مدى مصر

قبل يوم من حكم «الجنايات».. ٤ نقاط لفهم قضية «إهانة القضاء» مدى مصر ٢٩ سبتمبر ٢١٧ طوال ٢٨ شهرًا، نظرت محكمة جنايات القاهرة جلسات القضية المعروفة إعلاميًا باسم «إهانة القضاء»، ومن المنتظر أن تُصدر حكمها غدًا، السبت. يمثل أمام المحكمة في القضية ٢٥ متهمًا من طيف سياسي واسع يبدأ برئيس الجمهورية الأسبق محمد مرسي، وعدد كبير من قيادات الإسلام السياسي مثل محمد بديع ومحمد البلتاجي وسعد الكتاتني وصبحي صالح وعصام سلطان، وصولًا إلى الإعلامي توفيق عكاشة والبرلماني السابق حمدي الفخراني والمحامي أمير سالم والكاتب الصحفي عبدالحليم قنديل، مرورًا بالباحث السياسي عمرو حمزاوي والناشط السياسي علاء عبدالفتاح والبرلماني السابق مصطفى النجار والقاضي محمود الخضيري. مرّت القضية بعدد من الأنظمة السياسية. بدأت في فترة حكم الإخوان المسلمين عندما أصدر وزير العدل المستشار محمود مكي قرارا بانتداب المستشار ثروت حماد، رئيس بمحكمة استئناف القاهرة، للتحقيق في البلاغات المقدمة بشأن قيام عدد من الصحف ووسائل الإعلام، بإهانة رجال القضاء عبر موضوعات صحفية وبرامج تلفزيونية، وخرج بعض المتهمين من دائرة الاتهام، وأنضم متهمون جدد منذ ذلك الوقت بسبب وقائع بعضها في ٢٠١٢ واخرى في ٢٠١٣. واستمر التحقيق لمدة سنتين حتى إحالة الدعوى في ١٩ يناير ٢٠١٤، خلال فترة الرئاسة المؤقتة للمستشار عدلي منصور، إلى محكمة جنايات القاهرة، بعد إضافة عدد من المتهمين على رأسهم الرئيس الأسبق محمد مرسي، لتبدأ أولى جلسات محاكمة المتهمين بالقضية في عهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي في ٢٣ مايو ٢٠١٥. تمثل معظم الوقائع التي يُحاكم بسببها المتهمين، إما تصريحات صحفية وإعلامية تعليقًا على أداء مؤسسات القضاء بشكل عام، أو تعليقًا على حكم محكمة الجنايات في «محاكمة القرن»، أو ما قاله برلمانيون سابقون تحت قبة البرلمان، أو تغريدات على موقع تويتر منسوبة إلى متهمين. • يواجه عدد من البرلمانيين السابقين من أعضاء مجلس الشعب المُنتخب في ٢٠١١ اتهامات بإهانة القضاء بناء على كلمات أدلوا بها في جلسات البرلمان، التي كانت مذاعة وقتها على قناة «صوت الشعب» الفضائية. وضمن هؤلاء مصطفى النجار، وعصام سلطان، وصبحي صالح، ومحمد البلتاجي، ومحمد العمدة، ومحمود السقا، الذي رأس الجلسة الافتتاحية لبرلمان ٢٠١١ بصفته أكبر الأعضاء سنًا. • جاء مُعظم شهود الإثبات في القضية من الإعلاميين والصحفيين، الذين اعتمد قضاة التحقيق على تسجيلات برامجهم أو الأخبار والحوارات التي نشروها لتوجيه الاتهامات للمتهمين. وكانت جهات التحقيق وجهت لهم تهم إهانة القضاء ببداية التحقيقات ثم تغير وضعهم لشهود خلال التحقيقات، وضمت قائمة الإعلاميين الذين استدعاهم قضاة التحقيق للشهادة نحو ١٨ إعلاميًا وإعلامية، من بينهم وائل الإبراشي وهالة سرحان ولميس الحديدي وأماني الخياط وخالد صلاح وخيري رمضان ودينا عبدالرحمن ومحمود سعد. وجاءت شهادات هؤلاء في معظمها لتأكيد ما جاء في تسجيلات برامجهم، وملابسات كل حلقة على حدة. • يُحاكم المستشار محمود الخضيري، نائب رئيس محكمة النقض السابق، بسبب تصريحات عديدة وجه فيها اتهامات لعدد من القضاة بالضلوع في «تزوير الانتخابات البرلمانية في ٢٠٠٥ و٢٠١٠». وجاءت معظم هذه التصريحات إما في حوارات تليفزيونية وصحفية أو ندوات عامة، وإحداها بجلسة لمجلس الشعب في شهر يونيو ٢٠١٢، عقب الحكم على الرئيس الأسبق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من مساعديه. وطالب «الخضيري» في معظم هذه التصريحات باستبعاد القضاة «المتورطين في تزوير الانتخابات البرلمانية في دورتي ٢٠٠٥ و٢٠١٠» من العمل القضائي، متهمًا هؤلاء بـ«التزوير» لصالح الحزب الوطني الحاكم وقتها. • يواجه علاء عبدالفتاح اتهامات بإهانة القضاء بناء على صورة ضوئية لتغريدة منسوبة لـ«عبدالفتاح» جاءت ضمن البلاغ المُقدم من نادي قضاة أسيوط ضد عدد من المتهمين بالقضية. كما اعتمد قضاة التحقيق على صورة لتغريدة أخرى مُرفقة بخبر منشور بجريدة الوفد، وتكرر الأمر مع عمرو حمزاوي، الذي قدمت النيابة صورة لتغريدة منسوبة له تعليقًا على حكم قضية منظمات المجتمع المدني في ٢٠١١، واستندت إلى شهادة أحد الشهود أن «حمزاوي» نشر التغريدة. وجاء في التقرير الفني الذي أعدته إدارة مباحث مكافحة جرائم الحاسبات والمعلومات، أن الإدارة لم تتمكن من التأكد من وجود هذه التغريدات على الحسابات المنسوبة لـ«حمزاوي» و«عبدالفتاح»، فضلًا عن أنها لم تتأكد من صلة المتهمين بالحسابين على تويتر.
التركة الصعبة لماذا لم نعد نضحك يا علاء؟ سامية جاهين ٢٩ سبتمبر ٢٠١٧ «لماذا نخاف الاعتراف بالضعف؟ بأننا بشر تفرمنا المدرعات وتخيفنا وتوحشنا السجون ويشوه الرصاص أفكارنا وأحلامنا، بشر يتكبدون الهزائم وتخذلهم أجسادهم وتضعفهم نفوسهم الأمّارة بالسوء، تحرقهم أحلامهم وتشلّهم كوابيسهم.. بشر يبحثون عمن يساعدهم على اليأس بالحب!!» من نص «جرافيتي لشخصين» اللي كتبه علاء من محبسه مع أحمد دومة في يناير ٢٠١٤ عارف يا علاء؟ الناس بتسألني «هو علاء لسه محبوس؟ في قضية إيه؟ طيب قضّى قد إيه من المدة؟ طيب يعني فيه أمل يخرج قريب؟» وأنا، ما أكدبش عليك، بقيت أتلخبط وأعْطل وما أعرفش أرد، أو يمكن باطرد التفاصيل من دماغي ومش عايزة أركز فيها. مش عايزة أقعد أحسبها وأعرف إنت بقالك قد إيه مسجون ولسا لك قد إيه، وممكن يتحكم عليك بإيه في القضايا الجديدة اللي ملفقينها لك. مش عايزة أواجه نفسي بحقيقة إنك بقالك «سنين» معزول عننا تمامًا. لا بنقدر نتواصل بجوابات ولا حتى بيسمحوا لك بدخول كتب ومجلات ومقالات. من أسبوع علاء ابني، اللي اتولد وانت في الحبس، دخل الحضانة. وفجأة أدركت إنه بقى عنده سنتين وخمس شهور وإنت لسا ما شفتهوش. وبعدين قلت لنفسي إيه الأنانية دي؟ إذا كان إبنَك خالد نفسه اللي قضاه من عمره معاك أقل من اللي قضاه من غيرك، ويا عالم حترجع لحضنه إمتى؟ وافتكرت اللي كتبته مرة منى سيف «غيابهم ما يتحسبش بالأيام، غيابهم يتحسب باللحظات. فيه لحظة لو راحت ما ترجعش ولا تتعوض بسنين لقا وأحضان (..) ما تحسبوش غيابهم بالأيام. احسبوه باللحظات. وفيه لحظات بيروح فيها عمر.» في ٢٠١٤، لما كنا لسه بنقدر نتواصل بالجوابات ونبعتلك كتب، بعتلك قصيدة، بابا كتبها لرفاقه لما كانوا في سجن الواحات، اسمها «غنوة برمهات»، قصيدة بيعبّر فيها عن ألمه وعجزه وحبه واشتياقه ليهم وكرهه لظُلمهم. «ملعون في كل كتاب يا داء السكوت.. ملعون في كل كتاب يا داء الخرس». حكيت لي ساعتها إنك ألقيت القصيدة على زمايلك في «إذاعة العنبر» لما كنتم بتكلموا بعض من شرّاعات الزنازين المتجاورة. على قد ما اتأثرت وحسيت بـ«رومانسية» الموقف، حزنت وتألمت إن أنا وانت الأبناء بنمر بنفس اللي أهالينا مروا بيه. بعدها بفترة قلت لي في جواب «أنا معلق صورة خالد وفطومة وهما حاضنين بعض على حيطة الزنزانة، ربنا يحميهم ويقدّرهم على التركة الصعبة… باباكي وحشني، مش حتقترحي عليّا قصيدة جديدة؟» إنت وحشتنا جدًا يا علاء. وحشتنا مقالاتك وكتاباتك على السوشيال ميديا، وحشتنا قدرتك على المهاتية والمناقشة مع الناس، وحشني حتى الاختلاف والجدال معاك. وحشتني سخريتك اللاذعة ودفاعك باستماتة عن «الحق في الضحك» «الحق في الضحك هو الحق الوحيد اللي عمر دولتهم ما عرفت تسلبه مننا، السخرية من السلطة وألاضيشها سلاح المقاومة اللي عمرنا ما اتخلينا عنه. بدائل باهتة يمكن للحق في السعادة اللي محرومين منه تمامًا، لكن تستحق أن ندافع عنها. » بنحاول والله يا علاء ندافع عن حقنا في الضحك، مع إن وحياتك ما بقى فيه حاجة تضحّك خالص! بنحاول كمان نمشي على دربك ونفضل نشاور على الظلم ونفضح الظالم ونطالب بحقوقنا. بنعترف بهزائمنا ونحاول نفرح بانتصاراتنا الصغيرة ونراجع نفسنا عند كل مفرق. سقف طموحنا صحيح عمّال يوطى لغاية ما قرب يطبق على نفسنا، لكن «لسّا جوه القلب أمل».
مقتل خفير نظامي ومواطن برصاص مجهولين في حادثين منفصلين بالعريش مراد حجازي ٢٩ سبتمبر ٢٠١٧ قتل مسلحون مجهولون، اليوم الجمعة، خفير نظامي بالمعاش ومواطن، بحادثتين منفصلين في مدينة العريش. وقال شاهد عيان، إن مسلحين باغتوا شخصًا أثناء سيرة في طريق فرعي خلف منطقة «سوق السمك»، وسط مدينة العريش، وأطلقوا عليه وابلًا من الرصاص فأردوه قتيلًا في الحال. وقال مصدر أمني، إن القتيل كان يعمل خفير نظامي تابع لمديرية أمن شمال سيناء، ولكنه بلغ سن المعاش منذ فترة. وفي حادثة أخرى، قتل مواطن بالقرب من منطقة «عاطف السادات» غرب مدينة العريش. وذكر شاهد عيان، أن مسلحين اعترضوا طريقه أثناء سيره وأطلقوا عليه ثلاثة رصاصات في الرأس والصدر، نقل على إثرها إلى مستشفى العريش العام. وأوضح مصدر طبي في المستشفي، أنه لفظ أنفاسه الأخيرة بعد فشل الفرق الطبية في إنقاذه. ويذكر، أن يومي الخميس والجمعة الماضيين شهدت مدينة العريش أحداث مماثلة، نفذها مسلحون مجهولون وسط المدينة، حيث قتل مواطنين اثنين وأصيب ثالث وأختطف شاب لا يزال مصيره مجهول حتى الآن.
