مدى مصر

ما بعد «ريجيني».. المصالح المشتركة والوعود السياسية يمهدان للقاء السيسي وجنتيلوني أسمهان سليمان ٢٩ أغسطس ٢٠١٧ قال مصدر دبلوماسي مصري إن اتصالات تجرى حاليًا لترتيب لقاء قصير، معلن، بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني، وذلك على هامش مشاركتهما المتوقعة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، المقرر عقدها في نيويورك الشهر المقبل. يأتي اللقاء المرتقب على خلفية إعلان وزير الخارجية الإيطالي أنجلينو آفانو، في ١٤ أغسطس الجاري، عن اقتراب عودة السفير باولو كانتيني لمكتبه بالقاهرة، في ظل التقدم الملحوظ في تعاون البلدين في التحقيقات الخاصة بقضية مقتل الباحث والطالب الإيطالي جوليو ريجيني. وعثر على جثة ريجيني في مطلع فبراير من العام الماضي، وعليها آثار تعذيب شديد، وذلك بعد أيام من اختفائه بالتزامن مع الذكرى الخامسة لثورة يناير، فيما تتهم أسرته السلطات المصرية بقتله، وهي التهمة التي تنفيها السلطات المصرية برغم اعتراف النائب العام المصري بخضوع ريجيني للرقابة الأمنية. كانت إيطاليا سحبت سفيرها في مصر، موريسيو ماساري، في أبريل ٢٠١٦، احتجاجًا على عدم تعاون الجانب المصري في الكشف عن مرتكبي حادث مقتل الطالب الإيطالي. من جانبه، قال المصدر الدبلوماسي إن عودة تبادل السفراء التي رجح أن تتم في أكتوبر المقبل أتت نتيجة لجملة من التفاهمات المتبادلة، كان منها اتصالات قام بها عدد من رجال اﻷعمال الذين يجمعهم تعاون كبير مع الجانب الإيطالي، إضافة إلى «اتفاقات مبدئية مهمة» للتعاون الاقتصادي بين البلدين، وأخيرًا «دعم كبير من الإمارات العربية المتحدة». في الوقت نفسه قال مصدر آخر بوزارة الخارجية المصرية إنه تم إبلاغ هشام بدر، مساعد وزير الخارجية، والمرشح سفيرًا لمصر لدى إيطاليا، أنه سيبقى مرشحًا لسفارة روما، خلفًا لعمر حلمي، الذي أنهى مهمته في روما في ديسمبر العام الماضي. وبحسب المصدر، لم يتم تضمين بدر في الحركة الدبلوماسية اﻷخيرة الصادرة في نهاية يوليو الماضي، نظرًا لاعتبارين؛ أولهما أن إيطاليا لم تعيد ترشيح كانتيني إلى منصب آخر في الحركة الدبلوماسية التي صدرت قبل نظيرتها المصرية، وثانيهما هو أمل القاهرة في تولي بدر مهام منصبه قريبًا، وأنها لا ترغب في سحب ترشيحه رغم عدم تحريك طلب الموافقة الدبلوماسية للاعتماد خوفًا من إرسال إشارة سلبية إلى روما. مصدر حكومي إيطالي، تحدث لـ «مدى مصر» من روما، مشددًا على الاحتفاظ بهويته، أشار إلى أن عودة تبادل السفراء ستتم في اﻷغلب ما بين أواخر سبتمبر ومطلع أكتوبر. وقال المصدر إنه في حين كانت «المصالح المشتركة الكبيرة» عنصرًا دافعًا لإعادة السفراء لمدن خدمتهم، «غير أننا تلقينا من القاهرة أوراق تحقيقات مطلوبة، تم توجيهها من مكتب النائب العام المصري إلي مكتب النائب العام الإيطالي، وكذلك وعدًا باستمرار التشاور للنظر في كيفية التعامل مع ملف شرائط كاميرات مترو الأنفاق في المحطة الأخيرة التي نظن أن جوليو اختفى عندها، فضلًا عن وعد سياسي صريح، لن أقول على أي مستوى، بالتعامل القانوني السليم مع عدد من المشتبه فيهم في فترة زمنية ليست بالضرورة قصيرة جدًا، مع الاتفاق على عدم إعلان أي تفاصيل من الجانبين قبل انتهاء الإجراءات الفنية والقانونية». كان النائب العام المصري قد وافق، في يناير الماضي، على طلب المحققين الإيطاليين بمشاركة خبراء ألمان في استرجاع بيانات كاميرات المراقبة بمحطتي متر أنفاق الدقي ومحمد نجيب، قبل أن يتم التراجع عن تلك الخطوة في أبريل، وهو ما برره وقتها مصدر حكومي مصري تحدث لـ «مدى مصر»، موضحًا «أبدينا استعدادنا لاستقبال الخبراء الألمان والتعاون معهم، لكنهم أخبرونا بأنهم سيضطرون لنقل الأشرطة إلى معاملهم الموجودة في ألمانيا والولايات المتحدة لأسباب فنية، وهذا أمر مرفوض بتاتًا من جانبنا». فيما أضاف المصدر الحكومي الإيطالي أن الخطوة المتوقعة من القاهرة والتي يمكن أن تحدث نقلة كبيرة حاليًا هي التعاون بصدد عرض وتحليل كاميرات مترو الأنفاق. واستكمل «لم يكن ممكنًا فيما سبق أن نقبل الروايات المفبركة، ولا كان ممكنًا للحكومة فيما مضى، ولا يمكن لها الآن، أن تتصرف دون حدوث تقدم حقيقي يمكن تقديمه للرأي العام الإيطالي، ولأسرة ريجيني التي تتحرك باستمرار للمطالبة بالكشف عن الحقيقة وراء مقتل ابنها». كانت الداخلية المصرية، قد أعلنت في مارس الماضي، عن قتلها خمسة أشخاص، اتهمتهم بالانتماء لعصابة لخطف اﻷجانب، وزعمت أنها وجدت في منزل أحدهم بطاقات هوية ومتعلقات تخص ريجيني. ولم تصمد تلك الرواية بعد أن أثبت تتبع سجلات مكالمات الخمسة المقتولين بعدهم عن المكان الذي اختفى فيه الطالب الإيطالي. وكذلك بعدما نشرت جريدة ريبوبليكا الإيطالية، في أبريل الماضي، تقريرًا في نسختها المطبوعة، قالت فيه إن أحد المسؤولين عن تصفية أفراد العصابة المزعومة، هو ضابط، برتبة عقيد، وهو الذي وضع متعلقات ريجيني في منزل أحد الضحايا، وأن هذا الضابط نفسه كان واحدًا ممن قاموا بتفتيش شقة ريجيني قبل اختفائه، وهو الإجراء الذي تم بمعاونة من شريك ريجيني في السكن. وكشفت أسرة ريجيني، بعد قرار الحكومة الإيطالية مؤخرًا بإعادة السفير إلى مصر، أنها تمتلك أسماء ثلاثة مسؤولين أمنيين مصريين، قالت إنهم متورطين في تعذيب وقتل ابنهم. من جهته، أشار المصدر الإيطالي إلى المصالح الاقتصادية المختلفة المتاحة بين مصر وإيطاليا، بما فيها التوسع المحتمل في التعاون في استخراج الغاز الطبيعي، فضلًا عن المصالح الإقليمية الهامة بما في ذلك الوضع في ليبيا، وعلاقات مصر المتوترة مع إثيوبيا، على خلفية ملف سد النهضة، والتي تمتلك إيطاليا علاقات سياسية واقتصادية جيدة جدًا معها. إلا أنه استدرك قائلًا إن «كل ما يحتاجه الأمر من الجانب المصري هو تحرك جاد يمكن أن يدعم رغبة إيطالية جادة في تطوير العلاقات مع مصر، خاصة وأن القاهرة لا بد وأن تتذكر أن روما كانت أولى العواصم الداعمة للتغيير السياسي الذي شهدته مصر في صيف ٢٠١٣ وبدون أي تردد».
إخلاء سبيل مالك مصطفى ومحمد عبدالعظيم بكفالة ألفين جنيه لكل منهما في قضية «المجتمع المدني» مدى مصر ٢٩ أغسطس ٢٠١٧ أخلى قاضي التحقيق المستشار هشام عبدالمجيد، في القضية رقم ١٧٣ لسنة ٢٠١١، اليوم الثلاثاء، المعروفة إعلاميًا بقضية «المجتمع المدني»، سبيل كل من مالك مصطفى والمحامي محمد عبدالعظيم بكفالة قدرها ٢٠٠٠ جنيه لكل منهما، بعد توجيه اتهامات لهما بالاشتراك في أنشطة مركز هشام مبارك للقانون. وكان قاضي التحقيق ضم المخلى سبيلهما إلى القضية، عقب جلسة التحقيق المنعقدة الثلاثاء الماضي، والتي وجهت فيها اتهامات للمحامي مالك عدلي بمساعدة مركز هشام مبارك بالمشاركة في أعمال تضر بالأمن القومي، وللمحامي أسامة خليل بالاشتراك مع آخرين في مركز هشام مبارك بتلقي أموال للتحريض على مؤسسات الدولة والاشتراك مع المركز في ممارسة نشاط الجمعيات الأهلية دون ترخيص والتهرب الضريبي، ثم أخلى سبيل مالك عدلي بضمان محل الإقامة وأسامة خليل بكفالة ٣ آلاف جنيه. كان «عبدالمجيد» قرر إخلاء سبيل المحامي الحقوقي أحمد راغب في يونيو الماضي بكفالة قدرها خمسة آلاف جنيه بصفته أحد مؤسسي مركز هشام مبارك للقانون، في ذات القضية، حيث واجه اتهامات بـ «الاشتراك مع آخرين في تلقي مبالغ مالية من جهات خارجية واردة لمركز هشام مبارك، كونه كيان غير مسجل، وصرفها في أوجه غير مشروعة بقصد الإضرار بالأمن القومي وصالح البلاد». كما واجه مدير المركز مصطفى الحسن، في وقت سابق تحقيقات مشابهة قبل إخلاء سبيله بكفالة ٢٠ ألف جنيه بعدما وجهت إليه تهمًا بـ«تلقي أموال للإضرار بالمصلحة الوطنية وهدم أعمدة الدولة الأساسية الجيش والشرطة والقضاء، وإنشاء كيان يمارس عمل الجمعيات دون تسجيل. وأخيرًا تهمة التهرب من سداد ضريبة إيرادات». وشهدت الفترة الأخيرة موجة من التحقيقات المكثفة مع عدد من العاملين في المنظمات الحقوقية المختلفة، منهم مؤسس المركز المصري للحق في التعليم عبدالحفيظ طايل، والذي أُخلي سبيله بكفالة ٢٠ ألف جنيه في اتهامات مشابهة، بالإضافة إلى مدير مكتب مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان محمد زارع. وأخلى قاضي التحقيق سبيل «زارع» بكفالة ٣٠ ألف جنيه. وأمر «عبدالمجيد» أيضًا بإخلاء سبيل مدير مركز قضايا المرأة عزة سليمان، بكفالة ٢٠ ألف جنيه بعد التحقيق معها في ديسمبر الماضي. وكانت الشرطة تحفظت على «سليمان» من منزلها واقتادتها إلى مقر التحقيق، بعد صدور قرار بضبطها وإحضارها.
