مدى مصر

نيابة أسوان تجدد حبس ٧ من المتضامنين مع «معتقلي الدفوف» لمدة ١٥ يومًا مدى مصر ٧ أكتوبر ٢٠١٧ قررت النيابة العامة بأسوان اليوم، السبت، تجديد حبس سبعة مواطنين نوبيين لمدة ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات، بحسب تصريحات المحامي أحمد رزق لـ «مدى مصر». وكان المتهمون قد تمّ القبض عليهم، الأسبوع الماضي، بينما كانوا يتظاهرون اعتراضًا على حبس نشطاء نوبيين آخرين، في حين لم يصدر قرار النيابة بشأن السبعة متهمين إلا يوم أمس، الجمعة. وقال رزق إن المحامين لم يتمكنوا من الإطلاع على المحضر، خلال جلسة تجديد الحبس اليوم للمتهين السبع. وأشار إلى أن التهم ستكون مرتبطة بـ «التظاهر»، و«الاعتداء على رجال الشرطة»، حسبما أكد لـ «مدى مصر». وكانت نيابة أسوان قررت أمس، الجمعة، حبسهم لمدة ٤ أيام على ذمة التحقيقات، التي كانت قد جرت معهم، الأربعاء الماضي، في معسكر الأمن المركزي بمنطقة الشلال. وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على السبعة متهمين، يوم الثلاثاء الماضي، وذلك أثناء تظاهرهم أمام مقر محكمة أسوان اعتراضًا على قرار تجديد حبس ٢٥ من المقبوض عليهم في تظاهرة «يوم التجمع النوبي» لمدة ١٥ يومًا، والمعروفين بـ«معتقلي الدفوف». وخلال التحقيق معهم لأول مرة، الأسبوع الماضي، لم يُسمح بحضور المحامين مع المتهمين السبع. وقال المحامي أحمد رزق لـ «مدى مصر»، وقتها، إن المحامين لم يتمكنوا من معرفة التهم الموجهة إلى السبعة متهمين فضلًا عن موعد إعلان قرار النيابة بشأنهم. وكانت مجموعة تضم أهالي المتهمين فضلًا عن بعض المتضامنين معهم، قد تواجدت، الثلاثاء الماضي، أمام مقر محكمة أسوان، وذلك من أجل انتظار قرار قاضي المعارضات بمحكمة أسوان الجزئية بشأن ٢٥ متهمًا المقبوض عليهم على خلفية المشاركة في مسيرات «يوم التجمع النوبي»، في سبتمبر الماضي، والتي كان المشاركون بها يحملون الدفوف. وحينما اعترض الأهالي، الأسبوع الماضي، على قرار حبس «معتقلي الدفوف» لمدة ١٥ يومًا، أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وألقت القبض على سبعة من المتظاهرين، ثم بدأت إجراءت التحقيق معهم في اليوم التالي. وتعود أحداث القبض على النشطاء النوبيين، إلى الثالث من سبتمبر الماضي، حينما تجمع العشرات من الناشطين النوبيين لإحياء مسيرات «يوم التجمع النوبي» الذي تضمن تنظيم مسيرات بمدينة أسوان، يحمل بها المشاركون الدفوف ويقومون بغناء الأغاني النوبية، وذلك من أجل تجديد المطالبة بـ «حق العودة» إلى مناطقهم الأصلية التي تم إجلاؤهم منها، وفقًا لما نَصّت عليه المادة ٢٣٦ من الدستور. وألقت قوات الأمن القبض على ٢٤ من المتظاهرين، من بينهم المحاميين محمد عزمي ومنير بشير، ووجهت لهم النيابة اتهامات «التحريض على التظاهر»، و«تعطيل وسائل المواصلات العامة»، و«التظاهر بدون ترخيص»، فضلًا عن «حيازة منشورات». في حين قامت قوات الأمن، في يوم ١٠ سبتمبر الماضي، بإلقاء القبض على المواطن فهد حسن، وذلك أثناء زيارته للمتهمين الآخرين في مقر معسكر قوات الأمن المركزي بمنطقة الشلال في أسوان، وذلك بناءً على أمر ضبط وإحضار كان قد صدر بحقه، في وقت سابق، ليصل عدد المتهمين على خلفية المشاركة في مسيرات «يوم التجمع النوبي» إلى ٢٥ متهمًا. وأمر قاضي المعارضات، في وقت سابق، بإخلاء سبيل المقبوض عليهم، إلا أنه تم قبول طعن النيابة على قرار إخلاء السبيل لاحقًا، مما أدى لاستمرار حبسهم.
هل يمكن الاعتماد على «الأموال الساخنة» في دفع الاقتصاد وسط مخاطر الاضطرابات الاجتماعية؟ وعد أحمد ٧ أكتوبر ٢٠١٧ قفزت الاستثمارات الأجنبية في أوراق الدين التي تطرحها الحكومة المصرية بعد تعويم الجنيه، بما يزيد على ١٧ مليار دولار في أقل من عام واحد، وهو ما أشاد به صندوق النقد الدولي في سبتمبر الماضي، واعتبره دليلًا على ثقة المستثمرين في الاقتصاد. بينما يرى عدد من الاقتصاديين أن تراجع قيمة العملة وارتفاع سعر الفائدة هما السبب في جذب تلك الأموال، وأنها بطبيعتها «أموال ساخنة» تخرج من السوق في أي لحظة، وبالتالي قد تمثل خطرًا على النمو والاستقرار الاقتصادي. وحققت مصر صافي تدفق للداخل في استثمارات محفظة الأوراق المالية، التي تشمل شراء الأجانب ﻷوراق مالية حكومية مثل أذون الخزانة والسندات أو أسهم مطروحة في البورصة، بنحو ١٦ مليار دولار خلال العام المالي ٢٠١٦ ١٧، المنتهي في يونيو الماضي، والذي شهد تعويم الجنيه. وتعد الاستثمارات في أذون الخزانة، من أوائل الاستثمارات التي تدخل دولة ما بعد قيامها بإجراءات تتوافق مع اقتصاد السوق الحر. والأذون أوراق مالية تطرحها الحكومة بالجنيه المصري لتستدين مبالغ محددة لفترة لا تزيد على عام واحد. وارتفع إقبال المستثمرين الأجانب على أذون الخزانة بشكل كبير بعد أن حررت مصر سعر صرف عملتها، في نوفمبر الماضي، وهو القرار الذي كان أحد أعمدة اتفاقها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة ١٢ مليار دولار خلال ثلاث سنوات. وحذر اقتصاديون تحدثوا إلى «مدى مصر» من مخاطر ذلك النوع من الاستثمارات الذي لا يتسم بالاستمرارية، كما يرتبط بشكل وثيق باستقرار الوضع الأمني والسياسي والاجتماعي، وذلك في ظل اتخاذ الحكومة لإجراءات اقتصادية من شأنها أن ترفع من مخاطر الاضطرابات الاجتماعية، بحسب ما أكده صندوق النقد نفسه في في مراجعته الأولى ﻷداء الاقتصاد المصري ومدى التزام مصر بالبرنامج المتفق عليه بين الطرفين، والمنشورة في ٢٦ سبتمبر الماضي. أرباح سريعة للمستثمر الأجنبي وتندرج استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية تحت مُسمى «الأموال الساخنة» لأنها استثمارات قصيرة الأجل تتحرك بحثًا عن أكبر عائد ممكن في أقل فترة زمنية ممكنة. فالمدة الزمنية لاسترداد قيمة أذون الخزانة لا تزيد على عام واحد، ويضمن البنك المركزي المصري للمستثمرين بحسب القانون استرجاع قيمة استثماراتهم مضافًا إليها الفوائد بالدولار. ورفعت مصر أسعار الفائدة عدة مرات منذ إبرام الاتفاق، في نوفمبر ٢٠١٦، ليبلغ إجمالي الزيادة ٧٠٠ نقطة أساس، وذلك لكبح الآثار التضخمية للسياسات الاقتصادية المصاحبة للقرض والتي تضمنت رفع الدعم عن الطاقة، وهو ما انعكس على الأوراق المالية التي تطرحها الحكومة وزاد من العائد عليها وبالتالي من جاذبيتها للمستثمرين. وتؤثر هذه النوعية من الاستثمارات على سعر الصرف وميزان المدفوعات، ويؤكد الاقتصاديون الذين تحدثوا لـ «مدى مصر» أن تحرير سعر الصرف ورفع معدلات الفائدة جعلا الاستثمار في أذون الخزانة المصرية أرخص مقارنة بالدول الأخرى في ظل مخاطر أقل نسبيًا من تلك الدول، والتي تعرض معدل فائدة أقل. ويؤكد الباحث الاقتصادي، محمد سلطان، لـ «مدى مصر»، على أنه بالنظر إلى المؤشرات الاقتصادية يوجد طلب شديد على الديون قصيرة الأجل وبالتالي العائد عليها يزيد. ويوضح أن ميزان المدفوعات للعام المالي ٢٠١٦ ١٧، وهو العام الذي بدأت فيه الحكومة برنامجها الاقتصادي المقترن بقرض صندوق النقد، حققت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية صافى مشتريات بلغ نحو ١٠.٠ مليار دولار، فيما بلغ صافى مشتريات اﻷجانب بالبورصة المصرية ٤٩٧.٣ مليون دولار فقط. ويقول نعمان خالد، محلل الاقتصاد الكلي بشركة «سي آي لإدارة الأصول»، لـ «مدى مصر»، إن «الأموال الساخنة عامة تأتي عندما تكون هناك دولة بها أسعار فائدة أعلى كثيرًا عن تلك في بلد آخر، وهو الوضع الذي ينطبق حاليًا على مصر مقارنة بأوروبا وأمريكا. وتنخفض أسعار الفائدة في أوروبا والولايات المتحدة بنسب كبيرة مقارنة بمصر وبعض الدول الأخرى في أفريقيا وأمريكا اللاتينية». ويضيف خالد أنه في تلك الحالة يشتري المستثمر الأجنبي بالعملة المحلية للدولة التي تطرح أسعار فائدة مرتفعة من خلال شراء أذون الخزانة أو أدوات الدين الخاصة بها. الجدير بالذكر، أن المستثمرين الأجانب ضخوا أموالهم في العملة المصرية في الفترة التي اعتقدوا فيها أن هذا «أرخص سعر للعملة ممكن أن تصل إليه» بحسب خالد، لذلك أتت الاستثمارات «عندما تراوح سعر الجنيه ما بين ١٨ و١٩ مقابل الدولار، وكانت التوقعات تشير إلى أن سعر الصرف سوف يرتفع بعدها إلى حوالي ١٦ جنيه مقابل الدولار». فيما يشير سلطان إلى أنه عندما يستبدل المستثمرون الأجانب عملاتهم بالجنيه، من خلال البنك المركزي، ليشتروا بها أذون خزانة، فهم مطمئنون إلى قدرتهم على استرجاع العملة الأجنبية عند تحقيق الأرباح بنهاية مدة أدوات الدين بما في ذلك مقابل الأرباح المحققة، بحسب قانون المركزي. بينما يوضح سلطان أن «فكرة مخاطرة الاستثمار في سوق المال المصري بالنسبة لكثير من المستثمرين لم تصل إلى مناطق حرجة، خاصة بسبب لجوء مصر إلى قرض صندوق النقد الدولي»، الذي يقدم نوع من الضمانة لالتزام مصر بسياسة اقتصادية مناسبة لهم، أما «المشكلة الأساسية في مصر حاليًا فهي مؤشرات زيادة أسعار المستهلكين (والتي تخفض من القدرة الشرائية للجنيه)، وهذه مسألة لا يعاني منها المستثمر الأجنبي لأنه يدخل بالدولار ويخرج به». أما عن موقف المستثمر الأجنبي من مخاطر ارتفاع نسبة الديون الحكومية، فيشير سلطان إلى أن «مؤشرات الدين المصري بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، تعتبر قريبة من منطقة اليورو، حيث تعد نسبة الدين المحلي من الناتج القومي الإجمالي في مصر أصغر من مثيلتها في اليونان، وأسبانيا فيما تتعدى الفائدة في مصر مثيلتها في تلك البلاد». لكن سلطان يرى أن احتمالات مخاطر التعثر في سداد الديون ترتفع على المدى البعيد وهو ما يفسر تركيز الاستثمارات الأجنبية على أدوات الدين قصيرة المدى. جدل في مؤتمر لمجتمع الأعمال ومن المتعارف عليه أن الاعتماد على تلك النوعية من الاستثمارات كمصدر للعملة الصعبة له مخاطر على الاقتصاد، لذلك كان تصريح رئيس البورصة خلال افتتاح مؤتمر لمجتمع الأعمال المصري الشهر الماضي، بأن الأموال الساخنة لها «دور إيجابي» في الاقتصاد مثارًا للجدل. وقال رئيس البورصة المصرية، محمد فريد صلاح، خلال افتتاح مؤتمر اليوروموني السنوي في مصر، الذي أقيم في سبتمبر الماضي، إن «الأموال الساخنة لها دور في الاقتصاد، هي أموال، أود أن أقول، أنها تمول جزء من المشتريات في البورصة، وتمول أذون الخزانة والسندات الحكومية، بنهاية الأمر ذلك يقلل من العبء على القطاع المالي لتمويل عجز الموازنة». ولعبت البنوك المحلية دورًا أساسيًا في شراء أدوات الدين الحكومية على مدى سنوات، ووصل صافي المطلوبات من الحكومة لدى القطاع المصرفي بالعملة المحلية إلى ١.٥ تريليون جنيه مصري بنهاية يونيو ٢٠١٧، فيما تقدر إجمالي الودائع البنكية بـ ٣ تريليون جنيه مصري بنهاية يونيو ٢٠١٧ أيضًا، وذلك بحسب البنك المركزي المصري. وخلال جلسات المؤتمر اللاحقة لهذا التصريح، طرح البعض تعليقات حول أن تلك الأموال يمكن أن تتحوّل لاحقًا إلى استثمارات مباشرة، بينما عَبّر آخرون عن تخوفهم من تخارج استثمارات أذون الخزانة سريعًا قبل إيجاد بدائل للعملة الصعبة التي تسحبها بخروجها، ما قد يؤثر سلبًا على سعر الصرف والاحتياطي النقدي. وتأييدًا لموقف رئيس البورصة، قال حازم بدران، نائب رئيس مجموعة «سى آى كابيتال» إن «المستثمرين يختبرون المنظومة من خلال الأموال الساخنة.. أنا أحاول أن أنظر للموضوع من الناحية الجيدة، وهي أن المستثمرين يختبرون السوق.. سوق العملة، والقدرة على استرجاع الأموال، أعتقد أن الأمر تطوّر بشكل جيد.. وأنهم سوف يحولون أموالهم إلى أسهم، لكننا نحتاج إلى فرص. أحد أهم التحديات حاليًا هي إيجاد فرص استثمار أكثر». فيما يرى شريف الخولي، مدير عام شركة «أكتيس» في مصر، أن عملية تراجع الاستثمارات في أذون الخزانة أو خروج الأموال سريعًا بما يؤدي لصدمة للاقتصاد، ترتبط باستقرار الوضع في مصر، مؤكدًا على أن ذلك الاستقرار لن يأتي إلا من خلال كبح التضخم. كما يحذر أحمد بدر الدين، الشريك الرئيسي في مجموعة «أبراج» ، من أن التوقعات ببدء تخفيض معدل الفائدة العام المقبل، على إثر تباطؤ معدلات التضخم الشهري، قد يؤدي إلى تراجع في «الأموال الساخنة» التي أتت من الأصل بحثًا عن الفائدة المرتفعة، مما قد يدخل الاقتصاد في دائرة مفرغة، ويضيف «أعتقد أننا سوف نرى سعر الصرف يقفز إلى ١٩ أو ٢٠ جنيه للدولار، وتلك هي المجازفة، ويتبع ذلك تسارع التضخم مجددًا، ورفع معدلات الفائدة، وندخل في دائرة بلا نهاية». وتوقع تقرير صندوق النقد الدولي أن تكون السنة المالية المنتهية في يونيو الماضي، والتي شهدت تحرير سعر الصرف ورفع معدلات الفائدة، هي أكثر السنوات جذبًا للاستثمار، وذلك حسبما جاء في مراجعته الأولى ﻷداء الاقتصاد المصري ومدى التزام مصر بالبرنامج المتفق عليه بين الطرفين. وتقدر المراجعة أن يبلغ صافي استثمارات المحفظة المالية ١٢ مليار دولار في تلك السنة، بينما تنخفض إلى ٥ مليارات دولار سنويًا في السنوات اللاحقة. وفي نفس الوقت خفَضَ الصندوق توقعاته لصافي الاستثمار الأجنبي المباشر (وهو استثمار الاقتصاد الإنتاجي وليس المالي)، وراجع تقديراته لعام ٢٠١٧ ١٨ إلى ٩.٤ مليار دولار بدلًا من ١٠.