فؤاد السنيورة هو من يحتاج للوندرين بعبدا ليتطهّر من خطاياه (بقلم جورج عبيد)

ما يقرب من ٤ سنوات فى تيار

بقلم جورج عبيد -
روى صديق الشهيد الرئيس رفيق الحريري الفضل الشلق، حادثة لافتة حصلت خلال عودته من أميركا بمعية الرئيس الحريري. سأله الرئيس الراحل ما الذي لفت نظره خلال تلك الزيارة وبخاصّة للبيت الأبيض، وكان فؤاد السنيورة من ضمن الوفد، وطلب الرئيس الحريري تدوين مشاهدته على ورقة مثلما هو سيفعل. حمل منهما قلمه ودون على قصاصة ورقة جملة واحدة ولم يكن واحدهما يعرف حتمًا ما في عقل الآخر وشعوره. فلمّا سلّم شلق الورقة للرئيس الحريري، كان الجواب واحدًا: لقد تبيّن بأنّ الاهتمام بفؤاد السنيورة كان لافتًا ومميّزًا والحفاوة ظاهرة أكثر مما أظهروها للرئيس الحريري وصحبه. ليظهر في آخر التقييم بأنّ فؤاد السنيورة رجل أميركا الأوّل في لبنان والمنطقة.
خلال الحرب الإسرائيليّة على لبنان في تموز سنة 2006، لم ينقطع خطّ التواصل بين فؤاد السنيورة وصديقه العزيز جيف (جيفري فيلتمان) وكوندوليزا رايس، وتميّزت الاتصالات برهان "رجل أميركا الأوّل" على الحرب الإسرائيليّة على لبنان بهدف اقتلاع حزب الله من جذوره الصلبة و"المقاوماتيّة"، وكان يشتهي ذلك بالقول والفعل، وكأن الحنين عاد به إلى "نور" وهذا كان اسمه الحركيّ قديمًا. وقد سبّب له نور المزيد من المتاعب، ليبدو بأن انتماءه العروبيّ وهم ومن ثمّ غلاف وحجاب لشخصيّة نور المزدوجة والخطيرة.
كان الرجل في حرب إسرائيل يراهن وبقوّة على ضرب المقاومة وإنهائها، ضمن منظومة الفوضى الأميركيّة الخلاّقة المستندة على فتنة مذهبيّة ناريّة بين السنة الشيعة تحوي موروثات إيديولوجية حاقدة، وعلى الحرب الإسرائيليّة وقد آلت إلى فشل أكّده تقرير فينوغراد. وإذا ساغ القول، لم يكن الرجل يحصر اهتماماته بالرهانات بل كان يجاهد باتجاه تجسيد الأهداف المذكورة ولو على حساب لبنان وسيادته وكرامته. ولمّا اكتشف بأنّ شهوته قد بدأت تترمّد والضغوطات قد اشتدت وعلا منسوبها حينئذ قرّر التفاوض وانطلق بسلّته المعروفة وعليها استند القرار 1701 وقد أخذت منها سبع نقاط، فأنقذ نفسه فيما لبنان انتصر بفضل مقاومته.
مع وصول العماد إميل لحود لموقع الرئاسة، تسلّم الوزير السابق عدنان عضّوم ملفّه وقرّر فتحه والتحضير لاعتقاله ومحاكمته في ملفّ الطوابع البريديّة والاختلاسات الماليّة التي بدأت تتكشّف تباعًا، فما كان من الرئيس الدكتور سليم الحص وكما روى الحصّ نفسه، أن أوقف المسألة، وبرأيي كثيرين لو ترك الرئيس الحصّ القضاء يعمل وبقوّة، فإنّ اعتقال السنيورة بإمكانه في تلك المرحلة أن يكشف جميع الفاسدين، ولكنّا أيضًا وفّرنا هذا الفراغ الماليّ الذي ندفع ثمنه غاليًا. ترى هل كان اغتيال القضاة الأربع على قوس المحكمة في صيدا إحدى الرسائل الدمويّة لمنع القضاء من التصرّف بملفّ السنيورة ولردع الرئيس لحوّد من الذهاب بعيدًا في مسألة قمع الفاسدين والمختلسين؟ هذا تساؤل هيوليّ، ولكنّ أسباب اغتيالهم لا تزال مجهولة على غرار اغتيال إحد أبناء البقاع الشماليّ بسبب مسالة الطوابع البريديّة!!!