حقوقيون يطعنون على«تجديد ندب» قاضي التحقيق في قضية «المجتمع المدني» أمام القضاء الإداري مدى مصر ٢٨ أغسطس ٢٠١٧ طَعَنَ عدد من الحقوقيين المتهمين في قضية «منظمات المجتمع المدني» أمام القضاء اﻹداري السبت الماضي، وذلك لوقف وإلغاء قرار رئيس محكمة استئناف القاهرة بتجديد نَدَبَ قاضي التحقيق في القضية، حسب بيان أصدروه اليوم الإثنين. وقد تقدم بالطعن كلٍ من بهي الدين حسن، وجمال عيد، وعايدة سيف الدولة، وعزة سليمان، ومحمد زارع، ومزن حسن، ومصطفى الحسن. ويباشر قاضي التحقيق هشام عبد المجيد عمله في القضية للعام الثالث على التوالي، مما اعتبره الطاعنون مخالفًا للمادة ٦٦ من قانون الإجراءات الجنائية. وتشترط المادة أن يكون نَدَبَ قضاة التحقيق لمدة لا تتجاوز ٦ أشهر، يجوز تجديدها لمرة واحدة لمدة مماثلة. كما اعتبر البيان أن قاضي التحقيق «ولمدة عامين على الأقل باشر عمله دون ولاية قانونية أو قضائية، أصدر خلالهما عشرات القرارات الباطلة قانونًا بالمنع من السفر وطلبات بمنع التصرف في الأموال، فضلاً عن قرار واحد على الأقل بالضبط والإحضار». وقال محمد زارع، مدير مكتب مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، لـ «مدى مصر» «إن المشاكل في اﻹجراءات تُشكك في المحاكمة ككل، كما تُشير إلى وجود نية مُسبَّقة ﻹدانة المتهمين». وقد تقدم الحقوقيون بالطعن بعد عدد من قرارات الاستدعاء للتحقيق مع المتهمين، خلال الفترة اﻷخيرة، والتي واجههوا فيها اتهامات تتعلق بتلقي أموال للتحريض على مؤسسات الدولة، والاشتراك في كيان يمارس نشاط الجمعيات الأهلية بدون ترخيص، والتهرب الضريبي. وكان آخر الجلسات قد خصصت للتحقيق مع كلٍ من مالك عدلي وأسامة خليل الأسبوع الماضي. وقد أوضح البيان أن القانون يقيد عمل قاضي التحقيق لمدة ستة شهور ﻹنجاز تحقيقه. وفي حالة عدم قدرة القاضي على الانتهاء من تحقيقه يتقدم بطلب للجمعية العامة لمحكمة الاستئناف لمَدّ فترة انتدابه لستة أشهر أخرى كحد أقصى على أن يوضح فيه أسباب عدم تمكنه من الانتهاء من التحقيقات. وجاء في البيان أن «الغرض من تقييد فترة ندب قاضي التحقيق هي إنجاز التحقيقات حتى لا يبقى الاتهام سيفًا مُعلقًا فوق رقاب المتهمين لفترة طويلة، خصوصًا مع اﻹجراءات التي اتخذها القاضي خلال تحقيقاته من التحفظ على أموال المتهمين ومنعهم من السفر». وكان زارع قد تقدم خلال جلسة التحقيق معه، في مايو الماضي، بطلب للاطلاع على المذكرات التي تقدم بها قاضي التحقيق لبيان أسباب عدم تمكنه من الانتهاء من التحقيق وطلب فترة إضافية، ليكون ذلك متماشيًا مع المادة ٦٦ من قانون الإجراءات الجنائية. وأوضح زارع لـ «مدى مصر» أن محكمة استئناف القاهرة كانت قد وافقت على الطلب الخاص بالاطلاع على المذكرات. وقد رفض قاضي التحقيق، وقتها، تنفيذ الطلب وعرض المذكرات المطلوبة على زارع وفريق الدفاع عنه. وكانت التحقيقات في قضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١، المعروفة بقضية «المجتمع المدني»، قد أُثيرت، في ديسمبر من العام ٢٠١١. وقد وجهت اتهامات إلى العاملين في منظمات غير حكومية بإدارة منظمات والحصول على تمويل من حكومات أجنبية دون ترخيص بذلك. وانقسمت القضية، وقتها، إلى شقيَن؛ يختص اﻷول بالمنظمات غير الحكومية الأجنبية، بينما يتعلق الثاني بمثيلاتها المحلية. وكانت محكمة جنايات القاهرة قد أصدرت، في يونيو ٢٠١٣، حُكمها على ٤٣ متهمًا بعقوبات حبس لمددٍ تتراوح بين عام واحد وخمسة أعوام، وذلك فيما يخص المنظمات غير الحكومية الأجنبية. وكان من ضمن المتهمين ١٧ مواطنًا أمريكيًا فضلًا عن أجانب تنوعت جنسياتهم بين الألمانية، والصربية، والنرويجية، والأردنية وعدد من المصريين. وقد صدر الحكم غيابيًا ضد العديد من المتهمين في القضية. كما أمرت جنايات القاهرة بإغلاق المنظمات غير الحكومية المتهمة ومنها «المعهد الجمهوري الدولي»، «المعهد الوطني الديمقراطي»، و«فريدوم هاوس». فيما تستكمل التحقيقات المتعلقة بالمنظمات المحلية، والتي تجدد الاستدعاء للعاملين بالمجتمع المدني لجلسات تحقيق من جانب عدد من القُضاة منذ ديسمبر ٢٠١٤. وكان آخرهم قاضي التحقيق هشام عبد المجيد.
اتفاق مصري إسرائيلي تخفيض غرامة التحكيم مقابل استيراد الغاز وترسيم الحدود البحرية أحمد سعيد أسمهان سليمان ٢٨ أغسطس ٢٠١٧ توصلت الحكومة المصرية إلى اتفاق مبدئي مع نظيرتها الإسرائيلية على حل لأزمة قضية التحكيم الدولي بينهما المتعلقة بتغريم قطاع البترول المصري نحو ١.٧٦ مليار دولار، بسبب وقف تصدير الغاز لتل أبيب. وأكدت أربعة مصادر مصرية على علم وثيق بتطورات المفاوضات ومن بينها مصادر حكومية لـ«مدى مصر» أن الحكومة الإسرائيلية وافقت «بشكل مبدئي» على تخفيض قيمة الغرامة، مقابل أن تسمح مصر للقطاع الخاص باستيراد الغاز من إسرائيل، بالإضافة إلى فتح باب التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وكشف مسؤول مصري على اطلاع مباشر على ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية أن مسألة إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين مصر وإسرائيل كانت موضوعًا لحوار مباشر بين الرئيس، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في لقاء غير معلن عقده الاثنان في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام الماضي. وأضاف المسؤول أن وفودًا من البلدين تبادلت زيارات أولية في هذا الشأن وأن إسرائيل تسعى لقبول مؤسسة الرئاسة بمسودة ترسيم مقترحة يمكن فيما بعد التفاوض حول تفاصيلها وسبل تنفيذها بين الجهات المعنية في البلدين. كانت غرفة التجارة الدولية بجنيف قد أصدرت حكمًا نهائيًا، في أواخر ٢٠١٥، يقضي بإلزام الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، والهيئة العامة للبترول بدفع تعويض بقيمة ١.٧٦ مليار دولار لشركة كهرباء إسرائيل، بالإضافة إلى ٢٨٨ مليون دولار لصالح شركة غاز شرق المتوسط، بعد قرار مصر وقف تصدير الغاز لتل أبيب في ٢٠١٢. وكانت مصر تصدر الغاز الطبيعي إلى إسرائيل منذ ٢٠٠٨، بموجب اتفاق مدته ٢٠ عامًا، من خلال خط أنابيب شركة غاز شرق المتوسط، ثم تعرض ذلك الخط لعدة هجمات بعد ثورة يناير ٢٠١١ على يد مسلحين من سيناء. وفي أبريل ٢٠١٢ قررت «إيجاس» إنهاء التعاقد مع الحكومة الإسرائيلية، مبررة ذلك بتراكم مستحقاتها لدى شركة غاز شرق المتوسط، التي تتوزع ملكيتها بين رجال أعمال مصريين وإسرائيليين. وقالت المصادر الأربعة، التي طلبت عدم كشف هويتها بسبب سرية المفاوضات، إن الحكومة المصرية لجأت إلى وساطة أمريكية وأوروبية لحل أزمة قضية التحكيم الدولي المرفوعة من الجانب الإسرائيلي، وتم التوصل لاتفاق مبدئي على تخفيض قيمة الغرامة إلى ما يتراوح بين ٣٠٠ إلى ٥٠٠ مليون دولار، مشيرة إلى أن المفاوضات لازالت جارية بشأن القيمة النهائية للغرامة وتفاصيل السداد. ويتطلب استيراد الغاز من إسرائيل حصول الشركات المصرية والأجنبية العاملة في مصر على موافقة من الجهاز القومي لتنظيم سوق الغاز المصري، والذي أصدرت الحكومة قانونًا بإنشائه مطلع أغسطس الجاري وصدق رئيس الجمهورية عليه بعد إقراره بمجلس النواب. وبموجب قانون تنظيم سوق الغاز ستتمكن شركات القطاع الخاص للمرة الأولى من استيراده وبيعه داخل السوق المصرية بعد الحصول على ترخيص من الجهاز. وتسعى الشركات الخاصة في مصر إلى البدء في استيراد الغاز خلال العام المقبل عقب الحصول على التراخيص. اتفاقات مبدئية للاستيراد من إسرائيل وقعت شركات تعمل في مصر اتفاقات مبدئية خلال ٢٠١٥ لاستيراد الغاز من إسرائيل وتسييله في محطات الإسالة التابعة لتلك الشركات لإعادة تصديره مسالًا، حيث تلتزم تلك الشركات بعقود تصديرية. ولجأت تلك الشركات لذلك بعد تعرض السوق المصري لأزمة في إمدادات الغاز الطبيعي، مما دفع الحكومة إلى وقف إمداداتها من الغاز لمحطات الإسالة بغرض التصدير وتوجيهها إلى محطات الكهرباء. ويوجد بمصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعي، الأول مصنع إدكو، المملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، ويضم وحدتين للإسالة، والآخر في دمياط ويتبع شركة يونيون فينوسا الإسبانية الإيطالية ويضم وحدة واحدة فقط. والشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، المالكة لمصنع إدكو، تأسست باستثمارات أجنبية بحوالي ملياري دولار، وتساهم في رأسمالها الهيئة المصرية العامة للبترول بنسبة ١٢% والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) بنحو ١٢%، وكل من «بى جى» بنسبة ٣٥.٥%، والتي استحوذت عليها شركة شل الهولندية، وبتروناس الماليزية بنحو ٣٥.٥%، وغاز دى فرانس بنسبة ٥%. كما وقعت شركة دولفينوس القابضة، المملوكة لرجال أعمال مصريين بقيادة علاء عرفة، عقودًا لاستيراد الغاز من إسرائيل. بي جي مصر (التي استحوذت عليها شل) اتفقت بشكل مبدئي على استيراد ٧ مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا من حقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي العملاق لوثيان إلى مصنع الإسالة في إدكو بدمياط، لمدة ١٥ عامًا عبر خط أنابيب تحت الماء، وبقيمة ٣٠ مليار دولار خلال مدة العقد. يونيون فينوسا جاس الأسبانية وقعت خطابًا أوليًا مع شركة نوبل إنيرجي الأمريكية التي تمتلك نسبة ٣٦% في حقل تمار للغاز الإسرائيلي، لتوريد نحو ٢.٥ تريليون قدم مكعب من الغاز على مدى ١٥ عامًا إلى مصنع إسالة الغاز الطبيعي في دمياط. دولفينوس القابضة استيراد ما يصل إلى ٤ مليارات متر مكعب سنويًا من الغاز الإسرائيلي لمدة تتراوح بين ١٠ إلى ١٥ سنة، بحسب ما أعلنته دولفينوس في ٢٠١٥. مفاوضات ترسيم الحدود أحد المصادر الأربعة التي تحدث إليها «مدى مصر» ذكر أن الاتفاق المبدئي بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية لحل أزمة قضية التحكيم الدولي يتضمن أيضًا فتح المفاوضات الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وذلك ضمن مفاوضات أوسع لترسيم الحدود البحرية بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان. وقامت مصر بترسيم حدودها البحرية مع قبرص عام ٢٠٠٣، فيما لا تزال المباحثات الفنية مستمرة بين القاهرة وأثينا بشأن ترسيم الحدود بين البلدين. ولم توقع مصر اتفاقًا لتعيين حدودها البحرية مع إسرائيل أو السلطة الفلسطينية حتى الآن. وقال المصدر «توجد تفاهمات بين مصر وقبرص واليونان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية فيما بينها، حيث توجد خطة لدى الدول الأربعة تتضمن ترسيم الحدود بما يمكنها من البدء في استخراج الغاز الطبيعي في منطقة حوض شرق البحر المتوسط، مما يساعد على تحول تلك المنطقة إلى مركز إقليمي للطاقة». لكن المسؤول الحكومي المطلع على ملف العلاقات مع إسرائيل قال إن هناك تباينًا في الآراء داخل مؤسسات الدولة المصرية بشأن التعاطي مع المقترح الإسرائيلي بالبدء في عملية فنية لترسيم الحدود البحرية. وتتمحور تحفظات بعض الجهات الرسمية المصرية، وفق المسؤول نفسه، حول نواحٍ بعضها فني، يتعلق بالأميال البحرية التي ترغب إسرائيل في الحصول عليها، والبعض الآخر سياسي وأمني، خاصة فيما يمس المسؤوليات الأمنية التالية لترسيم الحدود والالتزام بالحصار البحري المفروض على غزة، والآثار المحتملة لأي اتفاق حدودي مصري إسرائيلي على السيادة والحقوق المائية للفلسطينيين مستقبلًا. لكن المسؤول أضاف أن أطرافًا ومؤسسات أخرى في كل من القاهرة وتل أبيب ترى فرصة سانحة لإنجاز تقدم في هذا الملف، في ضوء التحسن غير المسبوق في العلاقات المصرية الإسرائيلية على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، فضلًا عن الفرص الاستثمارية الواعدة التي تقدمها اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط. وتشير دراسات المؤسسة العامة للمسح الجيولوجي في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن احتياطيات حوض البحر المتوسط تقدر بنحو ١٢٢ تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى حوالي ١٠٧ مليارات برميل من النفط الخام. وتسعى الدول الأربعة إلى استغلال البنية التحتية المملوكة لمصر، في مجال تسييل الغاز الطبيعي وتحويله إلى غاز مسال، حيث لا تمتلك الدول الثلاث محطات إسالة، وبالتالي تسعى لاستخراج الغاز الطبيعي من البحر المتوسط وتسييله في محطات الإسالة المصرية التي تقدر الطاقة الاستيعابية لها بنحو ٢.١ مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا، وهو ما يساعد تلك الدول على تصدير إنتاجها بعد تسييله في مصر.