٤ مليار لنفس العام قبل المراجعة. وهذا النوع من الاستثمار له آثار إيجابية واضحة على معدلات البطالة والإنتاج. مصير مجهول للتدفقات الأجنبية يعتمد تأثير «الأموال الساخنة» بشكل رئيسي على كيفية استخدام تلك الأموال من جانب البنك المركزي، حسبما يقول نعمان خالد لـ «مدى مصر»، وهو الأمر الذي لم يُعلن حتى الآن. ويوضح خالد أن الخطورة الرئيسية تكمن في مدى اعتماد القطاع البنكي أو البنك المركزي على «الأموال الساخنة» كمصدر رئيسي للعملة الصعبة لتمويل الاستيراد، مشيرًا إلى أنه في حالة الاكتفاء بفتح حساب تودع فيه تلك الأموال دون ضخها في القطاع البنكي أو إضافتها إلى الاحتياطي النقدي فإن المخاطر تنخفض، وإن كان ذلك يأتي على حساب الكفاءة في استغلال موارد دولارية متاحة. ورغم عدم إعلان البنك المركزي كيفية استخدامه لتلك الأموال إلا أن تقرير صندوق النقد الدولي أشار إلى أن المركزي لم يضخ استثمارات المحفظة في سوق العملة في الشهور الأولى التي لحقت التعويم، والتي دخل فيها جزء كبير من تلك الاستثمارات. لكنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان المركزي سيستمر في عدم ضخ الدولارات في سوق العملة من خلال بيعها إلى البنوك في الشهور اللاحقة، خاصة أن بعض التصريحات اللاحقة أشارت إلى أنه ربما تمّ ذلك بالفعل. ومن تلك التصريحات، تعليق، غير واضح تمامًا، من طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، لتلفزيون «بلومبرج»، في ١٨ سبتمبر الماضي، حول مدى تعرض مصر لتقلبات السوق العالمية، حيث قال إن مصر ليست معرضة بشكل كبير للتأثر بتلك التقلبات. وأضاف أنه «لا يمكن أن تقيد نفسك بما تعطيه لك أذون الخزانة. ذلك اقتصاد كبير، إنه متنوع. لقد تحملنا الجزء الصعب، ووضعناه [الاقتصاد المصري] على الطريق السليم». لكن في إشارة مختلفة، وإن كانت بنفس الغموض، قال رامي أبو النجا، وكيل محافظ البنك المركزي، في حوار مع جريدة «المصري اليوم»، في أغسطس الماضي، ردًا على ما إذا كان الاحتياطي الأجنبي يحتوي على استثمارات الأجانب في أذون الخزانة، إن «البنك المركزي لا يعمل فى معزل عن المؤسسات العالمية، ويتبع كافة المعايير الدولية فى إدارة الاحتياطى النقدى، ويتضمن الاحتياطى المصرى من الذهب والاستثمارات الأجنبية بالإضافة إلى إجمالي المساهمات المالية السائلة فى الخارج، كما أن استثمارات الأجانب فى أدوات الدين قصيرة الأجل تتمّ بشكل دورى، وليس هناك تخوف من الالتزامات الخارجية فى ظل قوة الاحتياطي والذي من المتوقع أن يرتفع مدعومًا بتحسن الموارد الدولارية للبلاد الفترة المقبلة ويجب التأكيد (على) أن الاحتياطى النقدى المعلن من البنك المركزى متوافق مع المعايير الدولية». ويقول نعمان خالد لـ «مدى مصر»، إن المركزي كان أمام ثلاثة اختيارات فيما يتعلق بكيفية التصرف في تلك الأموال. الاختيار الأول، وهو الأقل خطورة، وإن كان الأقل كفاءة من حيث استغلال الموارد الدولارية المتاحة، ويوضح « يُقال إنه ذلك كان الاختيار الفعلي في البدء، وهو اختيار وضع تلك الاستثمارات في حساب منفصل عن الاحتياطي وعن استخدامات الدولار الخاصة به، وسبب رئيسي لذلك أنه لم يكن من الواضح بعد ما إذا سوف تتواصل الاستثمارات لذلك كان من الأضمن وضعها في حساب منفصل حتى تكون الدولارات متاحة في حالة أراد المستثمر التخارج». ويضيف خالد أن «الاختيار الثاني وهو الأكثر خطورة، هو إضافة جزء من تلك الأموال على الاحتياطي، أما الاختيار الثالث هو دفع مديونيات بتلك الأموال أو دفع فاتورة استيراد الحكومة، وهو وضع مشابه لضخ الأموال في البنوك». ويعتقد خالد أن المؤشرات تقول إنه تمّ استخدام بعض من تلك الأموال في تغطية فاتورة استيراد الحكومة، مما يعني أنه إذا لم يتمّ تجديد استثمارات الأجانب في أذون الخزانة سوف يصعب رَدّ الدولارات للمستثمرين الذين حققوا الأرباح ويسعوا إلى التخارج، وذلك إذا استمر الوضع الحالي في غياب مصادر دولارية بنفس الحجم. مخاطر مرتقبة كانت الذاكرة القريبة لثورة ٢٠١١ والأحداث المرتبطة بها حاضرة سواء خلال الجدل في مؤتمر «اليوروموني»، وفي حديث كل من محمد سلطان وخالد نعمان لـ «مدى مصر» كذلك. وتحوّلت المخاوف من المخاطر المترتبة على الاعتماد على «الأموال الساخنة» إلى حقيقة، حينما تسببت الاحتجاجات والهزات السياسية والأمنية قبل ستة أعوام إلى عدم تجدّد استثمارات الأجانب في أذون الخزانة، وبالتالي تسديد قيمتها كلها دفعة واحدة. ويأتي التهديد الحقيقي؛ فيما يتعلق باستثمارات أذون الخزانة من عدم تجديدها، حسبما يقول سلطان، ﻷن تجديد الاستثمار في تلك الأوراق يسهم في أن يصبح عند المركزي دخلًا دولاريًا جديدًا لتسديد الاستحقاق الدولاري المنتهي. وكان المركزي يضخ استثمارات الأجانب في أذون الخزانة في البنوك قبيل اندلاع الثورة المصرية عام ٢٠١١، وذلك بحسب خالد، الذي أشار إلى أنه عندما حدثت توترات سياسية توقفت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة وأصبح على البنوك رَدّ تلك الدولارات لسد الأذون مستحقة الدفع، كلها في الوقت نفسه، وهو ما لم تتمكن منه، مما أدى إلى أن يسددها المركزي من الاحتياطي الأجنبي لينخفض من ٣٦ مليار دولار عام ٢٠١٠، إلى أقل من ١٧ مليار دولار في بضعة شهور. فيما يوضح سلطان أن «الاحتياطي انخفض بسبب انسحاب استثمارات محفظة الأوراق المالية ليس في أذون الخزانة فقط، وإنما في البورصة». من جانبه يرى نعمان خالد أن خطورة الاعتماد على الأموال الساخنة يظهر في حالة عدم قدرة مصر على جذب دولارات من مصادر أخرى، عندها إذا عَزَف الأجانب عن العودة إلى السوق المصري، سوف يكون التسديد على حساب الاحتياطي النقدي كما حدث عام ٢٠١١. ويعتقد خالد أن «الموضوع يتلخص في ميزان المدفوعات، إذا لم تأت إيرادات دولارية أخرى من سياحة أو من استثمارات مباشرة تسمح أن تعمل كبديل للاستثمارات التي تتخارج من أدوات الدين، في تلك الحالة خروج أي استثمارات يتسبب في انخفاض قيمة العملة أمام الدولار مما يعيدنا إلى خلق موجة أخرى من ارتفاعات الأسعار». ويوضح ميزان المدفوعات للعام المالي ٢٠١٦ ١٧، الذي شهد تحرير سعر الصرف، أن معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة التي تدهورت بشكل حاد على إثر الأزمات التي لحقت ٢٠١١، وأن التحسن مازال محدودًا، فوصلت إيرادات السياحة إلى ٤.٤ مليار دولار مقابل ١١.٦ مليار دولار في العام المالي ٢٠٠٩ ٢٠١٠ أي قبل الثورة. كما وصل صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى ٧.٩ مليار دولار، نصفها في قطاع البترول. ويرى خالد أن الزيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر غير معبرة عن اتجاه الاستثمار في مصر لأن أغلبها في قطاع البترول لأنها غير مرتبطة بالسياق السياسي والاقتصادي. ويعتبر سلطان أن مخاوف تكرار أزمة ٢٠١١ مازالت قائمة، مضيفًا أن «المهدد الأكبر هو مهدد سياسي، وذلك بأن تحدث احتجاجات شعبية وانتفاضات تؤدي إلى أن كل الاستثمارات الأجنبية في مصر تتوقف تمامًا، ذلك قد يؤدي إلى سيناريو أعنف من ٢٠١١، الأثر ليس فقط وفقًا لقوة الحدث لكن أيضًا إلى موقعك أثناء حدوثه. نحن الآن في موقع أسوأ كثيرًا من ٢٠١٠ من ناحية معدلات الدين الداخلي والخارجي، من ناحية معدل النمو الاقتصادي، ومعدلات البطالة والتضخم حاليا». وأقرّ فريق صندوق النقد الدولي، في مراجعته الأولى ﻷداء الاقتصاد المصري ومدى التزام مصر بالبرنامج المتفق عليه بين الطرفين بشأن المراجعة الأولى للاقتصاد المصري، بأن من أهم المخاطر أمام استمرار البرنامج الاقتصادي هو احتمالية تزايد الاضطرابات الاجتماعية نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وكبح زيادة أجور الموظفين. وأضاف الصندوق أن أي تدهور في الوضع الأمني، سوف ينتج عنه تراجع ثقة المستثمرين في الاقتصاد وبيئة الأعمال.
«الضنك» في القصير.. الدولة تقاوم «بعوضة الحُمّى» ومعاناة الأهالي مستمرة لنقص الدواء هبة عفيفي ٧ أكتوبر ٢٠١٧ أعلنت مديرية الصحة بمدينة القصير بمحافظة البحر الأحمر، الخميس الماضي، عن حالة الطوارئ بمستشفيات المدينة، وذلك لمواجهة انتشار عدوى «حُمّى الضنك» التي تسببت في انتشار الخوف بين سكانها منذ ما يزيد عن ثلاثة أسابيع. وكان رئيس المدينة، اللواء يوسف الشاهد، قد سبق وأن وصف العدوى بـ «المرض الغامض»، والذي بدأت أعراضه تتنقل بين المواطنين في أوائل سبتمبر الماضي. وبدأ الأهالي، في الأسبوعين الماضيين، يشعرون بآثار الاستجابة الرسمية للأزمة، وذلك مع تردد محافظ البحر الأحمر اللواء أحمد عبد الله، ومسئولي الصحة على المدينة، وتوافدت القافلات الطبية لتعويض ضعف الموارد الطبية بالقصير، والذي فاقم من معاناة الأهالي. فيما قال مصطفى السباق، أحد شباب القصير المتطوعين للتعامل مع الأزمة، لـ «مدى مصر»، إن العدوى بدأت في أوائل سبتمبر الماضي، وأخذت في الانتشار تدريجيًا بين الأهالي أعراض مثل «تكسير بالجسم» و«هُزال شديد»، و«صداع فوق العين»، وذلك مصحوبًا مع «ارتفاع في درجة حرارة الجسم». فيما غاب أي رد فعل رسمي من الدولة لمدة ثلاثة أسابيع، خلالها انتشر الذعر بين الأهالي، وتكاثرت الشائعات. في حين تخوف البعض من أن يكون المرض المنتشر هو «الملاريا»، وانتشر ذعر بين الناس من احتمالية أن يكون الفيروس المتداول يؤدي إلى الوفاة، مما دفع عدد كبير من الأهالي إلى منع أطفالهم من الذهاب إلى المدارس خوفًا من العدوى. وصلت نسبة الغياب من المدارس بسبب الخوف من العدوى إلى ٩٣% من عدد الطلاب بمدارس القصير، بحسب تصريحات نورا فاضل، وكيل وزارة التعليم بالبحر الأحمر. فيما قال وزير الصحة، الأسبوع الماضي، إن حُمّى الضنك غير مميتة، وأعراضها بسيطة، إلا أن ذلك جاء متأخرًا بعدما انتشر الذعر بالفعل في ظل غياب معلومات طبية دقيقة. أول تشخيص برد موسمي وقال مصطفى السباق لـ «مدى مصر» إن اهتمام المسؤولين بدأ في الأسبوعين الماضيين، لكن قبل ذلك لم تلق استغاثات الأهالي من المسؤولين، وأعضاء مجلس النواب، أي استجابة، وأوضح «هم كانوا بيسمعوا بعض، ماحدش بيسمع الأهالي، كله شايف إن مفيش حاجة والأهالي بتتدلع». وأضاف أن الأهالي اضطروا لبذل الكثير من المجهودات لاحتواء الأزمة بأنفسهم في الأسابيع الأولى، فقد تعاون أهالي القصير ورأس غارب لتجميع التبرعات وشراء الأدوية المطلوبة للمحتاجين. كما تبرع الأطباء بفتح عياداتهم الخاصة لاستقبال الحالات، وتبرع المواطنون بنقل المصابين بسياراتهم إلى المستشفى المركزي، حسب السباق. وأوضح أن المواطنين لم يكن أمامهم سوى مستشفى القصير المركزي إلى جانب الوحدة الصحية بالمدينة، فيما تمت إعادة تشغيل مستشفى قديم لاحتواء الأزمة. لكن مع تزايد أعداد المرضى واضطرارهم للوقوف في صفوف خارجها، كان الأطباء يصرحون للمرضى بالخروج بعد إعطائهم مخفض للحرارة، وذلك دون اتخاذ أي إجراءات وقائية لمنع انتشار العدوى، وأشار، في الوقت نفسه، إلى ما بذله الأطباء من مجهود، وقال السباق «الأطباء كانوا ينامون ٣ ساعات، من ٣ لـ ٦ الصبح». ومن جانبه، حكى محمد منصور لـ «مدى مصر» عن إصابته بالعدوى، في أول سبتمبر الماضي، وحين ذهب إلى الدكتور بعد ارتفاع درجة حرارته إلى ٤٠ درجة، وقد صاحب ذلك شعوره بتكسير شديد في العظام وصداع فوق العين. وقتها أخبره الطبيب بأنه يُعاني من برد موسمي، ونصحه بتناول مخفض حرارة. لكن معاناة منصور من الأعراض استمرت لمدة ٢٥ يومًا، حسبما أكد لـ «مدى مصر». وقضى فترة مرضه غير قادر على مغادرة الفراش، وذلك دون أن يعرف ما أصابه. وساءت الأمور بعد أن انتقلت العدوى أيضًا لأخيه، وجده، ووالدته، الذين لجأوا جميعًا لاستخدام مخفض الحرارة وشرب الماء. وقال منصور إن الأهالي كانوا يحاولون اكتشاف المرض الذي أصابهم بأنفسهم، وأضاف موضحًا «كله بيعالج نفسه بنفسه، أنا من كثرة ما قرأت على الإنترنت عن حُمّى الضنك (كأنني) عملت ماجستير علشان أعرف اللازم (من أجل الشفاء)». بعوض الزاعجة وبعد ثلاثة أسابيع، من بدء انتشار المرض، أعلن عمرو قنديل، رئيس قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة، الأسبوع الماضي، عن مجهودات الدولة للقضاء على نوع من البعوض يُسمى بـ «الزاعجة المصرية»، الذي اعتبرته الوزارة سببًا في العدوى، وذلك خلال ندوة بديوان عام الوحدة المحلية بمدينة القصير. وتحدث قنديل، في الندوة، عن ضرورة تطهير وتعقيم خزانات المياه، والعمل على رَدَم أو تغطية أي أماكن لتجمع المياه، حسب موقع جريدة «الوطن». فيما قالت وزارة الصحة، يوم الأربعاء الماضي، إنه لا يوجد أمصال أو علاجات ضد الحُمّى، ويكفي لمعالجتها مخفض الحرارة العادي. وأصدرت تعليماتها بوقف الإجازات للممرضين والأطباء بالقصير من أجل التعامل مع الأزمة. ومن جانبه قال رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي المهندس يحيى صديق إن الشركة قامت باستبدال ١٠٥ من خزانات المياه الحديدية المتهالكة التي تساهم في تكاثر البعوض الذي يسبب العدوى، بأُخرى جديدة مصنوعة من البلاستيك. كما خصصت إدارة المرور بالمدينة اثنين من الميكروباصات من أجل توصيل الأهالي إلى المستشفى المركزي. ورغم مجهودات الدولة، إلا أن معاناة الأهالي مستمرة، حسبما قال مصطفى السباق لـ «مدى مصر». وأوضح أن سُكان القصير يعانون من نقص الأدوية والمحاليل التي يحتاجها المصابون. كما أنهم يضطرون لشراء العلاج الذي يصل سعره لمئات الجنيهات للفرد الواحد، وذلك بسبب إغلاق الصيدلية التابعة للمستشفى المركزي يوميًا من الساعة ١٢ ظهرًا.
