الموقع والأهمية الاستراتيجية تقع مدينة بارْطيري على ضفاف نهر جوبا بأقصى جنوب الصومال، في محافظة غدو، وهي مدينة زراعية مهمة في غدو، وثاني أكثر المدن اكتظاظا بالسكان في وادي جوبا بعد كيسمايو، وتقع في وسط الوادي، حيث جعلها مدينة ذات استراتيجية مهمة وحلقة وصل لمدن عدة منها لوق، وغربهاري، وكيسمايو، وبيدوا، وتتبعها قرى عديدة، وتعتبر من أعرق المدن الجنوبية الداخلية، والتي يعود تأسيسها إلى أكثر من قرنين ونصف. الاسم والتأسيس كلمة (بارطيري) مركبة من مقطعين "بَارْ" ومعناه شجرة طويلة القامة تشبه شجرة النارجيل أو جوز الهند، وهي شجرة معروفة في ضفاف نهري جوبا وشبيلي، واشتهرت مدينة بلدوين به، ووصفها الأديب الهدراوي في أغنيته، و(طير) معناها باللغة الصومالية "طويل القامة"، إشارة إلى أنها كانت ذات أشجار طويلة. تأسست مدينة بارطيري في عام ١٧٧٨م الموافق لعام ١١٩٢هـ، كما يرجّحه الأستاذ المؤرخ آدم سعيد البردالي، وتأسست المدينة على يد الشيخ إبراهيم حسن يبرو الجمبلولي من قبيلة "شنتا عليمو"، والذي ترعرع في منطقة دافيد في شبيلي السفلى، وبرع في الفقه الشافعي والعلوم المختلفة، وتجوّل في أرض الرحنوين، حتى فكّر في تأسيس مكان خاص به ينشر منه العلم ويطبق الشريعة الإسلامية فيه. يقول البردالي " وصل الشيخ إبراهيم حسن إلى الضفة الشرقية لنهر جوبا، وأسس فيها مسجده، وكانت البقعة التي اختارها الشيخ لمدينته موردا يقصده الرعاة، وموحشا لا يسكنه أحد، فعزم الشيخ أن يفتتح فيها جامعا كبيرا لتعليم الشريعة الإسلامية تعليما وتحكيما وتطبيقا، وعرف بجماعته بجماعة (إيبري)، وعرفت المدينة أيضا مدينة الجماعة، كانت مركزا مهما لتعليم الشريعة"(١). توسع إمارة بارطيري وانهيارها بعد تأسيس الشيخ الجماعة والإمارة، قويت شوكة إمارة بارطيري، وامتد نفوذ جماعة إيبري، وكانت جماعة تخالف الخط التقليدي للمجتمع الصومالي المبني على العرف والتقاليد، وكانت صارمة في تطبيق الشريعة الإسلامية، وزاحمت سلطنات تقليدية لبعض القبائل الصومالية، وتوسّعت في أرضهم، فنشبت معارك دموية بينها وبين قبائل من الرحنوين في مناطق بالقرب من موقع بيدوا الحالي، وكانت سلطنات محلية مثل سلطنة لوق المعروفة بسلطنة غسارغدي، وسلطنة غلدي تعدّ لها العدة في الإطاحة بالإمارة. وفي عام ١٨٣٢م تم الإطاحة بالإمارة على يد تحالف تقوده قوات من سلطنة غلدي – مقرها أفغوي – وتم حرق المدينة بالكامل وهجر عنها أهلها. قال البردالي "كانت بارطيري بعد حرقها مهجورة لمدة عشرين عاما بدءا من ١٢٤٨هـ ١٨٣٢م وحتى ١٢٦٨هـ ١٨٥١م، حتى عاد إليها الشيخ المصلح محمد آدم كيرومنور مجاولي، وأسسها من جديد، وبعده نشطت الحركة العلمية والثقافية للمدينة، وتولى مشيخة المركز العلمي فيها علماء عديدون امتد وجودهم حتى ١٩٩٢م، ذكرهم الأستاذ الفاضل البردالي، وما زالت الجماعة موجودة اسميًّا وروحيا، ويرأسها الشيخ عبد الله كيرو(٢) الهيكل السكاني للبلدة كانت الجماعة المسيطرة على