«١٩٨٤» المصرية الحرب على الكلمة أحمد القهوجي ٢٨ أغسطس ٢٠١٧ «لم يكن الهدف الوحيد من وراء استخدام اللغة الجديدة هو تقديم وسيط للتعبير عن وجهات نظر أعضاء حزب الاشتراكية الإنجليزية أو عاداتهم العقلية فحسب، بل كان من ضمن الأهداف أيضًا جعل كل طرق التفكير الأخرى مستحيلة. كانت الغاية من وراء وأد اللغة القديمة واعتماد نظيرتها الجديدة ألا يمكن أصلًا التفكير في الفكرة الفاسدة، أي الفكرة التي تخالف مبادئ الحزب، نظرًا لاعتماد الفكر على اللغة... وقد تم التوصل لهذه الغاية من خلال اختراع كلمات جديدة، وبصورة خاصة من خلال حذف الكلام غير المرغوب فيه، وكذلك إسقاط المعاني الثانوية الفلسفية والسياسية عن الألفاظ الباقية.» المقتطفات السابقة من رواية «١٩٨٤» للكاتب الإنجليزي جورج أورويل، وقد نصحتني زوجتي العزيزة هبة بقراءته بعد أن حدثتها عن رغبتي في كتابة مقال يناقش الظاهرة الحالية لتحجيم الفكر وحرية التعبير في الفضاء السياسي المصري، من خلال إفقار اللغة وسجن الكلمة. في هذه الفقرة، يتحدث أورويل عن الغاية من وراء استحداث اللغة الجديدة (Newspeak)، بعد أن فرغ من شرح قواعدها التي تعتمد على الإنقاص التدريجي للمفردات والاختزال المجحف للأفكار من خلال استخدام مصطلحات مبسطة تخرجها عن معانيها الأصلية، وفقًا لخطة مرسومة من النظام «الثوري» الحاكم، وبحيث يتقبل الناس أن اثنين زائد اثنين تساوي خمسة، لعدم وجود المنطق أو الكلمات التي تسمح بالتفكير بكون الإجابة هي أربعة. وقد فاجأني مدى التماثل في الوسائل بين «وزارة الحقيقة» في عالم أورويل الديستوبي، وبين ما يحدث في مصر حاليًا على مستوى الحرب على حرية الكلمة والتعبير، وإن كنت أستبعد طبعًا أن تكون أية خطة مكتوبة وموضوعة بعناية في درج إحدى الوزارات مجدية، بمعنى أنه لا يوجد إطار عام ولكن يوجد نهج يعكف على عملية تقييد اللغة، وبالتالي الفكر، على المستويات السياسية والقانونية والاجتماعية المختلفة، وهو ما يتضح مثلًا من التوجيهات الرئاسية للإعلام بخلق «فوبيا من سقوط الدولة»، ما يعني بالتبعية إخراج كلمات مثل «مظاهرة» و«مطالب» و«إصلاح» و«ثورة» من دائرة «المفكَّر فيه»، وإدخالها في دائرة الممنوعات اللغوية، وبالتالي تكريس رؤية أحادية للعالم ترى الواقع والأحداث وفق عقلية «اسمعوني أنا بس». ماهية الحرب يقول الفيلسوف الألماني هيردر إن اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الفكر، بل هي أيضًا القالب الذي يتشكل فيه الأخير، وبالتالي فإن «كل أمة تتكلم كما تفكر، وتفكر كما تتكلم»، وقد ساهم العالِم السوفييتي ليف فيجوتسكي في تأكيد ما سبق من خلال أبحاثه في علم النفس التي ربطت بين استيعاب اللغة لدى الطفل من جهة، ونموه الفكري من جهة أخرى. استحضار الأراء السابقة لا يعني أني أنكر عجز الكلمات أحيانًا عن التعبير عما يجول بخاطري، ولكن كلمة «كمبيوتر» أو «طائرة» مثلًا تثير في ذهني وذهنك معاني ومفاهيم محددة وواضحة قد يعتبرها ساكن القرن الخامس عشر شيطانية. اللغة إذن تحكم الفكر بدرجة أو بأخرى، ومن هذا المنظور تصبح اللغة مسألة سياسية بامتياز، تسعى السلطة الحاكمة لتقنينها والسيطرة عليها، فلا ننسى إشارة إنجيل لكون جريمة المسيح التي صُلب لأجلها كانت ازدراء الشريعة اليهودية، أي أن كلماته، بما حملته من معان، هدّدت النظام السياسي والاجتماعي السائد آنذاك، بما استوجب قتله. كما أن عملية «التتريك» التي قامت بها الدولة العثمانية تشهد على هذه الرغبة السياسية في السيطرة على الوعاء اللغوي والثقافي للشعوب المستضعفة، وهو ما يذكّر بما قامت به الإمبراطورية الفرنسية في مستعمراتها من سحق اللغات المحلية وإحلال الفرنسية محلها. ما يحدث حاليًا في الفضاء السياسي المصري هو امتداد للسوابق التاريخية التي تريد أن تحكم الفكر من خلال تقييد الكلمة، ولا أدل على ذلك من حجب الحكومة المصرية لعدد من المواقع الإلكترونية، بدعوى نشرها أخبارًا كاذبة، دون تقديم أدلة محددة تدين هذه المواقع، وفي محاولة لتجفيف مصادر الكلمة غير الرسمية. من نفس المنظور يمكن تحليل مشروع القانون المقترح لحظر نشر أي أخبار أو معلومات تتعلق بالمؤسسة العسكرية إلا بتصريح كتابي من القيادة العامة للقوات المسلحة، وهو تعنت يضرب التناول الصحفي الموضوعي في مقتل، ولا يختلف عن ذلك ما حدث لإبراهيم عيسى أو منظمات المجتمع المدني أو الدعاوي القضائية ضد حسام بهجت وإسماعيل الإسكندراني وباسم يوسف، ولعل الأخير أخطرهم لأن برنامجه كان أكثر اختراقًا للبيت المصري، ولأن فكرته قامت على كشف التناقض في كلمة السلطة. يوضح ما سبق الغاية من الحرب على الكلمة؛ ترسيخ نسخة رسمية في قراءة الأحداث لا يأتيها الباطل لا عن يمينها ولا عن شمالها، وتختلط هذه الغاية مع ماهية الحرب بحيث يصعب الفصل بينهما، وفي سبيل ذلك تحرك السلطة الحاكمة مجموعة من الأدوات التي تساعدها على تحقيق هذه الغاية. أدوات الحرب اذا كانت اللغة ترسم حدود الفكر، فان أول أداة لتحجيم الثاني هي بإفقار الأولى. يحدثنا بيير بورديو عن نزوع النظام الاقتصادي العالمي، ممثلًا في هيئات دولية مرموقة مثل صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية ومؤسسات علمية بمكانة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، لتغيير المعجم اللغوي الاقتصادي، بما يتناسب مع الأيدولوجية النيوليبرالية الأمريكية، فالإمبريالية أصبحت تسمى «عولمة» والاستغلال أصبح «إقصاء»، واختفت من تقارير هذه الهيئات كلمات مثل «رأسمالية» و«طبقات» و«احتكار»، وغيرها من الكلمات التي تعكس الصراعات الاجتماعية أو العلاقات الاقتصادية غير المتوازنة، وهو توجه يرى فيه بورديو نوعًا من الاستعمار الثقافي الرمزي الذي يفرض لغته، وبالتالي مفاهيمه ورؤاه، على الطرف الضعيف. قد يجري إفقار اللغة من خلال الاختزال السطحي للمفاهيم على طريقة «الليبرالية تعني أن تخلع والدتي الحجاب»، فمثل هذا النهج يفرغ الكلمة من حمولتها المعنوية ويدمغها بصيت سيء السمعة يمنع النقاش الحقيقي حولها، كما يكون الإفقار بمنع تداول مجموعة من الكلمات عن طريق تجريم استخدامها، وما يهمني في هذا المجال هو المصدر السلطوي لعملية الإفقار. مع اختلاف المدى والغايات، لنأخذ فرنسا نموذجًا للتدليل على التدخل الرسمي في تقييد اللغة، ولعل المثال الأبرز على ذلك هو تجريم إنكار الجرائم ضد الإنسانية، وبصفة خاصة الهولوكوست، ومعاقبة مرتكبها بالحبس لخمس سنوات وغرامة ٤٥ الف يورو، من خلال ما يعرف بـ«قوانين الذاكرة»، التي يُترك للقاضي فيها تقدير تحقق الجريمة من عدمه. في كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية»، شكّك الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي في التحقق المادي للهولوكوست، من خلال الجدل الذي أثاره حول مفهوم «الحل النهائي» الذي اعتمده النظام النازي للتخلص من اليهود، وترتب على ذلك إحالة جارودي لمحكمة الجنايات الفرنسية التي عاقبته على كلماته، من منطلق أن حرية التعبير لا تكفل التشكيك في وقائع متحققة، حتى على مستوى البحث الأكاديمي التاريخي، وأن مجرد الإنكار، ولو بطريق الإشارة، يكشف عن شخصية تعادي السامية وتبرّر لجرائم النازية، أي أن التعبير بكلمات تخالف القراءة الرسمية للماضي يضع صاحبه تحت طائلة المساءلة الجنائية. على نفس المنوال يمكن النظر للجدل المثار حول عبارة «لستُ شارلي»، التي انتشرت بعد الحادثة الإرهابية التي طالت الجريدة الساخرة «شارلي هبدو»، في تعبير من بعض المواطنين عن عدم موافقتهم على المحتوى الذي تقدمه الجريدة. وبصرف النظر عن موقفهم الشاجب للحادثة أو المدافع عنها، فمجموع هاتين الكلمتين ترتّب عليه فصل لاعب كرة سلة من فريقه عقابًا له على سوء فعله، كما فُصل عدد لا بأس به من طلاب المدارس ممن استخدموا هذه العبارة على موقعي تويتر وفيسبوك. كان هذا على المستوى الاجتماعي، أما على المستوى الرسمي، فالمشرع الفرنسي يعاقب على جريمة التبرير للإرهاب، أي التعبير بالكلمات كتابة أو قولًا عن موقف يتضامن مع هذه الأفعال أو يبررها بأي شكل من الأشكال، ومن المضحك المبكي ما قامت به شرطة مدينة نيس، بناء على هذا النص، من استدعاء طفل عمره ثماني سنوات، تفوه بعبارة «لست شارلي» خلال إحدى الحصص المدرسية، للتحقيق معه في جريمته، فما كان منه الا أن أجاب المحقق بأنه لا يفهم أصلًا معنى كلمة «إرهاب». بعيدًا عن النقد الموجه لمسلك الشرطة الفرنسية في هذه القضية، إلا أنه يعكس وجود محاكم تفتيش لغوية مهمتها الكشف المبكر عن الاختلالات السلوكية للأطفال، وصولًا لتصنيفهم بحسب درجة استعدادهم للانحراف، بتعبير دينيس سالاس. ومع اختلاف المدى والغايات أيضًا، فإن السلطة الحاكمة في مصر تتدخل كذلك لتقييد الفكر، من خلال إفقار اللغة على مستويين اثنين الأول هو تجريم الكلام غير المرغوب فيه من خلال نصوص فضفاضة تعاقب على خدش الحياء العام مثلًا أو ازدراء الدين، وتُفعَّل هذه النصوص في المحاكم، حين تعتبر الدولة أن النظام الاجتماعي قد جرى المساس به، وبناء عليه ترى محكمة جنح مستأنف بولاق أحمد ناجي من هؤلاء «الكتاب ]الذين[ يسعون فى الأرض فسادًا ينشرون الرذيلة ويفسدون الأخلاق بأقلامهم المسمومة تحت مسمى حرية الفكر»، وهو بذلك يهدّد دور المشرع في «حماية للأخلاق والأدب مما يفسدهما، وحماية للمجتمع والكرامة الأدبية للجماعة التى قوامها الدين والأخلاق والوطنية». ولنا أيضًا عبرة في بلاغ الأزهر بحق إسلام البحيري الذي اعتبره «يبث أفكارًا شاذة تمس ثوابت الدين، وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المتفق عليهم، وتسيء لعلماء الإسلام، وتعكر السلم الوطني، وتثير الفتن». فمجرد الحديث في نقد التراث ورفع القداسة عن بعض الشخصيات التاريخية لا بد من التصدي له بشدة، لأنه قد يجعل من المقبول نقد وتعرية قداسة شخصيات الحاضر. أما المستوى الثاني فهو إعادة تعريف بعض المفاهيم، بما يخرجها عن دلالتها المعنوية المستقرة كما في مثال «الليبرالية تعني أن تخلع والدتك الحجاب»، فعبارة «تحيا مصر» مثلًا أصبحت غمزة للنظام الحاكم ورأسه، وعبارة «حقوق الإنسان» تستدعي المؤامرات الكونية والتمويل الأجنبي، و«ثورة يناير» تحولت إلى «٢٥ خساير»، بل أن مفهوم «الثورة» نفسه أصبح مقتصرًا على ذلك الحراك الشعبي الذي تقوده أو تدعمه إحدى مؤسسات الدولة (غالبًا العسكرية)، على طريقة «مبارك أول من أيّد ثورة يناير»، بصوت فريد الديب. على أن التجريف المعنوي الأخطر والأعمق قد أصاب مصطلح «الوطنية» الراسخ عبر التاريخ والمتمحور حول مفهومي «الأرض» و«العرض»، وفقًا لعقيدة زرعتها السلطة في وجداننا من خلال الأدوات الثقافية والمناهج الدراسية، بداية من طرد الهكسوس، مرورًا بصلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز وانتهاء بحرب أكتوبر وملحمة طابا، تلك التي رسخ في الوجدان الشعبي أن التنازل عنها بمثابة تخلي الأم عن أولادها، وفقًا لتصريح حسني مبارك في احدى المقابلات الصحفية، حين مال بجانبه الأيمن الى الأمام قليلا في نفس اللحظة التي ركز فيها المخرج الكادر على محياه عند التلفظ بالتشبيه في قمة الأداء المسرحي. هذا المفهوم الراسخ للوطنية تزلزلت أعمدته حين أثير موضوع التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة السعودية لأول مرة، وتشقق سقفه حين طعنت الحكومة بنفسها على حكم بطلان التوقيع على الاتفاقية، وتهدم الصرح على رؤوس من فيه حين ضربت الحكومة عرض الحائط بالحكم النهائي لمجلس الدولة بمصرية تيران وصنافير، وأحيلت الاتفاقية إلى مجلس الشعب الذي صادق عليها في عجالة، وبالتالي أصبح المطالبون بمصرية الأرض «في الأساس خونة ويجب محاكمتهم، لأنهم يعملون من أجل مصالح شخصية لا مصلحة الوطن»، في مشهد عبثي وقع فيه العقل والمنطق رهينة الغوغاء، وأبدى البعض فيه استياءه من ورود اسمه خطأ ضمن النواب الذين قالوا بمصرية الجزيرتين. وفي جميع الأحوال أنهى الرئيس الجدل فيه بتوجيه واضح «مش عايزين كلام في الموضوع تاني»، لأن مجرد الكلام فيه مسلك مرفوض، فما بالك بالتظاهر حوله؟ وقد اكتمل تشويه معنى «الوطنية» حين أصبحت تعني حصريًا موالاة الرئيس والنظام الحاكم في كل همساته ولمزاته، فحين تنتقد أو تعترض، أو بأضعف الايمان تتساءل، تصبح خائنًا وعميلًا وخلية نائمة وطابورًا خامسًا. كان هذا عن الأداة الأولى للحرب والمتمثلة في تقييد الفكر من خلال إفقار اللغة، وهي تعتمد بالأساس على الحذف والتكرار وقصر ذاكرة الشعوب، على أن هناك سلاحًا أخر أقل استخدامًا ويقتضي تحريك طاقات ابداعية أدق، يتمثل في خلق كلمات جديدة تخدم أهدافًا سلطوية وتفرض واقعها الخاص على حركة الفكر. ولعل الإمبراطورية الفرنسية كانت سبّاقة في هذا المجال، فسلطة الاحتلال في الجزائر والمغرب ومدغشقر وهايتي وغيرها وظّفت مصطلحات جديدة هدفت لإخفاء مطامعها الاقتصادية وتغطية أهدافها الاستعمارية، فما قامت به لم يعد استعمارًا، بل «مهمة حضارية.. mission civilisatrice» اقتلعت بها السكان من جذور التخلف، والضريبة الظالمة المفروضة عليهم تصبح «ضريبة تهذيبية..impôt moralisateur» تهدف لتعليم الشعب قيمة العمل في زراعة قصب السكر المستخدم في إنتاج مشروب الرَم، بدلًا من حياة البداءة غير المنتجة رأسماليًا، وأخيرًا فإن الشعب الذي ينتزع حريته بساعديه عليه دفع «ثمن الاستقلال.. prix d’indépendance» عبر إيداع ٨٥% من الاحتياطي النقدي له في البنك المركزي الفرنسي، وهو ما تقوم به حتى اليوم ١٤ دولة أفريقية لم توف بعد دين احتلالها رغمًا عنها. كما أنه، وعلى نفس المنوال، يمكن تحليل مصطلح «الحرب الاستباقية» الذي طالعتنا به النخبة الأكاديمية في الولايات المتحدة تبريرًا لحرب العراق، واعتمده فيما بعد جنرالات الحرب الأمريكيون. أما على مستوى الفضاء المصري، فلن أطيل الحديث كثيرًا عن إثراء معجمنا اللغوي بمصطلحات مثل «مجلس إدارة العالم»، تلك الهيئة الميتافيزيقية التي تارة ما تحيك المؤامرات ضد الدولة المصرية وتسخّر في سبيل ذلك الموجات الكهرومغناطيسية والزئبق الأحمر، وتارة أخرى نسعد بعضوية الرئيس لها، فهذا المصطلح كان صنيعة الإعلاميين ولم يسهم في صنعه مصدر رسمي. المثال الأدق لهذا النوع من الأدوات الرسمية للحرب على الكلمة والفكر هو ابتداع مصطلح «أهل الشر» الذي يستخدمه الرئيس بإفراط، حتى من قبل وصوله للحكم في ٢٠١٤، وهو يعرفهم بقوله «أهل الشر شر يعني!» ومن خصائصهم أنهم ينشطون في مواسم معينة، كما أن شرهم هو السبب في افتقاد السلطة للشفافية في التعامل مع الشعب، فلا تفاصيل خاصة بالميزانية ولا شرح للمشاريع التنموية ولا تصريح بأماكن إنتاج الغاز حتى نتجنب خطرهم، وبجانب قدراتهم العالية على التنصت، فان أيديهم متشعبة في أماكن متعددة، فهم مصدر خطر على المملكة السعودية، وهم بذاتهم ضالعون في اغتيال النائب العام السابق وحادث الطائرة الروسية. تتسع مطاطية العبارة لتنطوي تحت لوائها مشارب مختلفة، سواء قوى دولية أو إقليمية أو حتى معارضة محلية، إلا أنها أصبحت مقدمة منطقية يتداولها الناس بدون تشكيك، وهنا خطورتها على تحجيم الفكر. سلاح الردع تحت عنوان «الحرب على الكلمات»، تنشر مجلة «أوت أند أباوت» الأمريكية عمودًا شهريًا، تحاول من خلاله الدفاع عن اللغة الإنجليزية من التشويه وسوء الاستخدام، ورغم اعتراف كتّابها بصعوبة التحدي، إلا أنهم يدركون أن مدخل الفكر هو اللغة. إن مساحات الحرية في مصر تتناقص بسرعة هائلة في السنوات الأخيرة، وبصفة خاصة على مستوى الرأي العام السياسي والثقافي، فالأقلام تُكسر والأجساد تُسجن والأفلام والأغاني تُمنع، ولا يبقى للروح سوى ميدان الفكر لتعلو فيه على المحظور وتعلن من خلاله تمردها وعصيانها، ومن هنا أهمية المقاومة على المستوى اللغوي التأسيسي، وضرورة مراجعة السلطة حين تؤطر الحاضر بكلماتها ورؤاها، حتى لا يقع إدراكنا فريسة فتنة الكلمات، ونضطر ذات يوم أن نحلم، كما حلم بطل رواية «١٩٨٤» في مذكراته، بزمن يتحرر فيه الفكر وتسود الحقيقة وتُقبل إمكانية الاختلاف بين البشر.
إحالة صحفيين للـ«جنح» بتهمة «التصوير بدون ترخيص».. واختفاء مُحرر «البوابة» بعد اقتياده لـ«الأمن الوطني» مدى مصر ٢٨ أغسطس ٢٠١٧ أخلت نيابة عابدين اليوم، الإثنين، سبيل الصحفيَيْن علاء عسران وخالد الأسمر، وذلك بضمان محل إقامتهما. فيما قررت إحالة القضية إلى محكمة جنح عابدين بتهمة «التصوير بدون ترخيص»، وستُنظر أولى جلساتها في ٩ سبتمبر المقبل، حسب المحامي حازم محمد. كان أحد أفراد الشرطة قد ألقى القبض أمس، الأحد، على عسران والأسمر، الصحفيَيْن تحت التمرين بموقع «فكرة بوست»، من وسط البلد أثناء إعدادهما لتقرير مصوّر بشارع هدى شعراوي. وقد أوضح المحامي حازم محمد أن الصحفيان كان قد تم اقتيادهما بالأمس إلى قسم شرطة عابدين. وأضاف أن أحد ضباط جهاز الأمن الوطني أجرى تحقيقًا معها، صباح اليوم، قبل أن يُحالا إلى النيابة. ووجهت النيابة لعسران والأسمر تهمة التصوير بدون ترخيص، كما سألتهما، خلال التحقيقات، عما إذا كان الموقع الذي يعملان به مرخصًا أم لا، حسب المحامي حازم محمد، الذي أشار إلى أن موقع «فكرة بوست» مملوك لجمعية أهلية اسمها «المركز العربي للإعلام». وفي سياق متصل، نَشَرَ موقع جريدة «البوابة» أمس، خبرًا عن إلقاء جهاز الأمن الوطني القبض على عبد الله رشاد، المحرر بقسم الحوادث بالجريدة، وذلك فور خروجه من مقر الجريدة بالدقي مساء الخميس الماضي. وأشارت «البوابة» إلى أن قوة من الشرطة كانت قد توجهت برشاد إلى مقر الأمن الوطني في مدينة الشيخ زايد، ثم انقطع الاتصال معه من وقتها. وقالت الصحيفة إن الإدارة العامة لمباحث الجيزة كانت قد نَفَتَ علمها بواقعة القبض على رشاد، فيما أكد المسؤولون في فرع الأمن الوطني بالجيزة على عدم معرفتهم بأي معلومات عنه. وحمّلت «البوابة» وزارة الداخلية المسؤولية عن سلامة الصحفي وطالبت بالإفراج الفوري عنه. ونقلت الصحيفة عن عضو مجلس نقابة الصحفيين محمود كامل تضامن النقابة الكامل مع رشاد، وأوضح أن النقابة ستتواصل مع الجهات الأمنية للاستفسار عن أسباب ومكان احتجازه. وإذا لم تتمّ إفادة النقابة بأي معلومات بشأن رشاد ستعتبره مختفيًا قسريًا، وستتقدم ببلاغ للنائب العام بشأن الواقعة، حسب الجريدة.