رسالة مفتوحة إلى فاروق جويدة، أو إني أيضًا أتهم م. ف. كلفت ٦ أكتوبر ٢٠١٧ الأستاذ الشاعر والكاتب والصحفي والمثقف الكبير فاروق جويدة، رافع علم الطبيعيين وحامل لواء الشعراء إلى الجنة، تحية طيبة وبعد، بدايةً أحييك على نجاحك العظيم. قرأت باهتمام بالغ قطعتيك المعنونتين بـ«احتفالية للشواذ» و«لا حرية للشواذ»، واللتين قدمتا لي دليلًا دامغًا إضافيًا على أن مصر – لا أمريكا – هي أرض الفرص والأحلام. فأين في العالم يمكن لشخص، بهذه الإمكانيات اللغوية شديدة التواضع والقدرة شديدة الكسل على الكذب والنفاق والاستناد الصرف إلى قوة وصفاقة الجهل المريع وسلطة مثقف الدولة، أن يكون كاتبًا ولو في جريدة حائط؟ صدقني، فأنا أقرأ ما يكتبه اليمين الأمريكي المحافظ، ومنه مثلًا الدفع بأن المجتمع الأمريكي ليس بحاجة إلى تجربة زواج المثليين، إذ إن بلدانًا إسكندناڤية جرّبته بالفعل لسنوات كافية أثبتت أنه يهدد مؤسسة الزواج الرسمية والعلاقات الأحادية، (وأهم الأدلة المَسوقة هنا زيادة نسبة الطلاق، والتي زادت عندنا أيضًا إلى حد يزعج السيد الرئيس من الأزهر، ولعل قلبه اطمئن وزاد قوة على قوة بالأخبار القادمة من الهند). هذه أفكار شديدة العوار والرجعية لكنها… أفكار، يمكن التعاطي معها في السجال على أرضية من المنطق والأدبيات الديموقراطية و… اللغة (الإنجليزية بالطبع، والتي لم تتعرض للخراب والتعهير الذي صار يسمح بأن يُفهم من الكلام الشيء وعكسه دائمًا الدعوة إلى قتل أطفال الشوارع وإلى إنقاذهم، على سبيل المثال). أما النقاش الغربي نفسه عن زواج المثليين فشديد التعقيد إلى حد لا يسمح بتلخيصه لسيادتكم، كما أن كاتب هذه السطور لم يطوّر موقفًا واضحًا منه بعد، وهو في النهاية المطاف أمر ينتمي إلى سياق تاريخي واجتماعي وثقافي لا يخصنا كثيرًا، ليس لأننا نرفض التبعية للغرب وتقليده كما تفضلتم، ولكن لأننا ببساطة لا نستطيع هذا، إلا في حدود ما يراد لنا. (راجعوا من فضلكم «معذبو الأرض» لفانون، الذي يوصي الشعوب المستقلة حديثًا بألا تسمح بأي ثمن بتكوّن طبقة بورجوازية محلية لأسباب كانت قد بدأت في الظهور بالفعل ولم يثبت الزمن إلا عمق بصيرة من رآها بوضوح، وربما ما كان ليحدث لنا كل ما حدث لو أن مثقفينا آنذاك، من مجايليك وسابقيك، قرأوا ترجمته العربية بجدية كافية). لم أقرأ لك كثيرًا، ولا قليلًا، وإن كنت أذكر قصيدة عمودية في أهرام الجمعة عن الركوع فوق الدولار الأخضر وما إلى ذلك (قافيتها في الأغلب واو ونون)، وبشكل عام قصائد حب لزجة، خارجة عن الزمن وتيار الشعر المصري الأكثر تطورًا وأصالة، وعالقة بين كل الأزمنة عمومًا (على نحو يفوق بؤس حالة شوقي وإخوته بمراحل، ومن الظلم لهم هذه المقارنة)، ولا يمكن تلقيها بجدية خارج نادٍ لهواة غرائب وعجائب الفنون (وهو شيء مفهوم في إطار الرأسمالية المتأخرة والإنسانية المعقدة، حيث ينجح الكثيرون لأنهم شديدو الرداءة بما يكفي، إلى حد مضحك ومسلٍّ للغاية ومفيد أحيانًا، أو، وهو الأغرب والأتعس، لأن هناك من يعجبون حقًا بهذه الأشياء ويعتقدونها عين الفن. لا حيلة لنا مع ديموقراطية السوق.) لاحظ من فضلك أنني لا أمارس الآن الثنائية الشهيرة التي أرفضها؛ لا أقلل من شأن أعمالك – قليلة الشأن بذاتها – لأنني أحتقر موقفك وأداءك لدور المثقف المخبر، وأتصور بالطبع ودون جهد، وجود شعراء وكتاب حقيقيين يتمتعون بنفس القدر وأكثر من الخسة والرجعية، لكنهم كانوا سيكتبون شيئًا أفضل. لدى شاعر عظيم مثل أمل دنقل أطنان من النعرة القومية والذكورية تتوفر أيضًا لدى شاعر معارض آخر مثل نجيب سرور، الذي تضاف إليهما في حالته طائفة من أمراض الرهاب، لكن حظهما من خفة الدم والموهبة والعمق بعيد عن شاربك «المستقيم» الحليق. أدعوك بالمناسبة، إن كنت تقرأ، إلى مطالعة «بين كتبة وكتاب» لريشار جاكمون، والذي يفرد لك مساحة كريمة، كنموذج لـشواذ الأدب المصري المعاصر («الشرعي»، وفقًا للمترجم)، حيث يحلل الباحث الفرنسي الرصين دور المثقف المصري التنويري من كل الاتجاهات، والذي يطالب الدولة بمنحه – في أفضل الحالات ربما، لا في حالتك – سلطة تحديد ما هو نافع وأخلاقي وفني وراقٍ إلخ، ولا يحارب حقًا في سبيل حرية تعبير ذات معنى وتجريب خارج المعيار. أَبْلِغ تحياتي أيضًا إلى زميلك صلاح منتصر الذي حفظنا في المدرسة بعض روائعه المقررة في فن المقال، وتحديدًا حول قضيته الأثيرة، وهي الإقلاع عن التدخين، قبل أن نكبر ويعرف بعضنا دوره المشهود في… ليس منع التدخين، وإنما منع تدريس الروايات بالجامعة الأمريكية (جنبًا إلى جنب مع جلال أمين، صاحب المقال المربوط إليه أعلاه «عن أخطار أنصاف المتعلمين»). أنا على يقين مطمئن بأنكما راكمتما، إلى جانب المكانة الاعتبارية، ثروة جيدة في المؤسسة العريقة التي تؤتمنان فيها على إنارة عقول وضمائر الأمة ضد العادات السيئة، بأموال الأمة. وسط كل الغثاء والتفكك والتضارب، توقفت عند شيئين في القطعتين أولًا، أنك تنكر ملاحقة المثليين المصريين طالما أغلقوا على أنفسهم الأبواب، وترد على الرسائل الغاضبة على بريدك الإلكتروني الذي يَزِين ذيل عمودك، علامة على انفتاح الأفق (والرغبة في المساعدة ربما على غرار زميلك القديم عبد الوهاب مطاوع، وصفحته على كل حال أرشيف من نوع ما لبؤس العلاقات والعواطف المصرية، «المستقيمة» دائمًا بالطبع)؛ ثانيًا، أنك تتحدث باسم الشعب المصري الغلبان المكافح. فيما يخص أولًا، («سنة حلوة يا جميل») أرى في الإنكار أحيانًا جانبًا حميدًا (شرحت ذلك باختصار في تعقيب على ردود فعل قراء – غاضبين أيضًا – على مقال عن جريمة شبه مجهولة لعبد الناصر، بعد النكسة – كل عام وأنت بخير لمناسبة خمسينيتها هذا العام)، كما لا أستطيع إغفال خطوة تقدم صغيرة كبيرة، انتصار بطيء يُحسب جزئيًا للمدافعين عن الحقوق، تنطوي عليه الرسائل الغاضبة ومشكلتك المحددة؛ كونها مع الإعلان والتعبير عن الهوية وليست مع وجود هذا الميل الجنسي أو ذاك في حد ذاته. ولكن إن كنت لا تتابع الأخبار (ولا أقصد بالطبع تلك المنشورة في الأهرام، إن وجدت) عن الحملة الجارية على المثليين والمتحولين جنسيًا (لا فرق لدى الدولة)، أحيلك إلى تقرير من ٢٠٠٤ بعنوان «في زمن التعذيب إهدار العدالة في الحملة المصرية ضد السلوك المثلي»، والكثير من الممارسات الأمنية الواردة فيه (مثل تكنيك الإيقاع في الفخ) يتكرر في الأسبوعين الماضيين. ستستمتع كثيرًا بقراءته حتى إن لم يُشْفِك (وهذا غير متوقع عمومًا) من رهاب المثلية والجهل، فهو قطعة وثائقية عذبة ومؤلمة ونادرة تقدم درسًا في كيف للعمل الصحفي في مصر أن يكون استقصائيًا ومكتوبًا بفنية عالية تعيد إلى «الضحايا» والجلادين معًا – ضمن ما تفعل – تفاصيلهم ووجوههم الإنسانية، وإلى القصة أبعادها وكل ما يضيع في خضم الألفة والسرعة مع الصحافة السائدة. هناك مثلًا أم (من الشعب الغلبان) تتحدث عن دموعها التي، وبتعبيرها، بصق عليها رجال الأمن بعد أن ألقوا بابنها إلى حتفه من طابق مرتفع أثناء «التحقيقات». وهناك الشخصية المثيرة نفسيًا ودراميًا، راؤول، عميل الأمن المثقف، الذكي، الخبير بالأوبرا، والمثلي هو نفسه في الأغلب، والذي يتلذذ فكريًا، كبطل هوليوودي، بإيقاع ضحاياه في أيدي الشرطة؛ يتعرف على المثلي الذي داخلهم قبل أن يعلن عن نفسه حتى. (بعد اندلاع الثورة راودني حلم انكشاف أمر راؤول أخيرًا، ولغز وجود هذه الحياة الذكية، مهما تكن مظلمة، في أقبية الأمن المصري.) ستعرف كذلك كيف كانت مجرد المعرفة بكلمة «جاي.. gay» دليلًا كافيًا للقبض على أحد المارة وإلقائه في العربة، بداية هاوية الجحيم (وفيه، ضمن العقوبات الارتجالية المجانية، اللواط بالمقبوض عليهم والسجناء من قِبَل الجنائيين، بإشراف وتشجيع رجال الأمن). ملاحظتان على الفقرة السابقة ١. بمناسبة البصاق، انتهيت مؤخرًا من رواية عراقية منسية وصادمة على كل المستويات، هي «بصقة في وجه الحياة»، ١٩٤٨، (عام النكبة التي سنحتفل قريبا بسبعينيتها، وكل عام وأنت بخير)، بمقدمتها الاعتذارية، ولكن الجميلة والمضيئة تاريخيًا، والطويلة قياسًا إلى حجم الرواية القصيرة، والتي لم تُنشر إلا بعد أن راكم فؤاد التكرلي السمعة الأدبية التي ظنها ستسمح، بعد عقود طويلة، بالنشر. كيف ندافع عن رواية كهذه على أرضية مسألة «الدعوة»؟ كيف نثبت أو ننفي أنها دعوة إلى زنا المحارم على سبيل المثال، ودعك من الإلحاد والعدمية؟ من يحدّد المسافة بين التعبير والدعوة في عمل فني أو فعل أدائي، طالما أن المقال العادي أصبح يمكن التهرب من مضمونه «الواضح» كما رأيت ،بفضل المدافعين والمحللين من «المتعلمين» الحقيقيين غير «الهستيريين»؟ وهل يمكن للدولة منع فيسبوك بسبب مرشِّحات قوس قزح التي يمكن اعتبارها «دعوة» أقوى بكثير؟ ٢. ربما لن تتمكن من فتح الرابط وتنزيل التقرير لأن موقع مراقبة حقوق الإنسان انضم مؤخرًا إلى قائمة طويلة وآخذة في النمو من المواقع المحجوبة، لا أدري إن كانت ستشمل أيضًا الموقع الذي ستنشر عليه هذه الرسالة المفتوحة. سأرسل إليكم على بريدكم نسخة منه، مع نسخة غير مفتوحة من هذه الرسالة. فيما يخص ثانيًا («الليل هيكون طويل») وبعيدًا عن الأم «الغلبانة» المذكورة أعلاه، بل وبعيدًا كذلك عن كون الحملة جزءًا من العملية الأزلية التي لا تتجزأ من الدولة، وهي إدامة حرب الكل ضد الكل، الحرب اليومية؛ الأقليات ضد الأقليات والمحكومين ضد المحكومين، عبر الطبقات والفئات والقوى المتنوعة و«الجنسين»، إلهاءً لها جميعًا عن الحرب معها هي ومن ضمن ذلك «الحرب على الإرهاب»، إحدى الاستلهامات المسموح بها من الغرب وجيوبه الاستعمارية في المنطقة، حيث في الجيوش التي تدمر حياتنا مرارًا مثليون (علنيون الآن تقريبًا) يتحلون مع زملائهم التغايريين بالروح العسكرية، والتفوق العسكري، أكثر من رجالنا، ذكورنا، التغايريين فقط، أو «الطبيعيين» بلغتك القديمة، والمهزومين في كل حروب المائة سنة الأخيرة (وكل عام وأنت بخير بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر المجيد، وإن لم تحب مذكرات لطيفة الزيات و«المبتسرون» لأروى صالح، فراجع مذكرات العسكريين أنفسهم)، بعيدًا عن كل هذا… في ١٨٩٨، اعتلى أوجست بيبل، زعيم الديموقراطية الاجتماعية ، منبر الرايخستاج، الپرلمان الإمپراطوري الألماني، ليقدم عريضة وزّعتها اللجنة الإنسانية العلمية، تطالب بإبطال المادة ١٧٥ سيئة الصيت من قانون العقوبات، والمعروفة بـ«قانون اللواط»، وبدأ يدعو لتبني العريضة وسط عاصفة من الصخب والصخب المضاد، وهي عريضة موقعة منه هو «شخصيًا، وعدد من الزملاء من أحزاب أخرى، إضافة إلى أناس من الدوائر الأدبية والأكاديمية، من فقهاء تشريعيين من أرفع مكانة، من علماء نفس وأخصائيين في علم الأمراض، من خبراء على أعلى مستوى في مجالهم.» إضافة لما جاء في العريضة، وللتحذير من فضيحة كبرى محتملة تتواضع أمامها فضائح من عينة دريفوس، فما الحجة الأساسية التي صدّرها بيبل في معرض تقديمه؟ أن النتيجة التي توصلت إليها اللجنة هي وجود المثلية وبقوة في كل فئات المجتمع وطبقاته وعند أشخاص من كافة مجالات الحياة، وأن الشرطة إذا نفذت القانون فعليًا فلابد للدولة الپروسية من بناء سجنين جديدين لاستيعاب المقبوض عليهم. حجة اقتصادية بالأساس كما نرى. أموال طائلة جديدة من جيب المواطن، الغلبان في حالتنا، على حساب احتياجات أخرى (أهم ربما؟) كما تستلزم إجراءات ستقض مضاجع الجميع في حرب مفتوحة، دون عائد مفهوم على الوطن، ناهيك عن المواطن الذي لعل الأوقع أن من مصلحته ألا توجد «كايرو فستڤال سيتي» من الأساس؛ لا الحفل الذي لا يملك تذكرته ولا العلم الذي لا يفهم معناه، لكي يلبي دعوته لاعتناق الدين الجديد. ووفقًا لمصدر أمني، فإن الحملة تكشف للشرطة أكثر فأكثر أن المثليين المصريين كثيرون جدًا. إنهم لا ينتهون ولا يختفون حتى بعد كل تلك الملاحقات وكل هذا الاضطهاد والتعذيب. لم يتحقق هدف قائد حملة «كوين بوت» الهمام والخاص بتنظيف البلد منهم، ولن يتحقق. «إنت فاكر إن انا وانت بس اللي كدا؟ لا إحنا كتير قوي» كما قال صحفي مصري زميل لك، وإن يكن خياليًا، مبنيًا ربما على شخصية حقيقية كما تقول الإشاعات، والإشاعات في مصر كثيرة ومصدر أساسي للمعلومات التي تُغلق أمامها القنوات الشرعية النظيفة، في الفيلم الشهير المأخوذ عن الرواية الشهيرة، وكلاهما به نَفَس إنساني ملوَّث بحس تجاري تنويري، يتعاطف مع شخص مثلي مثقف وبارز في المجتمع يصطاد الريفيين الوافدين، كما أنه ضحية – حتمًا – لاستغلال جنسي حاسم في الطفولة، على يد خادم نوبي، وإهمال أسري، ومصيره مظلم بالتأكيد. لم تنجح العريضة التاريخية في إبطال القانون. تطلّب الأمر ستة عقود إضافية للاعتراف بالتراضي بين الراشدين، ثم عقدًا آخر لخفض السن الرضائي وعقودًا أخرى لتعميم كل ذلك في ألمانيا الاتحادية، بعد قرن كامل من العريضة. وخلال هذه العقود، جاءت «الحقبة الجميلة» ثم تحطمت أحلامها بقسوة بعيدة الآثار ما زلنا نعانيها وسنعانيها على صخرة الحرب العظمى، عندما هوت الديموقراطية الاجتماعية والاشتراكية، برغم الانشقاقات، في فخ الوطنية (ذكرى أخرى لعلها تنفع المؤمنين، إذ تحل هذا العام مئوية نهاية الحرب، وكل عام وأنت بخير، وشاعر وطني تغايري)، فظهرت الفاشية، وأُحرق الرايخستاج، وجاء هتلر متسلحًا بأشياء، منها خسة الوسط المحافظ والعلم الزائف بسياساته الديوجينية المرعبة وعنصريته وعبادته للقوة، واستباح النازيون، ضمن من استباحوا، المثليين. فر ڤيلهلم رايش من النازية، لكنه نُبذ من جانب رفاقه الشيوعيين ليلقى حتفه في سجن أمريكي، وتلخصت نظريته النفسية في أن الفاشية ظاهرة اجتماعية سياسية تقوم على الكبت والقهر الجنسيين (وهذا في الغرب بالأساس؛ لم يذكر مجتمعاتنا العربية الإسلامية إلا عرضًا). هناك إشارة لماحة، وإن كانت مشوهة، إلى ذلك، في مشهد تعذيب من فيلم «١٨ يوم»، حيث يقول «المستجوَب» لاثنين من زبانية الشرطة إنهما يفعلان ذلك تعويضًا عن رجولتهما المفقودة. إن قصة رايش، إلى جانب قصص أخرى، تقول لنا إن الغرب ليس من الأصل مثالًا أو غاية في التحرر أو «الثورة الجنسية»، وليس لأسبابك الوهمية التافهة، وهذه أفضل استفادة ممكنة من نظرية جوزيف مسعد النقدية لحركة الميم العربية المرتبطة بالمنظمات غير الحكومية العالمية والغربية، على الأخص في ضوء المحنة الحالية. بعد الحرب الثانية، خرج على الجانب الآخر من الأطلنطي «تقريرا كينزي» الشهيران، عن الجنسانية عند ذكر وأنثى الإنسان على الترتيب، ليضعا المجتمع أمام حقيقته الجنسية التي طال تغييبها؛ حقيقة التنوع وانتشار الرغبات والممارسات المحرمة والمسكوت عنها في أفضل الأحوال عبر طيف جنسي، لا ثنائية قطبية بلهاء تتكون من الطبيعي والشاذ والذكر والأنثى والبارد والساخن. منذئذ تغير التاريخ، وظل يفعل، ببطء ولكن بثقة، وإلى الأمام. ينتهى مثلًا إلى غير رجعة «الخبير» الطبي القانوني الفرنسي صاحب ابتكار الكشف الشرجي الذي ما يزال معمولًا به لدينا، تقليدًا للغرب كما ترى ولكن في نسخته الڤيكتورية التعيسة من القرن الـ١٩. (اقرأ الجزء الأول من تاريخ فوكو للجنس في الغرب). صدقني، الأمور تتغير، وستتغير، ولو بعد حين، وعاجلًا أم آجلًا يتبين من كان على الجانب الصحيح والنظيف من التاريخ. أنت تتحدث عن سياسيين مثليين علنًا في أوروپا التي لا يجوز لنا تقليدها. كانت هناك حملة على المثليين في إنجلترا منذ بضعة عقود فقط. حتى وقت أقرب بكثير كان من حق الشرطة الأمريكية توقيف امرأة أو رجل، ترتدي أو يرتدي، أقل من ثلاث قطع بالضبط من الملابس الملائمة لنوعه! (في إحدى تلك المرات انتفض المثليون وأذاقوا الشرطة الويل، ولاحقًا انتُخب منهم سياسي مثلي علنًا، ولاحقًا اغتيل، ولكن لم تحقق الحركة سوى الانتصار تلو الآخر، بما في ذلك التشبيك مع نضالات