المدينة أنشأت إبان فترة حكمها مجلس نقباء القبائل، معظمهم من قبائل الرحنوين، ومن قبائل مريحان الدارودية التي ازدادت نفوذها فيما بعد فترة الاستعمار والاستقلال، وبعد الحرب الأهلية، وقبائل أخرى مثل الأجوران وهويه وغيرها. بارطيري في العهد الاستعمار والاستقلال كانت بارطيري أهم المعاقل الرئيسية للاستعمار الإيطالي في النصف الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول القرن العشرين، وبنى فيها مكاتب إدارية، و كان عدد السكان في ثلاثينات القرن العشرين يصل إلى حوالي ٨٠٠٠ نسمة، وأصبحت المدينة موقعا متنازعا عليه بين الإيطاليين والبريطانيين نظرا لموقعها الإستراتيجي ووقوعها في الحدود بين الإدارتين الاستعماريتين، حتى استيلاء الإيطاليين على منطقة وادي جوبا، وفي الحرب العالمية الثانية شهدت نزاعا مريرا بين الدولتين(٣). كانت بارطيري جزءا من إقليم جوبا العليا الذي أنشأته الإدارة الإيطالية الاستعمارية، واستقلّ الصومال في عام ١٩٦٠م وهي كذلك في فترة العهد المدني، حتى تم إلحاقها بجوبا الوسطى في فترة الحكومة العسكرية في السبعينيات، وأخيرا تم إلحاقها بمحافظة غذو. بارطيري في فترة الحرب الأهلية لم تشهد مدينة بارطيري – التي تشهد تنوّعا قبليّا – مآسي عدّة في فترة الحرب الأهلية التي اجتاحت جنوب الصومال، وخضعت لفترات قصيرة لجبهات الفصائل، وكانت المدينة تخضع لنظام محلي(٤)، وبعد ذلك أصبحت معقلا لحركة الشباب الإسلامية من ٢٠٠٨ وحتى عام ٢٠١٥م، ومنذ ذلك الحين تتواجد فيها قوات صومالية وإثيوبية. الأهمية الاقتصادية يمارس أعداد كبيرة من سكان مدينة بارطيري بمهنة الزراعة على امتداد نهر جوبا باستخدام مضخات الري، حيث يتم بيع المنتجات الزراعية من مزارعها إلى جميع أنحاء الصومال، ومن أهم المنتجات الزراعية الذرة الرفيعة وأنواع مختلفة من البصل والفاصوليا والسمسم والتبغ والفواكه مثل الموز والبطيخ والبرتقال والبابايا والمانغو، وتصل تلك المنتجات إلى مدن عديدة مثل مقديشو وكيسمايو وبيدوا، وبعضها إلى الأسواق الكينية مثل وجير وغاريسا وممباسا ونيروبي. ويمر في المدينة جسر كبير يقسمها إلى شرقية وغربية، تم بناؤه في عام ١٩٧٨م بتمويل من الحكومة الهولندية، وفيها مدارس ثانوية، ومستشفى يعود تأسيسه إلى العهد الاستعماري تم ترميمه مؤخرا. وباستثناء استثمارات فردية بتطوير جمعيات المزارع والمدارس الخاصة وغيرها من الخدمات مثل النقل والتمويل والاتصالات، فإن مدينة بارطيري لم تتلقّ تطويرا في بنيتها التحتية بالشكل المطلوب منذ الاستقلال، والآن تتخذ بعض الهيئات الإغاثية الدولية والمحلية مقرا لها لتلبية الحاجات الضرورية والأزمات الإنسانية في محافظة غذو. الهوامش (١) المنارة الهادية إلى تأريخ إمارة بارطيري الإسلامية، تأليف آدم شيخ سعيد البردالي ص ١٥١ ١٥٩ (٢) المرجع نفسه ص ٢٠٥ (٣) ويكبيديا النسختي الإنجليزية والصومالية. (٤) قناة دلسور، تاريخ مدينة بارطيري. أكثر من ٦ سنوات فى صومالى تايمز