منصة الجونة السينمائية نقاشات عن التمويل ومعايير المنح الإنتاجية أحمد رفعت ٢٤ سبتمبر ٢٠١٧ في إطار اهتمام «برنامج منصة الجونة السينمائية» بمناقشة إشكاليات التمويل والتوزيع لصنّاع الأفلام المبتدئين، بدأ البرنامج فعالياته يوم السبت ٢٣ سبتمبر، بمحاضرات وورش عمل تندرج تحت البرنامج العام لـ«جسر الجونة السينمائي» وتحاول الإجابة على الأسئلة المُلحّة، ككيفية إدارة عملية إنتاج الأفلام، وكيفية تسويقها بعد ذلك. اهتمّت المحاضرات بمناقشة الجوانب التقنية للصناعة، متجنّبة الخوض في العوائق السياسية وتدخلات الدولة بشكل عام. بجانب اللقاءات العامة، نظّم البرنامج لقاءً مغلقًا لأصحاب مشاريع الأفلام تحت التطوير، والمُختارة من قِبل اللجنة المنظمة للمهرجان، مع عدد من ممثلي الصناعة المحترفين في العالم، من منتجين وموزعين ومبرمجي مهرجانات عالمية، بالإضافة لممثلي الجهات المانحة والداعمة للمشاريع السينمائية في المنطقة. ومن المفترض أن يجري اختيار مشاريع فائزة من بينها، للحصول على منح إنتاجية لإكمال الأفلام، كما تُفصِح السبع جوائز المادية التي يقدمها المهرجان والممولين الآخرين والتي تتراوح بين ٥ آلاف و ٢٠ آلف دولار، عن جدية البرنامج والرغبة في لعب دور فاعل في المشهد الإنتاجي والتوزيعي المحلي والإقليمي. كيف توزّع فيلمك نصائح عملية في الإنتاج والتوزيع أولى الفعاليات العامة كانت محاضرة للإيطالي أندريا إيرفولينو (٢٩ عامًا) الحائز على جائزة أفضل مُنتج بمهرجان فينيسيا السينمائي في دورته الـ٧١، أيضًا من اختارته وزارة الثقافة الإيطالية ليكون «سفير السينما الإيطالية في العالم». سَبقت المحاضرة فيديو تعريفي بالمنتج الشاب يستعرض فيه قصة كفاحه بدءًا من طفولته، التي وصفها بـ«الصعبة»، وصولًا لتوليه مسؤولية إنتاج أفلام مهمة مثل«تاجر البندقية» بطولة آل باتشينو، و«موسيقى الصمت» بطولة أنطونيو بانديراس، وهو الفيلم الذي يُعرض بالمهرجان. بدأ إيرفولينو حياته العملية في وقتٍ مبكر، وبتجربة مثيرة للاهتمام، فحين كان طالبًا، طوّر نظامًا للتوزيع يقوم على عروض صباحية لطلبة المدارس بدور السينما. ولما كان طموحه أكبر من ذلك، سعى إيرفولينو لدخول عالم الإنتاج والتوزيع «الحقيقي» من خلال الشراكة مع شركة إنتاج وتوزيع إيطالية. وفيما يخص وضع ميزانية الأفلام، اختصر إيرفولينو نصائحه للمنتجين في ثلاث نقاط؛ أولًا وضع عينهم على الجمهور المستهدف من حيثُ نوعه وسنّه وحجمه، وثانيًا حساب توقع العائد من مبيعات الفيلم بناءً على هذه الدراسة، وثالثًا اتخاذ منتج أو منتجة الفيلم القرار ارتكازًا على تقدير المبيعات، بما يمكنه من تحديد إذا كانت الميزانية المتاحة للإنتاج قادرة على صنع فيلم جيد بهامش ربح أم لا. أما عن مرحلة التوزيع، فيرى إيرفولينو أنه من المهم تنويع ما يمتلكونه من أفلام، وعدم التفريط في حقوق الأفلام، أي عدم بيعها بشكل نهائي، بحيثُ تظل تشكل مصدرًا مدرًا للربح لأطول فترة ممكنة، من خلال حقوق العرض المتجددة والتي دخل فيها مؤخرًا التوزيع الرقمي. كيف تموّل فيلمك معايير المنح الإنتاجية الأوروبية وتحيّزاتها أما ثاني الفعاليات العامة، فعُقِدت تحت عنوان «كيف تُموّل فيلمك مُموّلو الأفلام في نقاش» وضمّت ميردو شاندرا، كممثلة عن مؤسسة تريبكا للفيلم بنيويورك، وجوليان إزانو ممثلًا عن المركز الوطني للسينما والصور المتحركة بفرنسا، وكارين أنجيلا من منحة روبرت بوش للفيلم وجوناثان دي سيلفا من مؤسسة هوت دوكس الكندية، وأدار النقاش جاد أبي خليل المخرج والعضو المؤسس لمنصة بيروت السينمائية. في البداية، قدّم كل من المتحدثين والمتحدثات مداخلة عن معايير انتخاب الأفلام المرشّحة للدعم المُقدّم من قبل مؤسساتهم، ثم فُتِح بعد ذلك النقاش للجمهور. طالب السؤال الأول بتقديم رؤية أكثر تفصيلية عن المحددات الأساسية لعملية الاختيار، وتنوعت الإجابات بين أولوية دعم تمثيل المرأة والمجموعات العرقية المختلفة في حال مؤسسة تريبكا، أو ضرورة الشراكة مع منتج ألماني في حال منحة «روبرت بوش»، لكن أغلب المتحدثين أجمعوا على ضرورة امتلاك الفيلم بُعدًا «عالميًا» يُسهّل على من خارج المنطقة العربية وإفريقيا استيعابه والتعاطي معه. من جانبه، توجه المخرج والأديب التونسي الكبير ناصر خمير؛ والذي يُعرض فيلمه «الهائمون» ضمن برنامج المهرجان الخاص؛ للمحاضرين بسؤال عن توجه بعض المؤسسات المانحة لدعم نوعية أفلام محددة، وكيف يُضعف فرص تواجد أفلام أخرى محلية لا تحظى بهذا الدعم، ولم يقتصر تساؤل خمير على تحكُم تلك المؤسسات في فُرص الإنتاج ولكن على تحكمهم في التوزيع كذلك. اعترض ممثلو المؤسسات على افتراضات خمير، المنطوية على اتهام ضمني باختيار الأفلام المتوقع لها أن تلقى توزيعًا عالميًا، مشيرين إلى الدور الإيجابي الذي تلعبه منظمات الدعم والتمويل والمهرجانات في إيصال أصوات صناع الأفلام المحليين للعالم الخارجي، بدلًا من دعم فنانين وفنانات من أوروبا لصنع أفلام عن واقع بعيد عنهم ن. بجانب رفض مناقشة حساسية الدور الذي تلعبه الجهات الدولية المانحة في تشكيل مرئية الأفلام المحلية، لم يتطرّق أي من الممثلين عن تلك الجهات، خاصة تلك التي تقدّم دَعمًا حكوميًا كالمركز الوطني الفرنسي، للدور الذي تلعبه تعقيدات السياسة الرسمية الخارجية لتلك الدول في صياغة معاييرها تجاه الأفلام المقدّمة أو النشاط الثقافي المدعوم من أوروبا بشكل عام، رغم أن تلك النقاشات تأتي في توقيت حساس، يزور فيه المنطقة ممثلون حكوميون أوروبيون، بشكلٍ دوري، لعقد اتفاقات غير معلَن أغلبها، عن سياسات الهجرة لدول جنوب البحر المتوسط.
الاتصالات تنتقل إلى الجيل الرابع .. ما الفرق؟ محمد حمامة ٢٨ سبتمبر ٢٠١٧ بعد ترقب طال سنوات، تنطلق خدمات الجيل الرابع للمحمول اليوم، الخميس، في احتفالية كبرى بمنطقة «الصوت والضوء» بالأهرامات بحضور رئيس مجلس الوزراء، شريف إسماعيل، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ياسر القاضي، بحسب وكالة اﻷنباء الرسمية. وبحسب البيانات الرسمية المتاحة، فإن الترددات الممنوحة لتشغيل الجيل الرابع في مصر ٤٠ ميجاهرتز تتشارك فيها الشركات اﻷربعة، على الرغم من أن المعايير العالمية تتطلب ٦٠ ١٢٠ ميجاهرتز لكل شركة على حِدَة. كانت شركة «أورانج» مصر قد أعلنت عن استقبالها ترددات الجيل الرابع لخدمات المحمول، اليوم الخميس، بحسب بيان نشرته رويترز أمس. وتزامن اﻹعلان عن بدء خدمات الجيل الرابع مع بدء الشركة المصرية للاتصالات طرح خدماتها للتليفون المحمول قبل أيام. تأتي هذه الخطوة بعد انتظار طال عدة شهور منذ وقعت شركات المحمول مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات عقود الحصول على الترددات الجديدة اللازمة لتشغيل الخدمة، وذلك بسبب خلافات بين شركات المحمول الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. ما هو الجيل الرابع؟ في عالم الاتصالات، يتميز كل جيل من التكنولوجيا عما سبقه بتغير جذري في طبيعة الخدمة، وارتفاع سرعة نقل البيانات، ومدى أوسع من الترددات. اعتمدت تكنولوجيا الجيل اﻷول على اﻹشارات التناظرية Analog. الجيل الثاني جاء انتقالًا إلى اﻹشارات الرقمية، تلاه الجيل الثالث في بداية اﻷلفية الجديدة وتميز بنقل الوسائط المتعددة وسرعة أكبر في معدل نقل البيانات، ثم الجيل الرابع والذي يعتمد على بروتوكول اﻹنترنت Internet protocol كأساس لكل عمليات الاتصال بما يفتح الباب أمام سرعة نقل بيانات أكبر بكثير. وتحددت معايير الجيل الرابع من تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية الخلوية بواسطة الاتحاد الدولي للاتصالات والتي أطلقتها عام ٢٠٠٨ تحت اسم «الدولية للاتصالات المتنقلة المتقدمة» للتليفونات المحمولة وخدمات اﻹنترنت. وتتطلب معايير الجيل الرابع معدلًا لنقل البيانات بسرعة لا تقل عن ١٠٠ ميجابِت ثانية إذا كان المستقبل في حالة حركة، ترتفع إلى ١ جيجابِت ثانية إذا كان في حالة سكون. ويبلغ متوسط سرعة اﻹنترنت على الموبايل في مصر ٧.٧٥ ميجابِت ثانية، بحسب التقرير السنوي لخدمة Speed Test المنشور في أبريل الماضي. ويعني هذا أنه يفترض أن تزيد سرعة اﻹنترنت بعد بدء خدمات الجيل الرابع، أكثر من عشرة أضعاف على أقل تقدير. يعتمد تطبيق خدمات الجيل الرابع من ناحية مقدمي الخدمة على نقطتين أساسيتين اﻷولى هي التكنولوجيا المستخدمة في تشغيلها، والثانية هي الترددات المتاحة لعملية التشغيل. فيما يتعلق بالتكنولوجيا، يعتمد سوق خدمات الجيل الرابع على أحد نوعين من التكنولوجيا Mobile WiMAX و LTE Advanced. وحدد الاتحاد الدولي لمشغلي شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية GSMA سعة ترددية تتراوح بين ٦٠ ١٢٠ ميجاهرتز لكل مقدم من مقدمي الخدمة كي يتمكن من توصيل الخدمة بشكل لائق. هل بدأت الخدمة؟ يتطلب التمتع بخدمات الجيل الرابع أن يكون جهاز المحمول داعمًا لها، كما يتطلب تغيير شريحة خط التليفون بأخرى جديدة. يعني هذا أن قطاعًا صغيرًا من مالكي أجهزة المحمول الحديثة هم من سيتمكنون من الاستمتاع بالخدمة. كما سيبدأ طرح الخدمة تدريجيًا في مختلف المناطق الجغرافية، وهو ما يعني أن استخدام خدمات الجيل الرابع سيقتصر على اﻷماكن التي يبدأ تنفيذها فيها. لم تنتظر شركات المحمول الانتهاء من التجهيزات التكنولوجية وإخلاء الترددات قبل البدء في تسويق خدمات الجيل الرابع. أطلقت شركتا فودافون وأورانج حملات دعائية ادعت تقديمها أسرع خدمات الجيل الرابع في مصر. وفي رد فعل، قرر جهاز حماية المستهلك إحالة شركتي أورانج وفودافون إلى النيابة العامة، في يناير الماضي، وذلك لتضليلهما المستهلكين وإمدادهم بمعلومات غير صحيحة، وأوضح «حماية المستهلك» أنه خاطب الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات للاستفسار عن مدى صحة الادعاءات الواردة بإعلانات الشركتين، مشيرًا إلى أن «القومي للاتصالات» أفاد بأن ادعاء الشركتين أنهما أسرع شبكة ٤G عبارة عن «حملة ترويجية لخدمات الجيل الرابع، والتي لم يتم إطلاقها بشكل تجاري حتى الآن، ولهذا فإن مضمون ومحتوى هذه الحملات هو مجرد وعود من الشركتين لجذب انتباه المستهلكين إلى الخدمة الجديدة التي سيتم تقديمها في السوق المصري». توقفت الحملات وقتها، لكنها عادت، قبل أيام، استعدادًا ﻹطلاق الخدمة. أرسلت شركات المحمول رسائل ترويجية لعملائها في المناطق التي تنتظر تطبيق خدمات الجيل الرابع بها القاهرة الكبرى بشكل أساسي لتشجيعهم على تغيير الشرائح استعدادًا ﻹطلاقها. وتتسلم شركات الاتصالات الأربعة اليوم الترددات الجديدة بشكل رسمي، حيث من المفترض أن تبدأ إطلاق خدمات الجيل الرابع. أزمة الترددات أثارت الترددات التي وفرها الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لشركات المحمول لبدء تشغيل الجيل الرابع أزمة كبيرة بين الحكومة المصرية من جهة، وشركات الاتصالات من جهة أخرى. كانت الشركة المصرية للاتصالات قد وقعت، في أغسطس ٢٠١٦، مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات العقود النهائية للحصول على تراخيص إنشاء وتشغيل شبكات الجيل الرابع مقابل ٧.٠٨ مليار جنيه. وفي أكتوبر من العام ذاته، وقعت أورانج مصر واتصالات مصر وفودافون مصر عقودها. وعلى الرغم من توقيع العقود ووعود وزير الاتصالات بتشغيل خدمات الجيل الرابع بحلول مارس الماضي، إلا أن خلافات حول مدى الترددات التي تحصل عليها الشركات تسبب في هذا التأخير. بلغ إجمالي الترددات الممنوحة للجيل الرابع ٤٠ ميجاهرتز تتوزع بواقع ١٥ ميجاهرتز للمصرية للاتصالات، و١٠ ميجاهرتز لشركة أورانج، ومثلها لشركة اتصالات، و٥ ميجاهرتز لشركة فودافون. لكن سعة الترددات الممنوحة للشركات في مصر لا تكفي لتشغيل خدمات الجيل الرابع بكفاءة، بحسب الاتحاد الدولي لمشغلي شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية. في بيان أصدره في سبتمبر من العام الماضي قبل توقيع العقود طالب جون جيستي، مسؤول العمليات التنظيمية في الاتحاد، الحكومة المصرية بـ «زيادة الطيف الترددي الممنوح لمشغلي المحمول لتسريع طرح خدمات الجيل الرابع في مصر». وأضاف جيتسي أن الاتحاد يؤمن بشدة أن «الوصول إلى شروط ترخيص منقحة عبر عملية تشاورية شفافة مع الصناعة سيخدم المستهلكين ويساعد تطور قطاع الاتصالات في مصر». لم تستجب الحكومة لهذه الطلبات، لكن مصدر مسؤول في وزارة الاتصالات صرح لجريدة المال أن وزير الاتصالات وعد الشركات بزيادة سعة الترددات الممنوحة لها بعد توقيعها على بنود الرخصة. وفي مايو الماضي، أبلغ الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات شركات المحمول بإخلاء الترددات الممنوحة للجيل الرابع من الجهات السيادية الشاغلة لها، بحسب جريدة المال.