غيرها). استمرت المقصلة في فرنسا إلى عام ١٩٧١، وكان آخر رؤوسها المقطوعة لجزائري. عقوبة الإعدام تصبح اليوم شيئًا فشيئًا من الماضي. وسنرى ذات يوم أحكام الإعدام بالجملة في مصر في ضوء جديد (بعضنا بدأ يراها بالفعل). وهكذا، وفي مواجهة الحملة الشرسة الحالية، وبرغم خروج بيان هزيل مخجل من حزب يساري مثل «العيش والحرية»، يطالب بالإفراج عن عضوته سارة حجازي ليس إلا، ودون أي سياق، مراعاة لأعضائه الحاليين والمحتملين من المصابين برهاب المثلية بالطبع، يأتي بيان الاشتراكيين الثوريين (موقعهم محجوب أيضًا)، وهو تيار طالما تمسك بجمود ماركسي يستبعد نضال النوع والعرق ويعتبر النسوية وحركة تحرر الميم تشويشًا على النضال الطبقي وتحريفًا وتفتيتًا له (بل إن بعض الماركسيين في العالم تناولوا المثلية كمرض بورجوازي)، ليعلن صراحة أن «الجرائم الجنسية التي يجب أن يحاسَب مرتكبوها بكل حسم» لا تشمل المثلية ورفع العلم، وإنما «هي كشوف العذرية، والتحرش الجماعي، والانتهاكات الجنسية في السجون وأماكن الاحتجاز، وإكراه النساء على العمل في تجارة الجنس، والختان». لعلك سمعت عن هذه الأشياء، لكن الجريمة الأخيرة، بلا شك، مما تنفتح له، دون سواه، شهية التنويريين أمثالك منذ مؤتمرات السيدة الفاضلة سوزان مبارك. حدث ذلك بفضل تطور نوعي في السنوات الأخيرة، فأصبح لدينا مشهد نسوي (جذري أحيانًا)، لا مجرد خطاب نخبوي ترعاه هوانم الحزب الوطني، عن حقوق المرأة، ودخلت معه التقاطعية إلى المعركة ضرورة توحيد النضالات الطبقية والعرقية والجنوسية والثقافية؛ استحالة تطوير أحدها دون الآخر؛ الضرر غير المباشر الواقع على أي جماعة إثنية مضطهدة مثلًا كلما سهُل على الدولة أو المجتمع اضطهاد فئة بناء على ميولها الجنسية أو معتقداتها الدينية. سيكون من العبث أن أفكر الآن في توحيد جهود النوبيين، الذين يحتجون على مظالمهم التاريخية ويُضرَبون بالغاز ويُعتقلون هذه الأيام، مع جهود المثليين، أو الأقباط، أو البدو، أو المعارضين من أي تيار. فالنوبيون مثل أغلبنا إما معميون عن مصالحهم، أو بها، وكغيرهم من أبناء الوطن، الذي يسعنا جميعًا إلخ، مصابون برهاب المثلية، وكغيرهم طائفيون، بل وكغيرهم عنصريون. كل هذا بالطبع رد فعل بالأساس – ضمن ما يسمى بـ«التذويت»؛ تمثُّل الظلم وإعادة إنتاجه – على ما واجههم هم من طائفية وعنصرية وطبقية. كما سيكون من العبث مساواة التمييز الأصلي برد الفعل التمييزي؛ الصهيونية مثلًا بمعاداة السامية بين الفلسطينيين؛ الذكورية بكراهية الرجال بين النساء والنسويات، الاستعمارية القديمة والجديدة بمعاداة الغرب، الطبقية والاستغلال بالحقد على الأغنياء، وأشد أشكاله خسة هو الانتقام ذو الصبغة الطبقية من شباب في طبقة، يُشتبه في كونها أعلى ومتمتعة بالمزايا، عندما يتصادف أنهم مثليون، بدلًا من رفض التفاوت الطبقي الرهيب بنقد ومواجهة المؤسسة العسكرية التي فرّخت ورعت طبقات استغلالية ولصوصية قديمة وجديدة عبر عصورها المظلمة، في هزائمها السياسية والحربية المتتالية، وانتصاراتها الحصرية علينا. لكنني أعرف أن بيان الاشتراكيين الثوريين كان ضربًا من الخيال منذ سنوات قليلة. بالمناسبة، ذكِّرنا؛ هل كتبت عن المظالم المشار إليها أعلاه أو غيرها، أم أنك اكتشفت حديثا الظلم الواقع على المواطن الغلبان من قِبَل معجبي مشروع ليلى–بعض أهم ما يحدث في الموسيقى العربية حاليًا؟ في ظروف أخرى كنت سأحب أن أناقش معك أيضًا إنجازهم اللغوي، الذي لن تفهمه أو تتذوقه، في الألبوم الأخير، وكيف تتردد فيه ثيمات «الموت» و«الأساطير» و«الجسد»، ليذكرنا بحملة شرسة قديمة متجددة على نوع موسيقي «شيطاني»، اتخذت أبعادًا طبقية، وانضمت مثل كوين بوت من بعدها إلى سجل إنجازات الرئيس مبارك الأخلاقية، وهو مجرد فاصل في الاضطهاد الثقافي الذي لا نعرف لأمثالك من التنويريين دورًا في مواجهته سوى الصمت والتخاذل، إن لم يكن الاستياء (بشجاعة!) من صمت الدولة وتخاذلها، وهذا بعيدًا عن قصقصة وإخصاء الخيال وإصابة الفكر والبحث العلمي بالضمور، إن لم يكن في مقتل، طالما أنك تتباكى اليوم – ويا لها من دموع زائفة مقززة – على «ما تبقى» من قيم، في بلد «إسلامي» يُذبح فيه البعض وينكَّل بهم لأنهم مسلمون أكثر من اللازم، وآخرون لأنهم خرجوا من «الكنيسة» أكثر من اللازم، واعتقدوا أنهم مواطنون أكثر من اللازم، على يد السلطة أولًا وأخيًرا، لا الأشباح المجردة التي «تكتب» عنها. أحتج عليك كارهًا بفصول من تاريخ الغرب، لأن الفيصل بيننا، أي تاريخ المثلية والجنسانية عمومًا في مصر، لم يُكتب حتى الآن. هناك مسلسل كوميدي رمضاني عن دستوپيا مصرية في المستقبل ننقسم فيها على نحو فانتازي إلى جيش رجال وجيش نساء، يستخدم الأول زيت الكافور، أو الخروع، الذي نسمع عنه كثيرًا ضمن الإشاعات، لتثبيط مشاعره الجنسية ( نحو الجنس الآخر؟ ربما.) لكن قوانين جيش محمد علي لمكافحة المثلية بين الجنود تصاعدت في شدتها عبر السنوات على نحو دالّ يشي بعدم فعاليتها، على الأقل ليس بما يكفي. تاريخ آخر يدعونا لاستكمال كتابته، هو تاريخ الجناح الثقافي لليمين المصري (راجع إصدارًا آخر من «مكتبة الأسرة» ما بعد الثورة «من الأرشيف السري للثقافة المصرية» لغالي شكري). أما المثقفون الأفارقة والهنود ما بعد الكولونياليين بأجيالهم، فأصبحوا يؤكدون دور الاستعمار – الذي تخلصت بلدانه الأم اليوم من تخلفها بقدر كبير – في إلحاق التخلف الجنسي أيضًا بهم هم ليرزحوا تحته حتى الآن؛ كيف أن النوع الثالث في الهند لم يكن محترمًا فقط، وإنما مقدسًا أيضًا، حتى جرّمه ووصمه حكم إنجليزي استعماري. ولم يعترف القانون في الهند بهم من جديد إلا مؤخرًا فقط (الهند التي شهدت مثلنا موجة مخيفة من الاعتداءات الجنسية الإجرامية بالغة العنف على النساء)، وكيف كانت المثلية مقبولة اجتماعيًا في أفريقيا حتى جاء جزارو ونهابو أوروپا ليعلّموا الزنوج الحضارة والدين. ونحن أيضًا ما زلنا لم نستقل حقًا، لكي نحاسب الاستعمار على ما فعله. كنت سأحب أن أناقش معك كيف أنني شخصيًا – وبعد كل هذا – لديّ تحفظاتي على رفع العلم، وليس لأنني أكره الأعلام عمومًا، ولكن لأسباب يمنعني من الخوض فيها أن أجواء النقاش الساخنة المنحطة (وهي متصلة بالظروف الفكرية المتخلفة التي أفرزتك) غير مشجعة، وثانيًا لأن هذا لم يعد نقاشًا من أي نوع؛ أثناء كتابة هذه السطور هناك شباب وشابات يتعرضون ويتعرضن لصنوف من الهوان والعذاب لا يتخيل أكثرنا تعاطفًا وتضامنًا مدى تدميريتها، لمجرد أن بعضهم (اثنان فقط من جملة ٥٨، وفقًا لآخر الأرقام الآخذة في الازدياد) قرر في لحظة رغبة يائسة في التنفس ونشوة انتصار زائف ورعونة – ظنًا منهم ربما بأنهم محميون من قِبَل الطبقية والبورجوازية المصرية التابعة الممسوخة، وحامد سنو المحمي نسبيًا قياسًا إلى المثليين المصريين «الغلابة» – رفْع راية التنوع والتسامح والحب والاعتزاز بالنفس، في زمن مشاريع تعمير الصحراء بالمعتقلات والمذابح الوطنية والأسلحة الكورية الشمالية وسرقة آخر آخر آخر أموال الغلابة. اليوم، وكما قال إدوارد سعيد، فإن «النزعة الإنسانية هي المقاومة الوحيدة التي لدينا – وسأتمادى لأقول النهائية – ضد الممارسات وأشكال الظلم اللاإنسانية التي تشوه صورة التاريخ البشري.» ولكن، وإلى ذلك الحين، فإني أتهمك، أنت ومعاصريك وسابقيك، من المثقفين المصريين «الكبار»، الحقيقيين منهم والزائفين، بأنكم لم تخذلونا جميعا كشعب فقط، وإنما ساهمتم بفعالية في تسليمنا إلى هذا المستقبل البشع، حيث لا كرامة لإنسان، ولا قيمة للعقل، ولا حرية لمشاعر، ولا أمل قريبًا في ثورة. وكل أملنا أن نتجاوزكم ونتجاوزه. من إميل زولا والطبيعيين إلى الطبيعيين الجدد… آسف لأنني أرهقتك بدعوتك إلى محاولة التفكير والتأمل والقراءة. فأنت رجل «كبير». و«الكتابة» أسهل من كل ذلك، وكلها مكاسب. روابط لأستاذ فاروق جويدة إسكندر معلوف «احتفالية للشواذ» «لا حرية للشواذ» الأخبار القادمة من الهند «الكلام» («الحل البرازيلي») «وعكسه») دفاع خليل كلفت عن نصار عبد الله عن الجانب الحميد في الإنكار «عبد الناصر وطياروه المرتزقة» خمسينية النكسة (مقالات خالد فهمي) تقرير كوين بوت الوطن المصدر الأمني (بالإنجليزية) بيان عمادة الأطباء في تونس بخصوص الكشف الشرجي بيان العيش والحرية بيان الاشتراكيين الثوريين كيف بتبيعني للرومان؟ سنة حلوة يا جميل والليل هيكون طويل والموت والأساطير والجسد وأشياء أخرى «عبدة الشيطان» وفصول أخرى من القمع الموسيقي الثقافي في مصر «مقتل جوليو ريجيني ومأساة البحث العلمي في مصر» تحليل زينب أبو المجد (بالإنجليزية) لسياسات المؤسسة العسكرية و«ثورة الفقراء القادمة في مصر» «إني رأيت أفضل عقول جيل الستينات وقد دمرها الجنون»
هل ينطلق سباق انتخابات الرئاسة الشهر الجاري؟ أسمهان سليمان ٦ أكتوبر ٢٠١٧ يخيم التفكير في انتخابات ٢٠١٨ على بعض المساحات السياسية سواء كانت للنظام الحاكم الحالي أو لبعض السياسيين الذين أثاروا الانتباه بالحديث حول نيتهم للترشح في الانتخابات المقررة بحسب الدستور في ربيع العام المقبل، بعد مضي أربع سنوات على المدة الأولي لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، والمتاح له وفق للدستور مدة أخرى من أربع سنوات حال فوزه بهذه الانتخابات. رجال في دوائر الترشح قال مصدر قريب من النائب المقال محمد أنور السادات، إن النائب الذي كان مواليًا لنظام السيسي، ثم قام بحركات تبدو انشقاقية أدت لفصله عن البرلمان المنتخب٬ يعتزم «خلال الشهر الجاري الإعلان عن نيته لخوض الانتخابات الرئاسية.» «السادات أفصح عن نيته للترشح مع كثيرين ممن التقاهم من أبناء تحالف «٣٠ يونيو» الذي أودي بحكم محمد مرسي٬ رئيس حزب الحرية والعدالة٬ الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين٬ قبل حظر الحركة وحل الحزب بعد سنة واحدة من وصوله إلى الرئاسة في يونيو ٢٠١٢ عقب أول انتخابات تنافسية شهدتها البلاد بعد ثورة يناير ٢٠١١. ووفقا للمصدر٬ الذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن «السادات» أبدى قلقه من حال البلاد، خاصة مع تضخم حجم الدين الداخلي والخارجي والانخراط في مشروعات ذات تكلفة عالية دون عائد مادي واضح مثل تفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، وكذلك لاعتزام النظام الحالي المضي بهذا النهج، بمشروعات أكثر تكلفة مثل مفاعل الضبعة النووي المزمع تنفيذه٬ دون التفات لتصاعد حال الضيق الشعبي بسبب عدم تمكن القائمين على الحكم من تنفيذ وعد بتحسين الأوضاع الاقتصادية خلال سنتين. ونقل المصدر عن «السادات» تأكيده بضرورة أن يتصدى أحد للمشهد في توقيت يخشى الجميع فيه مجرد طرح فكرة الترشح أمام السيسي، مخافة التعرض لحملة تشويه إعلامية من صحف وقنوات تلفزيونية وإذاعية تقع بالكامل تحت عباءة النظام الحاكم. وأضاف أن «السادات» سيعلن ترشحه للرئاسة في حال ما حصل على ضمانات كافية من شخصيات وأجهزة معنية يتواصل معها بانتظام، بأنه لن يتعرض لأذى معنوي أو مادي حال ما قرر الترشح. ويقول مصدر حكومي، إنه ربما لا يجد القائمين على الأمر أي غضاضة في ترشح «السادات» لثقتهم في أنه لن ينقد القوات المسلحة في أي مسار انتخابي محتمل. كما أن «السادات» لن يثير أيضا قضايا حساسة لدى الرأي العام مثل ملف تيران وصنافير وهو القضية الأكثر خلافية منذ وصول السيسي للحكم والتي تعرض بسببها حكمه لأكبر موجة نقد ليس فقط من قبل معارضيه التقليديين من الإسلاميين ولكن من قيادات سياسية وقواعد شعبية أوسع، حسب المصدر، الذي أشار إلى أن هذا الملف كان السبب وراء تحرك أحد المحامين المحسوبين على النظام لمقاضاة المحامي الحقوقي خالد علي متهمه بارتكاب «فعل فاضح في الطريق العام»، والذي صدر بمقتضاه حكم أول درجة ضده بالسجن. ما يمنع «علي» من المضي فيما كان مؤيدوه يصرون عليه من ضرورة الترشح «في وجه السيسي ليس أملًا في الفوز ولكن حرصا على عدم الاستسلام للموت الكامل للسياسة» بحسب ما قال أحد داعمي «علي»، الذي يؤكد أن «علي» بصدد الإعلان عن ترشحه الشهر الجاري، وذلك لأن الحكم ضده ليس بات حتى الآن. ويقول المصدر الحكومي إن اجتماعات محدودة تدار في مؤسسة الرئاسة تحت الإشراف المباشر لمدير مكتب رئيس الجمهورية اللواء عباس كامل، خلصت لضرورة إقصاء ملف تيران وصنافير عن مشهد الانتخابات الرئاسية تفاديا لنكأ جراح لم تندمل بعد. ويتوقع المصدر أنه بمقتضي نفس التوجه لتحييد ملف تيران وصنافير عن مجال الحديث في الانتخابات الرئاسية، فإن مسالة ترشح السفير المتقاعد معصوم مرزوق٬ الذي لم يخفف يوما حدة لهجته المعارضة لأداء السيسي٬ تبدو أيضا محل لـ«تحرك سياسي محتمل»، للضغط بحيث يتراجع «مرزوق» عن الفكرة التي قد تراوده، بعدما أعلن حمدين صباحي٬ الذي يحظي بدعم كبير من السفير المتقاعد أنه لن يترشح. شفيق على خط النار السؤال الأبرز عن مسار التنافس الرئاسي المقبل، يتعلق بالفريق أحمد شفيق٬ العسكري السابق، وآخر رئيس وزراء بعهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، والموجود في دولة الإمارات منذ إعلان خسارته في انتخابات الرئاسة أمام الرئيس الأسبق محمد مرسي في عام ٢٠١٢، بعد أن أبلغ بفوزه بحسب ما قال بنفسه قبل أن يتم التراجع وإعلان مرسي رئيسًا. رغم إعلان «شفيق» عبر العديد من الوسائط أنه لم يتخذ بعد قرارا بالترشح للرئاسة في ٢٠١٨، إلا أن تخوفات النظام من ترشحه تبدو واضحة. وفقا لمحرر سياسي في إحدى الصحف الخاصة، فإن درجة الحساسية من شفيق بلغت أن الرقيب المشرف على تمرير طباعة الجرائد أوقف طبع جريدته قبل أسابيع لأنها كانت تحمل تصريحًا بهذا المعني على النصف الثاني من صفحتها الأولي. ويوضح «نعلم الحساسية وأبلغنا بها صراحة في إعقاب سلسلة مواضيع نشرت قبل أكثر من عام عن تواصل شفيق مع أحد رجال الأعمال المصريين الأمريكيين للنظر في إمكانية عودته لمصر للعب دورًا سياسيًا٫ ولهذا حرصنا على وضع الخبر في النصف الثاني من الصفحة، متجاوزين طية الجريدة حتى لا يكون الخبر بارزا ومع ذلك كان علينا رفع الخبر». في آخر ظهور إعلامي للفريق شفيق في شهر رمضان الماضي، أثناء مداخلة هاتفية مع الإعلامي وائل الإبراشي ببرنامج «العاشرة مساء»، طالب «شفيق» السيسي بإجراء استفتاء حول تيران وصنافير قبل نقل سيادتها للسعودية٬ وهي المداخلة التي تم في إعقابها وقف الظهور الإعلامي لـ«الإبراشي» لنحو ٧٠ يومًا. شفيق كان أيضا سببًا غير مباشر في تقليص قيمة تعاقد إحدى القنوات الفضائية الخاصة مع إعلامية متنفذة من داعمي نظام السيسي الصيف الماضي، بسبب إشادتها بأداء شفيق أثناء توليه وزارة الطيران المدني٬ بحسب مصدر بالقناة. يواجه «شفيق» منذ وصول السيسي للحكم حملة إعلامية، كما حركت دعوى قضائية ضده، وتم وضع اسمه على قائمة الترقب والوصول في سابقة لمن هم علي قدره من العسكريين، وذلك قبل أن يصدر حكم ببرائته في الدعوى، ويرفع اسمه من قوائم الترقب في نوفمبر الماضي. الرجل تحدث صراحة قبل عام ويزيد يعتب على عدم دعوته للمشاركة في إدارة الأمور بعد إزاحة مرسي رغم ما قاله من مقر منفاه الاختياري بالإمارات، من أنه دعمًا كبيرًا لقرارات إزالة مرسي عن الحكم التي أعلنها السيسي بوصفه وزيرا للدفاع في ٣ يوليو ٢٠١٣، ثم أعقب ذلك بانتقادات مبطنة لأداء نظام السيسي ومعاونيه في العلن بالإضافة إلى انتقادات حادة بمقابلاته في الإمارات مع عدد من التقاهم من مصريين شاركوا في الدفع بتظاهرات ٣٠ يونيو وصولا لإجراءات ٣ يوليو. «شفيق يخشى العودة» وفق مصدر سياسي معارض، كان التقى مؤخرًا مع أحد كبار داعمي «شفيق» من المصريين المقيمين في الإمارات، والذي أخبره أن «شفيق» علم من محاميه أنه لا يزال على قوائم الترقب وأنه يمكن أن يزج به في السجن لحظة وصوله، ما جعل «الفريق» يخشى العودة لمصر سواء للترشح أو لمجرد الإقامة. وأوضح المصدر السيسي نقلًا عن محدثه، أن «شفيق» لن يعود إلا بضمانات من الإمارات ومن الأجهزة النافذة في البلاد، أنه حال عودته لن ينته مصيره خلف قضبان السجن. «ملف شفيق لم يحسم بعد» حسب مصدر دبلوماسي مصري، وذلك رغم زيارة السيسي الأخيرة للإمارات، والتي قام خلالها بصورة استثنائية بزيارة كل من دبي وأبوظبي، وهو ما يتفق معه دبلوماسي مصري آخر، موضحًا أن هناك قلق في الدوائر الإماراتية فيما يتعلق بتقييم أداء نظام السيسي، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وذلك لإسراف السيسي بالتوجه لمشروعات اقتصادية ضخمة غير ذات عائد اقتصادي، وهو نفس التقييم الذي أقر به أحد أهم رجال الأعمال المصريين الوثيق الصلة مع الإمارات، لكن بالوقت نفسه لم يبدوا أي بوادر لتوجه إماراتي لاستبدال دعم شفيق بدعم السيسي. وبحسب تقدير دبلوماسي غربي في القاهرة يتابع ملف العلاقات المصرية العربية لسنوات٫ فإن شفيق محتفظ به في الإمارات ككارت احتياطي حال ما تحققت التنبؤات المتزايدة الوتيرة «ضعيفة الاحتمال حتى الآن على الأقل» من حدوث انفجار مفاجئ في الشارع المصري.