الهروب الثاني في «كتائب حلوان».. روايات مختلفة وصمت رسمي مدى مصر ٢٧ أغسطس ٢٠١٧ قال موقع «اﻷهرام» المملوك للدولة إن النيابة العامة بدأت تحقيقاتها في واقعة هروب متهمين في قضية «كتائب حلوان» من سيارة ترحيلات كانت تنقلهم من مقر محاكمتهم في مقر أكاديمية الشرطة، إلى محبسهم في مجمع سجون طرة، اليوم، اﻷحد، وهي الواقعة التي تأتي بعد أسبوع من حبس أميني شرطة على ذمة التحقيق في اتهامها بتسهيل هروب أحد المتهمين في القضية نفسها منذ عام كامل. كان المحامي خالد المصري قد قال لـ «مدى مصر» نقلًا عن شهود عيان إن عددًا من المتهمين في القضية تمكنوا من الهرب أثناء ترحيلهم، فيما أصيب أخرون. وفي حين لم تصدر وزارة الداخلية بيانات رسمية بخصوص الواقعة حتى اﻵن، تضاربت الروايات حول طريقة هروب المتهمين الذين قالت تقارير مختلفة إنهم يحاكمون بتهمة الانتماء لما يسمى كتائب حلوان الإرهابية. ففي حين قالت صفحة «ق Qaaf»، المحسوبة على تنظيمات الجماعات المسلحة، إن «هجومًا مسلحًا على سيارة ترحيلات أسفر عن تحرير عدد من المعتقلين بقضية كتائب حلوان»، نقل موقع «اليوم السابع» عن مصادر أمنية لم يسمها أن ستة متهمين تمكنوا من الهرب، قبل أن يلقي أفراد اﻷمن القبض على أربعة منهم، بعد إصابة أحد المتهمين بطلق ناري، فيما تمكن اثنان أخرين من الهرب، وبحسب مصدر اليوم السابع، تمكن الهاربون من كسر قفل باب سيارة الترحيلات حال مرورها على الطريق الدائري باتجاه طريق الأوتوستراد. وفي تغطية سابقة للواقعة نفسها نقل «اليوم السابع» عن مصدر أمني أنه «أثناء عودة سيارة ترحيلات تقل عددا من المتهمين الى منطقة سجون طرة… أطلق مسلحون النار على السيارة فبادلتهم القوات المثل، ووصلت سيارة الترحيلات بباقى المتهمين إلى منطقة سجون طرة». أما موقع «المصري اليوم» فقال إن تحقيقات النيابة في الواقعة أفادت أن «السيارة التي وقع فيها الحادث كانت تقل ٢٠ متهما من أصل ١٤٩ من المتهمين في قضيه كتائب حلوان كانوا في طريقهم إلى سجن طرة وأثناء مرور السيارة في أحد المنحنيات قام المتهمين بإثارة الشغب داخل السيارة وتمكنوا من كسر نوافذ الأبواب والأقفال بالباب وتمكن عدد من المتهمين من الهروب وتم السيطرة عليهم وأطلق عيار ناري على أحد المتهمين الذي أصيب بالفخذ يدعى صهيب وتمكن اثنين من الهروب». من جانبه، قال موقع «البوابة» نقلًا عن مصادر أمنية، لم يسمها بدوره، إن من حاولوا الهروب كانوا تسعة متهمين، تم القبض على سبعة منهم، فيما تمكن اثنان من الهرب، ونقل الموقع عن مصادره أن أشخاصًا ساعدوا المتهمين على الهرب، وأنهم كانوا ينتظرونهم أعلى طريق الأوتوستراد، مشيرًا إلى إصابة عدد من السجناء أثناء محاولة الهرب معهم. فيما نقل موقع «التحرير» عن مصدر أمني أن ضابطًا أصيب خلال محاولة الهروب، وتم نقله إلى مستشفى الشرطة، مشيرًا إلى أن حالته غير خطرة، وقال الموقع إن «حالة من الهرج سادت بين صفوف المتهمين» أثناء عودتهم من مقر محاكمتهم، وتمكن عدد منهم من الهرب. وفي سياق متصل، كان رئيس نيابة جنوب القاهرة قد أمر في ٢٠ أغسطس الجاري بحبس أميني شرطة ١٥ يومًا على ذمة التحقيق في اتهامهما بتقاضي رشوة قيمتها مليون جنيه مقابل تسهيل هروب أحد المتهمين في القضية نفسها، ويدعى أحمد محمد، في سبتمبر من العام الماضي، وذلك بعد ادعائه المرض ونقله لمستشفى قصر العيني لإجراء فحوصات طبية، قبل أن يحضرا له بالطو خاص باﻷطباء، وسهلوا هروبه من داخل المستشفى، بحسب ما نقلت جريدة البوابة. كانت محكمة جنايات القاهرة قد أجلت اليوم محاكمة ٢١٥ متهمًا، بينهم ١٤٠ محبوسين، في القضة المعروفة إعلاميًا بـ «كتائب حلوان»، والتي يواجهون فيها تهم تشكيل مجموعات مسلحة لتنفيذ عمليات عدائية ضد أفراد وضباط الشرطة، وتخريب اﻷملاك والمنشآت العامة.
خفايا الحركة الدبلوماسية الجديدة استبعاد لشكوك في «الولاء والانتماء».. ونائب مدير المخابرات سفيرًا ــــــ ملف حوض النيل يعيد التعيينات الأمنية ورجال الوزير باقون ــــــ أسمهان سليمان ٢٧ أغسطس ٢٠١٧ ما زالت سحابة من الوجوم والإحباط تسيطر على أروقة وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية المصرية بالخارج، بعد مرور بضعة أسابيع على الحركة الدبلوماسية الأخيرة التي صدرت في مطلع أغسطس الجاري بقرار من رئيس الجمهورية. الحركة، التي تأخر الإعلان عنها في موعدها المعتاد قرابة ثلاثة أشهر، نتيجة تدخلات من أجهزة أمنية، لم تحدث منذ سنوات طويلة، تضمنت قطع بعثة سفراء عاملين بالخارج وإعادتهم مبكرًا للقاهرة، كما تضمنت تجاوز عدد آخر من السفراء المفترض ابتعاثهم للخارج، في إطار إجراءات عقابية أوسع شهدتها الشهور القليلة الماضية بحق دبلوماسيين من مستويات مختلفة على خلفية شكوك في انتماءاتهم السياسية أو درجة ولائهم للنظام. وكان من أبرز ملامح الحركة اﻷخيرة، تعيين نائب مدير المخابرات العامة سفيرا لمصر في أوغندا، وكذلك قطع بعثات ثلاثة سفراء مصريين في الخارج في إجراء نادر للغاية لأسباب سياسية أو بناء على توصيات مرفوعة من جهاز المخابرات العامة لمكتب رئيس الجمهورية. وهم السفراء حسين مبارك في قبرص، وياسر عاطف في الكويت، وحازم الطاهري في تايلاند. على جانب آخر، تجاوزت الحركة أكثر من خمسة سفراء كان من المفترض تكليفهم برئاسة بعثات مصرية في الخارج، على خلفية اعتراض الأجهزة الأمنية أو رئاسة الجمهورية على مواقفهم السياسية في السابق، أو تعبيرهم عن آراء ناقدة لبعض أوجه السياسة العامة في أحاديث خاصة أو على صفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. وتضمنت قائمة السفراء الذين تجاوزتهم الحركة كلًا من وائل كمال أبو المجد، سفير مصر السابق لدى كندا، ويشغل حاليًا منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشئون البيئة، وأيمن زين الدين، السفير السابق لدى إسبانيا والمدير الحالي لإدارة الإعلام الأجنبي، والسفيرة أمل مراد، مساعد وزير الخارجية حاليًا لشؤون التخطيط السياسي، والسفيرة رندة لبيب التي شغلت في السابق منصب نائب مساعد الوزير لشؤون المشرق العربي. ولم يتلق أي من هؤلاء السفراء أي شرح أو تفسير لأسباب استبعادهم من الحركة، خاصة وأن أيًا منهم لم يخضع لأي تحقيقات أو تنبيهات بشأن أية مخالفات في بعثاتهم السابقة أو في الفترة الحالية؛ وذلك باستثناء السفيرة رندة لبيب التي قال مصدر دبلوماسي مطلع إنها تعرضت مؤخرًا للفت نظر رسمي اتصالًا بما تبديه على صفحتها على فيسبوك من مواقف تخص قضية تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. وشهدت الحركة تكليف نائب مدير المخابرات العامة، اللواء طارق سلام، بمنصب سفير مصر في أوغندا، ما أثار تساؤلات في الوزارة حول ما إذا كانت الأجهزة الأمنية، وربما غيرها من الوزارات المعروفة بـ «السيادية»، سيكون لها نصيب متزايد في الحركات الدبلوماسية المقبلة، في استعادة لما كان يجري في عهدي الرئيسين الأسبقين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وبدرجة محدودة للغاية في بداية سنوات حكم مبارك، من تكليف شخصيات من الجيش أو المخابرات لرئاسة بعثات مصر الدبلوماسية في عواصم أجنبية. من كوبري القبة إلى كمبالا ابتعاث الرجل الثاني في جهاز المخابرات العامة، طارق سلام، سفيرًا إلى العاصمة الأوغندية جاء ليعكس «توسع دور المخابرات على حساب الخارجية في التعامل مع ملف حوض النيل»، بحسب دبلوماسي مصري سابق عمل على هذا الملف قبل تقاعده. سلام، الذي كان من المفترض أن يبلغ سن التقاعد من المخابرات بعد بضعة أشهر، سبق له تولي منصب رئيس هيئة الخدمة السرية في المخابرات العامة، قبل أن يؤدي اليمين الدستورية نائبًا لمدير المخابرات العامة في ديسمبر ٢٠١٤، حين تم تعيين اللواء خالد فوزي مديرًا للجهاز. واكتسبت أوغندا مؤخرًا أهمية متزايدة كمركز لزخم التحركات الرامية للتنسيق بين دول حوض النيل بشأن إعادة توزيع مياهه بين دول المنبع والمصب. وشهدت مدينة عنتيبي اﻷوغندية في يونيو الماضي أول قمة لرؤساء دول حوض النيل بمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تشير المصادر إلى أنه يضع الكثير من الآمال على دور الرئيس الأوغندي موسيفيني في حل أزمة امتناع مصر عن الانضمام لاتفاقية عنتيبي الإطارية بشأن مياه النيل، وتهدئة التوتر القائم بين مصر وإثيوبيا بسبب اقتراب الأخيرة من إتمام بناء سد النهضة رغم الاعتراضات المصرية. فيما اتفق مصدران دبلوماسيان تحدثا إلى «مدى مصر» على أنه من المرجح أن يكون تكليف المخابرات العامة برئاسة بعثة كمبالا مجرد بداية، وإن الجهاز طالب رئاسة الجمهورية بتولي رئاسة كافة البعثات المصرية في كل دول حوض النيل من أجل تسهيل إدارة المخابرات العامة لملف حماية حقوق مصر التاريخية من مياه النيل. سطوة «الأجهزة» دبلوماسي بارز آخر عاد لتوه إلى القاهرة رأى أن تكليف سلام يختلف عن سوابق تكليف شخصيات من الجهاز أو من قطاعات «سيادية» أخرى لترؤس بعثات دبلوماسية في الخارج، لأنه هذه المرة «يأتي في سياق توسع دور مختلف أجهزة الأمن في