مستقبل «البيتكوين» في مصر التناول القانوني (٢) أحمد القهوجي ٢٨ سبتمبر ٢٠١٧ في المقال السابق تناولت التعريف التقني للبيتكوين، حيث تبينت لنا من خصائصه المنافع الإقتصادية العديدة التي يوفرها استخدامه، وهي الخصائص ذاتها التي تجعله أداة مفضلة للمجرمين، ولا سيما في مجال غسل الأموال، فضلًا عن الاتجار بالسلع غير المشروعة، كما أن اللامركزية الهيكلية للبيتكوين وقيمته المتزايدة في السوق جعلا هذه العملة أداة للجرائم، ولا سيما السرقة والاختلاس. وقد أعدت مجموعة من المؤسسات المالية، مثل بنك فرنسا والسلطة المصرفية الأوروبية وغيرها، تقارير مختلفة لتوضيح المخاطر السابقة، سأعتمد عليها في التكييف القانوني للبيتكوين، لا سيما طرق استخدامه في ارتكاب الجرائم وموقف كل من المشرع والقاضي منه، وصولًا للإجابة على سؤال مستقبله في مصر. التعريف القانوني للبيتكوين من خلال المنهج المؤسسي، وبمعنى أصح وفقًا لأتباع نظرية «سيادة الدولة على العملة»، فإن السلطة الحصرية لخلق النقود تمارسها الدولة المركزية، فهذا ما يعطي العملة الوطنية فاعليتها في التعامل التجاري ودفع الضرائب وسداد الديون. على سبيل المثال، فإن قانون النقد الفرنسي والدستور الأمريكي يحددان اليورو والدولار على الترتيب كعملات وطنية لكل منهما، وفي مصر تقرر المادة ١٠٦ من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد أن «وحدة النقد فى جمهورية مصر العربية هى الجنيه المصرى، وينقسم الى مائة قرش». ونظرًا لأن عملية إصدار البيتكوين لا تجري من قبل البنوك المركزية لهذه الدول، فلا يمكن بالتالي أن يكون لها نفس وظائف العملة الوطنية السابق ذكرها، وهذا ما يذهب إليه أنصار هذه النظرية. من خلال المنهج الوظيفي، الذي يعبر عنه ببلاغة الإقتصادي فرنسيس والكر بصيغة «المال هو ما يفعله المال..Money is what money does»، يجب علينا النظر للخصائص الكلاسيكية للنقود من ناحية كونها وحدة للحساب، ووسيلة للقياس ومخزنًا للقيمة. هذا هو التحليل الذي اتبعته في ألمانيا هيئة الرقابة المالية، التي تعتبر البيتكوين وحدة حساب، أي «أداة مالية» بالمعنى المقصود في قانون البنوك. وعلى نفس المنوال، فإن محكمة تكساس الفيدرالية، في قضية «شايفرز ضد هيئة المال والبورصة.. SEC v. Shavers»، اعتبرت البيتكوين عملة حقيقية، لأنها تستخدم لشراء السلع والخدمات ويمكن استبدالها بالعملات التقليدية. وفي إحدى القضايا الجنائية عام ٢٠١٤، رفضت المحكمة الفيدرالية في نيويورك الحجة القائلة بأن البيتكوين ليس عملة بالمفهوم التقليدي، إذ أصر القضاة على أن البيتكوين يستخدم كمقياس للقيمة وكوسيط في المعاملات المالية. وفي فرنسا، يشترط القانون على مقدمي خدمات الدفع الإلكتروني الحصول على موافقة مسبقة من السلطة المركزية للرقابة المالية، وقد جرى التوسع في تفسير هذا الالتزام ليشمل مواقع تداول العملات الافتراضية. كما ذهبت السلطات الضريبية الفرنسية لاعتبار بيع البيتكوين وشرائه عملًا تجاريًا خاضعًا للضريبة التجارية، بنفس الطريقة المتبعة من هيئة الضرائب الأمريكية. من العرض السابق، يتضح إذن اتجاه الدول في الواقع العملي، لاعتبار البيتكوين نقودًا من الناحية الوظيفية، وبالتالي يصبح السؤال القادم هو هل هناك تماثل بين جرائم البيتكوين وجرائم النقود التقليدية؟ البيتكوين والقانون الجنائي • البيتكوين أداة الجريمة. في المقال السابق ذكرت مجموعة من الوقائع المختلفة التي يشكّل فيها البيتكوين وسيلة لارتكاب الجرائم، منها برامج الفدية ransomware، والتهديد بنشر المعلومات الخاصة كما في حالة ميت رومني. كما يتمثل شكل آخر من أشكال الإجرام في استخدام البيتكوين في موقع مثل «سوق الاغتيال..Assassination Market»، وهو منصة تمويل جماعي تسمح بالمساهمة بالبيتكوين في «جمعية للاغتيال» لمجموعة من السياسيين المختارين، وتقوم فكرة الموقع على توقع تاريخ موت الشخصيات المستهدفة، منهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي تصل جائزة اغتياله إلى أربعين بيتكوين، ما قد يدفع أحد المستخدمين لاغتياله في اليوم الذي اختاره حتى «يقبض الجمعية». ويندرج هذا النوع من التبرع الافتراضي تحت بند «التحريض» أو «المساعدة على القتل»، بحسب المادة ٤٠ من قانون العقوبات المصري. كما يؤدي الطابع السري لنظام عمل البيتكوين إلى تعقيد إمكانية تتبع هويات المستخدمين، بما يجعله أداة مثالية لغسل الأموال. وللقارئ أو القارئة، أن يتخيلا هنا تاجرًا للمخدرات اشترى بمتحصلات تجارته عددًا من البيتكوينات، واستطاع بذلك إخفاء المصدر غير الشرعي لأمواله، وبالتالي إدخالها في الدورة الاقتصادية الطبيعية، من خلال مئات ألاف المواقع التي تتيح التعامل بهذه العملة، مثل مايكروسوفت وأمازون وتسلا. وبدافع مكافحة هذا النوع من الإجرام، طالب المشرع في ألمانيا وأمريكا بضرورة حصول مواقع تداول البيتكوين على الموافقة المسبقة من سلطة مالية مركزية، بحيث تصبح ممارسة هذا النوع من النشاط التجاري، ودون الحصول على الموافقة، جريمة جنائية، بحسب المادة ٥٤ من قانون المصارف الألماني، والمادة ١٩٦٠ من الباب ١٨ من القانون الاتحادي للولايات المتحدة. هذا عن مواقع تداول البيتكوين، أما عن جريمة غسل الأموال ذاتها، فعلينا الالتفات لأحكام المحاكم الأمريكية في هذا الصدد، وأهمها قضية روس أولبريخت ضد الولايات المتحدة التي درستها محكمة نيويورك الفيدرالية عام ٢٠١٤. كان المتهم هنا هو مؤسس موقع «طريق الحرير.. silk road»، وهو موقع يستخدم البيتكوين للإتجار بالمخدرات والوثائق الرسمية المزورة، وغيرها من المنتجات غير المشروعة. حوكم أولبريخت على العديد من الأفعال، بما في ذلك الاتفاق على ارتكاب جريمة غسل الأموال. رفض محامي أولبريخت قرار الاتهام بحجة أن الوقائع لا يمكن تكييفها باعتبارها غسلًا للأموال، لأن جميع المعاملات جرت من خلال البيتكوين، وبالتالي لم تكن هناك «معاملة مالية» معترف بها قانونًا. ورفضت المحكمة الفيدرالية هذه الحجة بالقول إن البيتكوين يعتبر، من حيث الغرض والوظيفة، وسيلة للمعاملات يمكن إبدالها بالعملات التقليدية. في مصر، يحكم جريمة غسل الأموال نص المادة ١ من القانون رقم ٨٠ لسنة ٢٠٠٢، والذي يعرّف الجريمة بأنها «كل سلوك ينطوى على اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو ضمانها أو استثمارها أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب فى قيمتها»، إذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها فـى المادة ٢ من القانون، مثل الإتجار بالمخدرات وتمويل الإرهاب والدعارة. ولن يجد القاضي المصري أية صعوبة في تطبيق هذا النص على البيتكوين من اللحظة التي يعتبر فيها هذه العملة «أموالًا ذات قيمة مادية أو معنوية» في مفهوم القانون. • البيتكوين محل الجريمة. ومثلما يمكن استخدام البيتكون كأداة لارتكاب الجرائم، فهو قد يكون هدفًا للأنشطة الإجرامية مثل السرقة أو الاحتيال، ولعل قرصنة موقع تداول البيتكوين الشهير Mt Gox في ٢٠١٣ خير دليل على ذلك، فهذا الموقع كان ضحية سرقة تصل قيمتها إلى ٨.٧٥ مليون دولارًا، أو ما يقارب الواحد على ١٣ من مجموع عدد هذه العملة الافتراضية وقتها، ويمكن للقاضي المصري مواجهة هذا النوع من الحالات بتفعيل الترسانة القانونية التقليدية المتمثلة في نصوص تجريم السرقة، طالما اعتبر البيتكوين «مالًا منقولًا مملوًكا للغير»، بحسب المادة ٣١١ من قانون العقوبات. ولعل الحكم الصادر في ٢٠١٢ عن المحكمة العليا الهولندية مثير للاهتمام في هذا المجال، حيث تدور وقائع القضية حول اثنين من القصر، يبلغ أحدهما ١٤ سنة والثاني ١٥، اعتديا بالضرب على قاصر ثالث يبلغ ١٣ سنة، لحمله على تسليم ممتلكاته الإفتراضية في لعبة الإنترنت «RuneScape» إليهما، وكان هذا الأخير قد تحصل على العديد من الأشياء الثمينة في اليوم السابق، فأصابته العين الحاسدة في العالم الافتراضي. بعد أن رفض الصغير الانصياع لطلبات خاطفيه، قرر «المجرمان» تهديده بوضع سكين تحت حلقه، فتوقف المجني عليه عن المقاومة وضحّى بثروته الافتراضية. دفع محامي الخاطفين أن الممتلكات الافتراضية تشكل «جزيئات رقمية.. Bits Bytes and » وليست مالًا، وبالتالي فإن الجريمة غير موجودة، إلا أن المحكمة العليا رفضت هذا المنطق، وركزت على «القيمة الذاتية» للأشياء الافتراضية بالنسبة لعملاء اللعبة، واعتبرت أن جريمة السرقة قد توافرت أركانها هكذا. يذكّر هذا الحكم بما قامت به محكمة النقض المصرية، في الثلاثينات من القرن الماضي، باعتبار سرقة التيار الكهربائي جريمة، رغم عدم وجود نص واضح وصريح يجرم هذا الفعل في قانون العقوبات، فقد قررت المحكمة ببلاغة تحسد عليها أن «لا يقتصر وصف المال المنقول على ما كان جسمًا متحيزًا قابلًا للوزن طبقًا للنظريات الطبيعة ، بل يتناول كل شيء يكون قابلا للتملك والحيازة والنقل من مكان لآخر، فالتيار الكهربائي، وهو ما تتوافر فيه هذه الخصائص، يعد من الأموال المنقولة المعاقب على سرقتها». ويبدو لي أن سرقة البيتكوين يمكن أن تخضع لنفس المنطق، دون الحاجة إلى انتظار تدخل تشريعي في هذا المجال. • البيتكوين وسيلة لإثبات الجريمة. في المقال السابق ناقشت الشفافية الكامنة في أداء البيتكوين، لا سيما من خلال «البلوكشين»، الدفتر الإلكتروني المتاح لجميع مستخدمي النظام، والذي يسمح بتتبع أصل كل وحدة بيتكوين يستخدمها مجتمع الإنترنت. هذه الشفافية يمكن استغلالها من قبل سلطات التحقيق في