، وفق قوله. عن وضع السيسي يقدر بعض المقربين من دوائر الحكم أن التوافق يميل لأن يحظى السيسي بدورة ثانية لسببين، أولهما أن القوات المسلحة لا تقبل أن يلصق بها فشلا في الأداء وتود في المجمل أن تمنح الرجل فرصة، ربما يتمكن من خلالها من تحسين الأوضاع قليلا، بحيث يتوقف الحديث المتزايد عن عدم قدرة العسكريين على إدارة الأمور، والسبب الثاني هو أنه لا اتفاق على بديل للرجل حال ما جرى اتخاذ قرار برفع الدعم عنه بسبب تراجع فادح في شعبيته أو سقطات كبيرة في أدائه. الأمر بحسب المصدر الدبلوماسي الأول يرتبط أيضا بتقدير الأجهزة النافذة للموقف الخارجي من الرجل٬ حيث يعلم الجميع أن السيسي مازال يحظى بدعم غير قليل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغم الخلاف الكبير المتعلق بملف كوريا الشمالية، وحتى إن كان المصدر الرئيسي لاستمرار دعم ترامب قد تراجع بدرجة ما بعد استقالة العسكري الأمريكي مايكل فلين، مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب، الذي كان يظهر دعمه للسيسي في العديد من المرات. وبحسب دبلوماسي عربي يعمل في واشنطن «فإن تحفيز هذا الدعم الأمريكي مستمر من قبل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتياهو»، الذي تتفق العديد من المصادر المصرية في القاهرة وخارجها كما تتفق مصادر دبلوماسية أجنبية في القاهرة أن لديه تنسيق استثنائي مع رأس الحكم في مصر، يتجاوز بكثير أي علاقة طيبة جمعت أي رئيس وزراء إسرائيلي سابق مع أي رئيس مصري سابق منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد قبل ٤٠ سنة. الدعم الأمريكي والإسرائيلي له مبررات واقعية على الأرض، ترتبط بدور يصفه الدبلوماسيون العالمون من المصريين والأجانب بأنه مهمًا جدًا في تعبيد الطريق نحو اتفاق سياسي كبير للقضية الفلسطينية لن يشمل أبدا أي حل لمشاكل القدس واللاجئين، ولكنه من المقرر أن يشمل في مرحلة لاحقة تبادل أراضي مع إسرائيل أو مع السلطة الفلسطينية بالتوازي مع ترسيم الحدود المائية بين مصر وكلا الجانبين. غير ان هؤلاء الدبلوماسيين أنفسهم يقدرون أن لا أحد يستطيع بأي قدر من اليقين أن يجزم بحتمية وقوع هذه التسوية بسبب ما تلقاه من معارضة فلسطينية واسعة٬ لكنهم لا ينفون أن عملية الاستعداد تتطلب دعمًا مستمرًا للسيسي رئيسا لمصر من الأمريكيين والإسرائيلين وأيضا من الإمارات التي هي شريكا رئيسيا لمصر في هذه الترتيبات من خلال الدعم المالي، كما أنها شريكا لمصر في ترتيبات أقل تعقيدا تهدف لإيصال العسكري الليبي المثير للجدل خليفة حفتر لسدة الحكم في ليبيا المنهارة تحت وطاة الصراعات الداخلية. وتقول المصادر المطلعة في دوائر الحكم، إن إدراك النظام لأهمية الدور الإقليمي الذي يؤديه السيسي كان من أساسيات تقدير الموقف، الذي قرر على أساسه تمرير فكرة محتملة لتعديل الدستور، الذي تم إقراره بعد الإطاحة بـ مرسي في يناير ٢٠١٤ لإطالة مدة الحكم ورفع القيد المفروض على مدد الحكم. وكان السيسي وصف الدستور قبل عاما تقريبا بأنه «تم وضعه بحسن نية» في إشارة لعدم جدواه، غير أن انتفاضة محدودة من كبار داعميه أدت إلى تحسب النظام من ان يواجه بسيناريو قريب من سيناريو تيران وصنافير، خاصة مع تقديرات أجهزة المعلومات أن هناك حالة احتقان لا يستهان بها سبب الأوضاع الاقتصادية. ولا يجزم أي من المصادر المطلعة بأن ملف تعديل الدستور قد أقصي نهائيا من على المائدة، رغم وجود انتقادات شديدة له، ويقدرون في شبه اتساق أن الأمر رفع من على مائدة الجدل العام ولكن ربما يتم طرحه ثانية إذا ما حانت فرصة ما أو علي أقصي تقدير بعد انتخابات ٢٠١٨، التي تبدو حتى الآن في ظل المعطيات السياسية الداخلية والخارجية بحسب نفس هؤلاء المصادر محسومة لصالح السيسي. لكن ما يقلق الرجل٬ حسبما تحدث به ضمنا في إطار فعاليات ظهوره في مؤتمر الشباب الذي استضافته الإسكندرية في أغسطس٫ هو قلة عدد المنتخبين حيث قال «لا تذهبوا إلى الساحل الشمالي وتسيبوا الانتخابات وبعد كده بقي تقولوا أيه اللي حصل». وكان السيسي واجه محدودية المشاركة في انتخابات الرئاسة عام ٢٠١٤، حين أقدمت الدولة على خطوة مثيرة للشبهة في مدى توافقها مع القانون بمد مدة الانتخابات لثلاث أيام، فيما كان المعلن عنه إجراء الانتخابات على يومين، وكان الداعي إلى ذلك لزيادة عدد الناخبين لتعلن الدولة أن نسبة المشاركة من اصل المستحقين للتصويت شارف الـ٥٠ في المائة ليفوز السيسي بنسبة ٩٦ بالمائة.
خالد علي وجنينة ويحيى قلاش كيف تنكّل بخصومك دون أن تُحاسَب محمد عادل سليمان ٥ أكتوبر ٢٠١٧ أصدرت محكمة جنح الدقي مؤخرًا حكمًا ضد المحامي والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية خالد علي، بالحبس لمدة ثلاثة أشهر، مع كفالة ألف جنيه لإيقاف تنفيذ الحكم لحين صدور حكم الاستئناف، وذلك على خلفية اتهامه بخدش الحياء العام، بسبب صورة يُزعم أنها التُقطت له أثناء احتفاله عقب حصوله مع محاميين آخرين على حكم يقضي ببطلان اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية، والمعروفة إعلاميًا بـ«قضية تيران وصنافير». محاكمة دون ضمانات وتسييس للعدالة منذ توجيه هذه التهمة الملفقة لخالد، تضمنت إجراءات التحقيق معه ومحاكمته العديد من الخروق القانونية. ففي ٢٣ مايو ٢٠١٧، مثُلَ خالد علي للتحقيق للمرة الأولى على ذمة القضية، وعندما طالب بالاطلاع على البلاغ وملف القضية، رفض رئيس النيابة طلبه دون إبداء أسباب، ما دفع خالد للتمسك بحقه الدستوري في الصمت. إلا أن تمسك خالد بحقه هذا أدى لحبسه لمدة ٢٤ ساعة بقسم الدقي بدعوى استكمال التحقيق في اليوم التالي، ثم فوجئ الجميع بإخلاء سبيله بكفالة قدرها ألف جنيه مع إحالة القضية إلى المحكمة، دون استكمال أي تحقيقات، وكأن الهدف ليس إلا التنكيل به وإيداعه الحبس ليوم كامل دون أي داع قانوني أو عملي أو إجرائي. أما المحاكمة نفسها فقد شهدت إهدارًا فجًا لحق الدفاع، إذ لم تُلبِ المحكمة طلبات فريق الدفاع وحكمت دون إبداء مرافعات. وطبقًا لما رواه مالك عدلي، عضو فريق الدفاع، فقد فاجأ القاضي فريق الدفاع بالحكم في القضية دون مرافعة، رغم تقديم المحامين طلبات للمحكمة ورغم تجاوب القاضي مع طلباتهم هذه، ولكن بدلًا من الاستجابة لها فوجئوا بإصدار الحكم. يردف مالك عدلي قائلًا «حضرنا الجلسة، وأبدينا اعتراضاتنا على محتوى التقرير الفني الصادر من قطاع الإذاعة بالتليفزيون –والذي انتهى إلى صحة الفيديو المقدم كدليل إدانة باعتبار أن من أعدّوه قد أدلوا بمعلومات خاطئة ومستحيلة علميًا وعمليًا». وتابع «طعنا بالتزوير علي خطاب الإذاعة والتليفزيون الذي أرسل للمحكمة لتبيان هوية ووظائف وتخصصات القائمين على التقرير، باعتبار أن رئيس تلك اللجنة قد أجاب المحكمة في محضر رسمي بجلسة سابقة بأنه ‘فني صوت’، ولاحظنا ولاحظت المحكمة فشله في تشغيل جهاز حاسب آلي لعرض الأسطوانة المحرزة في القضية.» فوجئ بعدها فريق الدفاع، كما أضاف مالك، بخطاب من ماسبيرو يؤكد أن الفني ليس «فني صوت»، كما قال هو نفسه من قبل، وإنما «فني صوت وصورة ومونتاج»، وهو ما يستحيل عمليًا لكون هذه الوظيفة غير موجودة أساسًا في هذا القطاع، بحسب توصيف الهيكل الوظيفي لقطاع الإذاعة الهندسية بماسبيرو. ملابسات تحريك الدعوى القضائية ضد المرشح المستقبلي بينما حبس النظام الحالي عشرات الشباب من المدافعين عن مصرية الجزر، إلا أنه، وعلى مدار الصراع القضائي، الذي استمر لمدة تسعة أشهر، صدر فيها ما يزيد على عشرة أحكام لصالح فريق الدفاع عن مصرية الجزر، لم يقترب قط من خالد علي في هذه المعركة القضائية بالغة الحساسية للنظام المصري. بعد صدور أي حكم لصالح فريق الدفاع عن مصرية الجزر، كانت تثور نداءات على مواقع التواصل الاجتماعي بترشح خالد علي لرئاسة الجمهورية، ومع هذا، لم يعبر خالد علي قط عن نيته في الترشح لرئاسة الجمهورية، وإنما كان كل ما قاله عن هذا الموضوع، في فبراير ٢٠١٧ ومن خلال حوار مطول مع وكالة «الأسوشييتد برس»، هو «بالطبع أنا مرشح محتمل.. ولكن حتى الآن لم أتخذ قرارًا نهائيًا». تزامنت تصريحات خالد هذه مع تحركات من بعض شباب الأحزاب السياسية لمعاودة النشاط الحزبي في المحافظات المختلفة، حيث أعطاهم حكم «تيران وصنافير» دفعة جديدة للعمل، ومثّل لهم الانتصار المؤقت في قضية «تيران وصنافير» حافزًا كبيرًا للمواصلة، شن النظام حملة أمنية واسعة في عدد من المحافظات، تجاوز عددها العشر، وقبض فيها على عدد من النشطاء مع شباب منتمين لأحزاب مختلفة، تخطى عددهم في ذلك الحين الثلاثين شابًا. وبالتزامن مع ذلك، حركت النيابة العامة بلاغًا كان سبق وتقدم به محام موال للنظام المصري في يناير ٢٠١٧، بعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا، متهمًا فيه خالد بخدش الحياء العام، بالقيام بـ«إشارة بذيئة» بأصابعه أمام محكمة مجلس الدولة أثناء احتفاله بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا ببطلان تنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير. يفسر هذا تحريك البلاغ ضد خالد الآن، رغم وجوده لدى النيابة منذ أربعة أشهر كاملة، كما يشير لوجود علاقة بين تحريك البلاغ، وتصريح خالد علي عن كونه «مرشحًا محتملًا» للانتخابات الرئاسية القادمة. إيجاد مانع قانوني لعزل خالد عن الانتخابات الرئاسية لا يسعى النظام السياسي المصري فقط للسيطرة على مقاليد الأمور والحكم، وإنما يسعى أيضًا لتوحيد الخطاب السياسي، سواء الصادر عن الحكومة أو المعارضة، حيث يحاول السيطرة على الإعلام ومصادرة الصحف وحجب المواقع الإلكترونية. ولكن يبدو أن هذا كله غير كاف، وأن السلطة الحالية تسعي لتأميم خطاب مرشحي الانتخابات أيضًا، فلن تسمح لمن يمثل خطابهم خرقًا للخطاب السائد بمجرد الترشح والمنافسة، وليس بالفوز في الانتخابات بالطبع. طبقًا لنص المادة ١٤١ من الدستور، يجب أن تتوفر في المرشح لرئاسة الجمهورية عدة شروط، هي أن يكون مصريًا من أبوين مصريين، وألا يكون قد حمل، أو أي من والديه أو زوجه، جنسية دولة أخرى، وأن يكون متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفي منها قانونًا، وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن أربعين سنة ميلادية. ولكن هناك شروطًا أخرى يشترطها قانون الانتخابات الرئاسية، ومن بينها ألا يكون قد حُكم على المرشح في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ولو رد إليه اعتباره. ما يعني أن إدانة خالد في هذه القضية الملفقة وصدور أي حكم ضده، حتى لو كان مشمولًا بوقف التنفيذ، سيكون مانعًا من الترشح للانتخابات. على خطى التنكيل بالمعارضين ما يحدث مع خالد الآن هو سيناريو متكرر لمنهج نظام ٣٠ يونيو في التعامل مع المعارضين له أو لسياساته، فقد سبق وأن جرى التحقيق مع المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، أعلى جهاز رقابي مصري. أدين جنينة بسبب تصريحاته عن حجم الفساد، ما اعتبره النظام ينال من مصداقيته، حيث أصدرت محكمة جنح القاهرة الجديدة حكمًا بحبسه سنة وتغريمه عشرين ألف جنيه، بتهمة نشر أخبار كاذبة عن الفساد وكفالة عشرة آلاف جنيه لوقف التنفيذ، وهو الحكم الذي أيدته محكمة جنح مستأنف القاهرة الجديدة، بعد أن رفضت الاستئناف المقدم من جنينة. هذا نفسه ما جرى مع نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء المجلس، حيث جرى التحقيق معهم وإدانتهم بسبب قيامهم بدورهم النقابي في حماية صحفيين معرضين للاعتقال، وبسبب اعتراضهم على اقتحام قوات الأمن للنقابة، وأصدرت محكمة جنح مستأنف قصر النيل عليهم حكمها القاضي بقبول استئناف نقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش، وعضوي المجلس خالد البلشي أمين لجنة الحريات السابق بالنقابة وجمال عبد الرحيم وكيل النقابة السابق وعضو المجلس الحالي، شكلًا، أما على مستوى الموضوع فقد حكمت المحكمة بتخفيض العقوبة إلى سنة مع إيقاف التنفيذ. السيناريو المتوقع وقف تنفيذ العقوبة عند الحكم في جناية أو جنحة بالغرامة أو بالحبس لمدة لا تزيد عن سنة، أجاز قانون العقوبات للمحكمة أن تأمر في نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود لمخالفة القانون، كما ألزم القانون المحكمة بتبيان أسباب إيقاف التنفيذ في الحكم. ويجوز للمحكمة أن تجعل الإيقاف شاملًا لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم، على أن يكون الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائيًا. ويجوز إلغاؤه إذا صدر ضد المحكوم عليه في خلال هذه المدة حكم بالحبس أكثر من شهر، عن فعل ارتكبه قبل الأمر بالإيقاف أو بعده. هكذا يكون القانون قد أعطى المحكمة صلاحية وقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات، بشرط ألا تصدر ضد المحكوم عليه أي أحكام أخرى خلال مدة الثلاث سنوات، وإلا أُلغي وقف التنفيذ. ما يعني أن ارتكاب المحكوم عليه لأي جريمة أخرى، تقتضي الحبس لمدة أكثر من شهر، يترتب عليه تنفيذ حكم الجريمة الجديدة، وإلغاء وقف تنفيذ العقوبة القديمة وتنفيذها هي الأخرى، ويبقى الأمر كذلك طوال الثلاث سنوات. خلال السنوات الثلاث الماضية، دأب النظام على استخدام ترخيص وقف العقوبة لمواجهة خصومه السياسيين، فرخّص لنفسه الاعتداء على فلسفة التشريع ذاته. وبعد أن كان هدف المشرع من إعطاء صلاحية وقف تنفيذ العقوبة للمحكمة هو إعمال روح القانون، بدأ النظام يتعامل مع هذا الظرف المخفف باعتباره وسيلة للتنكيل بخصومه، مع عدم إمكانية محاسبته في الوقت نفسه، لا سيما عندما تتعلق المواجهة بسوابق لم تجرؤ أي من الأنظمة السابقة على الاقتراب منها، كحبس نقيب الصحفيين أو رئيس أعلى جهاز رقابي بمصر. على ضوء هذا، لا نستبعد أن توقف محكمة الاستئناف تنفيذ العقوبة الصادرة بحق خالد علي، كما حدث مع نقيب الصحفيين ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، ليحقق النظام بهذا أمرين؛ الأول هو الإطاحة بخالد من المنافسة في الانتخابات، والثاني هو الحفاظ على صورته التي قد تتأثر بحبسه. ولا تبقى إلا الإشارة لكون الحكم على خالد قد صدر من نفس القاضي الذي سبق وأصدر العام الماضي حكمًا بالحبس لخمس سنوات وغرامة مائة ألف جنيه على متظاهرين اعترضوا على الاتفاقية نفسها، والخاصة بإعادة ترسيم الحدود البحرية، ما يقدم دليلًا جديدًا على الحالة المتردية التي وصلت لها مؤسسة العدالة في مصر، من حيث تسييس العملية القضائية وإهدار أبسط قواعد العدالة، وتوظيف القضاء في الانتقام من الخصوم السياسيين.