تسيير أمور الوزارة»، سواء في ما يخص الحق في اتخاذ القرار، والذي يزيد بالتأكيد عما كان الحال عليه خلال أكثر من ٢٥ سنة مضت، أو في مساحة التدخل بالقرار النهائي بخصوص اختيار المبتعثين للسفارات من الديوان، أو حتى سلطة متابعة عمل البعثات الدبلوماسية وإنهاء عمل عدد من الدبلوماسيين في الخارج أو في الديوان تحت عنوان الاتهام «بالانتماءات السياسية المعادية للنظام». هذه السلطة المتوسعة ظهرت بوضوح في الحركة الدبلوماسية الأخيرة، بداية من تأجيل الإعلان عنها بسبب تأخر الأجهزة الأمنية في إقرار ترشيحات وزير الخارجية، ثم ظهرت بصورة أوضح في قائمة السفراء المعاقبين، والتي ضمت سفيرين جرى قطع بعثتهما بسبب تقارير «الأمن»، بحسب مصدرين دبلوماسيين لا يزالا في الخدمة. أول السفيرين المقطوعة بعثتهما هو حازم الطاهري، سفير مصر في تايلاند، والذي سيعود إلى مصر قبل انتهاء فترته، على خلفية اتهامات بالولاء للإخوان المسلمين، رغم أن ابتعاثه إلى بانكوك كان في عهد الوزير الحالي سامح شكري وبقرار من السيسي. أما الثاني فهو ياسر عاطف، سفير مصر في الكويت، والذي تم استدعائه إلى الديوان بتوصية من «الأجهزة» رغم إجماع أغلب زملائه على عدم اعتناقه أو تعبيره عن أي آراء سياسية، ورغم أنه لا يملك صفحة على أيٍ من وسائل التواصل الاجتماعي «تفاديًا للمشاكل». جاءت تلك القرارات العقابية بعد أيام قليلة من قرار جمهوري بإنهاء خدمة كل من سفير مصر السابق لدى الأمم المتحدة بنيويورك، معتز خليل (نُقل إلى وزارة النقل)، وسفير مصر السابق إلى بيروت، أشرف حمدي (نُقل إلى وزارة التنمية المحلية)، بناء على توصية أمنية، لتصل قائمة الدبلوماسيين المبعدين من الوزارة حتى الآن إلى ١٢ دبلوماسيًا مرشحين للزيادة في الشهور المقبلة، بحسب مصادر داخل ديوان الوزارة. «مناخ من الخوف الدائم» أحد الدبلوماسيين الذين لم يكلفوا بمهام داخل الديوان أو في البعثات منذ انتهاء مهماتهم في الخارج قبل ثلاث سنوات قال لـ «مدى مصر» إن «هناك حالة كبيرة من الإحباط في وزارة الخارجية، تنال بشدة من روح المبادرة التي تشلّ بالضرورة قدرة السفارات والعاملين فيها على إرسال تقييمات للرأي مختلفة عن تلك التي تتبناها الأجهزة السيادية؛ خشية الوقوع في شرك الاتهام بمعاداة النظام»، مضيفًا أن «السائد الآن هو أن كل شيء يدار بغرض إرضاء الأجهزة الأمنية خشية التعرض للعقاب الوظيفي الذي ذهب بعدد من أفضل الدبلوماسيين المصريين حتى الآن إلى دواوين وزارت أخرى أو مكاتب محافظين دون توجيه اتهامات أو إجراء تحقيقات مع المعاقبين». وهو الرأي الذي اتفق معه سفير يخدم حاليًا في ديوان الوزارة، مؤكدًا أن الإجراءات العقابية الحالية لا يجب رؤيتها فقط في إطار صراع نفوذ بين الوزارة والمخابرات، أو الاعتداء على الأمان الوظيفي وحرية الحركة وإبداء الرأي للدبلوماسيين، «وإنما يمتد أثرها للإضرار بقدرة الوزارة على خدمة مصالح البلاد وأولويات الأمن القومي» على حد تعبيره. وأشار السفير إلى «مناخ عام من الخوف الدائم» يسود الوزارة ويمنع الدبلوماسيين من التعبير عن رأيهم حتى في الاجتماعات والمحادثات مع زملائهم، «فضلاً عن المكاتبات الرسمية بالطبع، ما يحرم الوزارة من الاستفادة من آرائهم وخبراتهم». أما الوزير سامح شكري، فإنه بحسب دبلوماسيين في الوزارة في حالة دفاع دائم عن النفس، ويقول لمن يلومون عليه ما يحدث للدبلوماسيين المتهمين بمعاداة النظام دون دليل، إنه يخضع لضغوط كبيرة من الأجهزة الأمنية، وإنه يسعى قدر ما يستطيع لحماية الوزارة من الخضوع الكامل للأجهزة المختلفة التي تنظر للوزارة بقدر كبير من التشكك، والتي تراقب صفحات التواصل الاجتماعي لجميع الدبلوماسيين بنظرة يسبق فيها الاتهام أي شيء آخر، خاصة إذا لم تحمل تلك الصفحات عبارات تأييد مباشر للنظام، وهو الأمر الذي قال مصدر بالوزارة إنه دفع عدد من الدبلوماسيين لإغلاق صفحاتهم الشخصية أو التوقف عن الإدلاء بأي تعليقات أو ردود أفعال على الأحداث الجارية. الناجون من التغيير رغم غياب قدرة (أو رغبة) شكري على حماية الدبلوماسيين من العقاب الوظيفي لأسباب سياسية، فإنه نجح في الدفاع عن عدد من أقرب «رجاله» في سفارات هامة والذين كانوا بدورهم على وشك التعرض لإنهاء بعثاتهم في الحركة الأخيرة. جاء على رأس هؤلاء سفير مصر في برلين، بدر عبد العاطي، والذي يقول مصدر دبلوماسي مصري إنه «ذهب إلى أبعد مدى يمكن تصوره في إبداء الاعتذار وطلب الصفح من رئيس الجمهورية»، أثناء الزيارة الرئاسية لبرلين منذ شهرين، على خلفية مخالفات نسبتها له الرقابة الإدارية التي كانت قد داهمت مقر إقامة عبد العاطي ومقر السفارة في مايو الماضي دون إنذار؛ للتفتيش عن تلك المخالفات. وأضاف المصدر أن السيسي استمع خلال الزيارة إلى تقدير كبير لعبد العاطي من عدد من كبار المسؤولين الألمان بما في ذلك المستشارة أنجيلا ميركل نفسها. كما نجا من التغيير السفير المصري في واشنطن، ياسر رضا، الذي تعرض لهجوم من الإعلام الموالي للنظام في القاهرة بسبب «عدم كفاءته في الدفاع عن وجهة النظر المصرية» في العاصمة الأمريكية. وكانت التوقعات تزايدت بقطع مهمة رضا واستبداله، خاصة مع إقدام مدير المخابرات العامة على التعاقد مباشرة مع شركتين للعلاقات العامة في واشنطن ونيويورك لتمثيل المصالح المصرية دون إخطار السفير أو التنسيق معه. لكن قرار الإدارة الأمريكية المفاجئ بحجب مساعدات عسكرية لمصر للمرة الأولى الأسبوع الماضي قد يدفع لإعادة النظر في استمرار رضا في موقعه. في الوقت نفسه، شلمت الحركة الدبلوماسية الأخيرة ٤٥ سفيرًا، وكان من أبرز ملامحها تكليف محمد إدريس مبعوثًا لمصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك، والذي سبق له العمل سفيرًا لمصر لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي، وهو حاليًا مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، وكذلك تعيين المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، علاء يوسف، مندوبًا دائمًا لمصر لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، وتعيين خالد البقلي، الأمين العام لمجلس الأمن القومي، والمساعد المباشر لمستشارة الرئيس للأمن القومي، فايزة أبو النجا، سفيرًا لمصر لدى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في بروكسل. كما تم خلال الحركة نقل مي خليل، التي تولت منصب سفيرة مصر في العاصمة اﻷوغندية كمبالا منذ عام واحد، لتحل محل السفير المصري في العاصمة القبرصية نيقوسيا، حسين مبارك. وبحسب مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية فإن مبارك أثار حفيظة الحكومة القبرصية بعد أن أجرى مباحثات مع القبارصة الأتراك «دون تعليمات أو توجيهات أو حتى تنسيق مع القاهرة»، ما استلزم توضيحًا رفيع المستوى من طرف الحكومة المصرية لنيقوسيا مع وعد باتخاذ اللازم مع السفير، بحسب المصدر نفسه. وجاء إنهاء مهمة مبارك متسقًا مع الحرص المصري الشديد على استمرار التطور الإيجابي في العلاقات مع قبرص، لأكثر من سبب، منها خطة التعاون الواسعة بين البلدين في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي في المتوسط، وكذلك في ضوء المواقف القبرصية المدافعة عن النظام المصري داخل الاتحاد الأوروبي منذ ٢٠١٣، فضلاً عن استمرار توتر العلاقات بين مصر وتركيا على خلفية التغيرات السياسية التي شهدتها مصر منذ صيف ٢٠١٣. فيما لم تشمل الحركة الدبلوماسية السفير هشام بدر، مساعد الوزير للعلاقات الدولية متعددة الأطراف، والذي تم استبقائه، للعام الثاني على التوالي، على قيد الترشيح المعلق سفيرًا في روما، التي سحبت سفيرها من مصر قبل ١٦ شهرًا رفضت خلالها منح موافقة لأي سفير مصري في أراضيها. إلا أنه من المتوقع أن يشهد وضع بدر حلحلة بعد طول انتظار في ضوء إعلان الخارجية الإيطالية مؤخرًا إرسال سفير جديد لها للقاهرة رغم عدم التوصل لحل لقضية تعذيب ومقتل الأكاديمي الإيطالي جوليو ريجيني في مصر في فبراير من العام الماضي. القائمة الثالثة في الطريق في الوقت نفسه تسود ديوان وزارة الخارجية حالة من الترقب، في ظل تجدد الحديث حول احتمال صدور قائمة جديدة بدبلوماسيين سيتم إبعادهم عن العمل في الخارجية أسوة بسابقيهم. وقال مصدر مطلع في الوزارة إن القائمة الجديدة قد تصدر خلال شهر سبتمبر المقبل، «وربما تتأخر قليلًا ولكن الأرجح أنها ستصدر قبل نهاية العام، لأن هناك إصرارًا من المخابرات على إعفاء عدد من الدبلوماسيين من أعمالهم تحت عنوان غياب الولاء الكامل للدولة». وأضاف المصدر أن ممثلي الأجهزة الأمنية يجرون مراجعات مستمرة لأداء كل الدبلوماسيين المصريين في الداخل والخارج ويتابعون بدقة ما يكتبه أي دبلوماسي على صفحات التواصل الاجتماعي. فيما ذكر عدد من المبعدين عن العمل في وزارة الخارجية أنهم ماضون في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمقاضاة الوزارة في سلسلة دعاوى فردية على أساس أن ما يتعرضون له هو غبن غير مبرر في ضوء عدم إخلال أي منهم بدوره الوظيفي.