ملاحقة نوعيات محددة من الإجرام، كما في حالة الشرطي كارل فورس الذي كان يعمل متخفيًا لمحاولة إسقاط روس أولبريخت السابق ذكره. كان كارل فورس قد أنشأ حسابًا على موقع «طريق الحرير»، ودخل في اتصال مباشر مع أولبريخت في عديد من المرات، بدعوى أنه يستطيع مساعدته في التخلص من شخص كان يبتز مؤسس الموقع مقابل مبلغ من المال. أثبتت التحقيقات أن أولبريخت طلب من فورس قتل الشخص الذي يبتزه مقابل ٥٢٥ بيتكوين. قبل فورس العرض، لكنه لم ينفذ المهمة حرفيًا، بل اتفق مع الضحية على فبركة حادث موته، وقبض المبلغ المتفق عليه. كان يتعين على فورس في هذه اللحظة، بعد أن كتب تقريرًا عما حدث، أن يحوّل المبلغ من حسابه الشخصي على موقع الحرير للخزانة العامة للدولة، باعتباره متحصلًا عن جريمة، إلا أنه قرر تحويل البيتكوينات لحسابه الشخصي على موقع CampBx. بدون ميزة الشفافية التي يقدمها البيتكوين، لم يكن من الممكن الكشف عن اختلاس الشرطي المتخفي للمال العام، وقد استغلت المحققة كاثرين هاون ميزة الشفافية هذه بهدف كشف كذب ادعاءات فورس، من خلال إثبات أن مبلغ الـ٥٢٥ بيتكوين الذي انتقل من أولبريخت إلى كارل فورس لم يصل في أي لحظة لحساب الخزانة العامة الأمريكية. يمكن للدولة المصرية أن تستفيد من هذه الميزة، من خلال التزام يوضع على عاتق مواقع تداول البيتكوين المصرية، يتطلب إثباتًا للهوية عند فتح حساب بالبيتكوين، وتظل هذه المعلومة سرية إلى حين تظهر دلائل جدية على ارتكاب جريمة ما، وحينها تلتزم هذه المواقع بالكشف عن هوية المستخدم، شريطة أن يكون هناك إذن قضائي يدرس جدية التهم الموجهة للمستخدم، كي لا يفقد البيتكوين جاذبيته التجارية في نهاية الأمر. ما هو مستقبل البيتكوين إذن؟ نظرًا لخصائص البيتكوين السابق ذكرها وطريقة عمله، من المرجح أن تساعد هذه العملة الافتراضية على تمويل الأنشطة الإجرامية وتسهيل غسل الأموال، ولهذا تدعو بعض الأحزاب السياسية الفرنسية، مثل الجبهة الوطنية، لفرض حظر قاطع على البيتكوين، في حين ذهبت دول أخرى مثل روسيا لتكريس عدم شرعية استخدامه. ولكن من الضروري هنا لفت النظر إلى أن هذا النوع من الإجرام يُموّل أيضًا بالعملات الوطنية، بينما لا أحد ينادي بطلب غير منطقي مثل إلغاء مفهوم النقود جملة مثلًا. بالنسبة للوضع في مصر، فقد صرح المبرمج رامي خليل، مؤسس موقع «بيتكوين إيجيبت»، لوكالة أنباء رويترز «إننا بانتظار أن تضع الحكومة المصرية مجموعة من القواعد لتنظيم العملة الافتراضية، فبدون وجود قوانين واضحة، فإن البيتكوين لا يمكن اعتباره عملة شرعية في مصر». وإذا كنت أتفق مع رامي خليل على مبدأ التنظيم، كأن يصدر البنك المركزي رخصة للمواقع المزاولة لهذا النشاط، إلا أني أختلف معه حول عدم شرعية البيتكوين، حيث من يشتري الين الياباني أو الريال السعودي لا يعتبر مرتكبًا لجريمة، فلماذا يختلف الوضع إذن بالنسبة للبيتكوين، طالما لا يوجد نص يجرّم التعامل به صراحة؟ كما أني أحاول، من خلال هذا المقال، إثبات عدم الاحتياج لتدخل تشريعي لمواجهة الإجرام المرتبط بهذه العملة، وإثبات كفاية الترسانة القانونية التقليدية التي تجرّم السرقة وغسل الأموال لتحقيق ذلك، بدءًا من اللحظة التي سيعامل فيها القاضي البيتكوين باعتباره عملة أجنبية، أو ملكية ذات قيمة، كما فعل سابقًا، كما رأينا، بالنسبة للتيار الكهربائي. إن استخدام البيتكوين لأغراض ارتكاب الجريمة هو أكثر ما يسيّل حبر الكتّاب في هذا الموضوع، لكن هذا الاتجاه يتجاهل المنافع الاقتصادية المتنوعة لهذه العملة، خاصة فيما يتعلق بتحويلات المصريين بالخارج، ومصاريف البطاقات الائتمانية، بل وأكثر من ذلك، فإن البيتكوين يقدم فوائد عديدة على مستوى مكافحة الإجرام، حيث رأينا كيف وُظّف لأغراض التحقيق في الولايات المتحدة الأمريكية، كما صدرت دراسة جديرة بالاهتمام تؤكد أن السوق الافتراضية قد قلّلت معدلات العنف المرتبط بالاتجار بالمخدرات. أما على مستوى التطبيقات العملية، فإن مدينة دبي مثلًا تفكر في إصدار الوثائق الرسمية مثل بطاقات الهوية ورخص القيادة، عن طريق نظام حكومي شبيه بالـ«بلوكشين»، ذلك الدفتر الرقمي الذي يسجل كل تفصيلات المعاملات، والذي يكاد يستحيل تزويره نظرًا لعدم مركزيته وتوزعه على أجهزة مختلفة. كما تلوح في الأفق تقنية جديدة معروفة باسم «البيتكوين المبرمج»، وهو عبارة عن تعديل رقمي في نظام البيتكون يقيّد من حرية التصرف فيه، وقد يكون مفيدًا جدًا في مجال مكافحة الفساد. فإذا رغبت دولة أو منظمة دولية في إرسال مساعدات مالية إلى دولة أخرى لإصلاح نظامها التعليمي، يمكن تحويل المبلغ إلى بيتكوينات مبرمجة خصيصًا لاستخدامها في شراء مقاعد أو كتب، وبالتالي لن يتمكن البلد المتلقي من شراء الأسلحة مثلًا بقيمة المال، كما لن يتمكن ممثلو حكومته من استخدام المعونة لأغراض غير مشروعة. هنا يمكن تخيل تطبيق هذا النظام مستقبلًا في توزيع ميزانية الدولة المصرية على مختلف القطاعات الصحية والتعليمية والإسكانية، وكذلك على مستوى الوزارات والمحليات والتقسيمات الإدارية الأصغر، بحيث يمكن تجفيف منابع الفساد في هيكل الدولة وإغلاق باب إهدار المال العام. موجة البيتكوين تقترب من الشاطئ المصري، وسيتعيّن على الدولة المصرية اتخاذ قرار بشأنها؛ إما أن تركب الموجة التي وصلت قيمتها السوقية إلى سبعين مليار دولار، وأن تستفيد بالتالي من دينامية حركتها، وإما أن تترك نفسها للموجة تلطمها على صخور الاقتصاد العالمي. في جميع الأحوال، فموجة البيتكوين قادمة لا محالة.
حكايات الإجهاض أربعة أيام في مكان استثنائي غدير أحمد ٢٨ سبتمبر ٢٠١٧ * الحكاية اﻷولى في سلسلة حكايات الإجهاض. * القصة كما روتها صاحبتها، وفي بعض المناطق تنقل الكاتبة عنها نصًا. دخلت دورة مياه بأحد المولات ومعي شريط اختبار حمل. نصحتني بشرائه صديقة أكدت عليّ مرارًا «جيبي التيست واعمليه برة البيت. في مول أو أي حتة. وارميه وانتي واقفة. ما تاخديش التيست معاكي في أي حتة خالص. ما يدخلش شنطتك أصلًا ولا تدخلي بيه في مكان. اعمليه برة. وشوفي النتيجة برة. وارميه برة». لحظة ترقب تلك التي فصلتني عن إدراك مغزى كلام صديقتي ونتيجة الاختبار الإيجابية. أنا حامل. لا وقت للصدمات. لا مساحة للانهيار. أنا حامل وعليّ أن أتعامل مع الموقف. اتصلت بشريكي، ومرّت ساعات على مقابلتنا الطارئة ونحن نُفكر ونبحث على الإنترنت عن أنسب وسيلة للإجهاض، حتى اهتدينا إلى اسم دواء مُحفز للإجهاض، واتفقنا على التنفيذ، وانهمرت الأسئلة كيف سنفعل ذلك، وأين، وكم يومًا يلزمنا لإتمامه؟ بالصدفة توفرّت مساحة لمدة أربعة أيام، فلم نتردد في قصدها. أهذا كل شيء.. مكان نختبئ فيه وعدة شرائط من الدواء؟ جهّزنا المكان. اشترينا فوطًا صحية، ومُسكنات، وبعض الأطعمة وتبادلنا مخاوفنا؛ هو خائف من حدوث أي مضاعفات، وأنا خائفة لأني أفعل الآن ما لم أتخيل أن أفعله قط في حياتي. منذ سنوات قالت لي طبيبة نساء إن نسبة حملي ٣٠% فقط، وأنا حامل الآن في عامي الثاني والعشرين ولا أعرف كيف أشعر حيال ذلك. أفرح؟ أحزن؟ كيف أعبّر عن فرحي وحزني تجاه نفس الأمر وبنفس القدر؟ من ضمن التجهيزات كانت قائمة أرقام طوارئ لصديقات أثق بهن. أعددتها رغم تواجدهن في محافظة أخرى، وأصبح كل شيء جاهز. كانت المرة الأولى التي أدخل فيها هذا المكان. قلبي مقبوض، وعليّ أن أختبئ من الجيران حتى لا يكتشف أحدهم وجودي ويتساءل ماذا يفعل شاب مع فتاة بمفردهما؟ لا أحد يعرف أن هذه المرة بالذات استثنائية. دخلت ولم أخرج إلا بعد أربعة أيام قضيتها بين الأدوية والفيتامينات وحميمية شريكي. أعتقد أن عدم راحتي ينبع من أني لا أنتمي لهذا المكان. هذا ليس مكاني. ولكني «مش قادرة أحدد مثلًا هل هيبقى لطيف إن الأحداث مرتبطة بمكان أنا مش هادخله تاني أبدًا؟ فـ الذكريات دي مش هتجيلي بالقوة اللي كنت هاعيش فيها لو كنت عملت ده في أوضتي مثلًا. فـ كنت هاضطر أفتكر في كل مرة أدخل أوضتي لمدة كام شهر بعديها.. ولّا إيه؟ أعتقد بـ أميل أكتر لفكرة إنه لطيف إنى مش هادخل المكان تاني». ورغم اختياري أن أخبر بعض الأصدقاء إلا أن المساحة ظلت مُتحكمة فينا، ولم تسمح بزيارات مَن أحتاج إليهم بالفعل في هذا التوقيت. أنا نفسي كنت مختبئة. لم يكُن هذا الخيار مُتاحًا، ولم أتمكن من الوصول لأشخاص كانوا سيهوّنوا الأمر بالمشاركة. أعتقد أن وجود أشخاص في دائرتي القريبة كان ليمتص مشاعر التخبّط لدي ولدى شريكي. لو كنت متزوجة، فسأجهض في منزلي، ولا حاجة لاختراع الحجج للإفلات من عائلتي أثناء الإجهاض. كنت سأستقبل صديقاتي مثلًا، أو على الأقل سأتحرك إلى الحمام بحريّة دون أن أنحني أمام شباك الطرقة للاختباء من الجيران، كنت سأقصد أي مستشفى في بداية النزيف وأدّعي أنه إجهاض طبيعي، وأحصل على رعاية طبية. ولو كنت متزوجة، كان استقبالي لخبر الحمل سيختلف، حتى لو قررت الإجهاض في النهاية. جزء كبير من سخطي كان شعوري بأني أقوم بفعل غير قانوني، رغم أنه جسمي. لو كنت في بلد آخر، ربما كان بإمكاني الذهاب إلى المستشفى، ثم أطلب تأهيلًا نفسيًا. وكان ذلك غير مطروح أيضًا. مُزعج ألا نقدر على طلب المُساعدة وأن نشعر بالقهر والوصاية التي يفرضها علينا القانون والمجتمع. كل شيء في هذه التفصيلة سخيف. بدأت أول جرعة من أصل أربع. وضعت الحبوب تحت لساني وانتظرت. لم يحدث شيء. أين الألم، أين التقلصات، تخوّفت كثيرًا أن أكون من هؤلاء اللواتي لا تناسبهن الحبوب، وأني سأحتاج إلى عملية. وفكرت كثيرًا وامتلأ رأسي بهواجس عن تدبير مصاريف العملية، هذا إن وجدت طبيبًا في الأصل. وراودتني خواطر عمّا إن كنت سأحتاج إلى جرعات أخرى بعد مرور الأربعة أيام، وهل سيكون هناك وقت ومكان مُتاحين؟ لأني، في كل الحالات، لن أخذ الجرعات في منزل عائلتي. في الجرعة الرابعة بدأت أشعر بوخز خفيف في الرحم، وبدأ الألم والنزيف. في لحظات النزيف الأولى بكينا معًا. كل الاتزان اختفى، واختفى معه أي تماسك. رغم أنني قرأت مرارًا عن أن النطفة بغير روح، شعرت أنني أقتل ابني، آلمني الفقد، وحاوطتني أسئلتي «ليه مضطرة أعمل ده بالشكل ده مثلًا. يمكن كنت قلقانة أكتر من مستوى الحياة وشكل الحياة اللي إحنا عايشينها. طيب أنا لو مش مضطرة أحارب عشان آكل وأشرب وأعمل كل الحاجات دي هل كنت مثلا هاحتفظ بيه؟». في هذه الأثناء انطوينا على بعضنا. احتضنني شريكي واحتضنته بالحميمية ذاتها، واعتبرت نفسي محظوظة عن بطلات حكايات الإجهاض التي سمعتها وقرأت عنها. غالبًا ما كنت أسمع أن الشركاء الرجال يختفون في هذه المواقف، وتنتهي العلاقة كلية بعد فترة وجيزة. أما هو فكان مسئولًا، هو مَن دبّر المكان، واشترى الحبوب من السوق السوداء، وهو مَن اشترى الفوط الصحية. وكان حريصًا على الجرعات ومواعيدها وكذلك الفيتامينات والطهي. قضينا وقتنا بين الجرعات في مُشاهدة قائمة أفلام أعدّها خصيصًا لي. وفي كل مرة ذهبت للحمام انتظرني وأخذ الفوطة الصحية ليرميها. هذا مُريح، شعرتُ بالقبول، «ما كانش قرفان من الدم بتاعي»، لم أشغل بالي بشيء، كل ما ركزّت فيه هو الألم الذي أشعر به الآن، في أسفل بطني. «منظومة فالصو. الفكرة بتاعة إن الشخص اللي ملتزم ناحيتك جوزك ومش عارف إيه وهو اللي بياخد باله منك فـ الحاجات اللي زي دي. فـ انتي لازم تتجوزي ويبقى لازم فيه حد في ضهرك. لأ. الحقيقة إن اللي خد باله مني كنا في علاقة بالنسبة لكم مش رسمية ومش شرعية وهو اللي كان مهتم ومعتني». برغم تلك المشاعر الطيبة، شعرتُ بأن شيء ما ينقُصني. كنتُ بحاجة لصديقة. أخبرت صديقين ولكني كنت على يقين أنهم لن يفعلوا شيء في حال حدثت أي مضاعفات. هؤلاء لم يختبروا هذا الموقف من قبل، ولم يمسّ محيطهم بأي شكل. أقصى ما سيفعلونه هو المواساة. أما الصديقات في قائمة الطوارئ، فعرفتهن عن طريق الإنترنت، وكنت أعلم أن أغلب تجاربنا مُتشابهة. «كان هيفرق معايا إن أنا أكون وقتها مثلًا قادرة أكلمك. أو أكلم فلانة إنه طب ما تيجوا.. تعالوا اقعدوا معايا يوم مثلًا. تعالوا زوروني. تعالوا أنا مش عارفة أبقى لوحدي. تعالوا أشوفكم ساعة وامشوا». في النهاية حتى إن حدثت أي مُضاعفات صحية، يلزمكن على الأقل ٦ ساعات للوصول إلى مكاني. إن كنتُ مُصابة بنوبة هلع، فستنتهي قبل وصولكن. أتعرفين ما الذي أشعرني بقدر من الطمأنينة؟ «الإحساس بتاع إنك عارفة إن في بني آدمين انتى واثقة إنك لو بتموتي مثلًا همّا هيعرفوا ياخدوا التصرف الصح. أو هيعرفوا يتعاملوا مع الموقف». رغم رغبتي المُلحّة في وجود امرأة بجانبي وقتها، لم أتخيلها أبدًا أمي. علاقتي بأمي لا تسمح بهذا النوع من الحكايات، أنا أفعل كل شيء عكس ما تعتقده. أنا مرتبطة وهي علمت بارتباطي من فيسبوك. وكانت فكرة الارتباط نفسها تحررية أكثر من اللازم في سياق عائلتي المحافظة المتدينة. أما النقطة الأهم فكانت صورتي ومستقبل أسرتي الصغيرة جدًا التي أعتبر نفسي سببًا رئيسيًا في هروبها من والدي. «انفصالنا عن بابا كان مخلي وجودي فـ البيت عمود قوة. أنا الكبيرة. أنا كنت في ضهر ماما دايمًا في الحاجات. أنا اللى كنت باشجعها تسيب البيت، فـ كان هيبقى مخزي للفكرة كلها. أنا باتعامل معانا مش كأني فرد مستقل. بس كأننا بيت دفع تمن اختياره لراحته النفسية. دفع تمن الاختيار ده إن هو قاعد في بيت أقل من المستوى بتاعه. بيصرف أقل من مصاريفه. فـ إحنا حرفيًا دفعنا تمن ده. فـ كان عندي مشكلة إني أسقط منهم. إن ده كان ممكن يخليهم يتراجعوا ويرجعوا البيت. أو لو بابا عرف ياخدهم كلهم بالعافية مثلًا. من منطق إنه أنا لما سيبتهُملِك واحدة فيهم رجعت لي حامل». مرت الأيام القليلة، وتوطدت معها علاقتي بشريكي، واكتمل جزء من صورة لم أكن لأدركه لولا التجربة. لم يستمر النزيف كثيرًا وكان هو يسألني باستمرار عمّا إذا توقّف أم أحتاج أدوية تساعد في توقيفه. حتى وقف الدم، ووقف معه الزمن عند نقطة معينة. «في وقتها ما كنتش عارفة أقول لحد. وما كنتش حاسة إني عارفة أقول لحد». أعتقد أن الإجهاض تجربة خاصة، أي أنني لم أكن لأشاركها على العلن، فقط احتجت أن تتوفر المساحة ﻷتأكد أن التجربة رغم خصوصيتها هي تجربة عادية. من حين لآخر، أشارك بضعة سطور منها على فيسبوك، لكن مشاركتها بعمق ما زالت مرهونة بالأشخاص وعلاقتي بهم. حتى في دوائرنا التقدمية نسبيًا، تكون المُشاركة بحساب. أتذكّر أن أحدهم تبرع يومًا لإخباري أن «ناس كتير من دايرتنا عرفت». رديت باستنكار «ما يعرفوا. مش المفروض إن أنا حرة في جسمي؟». التجربة تستدعي أن المُستمع لن يتأفف، لن يمل، ولن يحكم عليّ. لأن ذلك إن حدث، فهذا يعني أننا نعيش تجاربنا كنساء بمفردنا. هذا مُرعب، أن أواجه كل شيء وأنا وحيدة، لا أسمع سوى صوتي، ولا أشارك أفكاري، وأعيش التجربة بمعزل عن باقي العالم
إسقاط الجنسية المصرية ما يستهدف الإرهابيين قد يُطبّق على الجميع محمد عادل سليمان ٢٧ سبتمبر ٢٠١٧ في بيان رسمي لها، أشارت الحكومة المصرية لموافقتها بتاريخ ٢٠ ٩ ٢٠١٧ على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٧٥ بشأن الجنسية المصرية. قيل في البيان إن التعديل يتضمن إضافة حالة جديدة لسحب الجنسية المصرية تتعلق بكل من اكتسبها عن طريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة، أو صدور حكم قضائي يثبت انضمامه إلى أي جماعة، أو جمعية، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أي كيان، أيًا كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقره داخل البلاد أو خارجها، ويهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها، بالقوة أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة. كما ينص التعديل على زيادة المدة التي يجوز خلالها سحب الجنسية المصرية من الأجنبي الذي اكتسبها بالتجنس أو بالزواج لتكون عشر سنوات بدلًا من خمس، وزيادة المدة التي يكتسبه بعدها الأجنبي للجنسية المصرية تبعًا لوالدته لتكون سنتين بدلاً من سنة، وحذف اكتساب الأولاد البالغين للجنسية تبعًا لذلك والاكتفاء بالأبناء القصر. كما يشمل التعديل إضافة حالة جديدة لحالات إسقاط الجنسية تتعلق بصدور أحكام بالإدانة في جريمة مضرة بأمن الدولة، من جهة بالخارج أو الداخل. ويتضح من البيان أن التعديلات تهدف لأمرين الأول زيادة سلطة جهة الإدارة في سحب الجنسية من مكتسبها عن طريق التجنس، في حالة اكتسبها عن طريق الغش، أو في حالة صدور حكم قضائي يثبت انضمامه لجماعة أو جهة تمارس أنشطة تمس ما أسماه التعديل بـ«النظام العام للدولة»، أو تقوّض نظامها الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، أو صدور حكم قضائي بالإدانة في جريمة مضرة بأمن الدولة. أما الثاني فهو زيادة المدة المسموح فيها لجهة الإدارة بسحب الجنسية بعد اكتسابها، لتكون عشر سنوات بدلًا من خمسة، وزيادة المدة التي تسمح باكتساب الجنسية تبعا للوالدة لتكون سنتين بدلًا من سنة. هل إعادة تنظيم شئون الجنسية المكتسبة هو المقصود؟ للوهلة الأولي يبدو هذا التعديل مجرد إعادة تنظيم لشؤون منح الجنسية للأجانب، أي أنه لا يتحدث إلا عن حالات تنظيم الجنسية المكتسبة وليس عن الجنسية الأصلية للمواطنين المصريين. ولكن مع مراجعة الصياغات الملتبسة للبيان الصادر من مجلس الوزراء، يصعب التأكد من هذا، فبعد حديث البيان عن حالات سحب الجنسية من مكتسبيها وتعديل المدد التي يحق فيها سحب الجنسية المكتسبة، أضاف في عبارة مقتضبة «كما يشمل التعديل إضافة حالة جديدة لحالات إسقاط الجنسية تتعلق بصدور حكم بالإدانة في جريمة مضرة بأمن الدولة من جهة بالخارج أو الداخل»، ما يشير إلى احتواء المشروع المطروح من قبل الحكومة على حالات لسحب الجنسية من مواطنين صدرت ضدهم أحكام قضائية في قضايا تمس أمن الدولة من الداخل أو الخارج، وليس فقط الانتماء لمنظمة إرهابية في حالات مكتسبي الجنسية. يفتح هذا الباب أمام إسقاط الجنسية للخصوم السياسيين، والذين تُوجّه لهم اتهامات بـ«الإضرار بأمن البلد من الداخل والخارج»، وهي جريمة غير محددة المعايير ويُحاكَم بناء عليها مئات السياسيين السابقين، ومن بينهم وزراء ومسؤولون، بل ورئيس جمهورية أسبق، كما يتهم بها الآن عشرات المصريين، ومن بينهم سياسيون وقضاة ونشطاء مجتمع مدني. برلمان على خطي الحكومة أم حكومة على خطي البرلمان؟ يتزامن توقيت طرح هذا المشروع مع قرب دور الانعقاد الثالث للبرلمان المصري، والمقرر في الخميس الأول من شهر أكتوبر، وما صحبه من إعلان عدد من النواب عن أجندتهم التشريعية للدور الجديد، ومن ضمنها مقترح للنائبة سوزي ناشد، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، يهدف لإسقاط الجنسية عن الإرهابيين، على حد قولها، حيث أوضحت أن مشروعها عبارة عن تعديل في قانون الجنسية لكنه سيكون قانونًا قائمًا بذاته، وبناء عليه ستُضاف مادة «إسقاط الجنسية عن الإرهابيين»، لافتة إلى أنه من ضمن مواد القانون أن يكون الحكم الصادر ضد الشخص من المحكمة باتًا ونهائيًا، وفى هذه الحالة تسقط الجنسية عنه، وأشارت إلى أنه من ضمن المواد أيضًا أن يثبت الحكم القضائي البات أن هذا الشخص ينتمي لكيان إرهابي ومتورط في حوادث إرهابية متكررة، موضحة أن من يرتكب الجرائم الإرهابية ليس لديه ولاء لبلده ووطنه، وأن الجنسية المصرية شرف، لا يستحق أن يحمله من يرتكب جرائم. وسبق محاولات ناشد تقديم مشروع قانون آخر بنفس الهدف، وتقدم به كل من النائبين مصطفي بكري ومارجريت عازر، والتي صرحت سابقًا بأن أحد أهداف القانون إسقاط جميع حقوق الإرهابي من مختلف مظاهر الدعم الذي تقدمه الدولة للمواطنين، سواء في السلع التموينية أو التعليم والصحة والإسكان، كما أنه في حال وجوده خارج البلاد يمنع من دخوله مصر. ما يحدث الآن من تزامن موافقة الحكومة على مشروع قانون، مع طرح أعضاء البرلمان مشروعًا آخر عن ذات الموضوع، يذكّر بسيناريو قانون «الجمعيات الأهلية»، حين عمد النظام لتمرير أسوأ نسخة من نسخ القانون المقترح آنذاك، عن طريق تبني عدد من أعضاء البرلمان لها، وتقديمها كمقترح منهم ثم دفاعهم عنها تاليًا، وبالتالي يُرفع بذلك الحرج عن الحكومة أمام المعارضة والمجتمع الدولي، وكأن لسان حال النظام السياسي يقول هنا إن هذه القوانين القمعية الرجعية هي نتاج اختيار الشعب لممثليه بالبرلمان، وليس لنا بها صلة ما، وحينها يصبح الاعتراض على هذه القوانين اعتراضًا على إرادة الناخبين أنفسهم. هل يعد سحب الجنسية عقابًا مزدوجًا؟! في واقع الأمر، فالإشكاليات التي ستترتب على إقرار هذا المشروع لا تتعلق فقط بتعقب الخصوم السياسيين وإنزال عقاب بهم لممارستهم حقهم الدستوري في الاختلاف مع الحكومة، ولكنه سيكون أيضًا، وفي حال تطبيقه على من ثبتت بحقهم جرائم إرهابية، بمثابة العقاب للمرة الثانية عن نفس الفعل. فمشاريع القوانين ذات الصلة، والمقدمة من الحكومة أو من أعضاء البرلمان، رتّبت إسقاط الجنسية على صدور حكم نهائي من القضاء يثبت ارتكاب جرائم إرهابية أو جرائم تمس أمن البلاد من الداخل والخارج. يعني هذا أن إسقاط الجنسية سيكون بمثابة عقاب ثان بعد توقيع العقوبة الجنائية عن الجريمة الإرهابية المرتكبة. وهو ما يتعارض مع مبدأ عدم جواز معاقبة الشخص مرتين عن فعل واحد، المبدأ الذي أرسته المحكمة الدستورية العليا في أحكامها حين قالت «وحيث أنه متى كان ما تقدم، وكان مبدأ عدم جواز معاقبة الشخص مرتين عن فعل واحد، من المبادئ التي رددتها النظم القانونية على اختلافها، ويعتبر جزءًا من الحقوق الأساسية التي تضمنها الاتفاقيات الدولية لكل إنسان، ويخل إهداره بالحرية الشخصية التي يعتبر صونها من العدوان، ضمانة جوهرية لآدمية الفرد ولحقه في الحياة.» ماذا بعد إسقاط الجنسية عن المواطنين؟ يثير الأثر المترتب على عقوبة إسقاط الجنسية بسبب ارتكاب بعض الجرائم الجنائية العديد من الأسئلة حول طريقة تعامل الدولة مع من ستسقط عنهم الجنسية أثناء تأدية العقوبة وبعدها. هل سيكون إسقاط العقوبة مثلًا بأثر فوري أم بأثر رجعي، ما يؤثر على أبناء المحكوم عليه وأسرته؟! وكيف سيجري التعامل مع المحكوم عليه، والمسقطة جنسيته، داخل البلاد بعد قضاء فترة عقوبته؟ وكيف ستُثبت شخصيته بعد سحب الجنسية وما يترتب عليها من سحب كافة الأوراق الثبوتية؟ يثير هذا القانون أيضًا أسئلة أخرى عن تحمل الدولة لدورها في مواجهه جرائم مواطنيها، فمع ازدياد عدد الجرائم الإرهابية حول العالم، واتخاذ الحكومات هذا الطريق في إسقاط الجنسية عن مواطنيها من مرتكبي الجرائم، هل سيساهم ذلك في الحرب على الإرهاب؟ وهل يهم الإرهابي الذي حصد الأرواح وروّع الآمنين إسقاط الجنسية عنه، أم أن كل ما يُطرح هو فقط لمواجهة المعارضة السياسية، وتكميم أفواهها، لا سيما وأن جرائم تهديد أمن وسلامة البلاد من الداخل والخارج قد عُدّلت في القانون الشهير بـ«قانون الأشياء الأخرى»، الذي يحبس أي شخص بسبب تلقيه أي شيء من أي جهة، والمسلط على رقاب نشطاء المجتمع المدني، ومُنع بسببه العديد منهم من السفر وجرى التحفظ على أموالهم.
الشيخ جاكسون .. فيلم آخر عن الهوية أحمد رفعت ٢٦ سبتمبر ٢٠١٧ بعد مشاهدتي فيلم «الشيخ جاكسون» المعروض بالدورة الجارية لمهرجان الجونة السينمائي، اتفقت مع صديق لي، على اختلاط مشاعرنا تجاه الفيلم، ولكن ما اختلفنا عليه بوضوح كان أهمية التعاطي الجاد معه، وإلى أي مدى يصْلُح لاتخاذه مدخلًا لقراءة المشهد السينمائي المصري الحالي، وهل يمكن أن يُفصِح عن سمات جامعة للأفلام العربية المهتمّة بمواضيع التطرف الديني و«الإرهاب» وقضايا الهوية بشكلٍ عام، والتي يُجرى تداولها والاحتفاء بها في الشبكات السينمائية للغرب؟ يعود إلحاح زاوية الرؤية هذه عليّ، لمشاهدتي ثلاثة أفلام مصرية أٌنتجَت هذا العام، تنطلق في بنائِها لشخصياتها من فكرة الهوية الوطنية أو الدينية. فمثلًا يلعب محمد رمضان في فيلمه «جواب اعتقال» شخصية الإسلامي الجهادي في صورة «الإرهابي»، في حين يُقدّم لنا المخرج طارق العريان في فيلمه «الخلية» رحلة انتقام البطل «أحمد عز» ضابط العمليات الخاصة في الشرطة المصرية، من المتطرفين قاتلي صديقه، في شكل صراع بين«الوطنيين» ضد «الإرهابيين». أما فيلم المخرج مروان حامد «الأصليين» فيذهب إلى أبعد ذلك، مفترضًا وجود كيان غامض يُراقب أغلب المصريين. في هذا السياق يُعتبر فيلم عمرو سلامة الأخير «الشيخ جاكسون» جزءً من الصورة العامة للموجة السينمائية السائدة، ولا يمكن قراءته خارج المشهد العام. يبني سلامة فيلمه حول طبيعة شخصية البطل الدرامية، أكثر من اعتماده على أحداث تُطوِّر الدراما، فشخصية البطل خالد وتاريخها وتناقضاتها الداخلية هي ما يقود فيلمه. بهذه الطريقة يتجنب سلامة نمط المعالجات الفنية المُسطِّح للمشاكل الاجتماعية والذي يستخدم شخصيات بخطوطٍ واسعة لتمثّل فئة اجتماعية كبيرة، وهو النهج المتعارف عليه في تناول قضية التطرف. لا يٌجرّم فيلم «الشيخ جاكسون» الشخصية أو اختياراتها، وهي وإن كانت نقطة تُحسَب للتناول الدرامي؛ إلا أن المُحبط هو انتفاء الأبعاد الأخرى لتلك الشخصية بخلاف جانبها الهوياتي الديني. منذ اللحظة الأولى، يختار الفيلم تعريفنا على بطله من خلال هويته الدينية، فنتابع طقوسه الصباحية المتديّنة، فنسمعه يردد دعاء الاستيقاظ من النوم، ثم دعاء الاغتسال، إلى أن يخرج من بيته ويصل لميكروفون المسجد. بطلنا ليس فقط متدينًا وإنما هو إمام يبكي خشوعًا في الصلاة بحشرجة اعتدنا عليها في شرائط وعظ مشاهير الشيوخ السلفيين. ومثلما يَتهم فيلم «جواب اعتقال» الحقد الطبقي في لجوء بطله محمد رمضان للعنف العقائدي، يطرح «الشيخ جاكسون» تصورًا قريبًا، معتبرًا أن القهر الأبوي هو الدافع وراء اتجاه البطل للتدين السلفي، وذلك من خلال مشاهد الرجوع لتاريخ الشخصية في فترة الطفولة والمراهقة. في ندوة الفيلم، وردًا على سؤاله إذا كانت هناك احتمالية أن يُثير الفيلم غضب الإسلاميين في مصر، قال سلامة أنه لا يظن ذلك، لأنه على خلاف الأفلام المصرية الأخرى التي صورتهم كإرهابيين أو كمتعصبين منغلقين، فإن فيلمه يُنصِف شخصية الشيخ السلفي، ويتجنّب الحُكم الأخلاقي عليها. ورغم أن الفيلم يعكس ذلك فعًلًا، فإنه لا يخلو بدوره من جوانب أخرى للتنميط، مثل التسطيح الهوياتي للشخصية الرئيسية. فالمعالجة الدرامية لفكرة أن الكبت هو المُستدعي لرغبات تصنّف «دنيوية» كالموسيقى في معجم الشخص السلفي الذي يخشى عذاب القبر، جاءت بشكل كاريكاتورى دفع مشاهدي الفيلم للضحك. لا أقول أن الكوميديا تعني السطحية، ولكنها في هذا السياق لم تأتِ من حبكة الدراما، وإنما جاءت من اللَعب على جوانب ارتبطت بتمثيل الشيخ السلفي في الثقافة الشعبية. تُعزّز الرؤية الإخراجية للفيلم قطبية «الجانب الدنيوي» للموسيقى في مقابل «الجانب الإلهي الروحاني» للتديّن، ففي لقطات أحمد الفيشاوي وهو يؤم المصلّين، تختار الكاميرا زاويا التصوير العالية، في مقابل زوايا المنظور الطبيعي لمَشاهِد البطل في مراهقته «أحمد مالك»حين كان متصالحًا مع موسيقى مايكل جاكسون، وحركاتها الراقصة، ومطيلًا شعره. تنتصر نهاية الفيلم للجانب الدنيوي وهو الموسيقى، ما يؤكد على المُقاربة المنغلقة لتلك الجدلية، فهناك طرف في المعادلة يحتكر فكرة «الحياة»وحُبَها على جانب، بينما التدين السلفي مع فكرة «الآخرة» أو ما هو خارج «الحياة»على الجانب الآخر. فيلم «الشيخ جاكسون» يأتي في سياق عام، تتجه فيه كيانات رسمية تابعة لدول أوروبية مع كيانات ثقافية محلية، نحو الفن، باعتباره سلاحًا ضد «التطرٌف» العقائدي، والإسلامي على وجه التحديد. وهذه ليست بسياسات جديدة ولكنّها إعادة إنتاج لممارسات ثقافية تنويرية متجذّرة في مصر والمنطقة. فأفكار فيلم «الشيخ جاكسون» المصري القادم من مهرجان تورونتو لمهرجان الجونة والمُسافر إلى لندن، تتفق مع ما سمعته في محاضرات المنتجين والموزعين والجهات الداعمة خلال فعاليات منصة الجونة السينمائية على مدار الأيام الماضية، حيثُ إجماعهم على ضرورة «عالمية» اللغة السينمائية المستخدمة، لتمكين المتلقي خارج السياق المحلي من التماهي أو التعاطف مع شخصيات الفيلم. وربّما ما أعتبره «تسطيحًا» بوصفي مواطنًا محليًا، قد يساعِد في تبسيط ظاهرة مُشفّرة ثقافيًا كالإسلام السلفي بالنسبة للمتلقي الأجنبي. في تترات الفيلم الأخيرة، لاحظتُ شيئًا قد يستحق الذِكر في هذا السياق، وهو استعانتهم بمستشار للإسلاميين، وهو مُسمّى وظيفي يقترب وقعه في أذني من «خبير الإسلاميين» في مراكز البحث الأمريكية والأوروبية، ما يعزز شعوري بضرورة مناقشة الفيلم في سياق الموجة العالميّة للاهتمام بقضايا الهوية.