«إنترسبت» الإمارات دفعت ٣ ملايين دولار نظير حملتي دعاية للرئاسة المصرية والسفارة في واشنطن مدى مصر ٥ أكتوبر ٢٠١٧ نشر موقع إنترسبت أمس، اﻷربعاء، رسائل بريد إلكتروني لسفير اﻹمارات في واشنطن يوسف العُتيبة كشفت تفاصيل التكلفة التي تحملتها دولة اﻹمارات العربية المتحدة نظير عمل شركة علاقات عامة أمريكية في حملتين لتحسين صورة الحكومة المصرية خلال عامين منذ نهاية ٢٠١٣ وحتى نهاية ٢٠١٥. وكشفت الرسائل أن التكلفة التي تحملتها الإمارات تمثل أتعاب العام الثاني من حملتين قامت بهما مجموعة جلوفر بارك Glover Park Group في واشنطن، اﻷولى لصالح السفارة المصرية هناك، وبلغت تكلفتها ٢.٢٥ مليون دولار، والثانية لصالح الرئاسة المصرية بلغت تكلفتها ٤٨٥ ألف دولار، بحسب رسالة بعثها ريتشارد مينتز، المسؤول بمجموعة هاربور للضغط، إلى العتيبة في اﻷول من يوليو ٢٠١٥. وبحسب رسالة من العتيبة إلى جويل جونسون من مجموعة جلوفر بارك في ديسمبر ٢٠١٥، فإن اﻹمارات حولت مبلغ ٢.٧ مليون دولار إلى القاهرة لتغطية التكلفة، وذلك بسبب مخاوف من مخالفة قانون تسجيل الوكلاء اﻷجانب اﻷمريكي FARA والذي يشترط سداد التكاليف بواسطة طرف التعاقد وليس أطراف أخرى لا ينص عليها العقد. وأكد جونسون أن الشركة حصلت على مبلغ تجاوز ثلاثة ملايين دولار بعد التحويل اﻹماراتي. كانت مؤسسات حكومية مصرية مختلفة قد تعاقدت مع عدد من شركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة منذ اﻹطاحة بالرئيس اﻷسبق محمد مرسي وتولي الرئيس السيسي مسؤولية الحكم. مجموعة جلوفر بارك كانت ضمن هذه الشركات، وتعاقدت معها الحكومة المصرية في أكتوبر ٢٠١٣. وأوضح بيان للخارجية المصرية وقتها أن الهدف من التعاقد هو تطوير الأدوات المتاحة لدى الحكومة المصرية للتواصل مع مختلف مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، على أن «تقوم الحكومة المصرية بتحديد مضمون الرسالة المراد توجيهها والأطراف المستهدفة سواء في الإدارة الأمريكية أو الكونجرس أو مراكز الأبحاث أو وسائل الإعلام، فضلاً عن تحديد الوسائل الخاصة بنقل هذه الرسائل وفقاً للمصلحة الوطنية المصرية». وأوضح بيان الخارجية أن هذا التعاقد لا يكلف الحكومة المصرية أي أعباء مالية، لكنه لم يوضح الجهة التي ستتحمل هذه اﻷعباء. وإلى جانب تحمل التكاليف المادية، نشر تقرير إنترسبت رسائل أظهرت تصدر العتيبة للدفاع عن السيسي في واشنطن في أوساط المراكز البحثية ووسائل اﻹعلام. آخر هذه المناسبات كان إبان زيارة السيسي لواشنطن في أبريل الماضي، حيث أرسل العتيبة إلى مايكل كراولي، الصحفي بمجلة بوليتيكو، عتابًا بعد نشر اﻷخير مقالًا صحفيًا بعنوان «ترامب يرحب بالدكتاتور المصري»، هاجم فيه انتهاكات حقوق اﻹنسان في مصر. واتهم العتيبة كراولي أنه «يحمل شيئًا ضد السيسي». كما أرسل العتيبة رسالة أخرى إلى إليوت أبرامز، الدبلوماسي السابق في إدارتي رونالد ريجان وجورج بوش، دافع فيها عن السيسي قبل يوم من شهادته حول الوضع في مصر في جلسة استماع عقدها الكونجرس اﻷمريكي في أبريل الماضي. وقارن العتيبة في رسالته بين موقف الولايات المتحدة المختلف من كل من الرئيس التركي، رجب أردوغان، والسيسي، معتبرًا أن الولايات المتحدة تغض الطرف عن انتهاكات أردوغان بسبب عضوية تركيا في حلف الناتو. كانت تقارير صحفية مختلفة كشفت عن مساعدات كبيرة، مادية ودبلوماسية، قدمتها اﻹمارات إلى حكومة السيسي خلال اﻷعوام الماضية. في يوليو الماضي، كشف تحقيق نشرته مجلة تيليراما الفرنسية عن إهداء اﻹمارات لمصر نظامًا للمراقبة الإلكترونية واسعة النطاق اسمه «سيريبر» تطوره شركة فرنسية تدعى «آميسيس»، وتكلف ١٠ ملايين يورو، في مارس ٢٠١٤.
«عندي صورة» بين رومانسية السينما وسلطوية الصناعة مداخلتان حول فيلم محمد زيدان التسجيلي بسام مرتضى وأحمد رفعت ٤ أكتوبر ٢٠١٧ بعد سبع سنوات من العمل على صناعة «عندي صورة الفيلم رقم ١٠٠١ في حياة أقدم كومبارس في العالم» جاء العرض الأول لفيلم المخرج محمد زيدان في الدورة الأولى لمهرجان الجونة، ليفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي عربي. فتح العمل نقاشًا في الوسط السينمائي، حول المشاكل التي تواجهها الأفلام التسجيلية في مصر، وحول سلطوية صناعة السينما بشكل عام. في هذا التقرير، نَعرِض مداخلتين عن الفيلم، تتكفل كلًا منهما بمناقشة إحدى هاتين الزاويتين، ومساءلة الفكرة الرومانسية عن فن السينما. فيلم طازِج تكبّله سنوات التطوير بسام مرتضى بسبب طول رحلته في صناعة فيلمه التسجيلي الطويل الأول «عندي صورة»، يعرف الوسط السينمائي جيدًا اسم «محمد زيدان»، المشهور أيضًا بكونه «أرشيفًا سينمائيًا متنقلًا»، يحفظ عن ظهر قلب الأسماء المكتوبة على تترات الأفلام، خاصة فترتي الستينيات والسبعينيات، مستغلًا تلك المعرفة في تأليف فوازير تثري السهرات والنقاشات السينمائية، فيفاجِئ أصدقاءه بتذكّره لأسماء أكثر زملاء الصناعة هامشية، من مساعدي «الكلاك» وحتى مصممى تترات المقدمة والنهاية. ومنذ سنوات عدة، ينتظر الجميع من زيدان الانتهاء من فيلمه التسجيلي، الذي يحكي قصة أحد أشهر الكومبارسات في تاريخ السينما المصرية، مطاوع عويس. بدأ زيدان رحلة بحثه الماراثونية بين أكثر من ألفي فيلم للعثور على مشاهد الممثل الثانوي، والتي يعبر فيها خلف البطل، صامتًا أغلب الوقت. يبدأ الفيلم بمشاهد عويس الكلاسيكية في أرشيف السينما، ما يربطه سريعًا بذاكرة المشاهد. ويعيد زيدان مشهد مساعدة عويس لفاتن حمامة في الصعود للقطار الذي يستقلّه صالح سليم في نهاية فيلم «الباب المفتوح»، في إشارة ملحة لدور عويس المحوري والمؤثر في الفيلم وفي الذاكرة المصرية. يحتفي فيلم «عندي صورة» بالسينما كصناعة. يحقق زيدان حلمه بصناعة الفيلم عبر المرور بخفة على كل عناصر صناعة الأفلام، مستعرضًا إياها لتصبح كلها مفكَّكة ومفتوحة أمام الكاميرا. وتساعده على تحقيق هذا الطموح الشخصية المحورية الثانية في الفيلم، «كمال الحمصاني»، الذي عمل كمساعد مخرج في العديد من الأفلام، وتوقف عن العمل منذ سنوات طويلة، واستعان به زيدان للعمل مساعدًا له، لكن من أمام الكاميرا، بحيث يشاهد المتفرج كل مراحل تطور الفيلم أمامه بكل ربكتها وعفويتها، ما يفتّت قدسية الصورة النهائية اللامعة المكتملة على شاشة العرض. يستعرض الفيلم جميع مراحل الرحلَة، من انتقاء مواقع التصوير، لاختيار الزوايا وأحجام اللقطات، وحتى كواليس إعادة تسجيل الصوت «الدابينج» مع مصمم شريط الصوت «مايكل فوزي»، والحوارات الجانبية الكلاسيكية الطريفة عن فن تكوين الصورة، وعلاقة المخرج بالمساعدين، بل وأيضًا التوجيهات المبتذلَة التي يلقّنها الحمصاني لعويس، لمعاونته على تقمُّص شخصيته الحقيقية أمام الكاميرا. الكاميرا المتحركة لمدير التصوير محمد الحديدي، مع تكوينات اللقطات المقلِّدة لمشاهد من أفلام السبعينيات الشهيرة التي عمل بها الحمصاني، نجحت في إضفاء إحساس التجريب وخلق صورة غير مهووسة بالكمال. كما أفلح مونتاج مي زايد في الحفاظ على هذا الانتقال السلس من الخفة والطرافة للتوتّر المصاحِب لعملية صناعة الفيلم، وعلى صياغة لغة سينمائية مختلفة عن أسلوب التقطيع التلفزيوني الذي تسقط فيه العديد من الأفلام المعتمدة على الأرشيف. سريعًا ستدرك أن الفيلم أبعد من كونه قصة حياة «عويس»، فهو مختلف كليًا عن الأفلام التسجيلية الدائرة في فلك شخصيتها الرئيسية، ليبدو نتاجًا للقاء ثلاثة أجيال بثلاثة تصورات مختلفة عن فن صناعة السينما. كان اختيار الحمصاني من البداية للعمل في الفيلم، بمثابة لمحة امتنان عميقة من زيدان، ومحاولة نبيلة منه لإعطاء فرصة للمهمشين في السينما. هذا قبل تطوّر الأحداث، واحتدام الصراع بين زيدان والحمصاني، وقرار زيدان أن الأفلام لا تصنع بـ«الامتنان»، رافضًا بدوره التحوّل لمهمَّش. هكذا تحدت عملية صناعة الفيلم أبطاله، بجرأة، وأنتجت فيلمًا يتجاوز فكرة العشق والافتتان بالسينما، ليُسائِل أساسيات الصناعة نفسها. بمعنى آخر، أنضج هذا التحدي رؤية زيدان الأوليّة، وحولّه لفيلم حقيقي وليس برقية تهنئة وحب. فبذكاء وموهبة ومغامرَة طموحة؛ استطاع زيدان صناعة فيلم ممتع ومليء بالحياة والشغف. تعود بداية رحلة تنفيذ الفيلم لعام ٢٠١٠، قبل توقفها بسبب انشغال زيدان وحديدي ومي زايد مع سينمائيين آخرين في صناعة الفيلم الروائي «أوضة الفيران». حاول بعدها زيدان إكمال الفيلم باشتراكه في ورشة «دوك ميد» للتطوير عام ٢٠١٣، ثم انضمامه لورشة «فاينال كات» بمهرجان فيسنيا. كل هذه السنوات من التطوير تكشف لنا عن أزمة أساسية تضرب الفيلم، وتتعلّق بالكيفية التي نصع بها أفلامنا التسجيلية في مصر، والمتأثرة بنقص فرص الإنتاج والتوزيع. فمثلًا، ورغم الأمل الكبير الذي صاحَب نزوله لدور السينما، بعد الاحتفاء الشديد به وفوزه بجوائز عدة، لم يحظ الفيلم التسجيلي الممتع، «اللي يحب ربنا يرفع إيده لفوق» لسلمى الطرزي، بنجاح تجاري في شباك التذاكر، بسبب خلل في خريطة توزيعه. هكذا يظل الفيلم في مصر لسنوات تائهًا بين قلة فرص الإنتاج من ناحية، وضعف فرص التوزيع بعد إكماله من ناحية أخرى. في كل هذه السنوات يتحرك المخرج للبحث محليًا ودوليًا عن مِنَح إنتاجية، تتدخل بدورها في مسار الفيلم، بتقديم اقتراحات جديدة لشكله وخطوطه العامة. تدريجيًا، ومع مرور الوقت، يخسر الفيلم جزءًا من روحه التي بدأ بها. مثلًا، في فيلم «عندي صورة»، تتجلّى هذه الإشكالية في انفصال التعليق الصوتي للمخرج، عن الروح الطريفة والمرتبكة للفيلم. فالتعليق به نوع من الحكمة المسبقة، وكأنه وصل لتحليل نهائي عن الكومبارس والتهميش والحياة، معبرًا عن أفكار زيدان الرومانسية في بداية رحلة صنع الفيلم، حين كان الذي كان لا يزال يتحرك بخفة. ومهما كان زيدان منتبهًا لهذا التحدي، فمن الصعب الدخول في حرب مع السنوات والحفاظ على نفس روح ما قبل ٢٠١١ التي بدأت فيها رحلة الفيلم. لرحلة التطوير الدولي مشاكلها أيضًا، حيثُ تنشغل بجعل الفيلم أكثر «عالمية». في لقاء بمهرجان الجونة، مع ألكسندرا أسبيسياليه، مديرة مشروع «فاينل كات» في مهرجان فينيسيا، والتي اختارت الفيلم لورشة التطوير، قالت إن تحدي الفيلم الأكبر كان في الوصول لجمهور أبعد من الجمهور المصري المعتاد على وجه عويس الأليف، والمرتبط بذكريات بصرية معه. أثقلت هذه الرؤية فيلم زيدان، الذي توسع في البحث عن اقتباسات عالمية لشرح فكرته، التي كانت لتصلنا كاملة، كجمهور محلي، باعتمادها على الذاكرة المشتركة، وعلى ما تنقله ملامح عويس والحمصاني من مشاعر الفرحة والخوف والخزن. فمن أجل خاطر مشاهِدين غير محليين، اضطر زيدان، مدفوعًا بفكرة أن للأفلام وطنًا، ولا يمكن نزعها من سياقها، للإسهاب في حواشٍ جاءت بعيدة عن نمط الحكي الذي اعتمد عليه في فيلمه. من المُلفِت أن تكون معضلة الفيلم المهتم بإرسال تحية للصناعة، والقائم على أساس الاشتباك معها وتفكيك قدسيتها والتعامل النقدي مع آلياتها؛ هي نفسها معضلة صناعة الفيلم التسجيلي في مصر، وكأن الصناعة تشتبِك مع الفيلم نفسه، لتخرج لنا فيلمًا جديدًا، يؤكد ضرورة النقاش عن إمكانية تحرير أفلامنا التسجيلية من أَسْر سنوات التطوير. «عندي صورة الفيلم رقم ١٠٠١ في حياة أقدم كومبارس في مصر» فيلم مليء بالسعادة والتجربة والتوهج، عن أبطال مهزومين ومهمّشين لا تلحظ مرورهم بجوارك. الفيلم الذي أهدى مخرجه جائزته لحي الورديان الشعبي بالإسكندرية، فارَق أبطاله الحياة قبل عرضه الجماهيري الأول، ولم يشهدوا لحظة تكريمهم في مهرجان، أمام نجوم شباك مصريين، ظلوا طويلًا وراءهم في الصورة. عن كسر البنية السلطوية في صناعة الأفلام أحمد رفعت «عندي صورة» هو الفيلم الطويل الأول لمحمد زيدان، والذي عمل كمساعد مخرج لفترة غير قصيرة. قرر زيدان صناعة فيلمه الأول عن أحد ممثلي الكومبارس، مطاوع عويس، والذي عرفه منذ بداية ظهوره في الأفلام المصرية الكلاسيكية، وحتى وقت اعتزاله في ٢٠١٣. لاحقه زيدان حتى عثر عليه في «قهوة الكومبارسات» حيثُ يحظى بلقب شيخ الكومبارسات. المشروع الذي بدأ بفكرة زيدان الرومانسية عن السينما وعن شخصية الكومبارس، الذي نعرف شكله من عشرات الأفلام التي عمل بها، في حين لا نعرف اسمه، اتخذ مسارًا آخر غير المقرّر له، بظهور «كمال الحمصاني» في الصورة. يحكي مارك لطفي منتج الفيلم، أنهم في مقابلتهم الأولى مع مطاوع عويس على القهوة، ظهر الحمصاني، وهو مخرج مساعد، مثلما كان زيدان حتى لحظة صناعة الفيلم، لكن بسبب عملِه مع مخرجين كبار، كان الحمصاني بدوره شاهدًا على تاريخ السينما المصرية. قرر فريق العمل الاستعانة بالحمصاني كمساعد مخرج في فيلمهم، وهو في رأيي القرار الذي جعل من «عندي صورة» فيلمًا مثيرًا للاهتمام. لفيلم زيدان وجه كلاسيكي ورومانسي، يفتتح به الفيلم، ويعاود الظهور من حينٍ لآخر، يتمثّل في صوت زيدان المصاحب لمشاهِد أفلام مصرية قديمة، حيث يحكي عن بداية ذهابه لقاعة السينما هربًا من المدرسة، وعن الأفلام التي كان يعرف أسماء النجوم بها ولا يعرف أسماء الكومبارسات. كما يحكى عن حسرته عند مروره بدور السينما المغلقة، والتي كانت تقدم فيلمين أو ثلاثة بالحفلة الواحدة، معبرًا عن افتقاده لزمن السينما الجميل، وهكذا. أما الوجه الثاني لفيلم زيدان، فهو الوجه التجريبي، المتمثّل في المساحات المتروكة لشخصيات فريق العمل نفسه، أمام الكاميرا، والتي فرضت رؤية طازجة على الفيلم، وكسرت العملية التقليدية في صناعة الفيلم، بسبب غياب هيمنة رؤية واحدة على الفيلم. فمن ناحية، هناك زيدان المخرج المساعد الذي بصدد إخراج أول أفلامه، والمفتون بحكي حكاية الكومبارس، ومن ناحية أخرى هناك مساعد المخرج العجوز الذي يؤدي واجبه كما عهده، بالطريقة الكلاسيكية، مستدعيًا خبرته في الأفلام القديمة، إلى موقع التصوير. أيضًا عندنا عويس الكومبارس في أول بطولة له أمام الكاميرا. هذا بالإضافة لمنتح الفيلم مارك لطفي والذي نراه من حين لآخر، وأيضًا المصور محمد الحديدي الذي نسمعه يعلق على أماكن وزوايا التصوير التي يختارها الحمصاني. أخلت تلك التركيبة بهيراركية صناعة الأفلام المتعارف عليها، من حيث وجود مخرج مسيطِر على جميع مجريات الأمور. وتعتبر لحظة خروج الفيلم عن سيطرة زيدان، في رأيي، هي لحظة انفتاح الفيلم على احتمالات غير محسوبة إخراجيًا، تفصِح عن علاقات القوى النشطة خلال عملية صنع الفيلم. في أحد مشاهد «عندي صورة»، يمتثل فريق العمل لتصوّر الحمصاني عن تنفيذ مشهد عودة عويس إلى بلدته، فيضعون لافتة على إحدى الطرق في ضواحي الاسكندرية، تشير للطريق إلى سوهاج. لكن بينما يحاول المساعد العجوز إقحام حوار رومانسي عن العودة إلى البلد، يحاول زيدان خلق مناخ يسهِّل علي عويس الارتجال والحديث، دون ضغط سيناريو يتطلّب حوارًا بعينه. المونتاج هو البطل الرئيسي في الفيلم، ويتحرك بين بعديه المختلفين؛ الرومانسي والمفتوح على التجريب، بالإضافة لرؤى شخوصه عن السينما، فيتبع حينًا أفكار عويس أو الحمصاني حين يطلبان إعادة المشهد بتخيلهما الشخصي، وفي أحيان أخرى يتبع رغبة زيدان في العفوية. أيضًا يناوِر بين كل ذلك، وبين اللقطات الأرشيفية التي تأتي في سياق حديث عويس عن عمله بالأفلام أو حكايات زيدان عن علاقته بالسينما، مشاهدًا وطرفًا في الصناعة. يلعب فريق العمل في «عندي صورة» بدون حسابات مسبقة، تاركين المساحة لجيل آخر من السينمائيين في تنفيذ رؤيتهم للفيلم. وهكذا يتحرر الفيلم من تراث سُلطوي لفكرة العمل السينمائي، فيصبح فيلمًا خفيفًا باحتمالات مفتوحة، ويثير أسئلة بنيوية عن طرق صناعة الأفلام سواء في سينما الاستوديو أو الأفلام الوثائقية. لكن رغم حضور ثيمة «العمل في السينما» في الفيلم، يختار زيدان الابتعاد عن تناول الجانب المادي من العمل في الصناعة، وعن «أكل العيش»، وهو ما برّره في النقاش الذي تبع الفيلم، برغبته في الابتعاد عن تراث التعامل مع الكومبارس بمنطق ضحية العمل السينمائي، وما يرتبط به من محاولات استدرار «الشفقة». يقف وراء «عندي صورة» فريق عمل قادم من الاستوديوهين السكندريين اللذين ينتجان أغلب الأفلام القادمة من هناك؛ روفيز وفيج ليف، في نموذج إنتاجي مثير للاهتمام، لا يفترض المثالية بالضرورة، أو الخلوّ من المشاكل، لكنّه بالتأكيد نموذج يؤخذ بجديّة، إن كنا نريد مناقشة النماذج الإنتاجية في صناعة السينما، والمرتبطة شرطيًا بالتمويل، ومحاولات إيجاد البدائل.