كيف نفهم قرار إدارة ترامب بشأن المعونة العسكرية والاقتصادية لمصر؟ مصطفى محيي ٢٣ أغسطس ٢٠١٧ أصدرت الإدارة الأمريكية أمس قرارًا بإلغاء مبلغ ٩٥.٧ مليون دولارًا من المنح والمساعدات المقدمة لمصر، بالإضافة إلى تأجيل صرف ١٩٥ مليون دولار، ضمن برنامج المساعدات العسكرية، بسبب ما وصفته وكالة «رويترز»، نقلًا عن مصادر في إدارة ترامب، بـ «فشل مصر في إحراز تقدم في احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية». وبدا أن القرار قد فاجأ الأوساط الرسمية في القاهرة، خاصة في ظل تصريحات الإعجاب المتبادلة بين الرئيسين المصري والأمريكي منذ انتخاب الأخير في نوفمبر الماضي ثم استقباله الرئيس السيسي في واشنطن في شهر إبريل من العام الجاري في أول زيارة للسيسي إلى البيت الأبيض. ففي خطوة ربطها مراقبون بذلك القرار، نقلت وسائل إعلام أمريكية صباح اليوم أن مصر قررت إلغاء اجتماع يجمع وزير الخارجية المصري سامح شكري ومستشار الرئيس الأمريكي وزوج ابنته، جاريد كوشنر. ثم نقلت وكالات الأنباء أن لقاء كوشنر مع الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم ما زال قائمًا، وأن اجتماع شكري فقط هو ما جرى إلغاؤه، وذلك قبل أن تنشر الخارجية المصرية صورًا للقاء جمع شكري وكوشنر والوفد المصاحب له بمقر الوزراة مساء اليوم بعكس تلك التكهنات. وكانت الخارجية المصرية قد أصدرت بيانًا صباح اليوم جاء فيه أن مصر تعرب عن «أسفها لقرار الولايات المتحدة الأمريكية تخفيض بعض المبالغ المخصصة فى إطار برنامج المساعدات الأمريكية لمصر، سواء من خلال التخفيض المباشر لبعض مكونات الشق الاقتصادي من البرنامج، أو تأجيل صرف بعض مكونات الشق العسكرى». وأضاف البيان «تعتبر مصر أن هذا الإجراء يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين على مدار عقود طويلة، واتباع نهج يفتقر للفهم الدقيق لأهمية دعم استقرار مصر ونجاح تجربتها، وحجم وطبيعة التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه الشعب المصرى، وخلط للأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة المصرية الأمريكية». يسهل فهم ذلك التصاعد في الأحداث باعتباره ضغطًا من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الحكومة المصرية لدفع الأخيرة نحو اتخاذ معايير أكثر انفتاحًا تجاه حقوق الإنسان والديمقراطية، غير أن هناك عددًا من التفاصيل التي تحتاج إلى إيضاح. إعادة توجيه أموال المعونة لدول أخرى بحسب ما قالته مصادر أمريكية لـ «رويترز» فإن مبلغ ٩٥.٧ مليون دولار من المساعدات لمصر سيتم توجيهها إلى دول أخرى ضمن برامج المساعدات الأمريكية، بما يعني قرارًا نهائيًا بحجب تلك المعونة عن الحكومة المصرية. ينقسم هذا المبلغ إلى جزأين ٣٠ مليون دولار مخصصة للمساعدات الاقتصادية ضمن المعونات المقررة للسنة المالية ٢٠١٦، والأهم ٦٥.٧ مليون دولار مخصصة للمساعدات العسكرية. من جهته، يقول عمرو قطب، مدير العلاقات الحكومية بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، إنه في ما يخص المبلغ المخصص للمساعدات الاقتصادية (٣٠ مليون دولار)، فإن الحكومة المصرية اعتادت عدم استخدام جزء من المساعدات الاقتصادية بسبب رفضها تسليم هذه المبالغ لشركاء من منظمات المجتمع المدني الأمريكية، كما يشترط قانون المعونة. وهو النهج الذي زاد مؤخرًا بسبب الضغط على منظمات المجتمع المدني. وعلى مدار سنوات، تراكم نحو ٤٠٠ مليون دولار من المساعدات الاقتصادية دون استخدام من قِبل الحكومة المصرية. ولهذا مرر الكونجرس هذا العام قانونًا لإعادة توجيه هذه الأموال لبلاد أخرى، مثل تونس على سبيل المثال، بحسب قطب. فيما يشير قطب إلى عدم وضوح سبب إعادة توجيه المبلغ المخصص للمساعدات العسكرية (٦٥.٧ مليون دولار)، خاصة أنه كان بيد الحكومة الأمريكية الانتظار حتى ٣٠ سبتمبر ٢٠١٨ (نهاية السنة المالية الحالية) لاتخاذ قرار بشأنها. لكن تحليلاً صدر اليوم عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أوضح أن قرار الإدارة غير المسبوق بحجب هذا المبلغ من المعونات العسكرية عن الجيش المصري يعود إلى السنة المالية ٢٠١٤، حين قرر الكونجرس تطبيق «قانون ليهي» الأمريكي على هذا المبلغ، وهو القانون الذي يمنع تقديم مساعدات لقوات أمن دول أجنبية في حال ثبوت «تورطها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان». وقال المعهد إن الكونجرس قرر وقتها توافر شبهات حول استخدام الجيش المصري لمعدات وأسلحة أمريكية في عملياته بشبه جزيرة سيناء بشكل تسبب في وقوع خسائر بين المدنيين، وهي الشبهات التي قررت إدارة ترامب أنها لن تستطيع الرد عليها قبل الموعد المقرر لانقضاء المعونة العسكرية نهاية سبتمبر المقبل، لتتخذ قراراً بحجب ذلك المبلغ عن الجيش المصري. وتعد هذه المرة الأولى تاريخيًا التي تقتطع فيها الإدارة الأمريكية قسمًا من المساعدات العسكرية لمصر بسبب شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان. كانت الإدارة الأمريكية الحالية قد أظهرت رغبة قوية في استئناف التعاون والتنسيق العسكري مع مصر. فنشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية منتصف الشهر الجاري تقريرًا يفيد بأن مصر والولايات المتحدة في طريقهما لاستئناف مناورات «النجم الساطع» الشهر المقبل، بعد توقفها منذ عام ٢٠٠٩. وتعد «النجم الساطع» واحدة من أكبر المناورات العسكرية متعددة الجنسيات في العالم، وكانت تقام بشكل دوري في مصر، بمشاركة ١٢ دولة، منها مصر وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا واﻷردن. وبدأت تلك المناورات بمشاركة مصرية أمريكية فقط في عام ١٩٨١، وتم الاتفاق على أن تقام في الخريف كل سنتين بدءًا من العام ١٩٨٣، قبل أن تتوقف بين عامي ١٩٨٩ و١٩٩٣، لظروف حرب تحرير الكويت، وبعد استئنافها توقفت مرة أخرى عام ٢٠٠٣ بسبب الحرب اﻷمريكية في العراق، لتستأنف ثانية وتكون آخر نسخة منها هي نسخة العام ٢٠٠٩، لتتوقف بعد الثورة المصرية في يناير ٢٠١١. وفي ٢٠١٣، ألغت إدارة أوباما المناورات، عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وتوقف تسليم عدد من المعدات العسكرية لمصر. قبل أن يقرر أوباما في أبريل ٢٠١٥ الإفراج عن المعدات العسكرية المطلوبة من جانب القاهرة. وأشارت «فورين بولسي» في تقريرها إلى أن المناورات ستعود بعد سنوات من التوقف بسبب موافقة الجيش المصري أخيرًا على المطلب الأمريكي بإعادة تصميمها لتركز بشكل أساسي على مكافحة الإرهاب، واكتشاف وتفكيك العبوات المتفجرة بالطرق، وعمليات حماية أمن الحدود، وكل المهام المتعلقة بالتعامل مع التمرد المسلح في سيناء، والمستمر منذ سنوات. المعونة العسكرية وحقوق الإنسان وفقًا للقانون الأمريكي، تلتزم حكومة الولايات المتحدة بوقف ١٥٪، أو ما يعادل ١٩٥ مليون دولار، من المعونة العسكرية الأمريكية لمصر للعام المالي ٢٠١٦، والتي تبلغ ١.٣ مليار دولار، إذا لم تحرز الحكومة المصرية تقدمًا في سجل حقوق الإنسان والديمقراطية الخاصة بها. وبدأ اتباع ذلك الشرط بداية من عام ٢٠١٢، حيث يحدد الكونجرس الأمريكي عددًا من الاشتراطات يجب الوفاء بها قبل تسليم تلك النسبة. وقبل انتهاء السنة المالية في ٣٠ سبتمبر يصبح لزامًا على الحكومة الأمريكية إما أن تصدر شهادة بإحراز مصر تقدمًا على صعيد أوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية، أو يتم إلغاء نسبة الـ ١٥٪ من المعونة. ويمنح قانون المساعدات وزارة الخارجية الأمريكية الحق في إصدار قرار بإعفاء القاهرة من الشرط الخاص بحقوق الإنسان وإرسال المعونات العسكرية إلى مصر إذا كان ذلك لـ «مصلحة الأمن القومي الأمريكي». وتلتزم الإدارة الأمريكية وقتها بتقديم تقريرًا للكونجرس الأمريكي بأسباب ذلك الإجراء، وهو ما تم من قِبل الإدارة الأمريكية السابقة سنة ٢٠١٥. ما قامت به الحكومة الأمريكية بالضبط هو الإجراء السابق. فبحسب رويترز، وافقت «الخارجية الأمريكية» على إعفاء مصر من اشتراطات الديمقراطية، وقامت بتحويل نسبة الـ١٥٪ إلى حساب بنكي باسم مصر، تفاديًا لحجب ذلك المبلغ أيضًا عن مصر في حال عدم إصدار الشهادة أو الإعفاء قبل ٣٠ سبتمبر المقبل (موعد انتهاء السنة المالية الحالية). غير أن إدارة ترامب أجلت السماح لمصر بصرف ذلك المبلغ، لحين اتخاذ القاهرة إجراءات لم يعلن عنها في ملف حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية. لماذا إذًا قامت الإدارة الأمريكية بإعفاء مصر من اشتراطات الديمقراطية الخاصة، وفي الوقت نفسه أجّلت صرف المبلغ؟ يعتقد قطب، في إجابته عن السؤال السابق، أن يكون ذلك الإجراء رسالة من الإدارة الأمريكية لمصر تحمل معنى «لقد كان بإمكاني منع هذه الأموال نهائيًا وفقًا لاشتراطات الكونجرس، لكني أحتفظ بها الآن مؤقتًا». ويرى محللون من بينهم قطب أنه ربما يكون الأمر متعلقًا بمطالبات الإدارة الأمريكية للحكومة المصرية بتخفيف ضغطها على منظمات المجتمع المدني، خاصة بعد تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانون الجمعيات الأهلية في مايو الماضي، واستمرار التحقيقات في قضية منظمات المجتمع المدني. كانت رويترز قد نقلت عن مصدر، وصفته بالمطلع، داخل الإدارة الأمريكية، أن «تقوية التعاون الأمني مع مصر أمر هام للأمن القومي للولايات المتحدة» مضيفًا أن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون هو من رأى أنه «من مصلحة الولايات الولايات المتحدة استخدام حق الإدارة الأمريكية في إعفاء مصر من اشتراطات حقوق الإنسان». غير أن المصدر عاد ليؤكد «ما زلنا قلقين من عدم وجود تقدم في عدد من القضايا الأساسية من ضمنها حقوق الإنسان وقانون منظمات المجتمع المدني». من جانبها، قالت أليسون ماكمانوس، مديرة الباحثين في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، في سلسلة من التغريدات على موقع تويتر، إنه بغض النظر عن وفاء مصر باشتراطات حقوق الإنسان، فإن الأموال الآن بيد الإدارة الأمريكية، وهي تملك منحها للقاهرة من عدمه. من ناحية أخرى ترى ماكمانوس أن ذلك يعطي إدارة ترامب بعض المرونة لاستخدام هذه الأموال كأداة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر. غير أن هناك أيضًا تساؤلات حول تعريف ذلك «التحسن» المطلوب، خاصة في ظل عدم وجود سفير أمريكي في القاهرة يتابع الأوضاع عن كثب. بينما قال كول بوكينفيلد، نائب مدير مؤسسة مشروع الديمقرطية في الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، في سلسلة أخرى من التغريدات على تويتر، إن ما كان يجب أن يحدث هو إعادة توجيه الـ ١٩٥ مليون دولار من المعونات العسكرية إلى دول أخرى وليس الاكتفاء بتأخير صرفها، لتوصيل رسالة واضحة للنظام المصري أنه عليه أن يحسن أوضاع حقوق الإنسان في العام المقبل ليحصل على هذه الأموال. وأضاف بوكينفيلد أن الدرس المستفاد بالنسبة للكونجرس هو ضرورة التوقف عن منح الإدارة الأمريكية إمكانية إعفاء الحكومة المصرية من اشتراطات حقوق الإنسان الخاصة بالمعونة، لأن الإدارة تستخدمها في كل مرة، مما يجعل هذه الاشتراطات بلا معنى. وبلغ إجمالي مبلغ المعونات الأمريكية التي حصلت عليها مصر بين عامي ١٩٤٦ و٢٠١٣ أكثر من ٧٣ مليار دولار. وزادت المعونات بشكل كبير بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل سنة ١٩٧٩. وبدأت المساعدات الاقتصادية غير العسكرية في الانخفاض بشكل ثابت منذ منتصف التسعينيات، حتى وصلت إلى ١٥٠ مليون دولار سنة ٢٠١٥. بينما استقرت المساعدات العسكرية عند ١.٣ مليار دولار في الفترة نفسها.