ليلة «الفزع الإعلامي» من «قوس قزح» كتب مصطفى محيي ٢٦ سبتمبر ٢٠١٧ بعد يومين من حفل فرقة «مشروع ليلى» في كايرو فيستيفال سيتي، وتزامنًا مع انتشار خبر صحفي مفاده القبض على سبعة ممن رفعوا علم «قوس قزح»، أصبح الموضوع محل اهتمام كبير للوسائط الإعلامية المختلفة، فتناوله عدد من مقدمي البرامج ليلة أمس، الإثنين، فضلًا عن العديد من مقالات الرأي في صحف اليوم، لتبرز عدة نقاط مشتركة في التغطية الإعلامية للحدث. بين المثليين و«الشواذ» كانت التغطية الإعلامية في مجملها عدائية تجاه المجموعة التي رفعت علم «قوس قزح»، المعروف كرمز لتنوع الهوية الجندرية، وكذلك تجاه فرقة «مشروع ليلى» ومنظمي الحفل، ولكنها جاءت مرتبكة تجاه تسمية المجموعة. عمدت بعد التغطيات الإعلامية مساء أمس ومقالات الرأي والأخبار في صحف اليوم إلى استخدام كلمة «شواذ»، التي تحمل بطبيعتها إدانة للمثلية الجنسية، بينما استخدمت تغطيات أخرى كلمة مثليين، ومزج البعض بين الاثنين. نشرت «الشروق» تقريرًا بعنوان «مشروع ليلى» يشعل مواقع التواصل الاجتماعي برفع علم المثليين جنسيًا. بينما نشرت هند فرحات مقالًا بصحيفة «البوابة» بعنوان «علم المثليين يرفرف في سماء القاهرة». غير أنها أضافت لكلمة مثليين في متن المقال وصف «الشواذ جنسيًا» ووضعتها بين قوسين. وهو الأمر الذي تكرر في الخبر المقتضب الذي نشرته «المصري اليوم» عن تكليف النائب العام نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق في الواقعة، التي وصفتها الصحيفة أنها «شهدت ترويجًا للمثلية الجنسية والشذوذ». مقال فتحي محمود في الأهرام جاء أوضح في إدانته للمثلية الجنسية حيث جاء عنوان المقال «راية الشذوذ.. وتجريف الشباب». وتكرر الأمر نفسه مع مقالات اليوم السابع التي تناولت الواقعة، ومنها مقال دندراوي الهواري، أحد رئيسي التحرير التنفيذيين لليوم السابع، وعنوانه «شواذ مشروع ليلى ينتمون لـ٦ إبريل وشاركوا في ٢٥ يناير وداعمين لمنظمة مثليين بمصر!!». فيما دخل الإعلامي أحمد موسى في جدل مع المحامي سمير صبري حول الطريقة «الصحيحة» لتسمية من رفعوا علم «قوس قزح». فسأل موسى «قولّي يا دكتور، الجريمة دي في عرف القانون إيه؟». فأجاب صبري قائلًا «الجريمة دي هي تحريض على الفسق والفجور، ودعوة صريحة في حفل مُذاع ومعلن لاستقطاب الشباب للدخول في دائرة المثاليين». فصحح له موسى قائلًا «المثليين.. بس أنا باقول بلاش المثليين دي، بندلعهم، هما الشواذ». فعاد صبري متابعًا «الشواذ أو الشِمال». فأثنى موسى على التسمية قائلًا «الشِمال.. أيوة.. آه الشِمال ألطف». اللفظ نفسه استخدمه الداعية الإسلامي خالد الجندي، عضو المجلس اﻷعلى للشؤون الإسلامية، في حلقة اﻷمس من برنامجه «لعلهم يفقهون» على قناة DMC، وأشار خلال حديثه إلى «قوم لوط» الذين وصفهم بأنهم «ناس شمال، رفعوا العلم بتاع الشواذ بتاعهم» في تلميح إلى واقعة حفل «مشروع ليلى»، قبل أن يضيف بنبرة متهكمة «وإحنا ندلعهم بقى ونقول ﻷ أصل دول مثليين، يالّا يا أخويا دلع فيهم كده، اقعد دلع فيهم وقول دول مثليين دول حريين دول بسكويتيين. ﻷ دول مجموعة خربت الليلة كلها». من جهته قال الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز إن «الأكواد الإعلامية تعكس النظرة الاجتماعية والأخلاقية والقانونية تجاه المثليين وتكون مُتصلة معه في النهاية»، متابعًا «وهذا يُفسر ما وجدته في الرصد الإعلامي الذي يعكس بيئة أخلاقية تقليدية». وأضاف أن المؤسسات الإعلامية الدولية المرموقة طوّرت أكواد تحريرية بعدما تعرضت في تغطياتها لمحتوى جدلي يخص قضايا المثليين، والأمر نفسه قامت به سلطات البث ومجالس الصحافة في عدد من الدولة الغربية التي أُثيرت بها قضايا شبيهة. موضحًا أن معظم الأكواد التحريرية المذكورة سابقًا تستخدم لفظ مثلي بدلًا من شاذ، كما ترفض اعتبار المثليين مجرمين أو مرتكبي جرائم أخلاقية. وينعكس ذلك في العقوبات التي تُوقع على الصحفيين الذي يطعنون في المثليين جنسيًا فقط بسبب كونهم مثليين، وينسحب ذلك على فئات أخرى مثل «الزنوج واليهود». «قوس قزح» و«المؤامرة على مصر» رسم دندراوي الهواري سيناريو كامل يربط بين رفع علم «قوس قزح» والمنظمات الحقوقية وحركة ٦ أبريل وعدد من النشطاء السياسيين والحقوقيين الذين ذكرهم بالاسم. وقال إنه حذّر من ذلك في مقال سابق نُشر قبل عام، وجاء به «لقد لعبت بعض المنظمات المحلية والأجنبية دورًا محوريًا قبل ٢٥ يناير، وبعدها في نزع القيم الوطنية والأخلاقية من داخل عدد كبير من الشباب الذين خضعوا لدورات تدريبية مُكثفة [...] بدأت مخططات وبرامج المنظمات الأجنبية الحقوقية تأخذ مسارًا جديدًا، من خلال التركيز على الدفاع عن حقوق الشواذ في مصر، وحقوق المرأة، وحقوق المعاقين». كما نشر كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، مقالًا في الصحيفة نفسها بعنوان «الشواذ وداعش». قال فيه إن «الغرب الذي أنشأ داعش هو نفسه الذي يُصّدر لنا أفكار الشواذ، رغم أن مجتمعاتنا تختلف تمامًا عن مجتمعاتهم، وما يقبلونه لا نقبله، ولا علاقة لذلك بحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات الزائفة». الربط بين رفع علم «قوس قزح» و«المؤامرة على مصر» جاء أيضًا على لسان أحمد موسى أثناء تقديمه حلقة أمس من برنامجه «على مسؤوليتي» على قناة «صدى البلد». فقال موسى «الإرهاب مش هيأثر في مصر، الدول اللي حاصرت مصر لن تؤثر فيها. اللي هيأثر في البلد وممكن بعيد الشر يدمّرها هو هذا الأمر (المثلية الجنسية) لو أصبح مُباحًا». وربط موسى كذلك بين المناداة بالحرية بعد ثورة يناير وبين ظهور المثليين على الساحة قائلًا «كل هذا الخراب طفح، هذه المجاري القذرة، بعد ٢٠١١، شُفت جابوا خراب إزاي؟.. قبل كده يتقبض عليهم وكان يطلق عليهم عبدة الشيطان». الدولة ثم الدولة تساءل عدد من الإعلاميين عن ما اعتبروه «غيابًا لدور الدولة» في منع هذه الواقعة. فتوجهت الإعلامية لميس الحديدي في برنامجها «هنا العاصمة»، على قناة سي بي سي بسؤالها لرضا رجب، وكيل أول نقابة المهن الموسيقية، عن مسؤولية النقابة تجاه الحفل. فأجاب رجب أن متعهد الحفل حصل على تصريح من النقابة، كما هو مُعتاد، باعتبار الفرقة «باند أجنبي» فحسب، دون توضيح لاسم الفرقة. وألقى رضا بالمسؤولية على الجهات الأمنية والقوى العاملة وإدارة المصنفات الفنية لسماحها للفرقة بالدخول لمصر، كما أعلن أنه في أعقاب ما أثير بخصوص الحفل اﻷخير، اتخذت هيئة مكتب النقابة قرارًا بمنع أي احتفالات لفرقة «مشروع ليلى» في مصر وفي حلقة أمس من برنامج «مساء دي إم سي»، سألت الإعلامية إيمان الحصري في مقدمة البرنامج إذا ما كانت «الصدمة الشديدة» التي تعرض لها المجتمع سببها مشاهدة علم «قوس قزح» مرفوعًا بشكل علني، أم لوجود «هؤلاء». وجاءت الإجابة على لسان العميد خالد عكاشة، الخبير الأمني وعضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، الذي قال إن الصدمة جاءت بسبب «العلانية والترويج لهذا المفهوم»، ما اعتبره «شيء مُتقدم جدًا لمثل هذا الفكر المنحرف»، مؤكدًا أن الدولة سترصد الصفحات التي احتفت برفع العلم، وستُلقي القبض على المسؤولين عنها. فيما قال الشاعر فاروق جويدة في مقاله بالأهرام «إن الحدث في حد ذاته صورة سيئة نقدمها للعالم عن شبابنا، وهي خطأ فادح سقطت فيه مؤسسات الدولة المسؤولة إلا إذا كان هناك من يساند ويشجع هذا الخلل الرهيب الذي أصاب البيت المصري والشارع المصري». وأضاف «مطلوب من مؤسسات الدولة أن تشرح للشعب بكل الشفافية ماذا حدث في احتفالية الشواذ في التجمع الخامس؟!».
على هامش «مشروع ليلى» دور النقابات الفنية من حماية الفنانين للمبادرة باتهامهم محمود عثمان ٢٦ سبتمبر ٢٠٠١٧ في الأسابيع القليلة الماضية، برزت أخبار عن احتجاز فنانين بعد فحصهم في نقاط تفتيش، حتى أن أحدهم قبع في الحبس الاحتياطي لما يقارب الشهر، لاتهامه بحيازة مواد مخدرة. من الطبيعي ألا يلتفت جمهور المشاهدين لهذا في دولة كمصر، تُجرم الحيازة والتعاطي والإتجار، وتقيم لجان تفتيش بخصوصها، إلا أن الملفت للانتباه في هذه الأخبار، وعلى غير العادة، أن تكون النقابات الفنية هي من تساند موجّهي هذه الاتهامات، حتى أن إحدى هذه النقابات أرسلت مستشارين من النقابة لمتابعة الموقف. ولعل المفارقة القاسية أنه على مدار عام ٢٠١٦، كان هذا هو الدور الأبرز للنقابات الفنية، وأخُص بالذكر منها النقابتين التمثيلية والموسيقية، واستغلالهما لكل مناسبة يتواجد فيها وزير العدل، لدفعه لإصدار قرار لهاني شاكر وأشرف زكي ورفاقهما، بصفة «الضبطية القضائية» التي تسمح لهما بالقبض على أي فنان تسوّل له نفسه العمل دون دفع رسوم النقابة، وصدر القرار بالفعل لكل من النقابتين. وكوني ممثلًا لمجموعة من الفنانين، فقد طعنت على القرار أمام المستشار أحمد الشاذلي، والذي أصدر قراره بوقف تنفيذ القرار، تمهيدًا لإلغائه بالكامل. تجدّد تملق هذه النقابات للسلطة التنفيذية مؤخرًا، حين صرح رضا رجب، وكيل نقابة المهن الموسيقية، بقرار النقابة بمنع أي تصريح لفرقة «مشروع ليلى»، واصفًا ما تقدمه الفرقة بـ«الفن الشاذ»، وذلك بعد البلاغ المقدم من المحامي سمير صبري، والمعروف عنه رفع قضايا على الفنانين، كان آخرها ضد الفنان الشاب أحمد الفيشاوي، وبعد طلب الإحاطة الذي صرح النائب مصطفى بكري، المعروف بموالاته للدولة، بأنه سيقدمه. فرقة «مشروع ليلى» اللبنانية، والتي تعرف نفسها عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنها تقدم موسيقى عربية بديلة معاصرة، أحيت حفلًا بجانب فرقتي «المُربع» و«شارموفرز»، وصدرت للحفل كافة التصريحات والموافقات الأمنية والقانونية المطلوبة، إلا أن «مشروع ليلى» وحدهم هم من كانوا مهددين بعقوبات «قانون مكافحة الدعارة بالجمهورية العربية المتحدة»، والمُطبق من ستينيات القرن الماضي، وتصل عقوباته للحبس لثلاث سنوات، ولمنعهم من العودة، لاتهامهم بنشر الفجور خلال الحفل. لذا يصبح من الضروري، أن نتعقب مواقف النقابات الفنية و تفضيلاتها فيما يخص من تقرر دعمهم ورعايتهم، وذلك من خلال تتبع التدخلات القانونية لهذه النقابات في العام الحالي وسابقه، للوقوف على حقيقتها. بدأ عام ٢٠١٦ بمجموعة اقتحامات للمراكز الثقافية والفنية، بحجة تأمين العاصمة لقرب حلول ذكري ثورة ٢٥ يناير، وحينها برز الحدث الأكبر؛ فيديو «الكوندوم» للممثل أحمد مالك، وكان ساعتها كان أول تصريح لنقابة المهن التمثيلية على لسان نقيبها، وعلى صفحتها الرسمية بموقع الـ«فيسبوك»، يتمحور حول إيقاف منح التصاريح لأحمد مالك. من المؤسف مقارنة هذا الحماس من النقابات الفنية لإدانة الفنانين، لمجرد قيامهم بعمل فني ولو اختلفنا على تقييمه، بما يتبع هذه الإدانات من أخطار