينزي إلى لبنان، زيارةً تفقديّة، خاصة مع اصطحابه السفيرة الأميركيّة والقدوم بعراضة عسكريّة و6 مروحيّات وإيقاف السير على الطرقات.
ماكينزي قدم إلى لبنان بزيارة عمل ميدانيّة، بعد أن ضُمّت "إسرائيل" إلى صلاحياته، قبل وقت قليل من رحيل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، حيث أصبح هو المسؤول عن الملف الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط.
بلدة "غزة" البقاعيّة التي زارها ماكينزلي بذريعة البئر، هي قرية صغيرة، 65% من سكانها مهاجرون إلى فنزويلا والبرازيل وإفريقيا، تضمّ 30 ألف نازح سوريّ، هم عملياً بحاجة إلى مساعدة للعودة إلى بلدهم وأراضيهم. 

اختيار هذه النقطة للزيارة، هي أولاً بسبب قربها من الحدود اللبنانيّة السوريّة، في الوقت الذي تطالب فيه "إسرائيل" بضبط الحدود بين لبنان وسوريا، وثانياً لقربها من الجبهة اللبنانيّة مع العدو الإسرائيلي.
وتعتبر هذه الزيارة هي الخامسة لماكينزي إلى لبنان، لم يتلقِ خلالها أيّ مسؤول سياسي أو اقتصادي أو حتى شخصيات إعلاميّة، لكنه كان في المرات السابقة يأتي بهدف واحد فقط وهو التحريض على حزب الله، والتعهد بما يسمّيه "مساعدة بالجيش اللبناني" لكي يقضي على ما يصفه بـ"ميليشيات حزب الله". 
 كيف توظف واشنطن مبدأ المساعدات لتحقيق أهداف سياسيّة؟
في السياق نفسه، يواجه لبنان أزمة اقتصاديّة صعبة وتوترات في الشارع مجهولة الاتجاه. ومنذ بداية الأزمة، تتحدث الصحف والوكالات الغربيّة بكثافة عن الوضع المعيشي المتأزم في لبنان. الأرقام مقلقة والصورة سوادوية والوضع مأساوي، فالليرة اللبنانيّة فقدت 90% من قيمتها، و55% من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر وفق الأمم المتحدة، أي على أقل من 3,84 دولار في اليوم الواحد.
وهنا تطرح العديد من التساؤلات وبشكل أوسع: ماذا يراد للبنان؟ من يتلاعب بلقمة العيش ولأيّ أهداف؟ لماذا التركيز الإعلامي على هذا الواقع وربطه بالمساعدات الدوليّة؟ وكيف يستغله الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة في فرض سياسات وأجندات خارجيّة؟
دائماً ما تقدم الولايات المتحدة الأميركيّة عروض مساعدات خارجيّة لدوائر مختلفة من الحلفاء والأعداء، بهدف تحقيق مصالح وأهداف محددة.
 
اعتباراً من نهاية الحرب العالميّة الثانية قدمت الولايات المتحدة ما يقارب 12 مليار دولار آنذاك، بهدف إعادة إعمار أوروبا الغربيّة، ومنها ألمانيا الغربيّة رغم أنها كانت عدوّ لها. 
لماذا قدّمت الولايات المتحدة كل هذه المساعدات؟ كان الهدف واضحاً، هو ربط كل اقتصادات العالم بالدولار كعملة قياسيّة ومعياريّة، وضرب البنية الانتاجية للاقتصادات المنافسة سواءً في ألمانيا واليابان. 
تجارب أخرى، تثبت أيضاً أن المساعدات الأميركيّة من نهاية الحرب العالميّة الثانية إلى يومنا هذا، سارت على سكّة واحدة هي مشروع "مارشال" وصولاً إلى فنزويلا، كي تمرر مع المساعدات الإنسانيّة مسائل تخريبيّة وأسلحة.
لا يمكن القول أن أميركا تُرسل مساعدات لإنقاذ الدول، بل تستثمر الأموال لغايات سياسيّة حتى مع الأصدقاء. استخدمت هذا الأسلوب مع الأردن حرصاً منها على أمن "إسرائيل"، واستخدمتها مع دول أوروبا الشرقيّة كي لا تلتهم اقتصاد روسيا ولا تقترب منها أكثر، وكي تحرضها على تشكيل طوق ضد روسيا لدعم مصالحها السياسيّة.
في الحالة اللبنانيّة، يمكن اعتبارها ضمن حالة "العداء" للولايات المتحدة، خاصة في ظل وجود قوي وواضح للمقاومة اللبنانيّة.
وبدأت سلسلة العداء في تجفيف البنوك من العملات الصعبة منذ أكثر من عام، في تدمير الاقتصاد، وفي إرسال رسالة مفادها أنه عليكم أن تتعاونوا معنا وتقبلوا المساعدات التي سنقدمها... لكن مقابل ثمن سياسي باهظ جداً. 

 

شارك الخبر على