الزبيري.. أيقونة الشعر والثورة الصحوة نت خاص في مثل هذا اليوم من عام ١٩٦٥م استشهد أبو الأحرار محمد محمود الزبيري. وباستشهاده وضعت رصاصة الغدر نهايةً لرجل عاش حياةً ممتلئة بعوالم من المثيرات الجليلة، كان أولها الشعر والثورة. يومها كان الشهيد قد أنهكه النضال، وبلغ به الكفاح مبلغاً من الإجهاد والتعب.. لكنّه وهو المثابر الجسور أبى إلا أن يموت واقفًا.. شأنه في ذلك شأن العظماء الكبار.. وكيف لا يموت واقفا وهو القائل بحثت عن هبةٍ أحبوك يا وطني فلم أجد لك إلا قلبي الدامي ولقد كان قلبه الدامي هبةً عظيمة لوطنه.. لكنّها لم تكن الهبة الأخيرة.. فثمة نهر دافق من الهبات الجليلة لا يزال الزبيري يتدفّق بها باسمًا بين يدي الوطن العظيم. نعم لقد وضعت رصاصة القتلة حدًا للزبيري الجسد، لكنَّ الزبيري الفكر والزبيري الشعر والزبيري الثورة لا يزال حيا، يستعصي عن الغياب، له حضوره المتجدد حياة وألقا في كل يوم وفي كل ساحة حتى صار أيقونة نضال وفن ليس لليمنيين فقط، وإنما لكل أحرار العالم. وعلى الرغم من حالة التهميش والإقصاء التي مورست بشكل ممنهج ضد الزبيري شاعرا وثائرا في العقود الأخيرة؛ إلا أنَّ شمسه المضيئة أكبر من أن تحجبها السحب العابرة، لقد حاولوا بكل ما وسعتهم المحاولة أن يكونَ الزبيري مجرّد شارع هنا أو مبنى هناك؛ لكنَّ المضامين الوطنية والإنسانية التي أرسى الشاعر الشهيد مداميكها في سيرته الثورية ومسيرته الشعرية كانت أسمى وأعلى من أن تذهب أدراج الرياح.. ولقد أعادت ثورة ١١ فبراير الزبيري إلى الواجهة الوطنية، فحضر الساحات، وشاهد أحفاده وهم يحملون ذات الراية التي حملها ذات نضال، وأصبحت كلماته الخالدة ميثاق شرف لكل اليمنيين الرافضين للظلم والكهنوت، والحالمين بوطن ترفرف فيه روح العدل، وقيم المساواة. ومن المهم الإشارة إلى أنَّ قصائد الزبيري –وهي لسانه الناطق استوعبت كل مجريات الثورة كفكر، لا كحدث، وبالتالي فقد ظلت حيّةً متجدّدة، لا يزيدها مضي الأيام والليالي إلا رسوخاً وعمقا وحضورا في ذاكرة الناس والأجيال المتعاقبة.. لقد كانت قصيدته الثورية مفعمة بالهم الجمعي وبمأساة أمة، حتى وهو في مهبَّ المنافي وأوطان الغربة كان يحمل هذا الهم في فكره وفي شعره، ولقد تحدّث الشاعر الكبير الراحل عمر بهاء الدين رحمه الله عن حياة الزبيري وهو في باكستان حديثا يضع القارئ أمام شخصية فريدة جمعت في تركيبتها بين البساطة والعظمة، بين عنفوان الثورة وجمال الفن، بين حقد طافح على الظلم وأربابه وحب جارف للبسطاء المغلوبين على أمرهم، وبين هذه الثنائيات الجميلة بزغت قصيدة الزبيري أيقونة إنسانية مترعة بالجمال والعنفوان. لقد كانت الثورة فكرا راسخاً لديه ولم تكن حدثًا عابراً، فجاءت قصيدته فنا يعكس هذا الفكر، ويستجلي معالمه في قوالب فنية باذخة الجمال، من السهل الممتنع، ولقد وقف أدباء ونقاد كثيرون موقف الذهول من شعر الشهيد الزبيري، ومنهم الدكتور عبدالعزيز المقالح، والدكتور رياض القرشي، وآخرون، وتساءلوا مرارا كيف تأتّى له وهو الغارق في واقعية الثورة ومجرياتها المرهقة أن يكتب قصيدته بذلك الحضور الفني الباذخ، ثمَّ كيف تأتى له بعد ذلك أن يطوّع نصّه الشعر بحنكة ماهرة، وقدرة فائقة، ليصير نصًّا جماهيريا بامتياز، تتلقفه الجماهير حفظاً وتمثُّلا، وتعتبره ميثاقًا ثوريًّا. يقول عنه الناقد الأردني أحمد الجدع لا أبالغ إذا قلت بأن من يريد الاطلاع على أحوال اليمن وعلى تطور الثورة فيه فإن خير مصدر يستطيع أن يطلع عليه ويطمئن إليه هو شعر الزبيري ، بل أستطيع أن أقول مطمئناً بأن ثورة الشعب اليميني على حكامه الظالمين قد تجسدت بشعره ، وأن الشعب اليمني الثائر إنما كانت ثورته من خلال صيحات الزبيري في شعره ، ذلك الشعر الذي كان يجلجل في سماء اليمن كأنه هدير المدافع وأزيز الرصاص . والمتأمل في قصائد الزبيري يلحظ هذا البعد الذي تفرّد به بين مجايليه ولاحقيه من الشعراء، حتى لنكاد ونحن نقرأ رائعته الجميلة التي مطلعها خرجنا من السجن شمَّ الأنوف كما تخرج الأسد من بابها لنشكُّ أن الرجل فرغ من كتابتها للتو، وأن مداد حبرها لم يجف بعد. وإذا كان شباب اليمن في العقود الماضية بحاجة إلى هذا الشهيد العظيم رمزا نضالياً، وشاعرا حراً؛ فإنهم اليوم أكثر حاجة إليه، خاصة وأن اليوم من أمسه الرجعي ينبجسُ، كما أنّ طبعةً أخرى للظلم جاءت مستوفية كل نقائص الطبعات الأولى، وها هو الزبيري اليوم يعيش معنا مجريات الواقع البائس، ويشاهد ثانية مصرع الابتسامة، ويصيح بأعلى صوته متألِّما ماذا دهى قحطان؟ في لحظاتهم بؤس، وفي كلماتهم آلامُ جهل وأمراض وظلم فادح ومخافة ومجاعة وإمامُ!! لكنه كعهده يستثير بشعبه مكامن العزة، وأشواق الحرية، وكأننا به اليوم بعتلي منبره الجماهيري ليعلن بابتسامته الواثقة الملايين العطاش المشرئبَّة بدأت تقتلع الطاغي وصحبه ها هو الشعب صحا من خطبه بينما الطغيان يستقبل خطبه الصحوة نت حوالي ٦ سنوات فى الصحوة