فعلية على حياة الفنانين. فقد ظهر في فيديو عدد من الضباط يتوعد أحدهم مالك بالمحاسبة، وهدد آخر على مواقع التواصل الاجتماعي، محرضًا ضده المشاهدين بقوله إنه لن يقبل الاعتذار وإن «إحنا هناخد حقنا، ولو مجاش بالقانون هناخده بطريقة تانية». هذه الفيديوهات أثارت المخاوف على أمن مالك وسلامته الشخصية، ما استوجب معه تدخل النقابة، إلا أن النقابة لم تحرك ساكنًا ولو بتصريح إعلامي، وكأن الاتهام بإهانة مؤسسات الدولة أهم من حياة أحد الفنانين. استمرت الانتهاكات ضد الفنانين، حتى وصلت إلى أقسى أشكالها في السنوات العشر الأخيرة، بحسب ما ذكر تقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير، بواقع ٧٨ انتهاكًا، منها أربع حالات منع من السفر لفنانين و ٢٢ حالة قبض وحبس لمبدعين، وذلك بعدما كانت ٤٦ انتهاكاً في ٢٠١٥ و ٢١ انتهاكًا في ٢٠١٤. وصلت هذه الانتهاكات إلى ٤٤ في النصف الثاني فقط من العام الجاري، منها ٢٤ حالة تتمثل في قرارات قضائية ضد المبدعين، بسبب علانية منتجهم الفني أو الأدبي أو الفكري. تحكم تدخل النقابات الفنية عدة ضوابط، فالأمر لا يتوقف على مساندة زملاء مهنة واحدة، إنما يخضع لمدى ملائمة التدخل لطبيعة العمل الذي قام به الفنان و سبب الاتهام، فإن كان بسبب هو «العمل الفني» وجب تدخل النقابة لحمايته. وبخصوص المعايير التي تُلزم النقابة بالتدخل في الدعاوى ومتابعة المواقف الخطرة التي تواجه الفنانين، فهناك قانون موحد لنقابة المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، وهو قانون رقم٣٥ لسنة ١٩٧٨ بشأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، ولم تصدر له لائحة تنفيذية من الوزير المختص حتى الآن. لذا فاللوائح الداخلية لهذه النقابات، بجانب أحكام المحاكم المصرية، هي من تحدد الشكل الأساسي لعمل هذه النقابات. وبالتمعن في تفاصيلها نصل بسهولة إلى أنه ليس من حق النقابات الفنية التدخل في قضايا لا علاقة لها بالعمل الفني. أما قانون النقابات الفنية، وبالتحديد لمادة رقم (٣) من قانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٨ بشأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، فقد حصر أهداف هذه النقابات في رعاية مصالح أعضائها، وحدّد شكل هذه الرعاية بتقديم الخدمات الثقافية والاقتصادية والمعاش والعجز والوفاة والتأمين الصحي، وذلك بحسب المادة رقم (٣) من قانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٨ بشأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية. أما نقابة المهن الموسيقية بالتحديد، فإن لائحتها الداخلية، وبالتحديد البند «خامسًا» من المادة رقم ١، قد ألزمت نقابة الموسيقيين بحماية أعضائها وحل مشاكلهم، مشترطة في هذا التحرك أن تكون المشكلة ناشئة بسبب عمل موسيقي، سواء داخل مصر أو خارجها، ولم يأت في اللائحة الداخلية لنقابة المهن السينمائية ما يزيد على سابقتها، لذا فهذه اللوائح إنما هي ترديد للقانون بتفصيلات أدق، ولا أكثر من ذلك. وضعت المحاكم المصرية يدها على تعريف واضح لأهداف النقابات الفنية، ورسمت لها حدودها. وواحد من هذه الأحكام، والصادر لإلغاء «الضبطية القضائية لأعضاء المهن التمثيلية»، يوضح أن دور النقابات الفنية هو رعايتها للمبدعين «في نطاق المهنة»، وذلك بحسب حكم محكمة القضاء الإداري، الدائرة الثانية، الدعوى رقم ٨٣٣٠ لسنة ٧٠ قضائية. أصبح من الصعب أن تؤخذ «حماية النقابات الفنية لأعضائها» على محمل حسن بوصفها مجرد رؤية شخصية للنقيب. حيث تعسف هذه النقابات في استعمال سلطتها وملاحقتها للمبدعين، وتقاعسها في الدفاع عنهم، دعا الكثيرين للإحجام عن الالتحاق بهذه النقابات الهشة، وأصبح لزامًا معها تغيير المادة ٧٧ من الدستور المصري الحالي، بحيث يُسمح بتنظيم المهنة لأكثر من نقابة. لم تكن هذه المرة الاولى التي تُمنع فيها الفرقة اللبنانية من تقديم حفلاتها بالوطن العربي، فقد سبقت مصر جارتُها الأردن، حين اتهمت أعضاء الفرقة بترويج أفكار «عبدة الشيطان» واستفزاز المشاعر العامة، ومنعهم وزير الداخلية الأردني من إقامة الحفل. والآن، ما بين الاتهام بـ«الفجور» في مصر، وبـ«عبادة الشيطان» في الأردن، تظل فرقة «مشروع ليلى» مصممة على تقديم فنها، ومهددة في بلد يصعب فيه على الدولة أن يستمتع الناس بيوم موسيقي واحد.
إخلاء سبيل اثنين من موظفي الضرائب على ذمة التحقيق في «التحريض على التظاهر والإضراب» مدى مصر ٢٦ سبتمبر ٢٠١٧ قرر قاضي المعارضات بمحكمة جنوب الجيزة إخلاء سبيل اثنين من موظفي الضرائب العامة بضمان وظيفتيهما، وذلك بعد القبض عليهما لتقدمهما، مع آخرين، بطلب ترخيص مظاهرة الأسبوع الماضي. وقال عمرو محمد، محامي المتهمين، إن الموظفين هما طارق إبراهيم، من موظفي الضرائب العامة بالقاهرة، ومحمد بسيوني، من موظفي الضرائب العامة بالغربية، موضحًا أنه يتبقى تسعة آخرين من محافظات مختلفة قيد الحبس. أُلقي القبض على الموظفين عقب تقديم ممثلي النقابات المستقلة للموظفين في ١٦ سبتمبر الجاري بطلب لقسم شرطة السيدة زينب للحصول على ترخيص للتظاهر يوم ١٩ سبتمبر أمام مقر مصلحة الضرائب للمطالبة بتسوية العلاوات والترقيات. وعُرض المتهمين الإثنين على نيابة العمرانية يوم اﻷحد ١٧ سبتمبر، والتي وجهت لهم اتهامات بالتحريض على التظاهر واﻹضراب، وقررت حبسهم أربعة أيام على ذمة التحقيقات. وأوضح المحامي أنه كان المفترض نظر تجديد حبسهما يوم الثلاثاء الماضي، إلا أن الجلسة تأجلت أسبوعًا كاملًا إلى اليوم. كما ألقت الشرطة القبض على التسعة اﻵخرين في اﻷيام التالية، ووجهت لهم نيابة كفر الزيات اتهامات في قضية منفصلة، وأمرت بحبسهم ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات، على أن يكون التجديد يوم اﻹثنين ٢ أكتوبر القادم في محكمة طنطا.
بسبب «قوس قزح».. «المهن الموسيقية» تنظر الأسبوع المقبل قرارًا بمنع حفلات «مشروع ليلى» مدى مصر ٢٥ سبتمبر ٢٠١٧ اتخذت هيئة مكتب نقابة المهن الموسيقية أمس، الأحد، قرارًا بمنع أي حفلات لفرقة «مشروع ليلى» اللبنانية في مصر، وعدم التصريح لها إلا بموافقة الأمن العام. ومن المُنتظر أن يعرض القرار للتصديق في اجتماع مجلس إدارة النقابة الأسبوع المقبل، حسب رضا رجب، وكيل النقابة لـ«مدى مصر». كانت «مشروع ليلى» قد أحيت حفلًا غنائيًا، نظمته «ميوزك بارك» مع كل من فرقتي «المربع» و«شارموفرز» في كايرو فيستفال سيتي بالتجمع الخامس، الجمعة الماضي، وخلال الحفل قام أفراد من الجمهور برفع علم قوس قزح المعبر عن التنوع في الميول الجنسية، ما أثار استنكارًا واسعًا على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. كما قدم المحامي عمرو عبد السلام، نائب رئيس منظمة الحق الدولية لحقوق الإنسان، بلاغًا للنائب العام برقم ١٠٩٤٩ لسنة ٢٠١٧ عرائض النائب العام، ضد الشركة المنظمة للحفل والمدير المسؤول عن مول كايروفيستفال وأعضاء فريق مشروع ليلى اللبناني ومسؤول صفحة «رينبو ايجيبت» متهمًا إياهم بـ«نشر الفجور»، حسب المادة ٩ من قانون «مكافحة الدعارة بالجمهورية العربية المتحدة» الصادر سنة ١٩٦١، والتي يعاقب عليها بالسجن لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات. وفي مداخلة له مع برنامج «الشارع المصري» على قناة العاصمة، كان رجب قد استنكر سماح الأمن العام للفرقة بدخول مصر، مبرئًا النقابة من مسؤولية إقامة الحفلة، حيثُ برّر نجاحهم في الحصول على تصريح نقابة المهن الموسيقية، بتمكنهم من الحصول على التصاريح اللازمة من الجهتين الأخريين المخولتين بإصدار الموافقة وهما وزارة القوى العاملة والأمن الوطني، مضيفًا أن نقابة المهن الموسيقية مع «الفن المحترم» فقط وضد «الفن الشاذ». في تعليقه على قرار النقابة، قال محمود عثمان، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، لـ«مدى مصر»، إن «تدخل النقابة يأتي على العكس تمامًا من دورها المفترض وهو حماية المبدعين والحرص على مصالحهم، والوقوف بجوارهم، إلا أنها بذلك، تقوم بمخالفة دورها لمجرد محاباة الدولة والسلطة التنفيذية التي رأت في التعبير عن الحرية الجنسية تعارضًا مع النظام العام». وأضاف عثمان أنه «في حال قيام نقابة المهن الموسيقية بمنع حفلات لمشروع ليلى، بعد حصولها على موافقة المصنفات الفنية لقبول العرض العام، فإن ذلك سيمثل انتهاكًا صريحًا لقانون المصنفات الفنية رقم ٤٣٠ لسنة ١٩٥٥، كما سيمثّل تعديًا على الدستور في مادته ٦٧ التي تلزم مؤسسات الدولة بحماية المبدعين». وأوضح أنه «ليس من اختصاص النقابة مساءلة أفعال الجمهور الحاضر، وإنما يقف اختصاصها عند تحصيل الرسوم المالية مقابل إعطاء التصريح المؤقت لعمل المبدعين. وطبقاً لحكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة الصادر في أبريل العام الجاري، القضية رقم ٨٨٣٠ لسنة ٧٠ فإنه ليس للنقابات الفنية الحق في التدخل في المحتوى الفني المقدم أو إبداء الرأي فيه، وأن هذا اختصاص المصنفات الفنية فقط، كما أن التعامل مع الجمهور هو من اختصاص الأمن وليس النقابة». كانت نقابة المهن الموسيقية قد سعت في فبراير ٢٠١٦ إلى إلغاء حفلين موسيقييين وصفتهما بأنهما «حفلات لعبدة الشيطان»، بحسب رئيس النقابة هاني شاكر، الذي أشار إلى وجود مؤامرة غربية لإفساد شباب مصر. في حوار له مع برنامج «العاصمة»، قال شاكر إن علاء سلامة، رئيس لجنة الموارد بالنقابة، لفت انتباهه إلى إقامة حفل لـ «عبدة الشيطان» في ملهى «شهرزاد» بوسط القاهرة. وأخبره سلامة أن من حضروا الحفل كانوا يرتدون ملابس غريبة، من بينها قمصانًا سوداء اللون تحمل شعار «نجمة داوود الماسونية»، ويضعون مساحيق تجميل على وجوههم. وقال رئيس النقابة كذلك إنه طلب من السلطات منع الحفل فورًا، وأضاف أن قوات الأمن وصلت إلى المكان بعد انتهاء الحفل. وأضاف شاكر في حديثه أن النقابة تمكنت من منع «حفل شيطاني» آخر في فندق «آمون» بحي المهندسين بالجيزة؛ كان من المُزمع إقامته مساء السبت. وقد ألغى المنظمون الحفل بعد أن علموا نية السلطات. كانت سلطات الأمن الأردنية قد منعت حفلًا لـ«مشروع ليلى» في يونيو الماضي بحجة «استفزازهم مشاعر العامّة». سبق ذلك منع الأردن حفلًا آخر للفرقة في أبريل ٢٠١٦، لأسباب مشابهة، بدعوى «مخالفة محتوى الاحتقال للقيم والعادات والتقاليد في المجتمع الأردني لاحتواء بعض أغاني الفرقة على ألفاظ لا تليق بطبيعة المجتمع الأردني». وعلقّت الفرقة وقتها على التصريح ببيان جاء فيه «القول أنه يجب منع الفرقة من العزف في الأردن بسبب تطرّق أغانينا لمواضيع الجنس، المثلية الجنسية أو مساندة التظاهرات ضد حكومات أو مجتمعات، ليس إلا قول بأنه يجب منع أي فنان يعالج حقوق إنسانية أساسية. وهذا الفكر يعادي حقوق الإنسان وأساليب الديمقراطية».