نيابة أسوان تحقق مع ٧ من المتضامنين مع «معتقلي الدفوف».. وناشطات نوبيات يضربن عن الطعام مدى مصر ٤ أكتوبر ٢٠١٧ بدأت النيابة العامة بأسوان اليوم، الأربعاء، التحقيق مع سبعة مواطنين نوبيين ألقت الشرطة القبض عليهم أمس، بعد اعتراضهم على قرار محكمة أسوان الجزئية بتجديد حبس ٢٥ من المقبوض عليهم في تظاهرة «يوم التجمع النوبي»، بحسب تصريحات المحامي أحمد رزق لـ «مدى مصر». وأضاف رزق أن التحقيق مع السبعة بدأ في الثامنة صباحًا بمعسكر الأمن المركزي بمنطقة الشلال بدون حضور محامين أو معرفة التهم الموجهة لهم تحديدًا، ولم يحدد بعد موعد إعلان قرار النيابة بشأنهم. كانت مجموعة من أهالي متهمي «يوم التجمع النوبي» والمتضامنين قد تجمعوا حتى وقت متأخر من مساء أمس أمام مقر محكمة أسوان انتظارًا لقرار قاضي المعارضات بمحكمة أسوان الجزئية، وعند صدور القرار بحبسهم لمدة ١٥ يومًا، اعترض الأهالي على القرار، فردت قوات الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع والقبض على عدد منهم. وفي سياق متصل، أعلنت خمس ناشطات نوبيات البدء في إضراب جزئي عن الطعام مساء أمس الثلاثاء، اعتراضاً على استمرار حبس متظاهري «يوم التجمع النوبي» وإلقاء القبض على سبعة آخرين. وقالت الناشطة النسوية سهام عثمان، وهي إحدى المضربات عن الطعام وشقيقة أحد المعتقلين، لـ «مدى مصر» إن قرارهن أتى بعد تدهور الوضع أمس، وتكرار استهداف المواطنين النوبيين المطالبين بحقهم في تطبيق الدستور والعودة للأراضي النوبية. وأضافت سهام «لا يمكن حتى أن نسمي ما حدث بالأمس اشتباكات. على غير العادة تأخر قرار قاضي المعارضات مما تسبب في منعنا من تقديم استئناف على القرار الذي قد يمكننا من نظره اليوم. شكل قرار التجديد صدمة للأهالي وبدأت الأمهات بالصراخ. فوجئنا بعدها بسيارات الشرطة تطلق قنابل مسيلة للدموع بدون إطلاق صفارة الإنذار حتى، مما دفع بعض الشباب للاحتماء بالمباني المجاورة، وسارع بعضهم لمساعدة كبار السن والنساء الذين تأثروا من جراء إطلاق الغاز المسيل للدموع، فتم إلقاء القبض على بعضهم». تقول عثمان أن قرار الإضراب الجزئي عن الطعام أتى بعد أن أصبح الجميع «غير قادرين على اتخاذ أي خطوات للتضامن مع المقبوض عليهم أو الإفراج عنهم»، مضيفة أنهن بصدد اتخاذ الإجراءات القانونية لإبلاغ النائب العام بقرارهن. وتعود الأحداث إلى الثالث من سبتمبر الماضي، حينما تجمع العشرات من الناشطين النوبيين لإحياء مسيرات «يوم التجمع النوبي» الذي تضمن تنظيم مسيرات بالمدينة من أجل تجديد المطالبة بـ «حق العودة» إلى مناطقهم الأصلية التي تم إجلاؤهم منها، وفقًا لما نَصّت عليه المادة ٢٣٦ من الدستور. إلا أن قوات الأمن ألقت القبض على ٢٤ من المتظاهرين، من بينهم المحاميين محمد عزمي ومنير بشير، حيث وجهت النيابة لهم تهم «التحريض على التظاهر، وتعطيل وسائل المواصلات العامة، والتظاهر بدون ترخيص»، فضلًا عن «حيازة منشورات». وأمر قاضي المعارضات في وقت سابق بإخلاء سبيل المقبوض عليهم، إلا أنه تم قبول طعن النيابة على قرار إخلاء السبيل لاحقًا، مما أدى لاستمرار حبسهم.
بعد تجديد حبس «متظاهري الدفوف»..القبض على عدد من المواطنين إثر اشتباكات مع الشرطة مدى مصر ٣ أكتوبر ٢٠١٧ ألقت قوات الأمن القبض على عدد من المواطنين اليوم، الثلاثاء، إثر اشتباكات مع الشرطة، اندلعت عقب احتجاجهم على تجديد حبس ذويهم من «متظاهري الدفوف»، بحسب المحامي أحمد رزق. كان قاضي المعارضات بمحكمة أسوان الجزئية، قرر اليوم، الثلاثاء، تجديد حبس ٢٥ من متظاهري يوم «التجمع النوبي» المعروفون إعلاميًا بـ«متظاهري الدفوف» على ذمة التحقيقات في اتهامات بالتحريض على التظاهر. وقال «رزق» إن بعض من أهالي المقبوض عليهم المتجمعين أمام المحكمة، اعترضوا على قرار المحكمة، ما دفع قوات الأمن للاشتباك معهم ومحاولة تفريقهم من خلال إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، كما قبضت على عدد منهم. وقال المحامي إنه لم يتأكد من عدد المقبوض عليهم حتى الآن. وقالت الناشطة النوبية بسمة عثمان، شقيقة أحد معتقلي «يوم التجمع النوبي» لـ «مدى مصر» إن قرار المحكمة كان تأخر كثيراً على غير العادة، ما زاد من توقعات الأهالي أن قرار المحكمة سيكون «شديدًا» على حد قولها، وهو ما تحقق بالفعل، مما أدى لاندلاع الاشتباكات وإطلاق الغاز المسيل للدموع على أهالي المقبوض عليهم. وأضافت «عثمان» «هناك العديد ممن تم إلقاء القبض عليهم، كنا نتحدث عن ٢٤ معتقلاً أضيف إليهم شاباً آخر أثناء التحقيقات، فهل يصل الآن عدد المقبوض عليهم إلى ٣٠ معتقلًا أو أكثر؟». وأضافت «عثمان» أن قوات الأمن أغلقت طريق كورنيش النيل، الذي تطل عليه محكمة أسوان أمام حركة السيارات، خاصة بعد احتماء عدد من المتظاهرين بالمباني المحيطة بالمحكمة، كما تم نقل بعض كبار السن ممن تأثروا بالغاز المسيل للدموع للمستشفيات، بما فيهم والدتها. وتعود الأحداث إلى الثالث من سبتمبر الجاري، حينما تجمع العشرات من الناشطين النوبيين لإحياء مسيرات «يوم التجمع النوبي» الذي تضمن تنظيم مسيرات بالمدينة من أجل تجديد المطالبة بـ «حق العودة» إلى مناطقهم الأصلية التي تم إجلائهم منها، وفقًا لما نَصّت عليه المادة ٢٣٦ من الدستور. إلا أن قوات الأمن ألقت القبض على ٢٤ من المتظاهرين، من بينهم المحاميين محمد عزمي ومنير بشير، حيث وجهت النيابة لهم تهم «التحريض على التظاهر، وتعطيل وسائل المواصلات العامة، والتظاهر بدون ترخيص»، فضلًا عن «حيازة منشورات». وأمر قاضي المعارضات في وقت سابق بإخلاء سبيل المقبوض عليهم، إلا أنه تم قبول طعن النيابة على قرار إخلاء السبيل لاحقًا، مما أدى لاستمرار حبسهم. وفي سياق متصل، طالبت منظمة العفو الدولية في بيان سابق السلطات المصرية بالإفراج عن الناشطين النوبيين، واتهمت مسؤولة الحملات بالمنظمة عن منطقة شمال أفريقيا، نجية بونعيم، السلطات المصرية بـ«بتهميش النوبيين، وتجاهل مطالبهم بالعودة إلى أراضيهم التاريخية ومعاملة النشاط النوبي بأنه أمر مشبوه من الناحية الأمنية. فبدلاً من الاستخفاف الصارخ بحق النوبيين في حرية التعبير والتجمع من خلال الاستمرار في احتجازهم بسبب تظاهرهم السلمي، يجب على السلطات الإفراج عن هؤلاء الناشطين الـ ٢٤ المُحتجزين فورًا». وأضافت «منذ سنوات طويلة، قامت السلطات بتجريد النوبيين من ممتلكاتهم، وتهجيرهم من أراضيهم التاريخية، ومنعهم من التمتع بحقوقهم الثقافية. فهذه الممارسات، واستمرار عزوف السلطات المصرية عن السماح لهم بالعودة إلى أراضيهم، يتنافى مع دستور البلد نفسه، وكذلك مع التزامات مصر الدولية».
الحركة الحقوقية في مصر المناورة في مساحات متآكلة أحمد عطاالله ٣ أكتوبر ٢٠١٧ بخبرة أعوام ما قبل الثورة، نظر النظام المصري بعد الثالث من يوليو لمطالب الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان باعتبارها «محض دعوات سياسية»، غرضها التحريض على مؤسسات الدولة وتقويض مساعي الاستقرار وإعطاء مبرر للتدخل الخارجي في سياسات الدولة. ودفع هذا النظام لتوجيه عدد من الضربات المتلاحقة للحركة الحقوقية، أدت لانحسار نشاطها ومساحات اشتباكها بشكل ملحوظ، في نفس الوقت الذي تصاعد فيه خطاب حكومي، بمفاده فالدولة تحترم حقوق الانسان «لكن بما لا يعيق سياسات مكافحة الإرهاب، والذي لا يهدد مصر فقط ولكن العالم بأجمعه». في حواره مع مذيع قناة PBC الأمريكية في سبتمبر ٢٠١٦، تحدث السيسي عن أوضاع حقوق الانسان في مصر قائلًا «المنطقة بأسرها في سياق مضطرب وغيرها وأنا أؤمن أن الأصدقاء يفهمون ويقدرون الظروف التي نحن فيها… نحن نلتزم بحقوق الانسان لكن في النهاية نحتاج لأن يكون لدينا دولة مستقرة والا فسوف يكون هناك الكثير من انتهاكات حقوق الانسان وزعزعة الاستقرار، ونرى مظاهر هذا في دول أخرى كسوريا واليمن. » لا يختلف مضمون هذا الخطاب عن مضمون أي تصريح آخر يدلي به الرئيس للغرب بخصوص حقوق الإنسان، ولا يخفى انطواء أغلب هذه التصريحات على تهديد للدول الغربية ومحاولة ابتزازها، بكون البديل لهذا الوضع هو تصاعد الإرهاب وزيادة عدد اللاجئين. وهو ما قوبل بمنطلق براجماتي من جانب الأحزاب الحاكمة لهذه الدول، والتي رأت بدورها ضرورة إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع النظام رغم سجل انتهاكاته، بل التنسيق معه في بعض الملفات الإقليمية والأمنية والاقتصادية. منذ يوليو ٢٠١٣، تعرضت منظمات حقوقية لتضييقات واسعة استهدفت رقعة نشاطها ومساحة تأثيرها، حيث الاتهامات بالعمالة والتحريض ضد المدافعين عن حقوق الإنسان من قبل وسائل إعلامية مؤيدة للنظام، أثّرت سلبًا على النظرة الشعبية للمجال الحقوقي وزادت من التشكك في أهدافه. وعلى المستوى القضائي، وفي شتاء ٢٠١٦، أعادت محكمة شمال القاهرة فتح القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١، والمعروفة اعلاميًا باسم «قضية المجتمع المدني»، وأدرجت فيها أسماء ٣٧ منظمة، متهمة إياهم بتلقي أموال من الخارج، بهدف الإضرار بالأمن القومي، لتصدر المحكمة بعد شهور قلائل عددًا من القرارات، منها تجميد أموال عدد من الحقوقيين ومنعهم من السفر، على رأسهم الصحفي حسام بهجت والحقوقي جمال عيد. وعلى الناحية التشريعية، أصدر البرلمان قانونًا جديدًا للجمعيات الأهلية، برقم ٧٠ لسنة ٢٠١٧، وتضمن عقوبات أكثر تشددًا، وموادًا أكثر تدخلًا في نشاط الجمعيات من القانون الذي سبقه رقم ٨٤ لسنة ٢٠٠٢، ليضاف هذا القانون لترسانة التشريعات المقيدة للحقوق والحريات بعد يوليو ٢٠١٣. بالإضافة لتشريع مقيّد آخر، أصدرته السلطة في سبتمبر ٢٠١٤، بتعديل المادة ٧٦ من قانون العقوبات، والذي قضى بتغليظ عقوبة تلقي أموال من منظمة أو دولة أجنبية بقصد ارتكاب فعل يضر بمصلحة قومية أو «يخل بالأمن العام» على حد وصف القانون، حيث يواجه مرتكب هذا الفعل عقوبة السجن لمدة تصل لـ٢٥ عامًا وغرامة ٥٠٠ ألف جنيه. أثّرت كل هذه المخاطر والتهديدات على حجم وطبيعة نشاط العاملين في المجال الحقوقي في مصر، حيث دفعت هذه المتغيرات أغلب المنظمات لإعادة ترتيب أوراقها الإدارية والمالية والقانونية، محاولة التكيف مع هذه الظروف الجديدة، فبدأت المنظمات بابراز صفتها القانونية أكثر من الصفة البحثية، باعتبار المنظمة في الأساس «شركة» أو «مكتبًا للمحاماة»، كما نقلت منظمات أخرى، مثل «مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان» مقارها الرئيسية خارج مصر، وسرّحت بعض المنظمات الباحثين بها، أو خفضت عدد الملفات التي تعمل عليها؛ وهو ما يمكن اعتباره مؤشرًا على حجم التحديات التي يواجهها العاملون في هذه المنظمات. نظرة على استراتيجات العمل الحقوقي في مصر منذ ظهوره في بداية الثمانينيات، كان العمل الحقوقي في مصر انعكاسًا للظرف السياسي الراهن، حيث حاول العاملون فيه، والقادمون من خلفيات سياسية متباينة، الاشتباك مع سياسات النظام الحاكم وفق الأدوات المتاحة، والتأثير الإيجابي فيها، بالإضافة لسعيهم لتقديم الدعم للفئات الأضعف. مثلًا، نشأت «المنظمة المصرية لحقوق الانسان»، وهي من أوائل المنظمات الحقوقية المصرية، في عام ١٩٨٥، أي في وقت اتسعت فيه دائرة القمع والتعذيب على خلفية الحرب الطاحنة التي دارت رحاها بين الدولة والجماعات الإسلامية المسلحة عقب اغتيال السادات. في ورقة بحثية أصدرتها «مبادرة الإصلاح العربي»، رأت الباحثة ياسمين شاش أن تأسيسَ عدد من أعضاء «المنظمة المصرية» لمنظمات أخرى مستقلة بمنتصف التسعينيات، ساعد على اتساع رقعة الحركة الحقوقية الناشئة وتوزيع التركيز بينها على قضايا مختلفة، وإن ظلت استراتيجية العمل بينها متقاربة، حيث استمر الاعتماد على التقاضي كاستراتيجية رئيسية لوقف الانتهاكات الحقوقية، بالإضافة لأعمال المناصرة والتوثيق. وقد برعت منظمات حقوقية، على رأسها «مركز هشام مبارك» و«المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، في استخدام التقاضي كوسيلة لإيقاف الانتهاكات واسترداد الحقوق، أو للسعي لإرساء مبادئ قضائية جديدة داعمة للحقوق والحريات، وقد استطاع المركز المصري عبر هذه النوع من التقاضي الحصول على عدد من الأحكام القضائية الهامة والتي اشتبكت مع صلب سياسات النظام، مثل إلزام الحكومة بضرورة وضع حد أدنى للأجور يتناسب مع الأسعار، وحظر ترحيل اللاجئين من مصر وأحقية مصابي الثورة في الحصول على معاش استثنائي. وبالإضافة لتكتيك التقاضي، استخدمت المنظمات الحقوقية تكتيكات الرصد والتوثيق للانتهاكات الحقوقية كوسيلة للتصدي لها، وأيضًا لضمان حفظ الذاكرة وعدم الإفلات من العقاب، عن طريق العمل لتجميع البيانات الخاصة بضحايا الانتهاكات، وتوثيق الشهادات الخاصة بهم والتحقق منها، ثم تحليلها ورصد الأنماط المختلفة للانتهاكات، ما يسهّل ملاحظة تطور الانتهاك وقياس التغير فيه. ولا تكتفي أغلب المنظمات الحقوقية بهذا المجهود من تقاض ورصد وتوثيق، حيث تستخدم أيضًا استراتيجيات المناصرة وكسب التأييد للمطالب الهادفة لوقف هذا الانتهاك وذاك. عن طريق إدارة الحملات الاعلامية للتأثير على الرأي العام، ومحاولة التواصل مع صناع القرار والنقاش معهم حول المطالب والتوصيات المقترحة بوقف الانتهاكات الحقوقية، وتغيير السياسات المؤدية لحدوثها. وكذلك التواصل مع الهيئات الأممية والإقليمية بهدف دفع الحكومة للالتزام بالمواثيق والعهود الدولية. كيف يمكن تطوير أدوات الحركة الحقوقية؟ تلقي الطفرة في الحصار الذي يتعرض له نشطاء الحركة الحقوقية بمسؤولية إضافية على المنظمات والمدافعين عن حقوق الإنسان لتطوير منهجية عملهم، فقد أصبح من الملح البحث عن أفضل الطرق لتطوير آليات وأدوات العمل، والاستغلال الأمثل للموارد البشرية والتكنولوجية المتاحة، للوصول لأكبر تأثير ممكن. • الاهتمام بالجانب الاحصائي في ردها على التقرير الأخير الذي نشرته «هيومان رايتس واتش» عن التعذيب باسم «هنا نفعل أشياء لاتصدق» والذي توصلت فيه المنظمة، بالاستناد على توثيق شهادات ١٩ ضحية فحسب، لاستنتاج نهائي بوجود عمليات تعذيب ممنهجة داخل أماكن الاحتجاز، وهو ما دفع وزارة الخارجية المصرية للرد بأن مصادر المعلومات التي اعتمدت عليها المنظمة في تقريرها انتقائية. وبالنظر لواقع المجتمع الحقوقي، نجد أن الملاحقات القضائية والأمنية للمنظمات والعاملين في المجال الحقوقي، قد أدت لتراجع الموارد البشرية، ومن ثم القدرات الرصدية لهذه المنظمات، في مقابل تصاعد الانتهاكات الحقوقية، ما أثر على إمكانيات تتبع أنماط هذه الانتهاكات وملاحقتها، والخروج بأرقام واحصائيات موثقة عنها، وهو ما أعاق بدوره التعمق في هذه الظواهر والإلمام بأبعادها، وسهّل التشكيك في الاستنتاجات الصادرة. ورغم كل التضييق الذي يتعرض له المجتمع الحقوقي، تبرز بعض النماذج والتي تحاول، وبرغم العوائق، الاستمرار في عملها مع التمسك باستراتيجيتها في العمل الحقوقي عبر التناول الإحصائي لانتهاكات حقوق الانسان. وأهم هذه الأمثلة هو ما يقوم به مركز «دفتر أحوال»، وقبله مشروع «ويكي ثورة» والذي يمكن اعتباره أضخم أرشيف توثيقي مفصّل لحصر أعداد القتلى والمصابين والمقبوض عليهم بعد ثورة يناير. • التدقيق في رصد الانتهاكات أمر آخر يحتاج إليه العمل الحقوقي في مصر، وهو إحكام عملية التوثيق والتأكد من أي معلومة قبل تصنيفها واعتبارها انتهاكًا حقوقيًا. تُظهر التجربة أن معلومة واحدة خاطئة قد تؤدي لتبديد مجهود ملف حقوقي بأكمله. مثال لهذا، عندما احتسب عدد من المنظمات الحقوقية المستقلة الشاب أحمد عمر سويلم، وبناء على شهادة مقربين، مختفيًا قسريًا، ثم نعته بعدها جماعة مسلحة تطلق على نفسها اسم «حسم»، عقب مقتله في اشتباكات دارت بين هذه الجماعة والشرطة في المرج يوليو ٢٠١٧. استغلت الأجهزة الإعلامية المؤيدة للسلطة هذا التضارب للتشكيك في مصداقية الأرقام التي ترصدها المنظمات الحقوقية للمختفين قسريًا، فضلًا عن التضليل الكامن في مصطلح «الاختفاء القسري»، بحسب هذه الأجهزة الإعلامية. يلقي هذا على المنظمات الحقوقية والعاملين فيها عبئًا اضافيًا، حيث سيحتاج القائمون على الملفات الحقوقية لمراجعة منهجيات الرصد لديهم، للمزيد من التدقيق في الشهادات والتيقن منها، وعدم الاكتفاء بشهادات وروايات أهالي الضحايا، وإنما فحص وتحليل الروايات الأخرى، وعلى رأسها الرواية الرسمية، ومحاولة عقد المقارنات بينها. • تطوير حملات المناصرة باعتباره نشاطًا إصلاحيًا في الأساس، فمن مؤشرات نجاح العمل الحقوقي قدرته على التأثير على البيئة المحيطة والسياسات التي تتبعها الدولة. لذا يستعين المدافعون عن حقوق الإنسان بالحملات الاعلامية، لترويج نشاطهم وعرض ما يرصدونه من انتهاكات، بهدف إشراك الرأي العام في هذا الجدل، فضلًا عن كونه محاولة الضغط على النظام، بالاستناد على ما تصدره المجموعات الحقوقية من تقارير وبيانات تتابع بها الحالة الحقوقية في البلاد. وتحتاج الحركة الحقوقية في مصر لتطوير استخدامها لحملات كسب التأييد، لما تطرحه من توصيات تهدف بها لوقف الانتهاكات، فبالإضافة للبيانات التي تصدرها المنظمات، ورغم أهميتها، ولكن يمكن للحركة الحقوقية مثلًأ العمل على تصميم مواقع مخصصة لحملات الضغط وحفظ الذاكرة وجمع التوقيعات الإلكترونية لإيقاف الانتهاكات وتوجيه الرسائل المطالبة بوقف الانتهاكات للهيئات القضائية المختلفة، أو العمل على إنتاج مواد إعلامية مرئية تحوي المزيد من الشرح والاقتراب من أصوات ضحايا الانتهاكات والعمل على إيصالها للرأي العام. كما تحتاج المنظمات، والمدافعون عن حقوق الانسان، لفتح قنوات اتصال مع المنظمات الدولية والأحزاب الحاكمة ومجموعات الضغط في الدول الغربية لايصال حقيقة أوضاع حقوق الانسان في مصر. بالإضافة لضرورة سعي المنظمات أيضًا للعثور على موطئ قدم لها في المجتمعات الغربية، ومحاولة إيصال الصورة غير الحكومية للوضع الحقوقي في مصر، والاشتباك مع سياسات هذه الدول ودفعها لاتخاذ مواقف أكثر جدية تجاه ما يمارسه النظام من انتهاكات، والضغط عليه لايقافها. • توسيع مساحات التشبيك لم تؤد المشاكل التي تهدد المجتمع الحقوقي لتمتين العلاقات بين المنظمات الحقوقية، أو لسعيها لبناء سيناريوهات للتعامل مع المخاطر، حيث لا تزال بعض المشاكل الشخصية بين العاملين في المجال الحقوقي تقف عائقًا أمام ما يفرضه الأمر الواقع من استراتيجيات تقوم على التكاتف بين أفراد المجتمع الحقوقي. اعتمادًا على سياسة التشبيكات والتنسيقات، يستطيع العمل الحقوقي الاستفادة من تبادل الخبرات بين العاملين القدامى والقادمين الجدد، وضمان حد أدنى من المهنية للعمل الحقوقي، وضمان عدم تكرار العمل على نفس الملفات بنفس المواضيع، وتوزيع المهام والملفات بين العاملين، ما يؤدي لزيادة التخصص والتأثير، ويقلل من إهدار الموارد البشرية والمالية، الشحيحة بالأساس، خاصة في هذا الظرف السياسي. نوع آخر من التشبيك يختلف عن التنسيق بين الكيانات الحقوقية، هو محاولة مد الجسور مع أصحاب المصلحة المباشرة من ضحايا وروابط تكونت للتباحث حول إمكانيات التأثير، من خلال العمل المشترك، ودعمهم لوجستيًا وقانونيًا. يكسر هذا حالة العزلة التي تعيشها الحركة الحقوقية بحكم تركيبتها، والتي عزّزت منها القيود المفروضة عليها، ويضمن التحامها مع الناس، عبر تقوية روابطهم الطبيعية وتحسين قدراتهم في الحصول على حقوقهم. خاتمة القول، يراهن النظام الحالي على قصر نفس المدافعين عن حقوق الانسان، واستسلامهم لحالة الحصار والقيود المفروضة على النشاط الحقوقي. وهذا ما يضع الحركة الحقوقية المصرية أمام مسؤولية تاريخية، بالوقوف أمام الانتهاكات المتزايدة من جانب الدولة ومحاولة إيقافها، أو على الأقل رصدها وتوثيقها انتظارًا لمرحلة سياسية وبيئة تشريعية مغايرة يمكن فيها تقديم المتورطين للعدالة واسترداد حقوق من تعرضوا للانتهاكات، يومًا ما.
في واقعة «علم قوس قزح» اتهامات بالانضمام لـ«جماعة المثليين».. ومتهمة تتعرض للضرب مصطفى محيي ٣ أكتوبر ٢٠١٧ قررت نيابة أمن الدولة العليا أمس، الإثنين، حبس سارة حجازي وأحمد علاء ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات في واقعة رفع علم «قوس قزح» المُعبر عن التنوع في الميول الجنسية، خلال حفل «مشروع ليلى» يوم ٢٢ سبتمبر الماضي. استمر التحقيق مع سارة حجازي نحو ست ساعات، بحسب المحامية دعاء مصطفى، التي أضافت أن سارة أصابها الذعر عندما علمت قرار النيابة بعودتها إلى محبسها بقسم شرطة السيدة زينب بسبب تعرضها للضرب على يد عدد من السجينات. وقالت المحامية إن سارة أظهرت آثار الضرب الذي تعرضت له، بعدما قام عدد من أفراد قسم الشرطة بإخبار السجينات أنها محتجزة على ذمة إحدى قضايا المثليين. ووجهت النيابة إلى سارة وعلاء اتهامات بالانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون والدستور هدفها الإضرار بالسلم الاجتماعي، والترويج لأفكار هذه الجماعة من خلال طرق العلانية، والتحريض على الفسق والفجور في المجتمع. وقالت المحامية إن المُحقق سأل حجازي إن كانت «مثلية»، وهو ما ردت عليه بالنفي مؤكدة أنها تدعم حقوق المثليين فحسب. كما سألها عن أشخاص بعينهم وجدهم بصفحتها على موقع «فيسبوك» فأنكرت معرفتها بهم خارج مواقع التواصل الاجتماعي، كما نفت معرفتها أي شيء بخصوص هويتهم الجنسية. وأنكرت سارة علاقتها بالصور المنسوبة إليها والتي تُظهر فتاة من ظهرها رافعة علم «قوس قزح» في حفل «مشروع ليلى». وبالتوازي مع التحقيق مع سارة، باشر مُحقق آخر التحقيق مع أحمد علاء المتهم بنفس المحضر رقم ٩١٦ حصر نيابة أمن الدولة العليا. واستمر التحقيق معه نحو أربع ساعات، بحسب محاميه رمضان محمد. وقال المحامي إن النيابة سألت موكله عن ميوله الجنسية فنفى أن يكون مثليًا، مضيفًا «لست من مُجتمع المثليين، لكن قناعتي الشخصية أن كل شخص حر طالما لا يؤذي غيره. ولا أعرف أي من مجتمع المثليين بشكل شخصي»، بحسب المحامي. وأضاف محمد أن النيابة سألت موكله عن واقعة رفع العلم في الحفل، فأجاب أن ما حدث كان بمحض الصدفة، دون ترتيب مُسبق. وأن العلم لم يكن معه في البداية، بل أخده من شخص آخر بجانبه ورفعه بشكل عفوي، بحسب المحامي. وعندما وجه المُحقق سؤالًا لعلاء عما رآه تعارضًا بين «قبوله وجود المثليين» وحفظه للقرآن الذي وردت به آيات «تدين المثلية»، بحسب المحقق، أجاب علاء بأن «الدولة تسمح ببيع الخمور رغم تحريمها، وأن قناعته أن كل شخص حر طالما لا يؤذي غيره، وأن حساب الأشخاص في النهاية عند ربهم»، بحسب ما نقله المحامي. وعلّق محمد أن موكله في المُجمل نفى عن نفسه الانتماء لأي تنظيم أو للمجتمع المثلي، كما نفى عن نفسه تهمة التحريض أو الترويج لأي شيء، مضيفًا أن «القانون لا يعاقب على القناعات الشخصية، فضلًا عن أنه لا يعاقب على الممارسات الجنسية الشخصية». وأكد أن الاتهامات جاءت بهذا الشكل لكي يصبح ممكنًا مقاضاة موكله، واصفًا من تم تقديمهم للمحاكمة بتهم مُتعلقة بالهوية الجنسية بأنهم «كبش فداء» بعد «الهجوم من الإعلام والشخصيات العامة الذي جاء عقب واقعة رفع العلم»، وحمّل ذلك الهجوم المسؤولية عن حملة الاعتقالات الأخيرة. ونقلت صحيفة «اليوم السابع» عن مصادر قانونية أن «تحريات الأمن توصلت إلى بعض المتهمين في القضية تلقوا تمويلات من بعض الجهات الخارجية، لتنفيذ مخطط لنشر أفكار تدعو إلى هدم المجتمع ونشر أفكار منافية للآداب العامة والأخلاق، من خلال ما يُسمي بمنظمات حقوقية وحركات تدعو إلى الحريات. وأن رفع هذه الأعلام في الحفل كان لتوجيه رسالة لهذه المنظمات بأن تنفيذ المخطط مستمر». وأضافت الصحيفة نقلا عن مصادرها أن «النيابة استعجلت الجهات الأمنية لإنهاء تحرياتها النهائية حول المتهمين، وضبط المتهمين الهاربين، وكذلك إمداد جهات التحقيق بشبكات (الشذوذ الجنسي) التي تم ضبطها مؤخرًا للتأكد من وجود علاقة اتصال بين المتهمين المتورطين في هذه القضايا، ومعرفة وجود مصادر للتمويل التي كشفت عنها التحريات الأولية». وشنت قوات اﻷمن حملة أمنية خلال الأسبوع الماضي، عقب واقعة رفع علم «قوس قزح» خلال حفل «مشروع ليلى» يوم ٢٢ سبتمبر الماضي. واستهدفت مواطنين بناءً على شكوك تجاه هويتهم الجنسية، ليبلغ عدد المقبوض عليهم حتى أمس نحو ٣٣ شخصًا على الأقل، بحسب مصادر حقوقية وإعلامية، في حين لم تتوافر أي بيانات رسمية حكومية حول حجم الحملة اﻷمنية، وتضاربت اﻷرقام المنشورة، في تقارير إعلامية مختلفة، حول عدد المُستهدَفين منها. ونشرت الصفحة الرسمية لفرقة «مشروع ليلى» على فيسبوك بيانًا أدانت فيه الحملة الأمنية الأخيرة. وجاء في البيان «لا يمكننا أن نصف كم الحزن والإحباط الذي نشعر به إزاء هيمنة الطغيان الرجعي مرّة جديدة على أقرب البلدان والجماهير إلى قلوبنا. يستحيل فصل حالة القمع القائمة حاليًا عن حالة الخوف والترهيب والانتهاك التي يتعرض لها المصريين والمصريّات بشكل يومي بغض النظر عن ميولهم ن وهويّاتهم ـهن الجنسيّة. ندين تجريم أي أفعال تحصل بالتراضي بين بالغين متوافقين فيمَ بينهما». وحمّل البيان المؤسسات الصحفية والإعلامية المسؤولية عن «المأساة التي ولّدتها»، ودعاها إلى التراجع عن «الأكاذيب التحريضية التي نشرتها على مدى الأيام العشرة الأخيرة». وأدان «بشدّة خطاب الكراهية والأكاذيب الصادرة عن الحكومة والإعلام على حدّ سواء». وطالب البيان «كل منتجي الثقافة، والنشطاء، والموسيقيين ات، خارج وداخل مصر، إلى التعبير والتصريح عن تضامنهم مع المجتمع المصري في ظل هذه المرحلة الصعبة. المسألة أشد خطورة من أن نتجاهلها. نحن بحاجة إلى إنتاج حركة تضامن دولية عازمة على الضغط على النظام المصري لوقف مطاراداته وملاحقاته، ومطالبته بالإفراج الفوري عن كل الموقوفين والموقوفات». وأضاف البيان «نذكّر الدولة المصرية وجهاز الأمن المصري بأنهم طرف في المعاهدة الدوليّة للحقوق السياسية والمدنية، وبأن اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب تصنف الفحوصات الشرجية القسرية كنوع من أنواع التعذيب». كانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت بيانًا يوم السبت الماضي، وصفت فيه الفحوص التي ينتظر أن يُجريها الطب الشرعي على المتهمين للتأكد من ممارستهم لجنس مثلي بأنها «تنتهك ما ينص عليه القانون الدولي فيما يخص مكافحة التعذيب». واعتبرت ناجية بونيم، مدير الحملات بشمال أفريقيا بالمنظمة، قرار النائب العام المصري بمنح اﻷولوية لاستهداف مواطنين بناءً على توجهاتهم الجنسية المفترضة أمر «بائس بشدة».