لم ينفصل تاريخ فؤاد السنيورة عن حاضره. إنّه هو هو ولم يتغيّر. لقد عمل وجاهد باتجاه رزوح لبنان ضمن منظومة الاقتصاد الريعيّ، هذه المنظومة التي أرسى قواعدها الرئيس رفيق الحريري، ونظّر الفؤاد لفوائدها ومنافعها. جميع من كانوا في معيّة الحريري الأب، نظّروا وعملوا باتجاه ترسيخ الاقتصاد الريعيّ، فانطلقوا بإغواء وإغراء لجذب اللبنانيين لشراء سندات الخزينة يفائدة 48% وتم التشجيع بتسييل العقارات (غير آبهين بالخلل الديمغرافي الناتج من جرّاء البيع وبقانون يحدّ من تملّك الأجانب)، فأودعت الأموال في المصارف بفوائد بلغت العشرين والواحد والعشرين بالمئة، وفؤاد كان من كبار المنظّرين بهذا الاتجاه. لقد ركّزوا في تجويف لبنان اقتصاديًّا بالكامل، وأخذوا لبنان نحو ثقافة القروض والهبات والمساعدات. عمل السنيورة بدوره على سلب بيروت من أهلها نحو سوليدير رابطًا بين الوسط والنورماندي، فرفع قيمة الاستثمارات في النورماندي إلى 37 مليار دولار، وكان مجلس الإنماء والإعمار يعبّد الطرقات على نفقة الدولة وشركة سوليدير التي وصل سعر متر الأرض المربّع فيها إلى 25000 دولار أميركيّ، معفاة من جراء سياسة السنيورة وقد حرّرها من دفع الضرائب المتوجّبة عليها منذ تأسيسها إلى الآن. السنيورة الذي يدّعي حرصه على فقراء لبنان أعفى آل الحريري الكرام من دفع ضريبة على حصر إرث الرئيس الحريري والبالغة أي "الثروة" 17 مليار دولار اميركيّ بحيث تبلغ الضرائب 3 مليار دولار. فيما ثروته قد تخطّت بدورها 3 مليار دولار وهو مشارك في مشاريع عديدة لم يستثمر فيها من قبل.
وبعد كيف له عين أن يتنطّح ليهاجم فخامة رئيس الجمهوريّة جبل بعبدا العماد ميشال عون، معتبرًا بأنّ هذف لقاء يوم الخميس تبييض حزب الله وجبران باسيل، معتبرًا بأنّ مرحلة الفراغ الرئاسيّ كانت أفضل من هذا العهد، والعهد واللبنانيون يعيشون تداعيات أفعاله النتنة بمعنى أنّه كان العلّة في إفلاس لبنان؟ وبالمناسبة ليس غريبًا اتهامه حزب الله بأنه ورط لبنان، فهو في الأصل لا يزال مطلاًّ من الحرب الإسرائيليّة على لبنان سنة 2006 مشتهيًا اقتلاع الحزب من جذوره. إنه الكره بل الحقد الأعمى الذي يكنّه للحزب وللعهد، وهو الحقد الممزوج بعمالة ذاقها فأفرزته بالذوق عينه وأعانته على وصول لبنان نحو هذا المنحدر الخطير. كان فؤاد يراهن من ضمن استوائه في هذا الوعاء على انتخاب أحمد البعاصيري في موقع نائب حاكم مصرف لبنان لأنهما من عجينة واحدة، ولما قرّر مجلس الوزراء انتخاب سواه راى السنيورة بأن رئيس الحكومة حسان دياب ساهم في إيصال حزب الله إلى حاكمية مصرف لبنان عبر النواب المعينين للحاكم...
لقد ظنّ الرجل بأنّه في موقفه يوجّه لكمة للعهد لكونه دعا للقاء وطنيّ. لقد أملي عليه هذا الموقف، وجيّره بالاتجاه المذهبيّ، وقد تنادى معه الرئيسان تمام سلام ونجيب ميقاتي من دون معرفة موقف الرئيس سعد الحريري. إنّها لكمة مذهبيّة جوفاء لا تساوي شيئًا وليس لها قيمة. فليعد الرجل إلى مؤتمر مدير عام وزارة المال آلان بيفاني مظهرًا بالوثائق الدامغة فساد الرجل، وحين ادعي عليه خرج المفتي عبد اللطيف دريان ليعلن بأن فؤاد السنيورة خطّ أحمر. ليتذكّر فؤاد السنيورة خطاياه الرهيبة قبل أن يتهم سواه بها. ليتذكر أنّه السبب والعلّة الرئيسيان في القضاء على الدولة بمعانيها ومعاييرها بمؤسساتها وكيانيّتها. ليتذكّر فؤاد السنيورة مشروعه الخطير الذي واجه معارضة من الرئيسين حسين الحسيني وسليم الحص والنواب نجاح واكيم وزاهر الخطيب وبطرس حرب... وقد تحالف الرئيس الحريري مع الرئيس نبيه برّي لإقراره، وهو المقدّمة الأخرى لتدحرج لبنان، وعنوانه هيكلة الدين بالدين. ليتذكّر فؤاد السنيورة أنّه يبيت في منزل من زجاج، ولكن تذكّر بأنّك لا تستطيع أن تراشق سواك بالحجارة.في النهاية تذكّر يا فؤاد قصيدة إبراهيم ناجي "الأطلال" وقد تكون قد أطربت خلاّنك بها."يا فؤادي لا تسل أين الهوى كان صرحًا من خيال فهوى"سيأتي يوم وتذهب مع من استثمرك نحو نهاية سياسية عبثيّة. لم يعد نور ينفعك. وحدها التوبة في الحقّ تنظفك وتطهّر فمك، وفي لوندرين بعبدا يوجد الحقّ كلّه الذي ينزعك من آثامك. ونقطة على السطر.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على