«عشان المرتب يكفي لآخر الشهر».. تباديل وتوافيق الطبقة الوسطى مي شمس الدين تصوير محمد الراعي ٢١ أغسطس ٢٠١٧ لا صوت يعلو الآن فوق شكوى الأغلبية الساحقة من الأسر المصرية من ارتفاع الأسعار، خاصة بعد قرار الحكومة الأخير برفع أسعار الوقود بنسب تراوحت بين ٥% و١٠٠%، ما ترتب عليه زيادة غير مسبوقة في أسعار كافة السلع والخدمات. ارتفاع الأسعار ظهر واضحًا في بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بداية الشهر الجاري عن معدلات التضخم السنوي التي وصلت إلى معدلات قياسية؛ ٣٤.٢% خلال شهر يوليو الماضي. يأتي هذا الارتفاع غير المسبوق في الأسعار كأحدث مراحل ماراثون الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بملايين المصريين منذ قرار الحكومة في نوفمبر الماضي بتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار، الأمر الذي سبقه زيادات مستمرة في أسعار الكهرباء والوقود والغذاء والدواء. في ظل هذه الزيادات المتلاحقة للأسعار وانخفاض قيمة الجنيه المصري وثبات الدخول، تبدلت الأحوال المعيشية لشرائح كبيرة من الطبقة الوسطى، لتقترب أكثر من الطبقات الأدنى دخلًا، ويتبدد حلمها في الترقي أو حتى الاستقرار. قصص وحكايات حية ترويها نماذج من أبناء هذه الطبقة، ترسم ملامح أولية لما يعانونه وما اضطروا للتخلي عنه «عشان المرتب يكفي لآخر الشهر». «أنا مرتبي بيعتمد على العمولة وحركة البيع في السوق. بعد التعويم والضرائب سعر الجملة لأقل موبايل زاد من ٢٠٠٠ جنيه لـ ٢٨٠٠ جنيه، الناس كلها بقت تشتري مستعمل ومبيعاتي قلت التلتين»، يقول أحمد حنفي، متزوج وأب لطفلين، مسؤول مبيعات في شركة هواتف محمولة. لم يعد مرتب أحمد، الذي يبلغ ٤ آلاف جنيهًا، كافيًا لتغطية مصروفات بيته. أصبحت زوجته دائمة الشكوى من نفاد مصروف المنزل في اليوم العاشر من كل شهر، رغم أن «الكلام ده بيحصل في الشهر اللي ما حدش بيروح فيه للدكتور، غير إني أصلًا مش بدفع إيجار عشان عايش في شقة تمليك، وما عنديش وقت للخروج والفسح، وبنتي الكبيرة في مدرسة حكومية وابني في حضانة. الفلوس بتخلص في الأكل والشرب والمواصلات والفواتير بس، ومش عارف هكمل إزاي»، كما يوضح أحمد. أما روزانا ناجح، وهي متخصصة في إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، فمعاناتها الكبرى تتركز في عدم قدرتها على دفع تكاليف علاجها من حساسية الصدر، التي تطورت لربو مزمن. في بداية مرضها، اضطرت روزانا للمتابعة مع طبيب كلفتها ١٥٠ جنيهًا أسبوعيًا، بالإضافة إلى أدوية موسعة للشعب تكلفها ١٥٠٠ جنيه شهريًا. «العلاج ما كانش فعال وما كنتش بتحسن، اضطريت أتابع مع دكتور الفيزيتا بتاعته أرخص والدوا بتاعه بيكلفني ٣٠٠ جنيه وبرضه حالتي ما اتحسنتش. وصلت لمرحلة إني لازم أختار بين الأكل أو الدوا، وأنا ما أقدرش أعيش من غير أكل، فاتخليت عن الدوا، وماشية ببخاخة صغيرة مش غالية، لما باتعب بآخد منها وخلاص». تعمل روزانا في عملين مختلفين، إلا أنها لم تحصل على راتبها الشهري من إحدى الوظيفتين منذ أربعة أشهر «لو كنت بقبض مرتبين كان ممكن أوفي باحتياجات علاجي، بس في الوضع ده ما بقيتش قادرة». على الرغم من عدم انتهائه من دراسته الجامعية في كلية التجارة، يعمل أحمد وفاقي كمصور في دار إنتاج فني، بالإضافة إلى عمله كمصور حر. يعمل وفاقي لمدة يومين أسبوعيًا في دار الإنتاج في طريق صلاح سالم، وأصبح هذا هو «المشوار» الوحيد الذي يستخدم فيه وفاقي المواصلات للذهاب من منزله في منيل الروضة للعمل. أما «مشاوير» الذهاب للجامعة أو للوفاء بمتطلبات عمله الحر، فيستخدم وفاقي فيها الدراجة بشكل يومي. «العجلة بقت أسرع وأريح، والأهم من كده إنها بقت موفرة أكتر. مصاريف الذهاب لشغلي في صلاح سالم زادت بعد رفع أسعار البنزين من ١٩ جنيه في الأسبوع لـ ٧٠ جنيه. ده غير المواصلات في المشاوير التانية ومصاريف الأكل»، يقول وفاقي. وإذا كانت الدراجة حلًا اقتصاديًا بديلًا للمواصلات التي ارتفعت تكلفتها بعد زيادة أسعار الوقود، فإن العدسات التي يستخدمها وفاقي في عمله الحر، والتي كُسرت منذ وقت قريب، لم يعد لها بديل. «تكلفة العدسات التلاتة دلوقتي وصلت لـ٨٠ ألف جنيه، مقارنة بـ ٣٠ ألف جنيه قبل تعويم الجنيه. دلوقتي باستخدم العدسات المتوفرة في شركة الإنتاج في العمل الخاص بالشركة، أما شغلي الشخصي فمش عارف إزاي هاقدر أشتغل وأنا مش عارف أشتري عدسات جديدة». تثقل متطلبات الدراسة كاهل الطالب بكلية التربية الفنية، أمير عبدالغني، والذي تجبره دراسته على شراء خامات ألوان يقول إن أسعارها أصبحت أكبر من قدرته على الوفاء بها. كطالب بالسنة النهائية، يضطر أمير إلى استخدام ألوان الزيت والأكليريك في مشاريعه الفنية التي يقدمها باستمرار كجزء من دراسته. يقول أمير إنه اضطر لمقاطعة المكتبات الكبيرة التي تحتكر بيع هذه الخامات من الألوان مثل مكتبتي «سمير وعلي» و«ألوان». «سعر اللون الواحد زاد من ٣٥ جنيه لـ ٧٠ جنيه، والاسبراي زاد من ٦.٥ جنيه لـ ٢٠ جنيه. خلاص قررنا مقاطعة المكتبات الكبيرة، وبقينا نصنع المواد اللي نقدر عليها في البيت أو نشتري خامات أرخص من العتبة. المشكلة إن ده بقى بيأثر على جودة الشغل اللي بنقدمه وما بقاش فيه عندنا أي موارد إننا نشتري ألوان نجرب بيها مشاريع بشكل شخصي، اللي بنشتريه بنشتغل بيه المشاريع المطلوبة مننا في الدراسة وبس. معظم الدكاترة متفهمين الأزمة دي ومش بيحاسبونا على الجودة المتأثرة بالخامات السيئة، لكن بعض الدكاترة بقوا يدونا تقديرات أقل، بس للأسف مفيش بديل تاني».
حوار الخبير في الشأن الليبي جلال حرشاوي يُقيّم «اتفاق باريس» ليس اتفاقًا دانيال أوكونيل ٢٤ أغسطس ٢٠١٧ في بلدة لا سيل خارج باريس مباشرة، التقى اثنان من اللاعبين البارزين في الحرب الأهلية الليبية بوجوه جديدة على طاولة النقاش، نهاية يوليو الماضي، الرئيس الفرنسي المنتخب حديثًا إيمانويل ماكرون، ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا المعين حديثا سانت كلاود. وصفت وسائل الإعلام الإعلان، المكون من ١٠ نقاط، المنبثق عن الاجتماع بأنه اتفاق باريس، وصُور كخطوة نحو المصالحة الوطنية الليبية. النقاط العشر التي نشرها قصر الإليزيه، والتي حددت الاتفاق بين فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، وخليفة حفتر، الرجل القوي الذي يقود الجيش الوطني الليبي في الشرق، مليئة بالنوايا الطيبة الواسعة، أبرزها التعهد بوقف إطلاق النار ضد جميع الجماعات غير الإرهابية، وتأكيد النوايا لإجراء انتخابات «في أقرب وقت ممكن». وعلى حين سارع ماكرون إلى الاحتفاء بنجاح الاتفاق، واصفًا إياه بأنه «تقدم كبير» نحو «قضية السلام»، كان البعض الآخر أكثر تحفظًا إزاء لغة الخطاب المبالغ فيها، في ضوء ما تبدو أنها عملية سياسية متعنتة، شهدت عددًا كبيرًا من الاتفاقات الدبلوماسية لم تُنفذ بالكامل، بما في ذلك الاتفاق الوطني الليبي الموقع في الصخيرات بالمغرب عام ٢٠١٥. وفي الواقع، فإن الأسابيع التي أعقبت الاجتماع في باريس، شهدت الكثير من التخبط بشأن ما بدا أنه تقدم سياسي، حيث أعلن حفتر، خلال اجتماع دبلوماسي مع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الأسبوع الماضي، أن اتفاق باريس قد فشل. لتحليل الأبعاد السياسية للاتفاقية وتبعاتها على المستويين الدولي والمحلي، أجرى «مدى مصر» مقابلة عبر البريد الإلكتروني مع الليبي جلال حرشاوي، طالب الدكتوراه في قسم الجغرافيا السياسية في جامعة باريس، والذي يتناول في دراسته الأبعاد الدولية للصراع الليبي. مدى مصر قد يكون من الجيد أن نبدأ بتعريف قراءنا بشروط اتفاق ٢٥ يوليو في باريس بين حفتر والسراج بوساطة الرئيس الفرنسي. ما الذي تضمنه ولم يتضمنه الاتفاق؟ جلال حرشاوي أولًا وقبل كل شيء، هل هو فعليًا اتفاق؟ لا فايز السراج، رئيس الوزراء المدعوم من الأمم المتحدة ولا خليفة حفتر، الرجل العسكري القوي في الشرق الليبي، وقعا على نص الرئيس ماكرون المكون من ١٠ نقاط. لذلك لا يمكننا أن نتكلم بحق عن اتفاق في حد ذاته. بل كان أقرب إلى الإيماءة. ويحتفظ كل من السراج وحفتر بخيار التراجع عنه في أي وقت بعد ذلك. في كل مبادرة دبلوماسية، من المهم دائمًا أن ننظر إلى كل من الجوهر والشكل أيضًا. وقد كان اجتماع باريس قاصرًا من حيث المضمون، ولكن شكله يحمل الكثير من الأهمية. ذلك أن رئيس قوة غربية كبرى رحب فعليًا بالقائد العسكري، خليفة حفتر، الذي يتخذ من الشرق الليبي مقرًا له. ورحب به باعتباره رجل دولة شرعي. ومثل هذه الخطوة يمكن أن تضعف، بل وأضعفت فعلًا السراج، الضعيف أصلًا ودعمت صعود حفتر. والأهم من ذلك، أن باريس فشلت أيضًا في ضم عدة فصائل ليبية لها أهمية على أرض الواقع. هذا يعزز، أيضًا، من موقف حفتر ويفضل حله العسكري. والواقع أن أحد سماته الرئيسية هي رفضه التحدث مع خصومه السياسيين الحقيقيين، والذين لا يشملون سراج. مدى مصر السؤال الذي يبدو طرحه طبيعيًا بالنسبة لي في ضوء ذلك هو لماذا اتخذت فرنسا هذه الخطوة؟ نظرا لأن العديد من الأطراف الدولية، سواء كانت دولًا فرادى أو كيانات أكبر مثل الأمم المتحدة، قد تدخلت جميعًا في الصراع السياسي والعسكري الليبي بدرجات متفاوتة، خاصة وأن فرنسا لم يكن معروف عنها كونها من أبرز الفاعلين السياسيين العلنيين في هذه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا. فلماذا اتخاذ مثل هذه الخطوة العلنية الآن؟ جلال حرشاوي في حين أن فرانسوا أولاند (الرئيس الفرنسي السابق) لم يكن رئيسًا صديقًا لوسائل الإعلام، إلا أن ماكرون كذلك. وعلاوة على ذلك، فإن ماكرون هو بالتأكيد شخص يفكر في المقام الأول في عناوين الأخبار. في أول ١٠٠ يوم له في الرئاسة سعى إلى إصدار تصريحات بهذا المعنى. وكان في عجلة من أمره في اتخاذ خطوة دافعة في كل بند هام من جدول أعماله. ويجب النظر إلى محادثات السلام في ٢٥ يوليو حول ليبيا في هذا السياق. لقد عارضت فرنسا تدخل الولايات المتحدة في العراق عام ٢٠٠٣. لذلك كان من المهم جدًا بالنسبة لباريس أن يُنظر إلى حماسها الظاهر في ليبيا بعد ثماني سنوات باعتباره نجاحًا. ابتداء من عام ٢٠١٤، أصبح من الواضح أن التدخل في ليبيا فاشل. خلال فترة رئاسته من ٢٠١٢ ٢٠١٧ حاول هولاند قدر الإمكان تجنب مسألة ليبيا. ومن منظور الرأي العام كان حريصًا على ألا يقترن اسمه «بفوضى ساركوزي» بأي شكل من الأشكال. لقد كان ماكرون على دراية تامة بهذا التردد المحرج إزاء الشأن الليبي واختار أن يكسره. وبعد شهر من توليه الرئاسة، قال إن فرنسا ارتكبت خطأ في شن الحرب على ليبيا مثلما فعلت في عام ٢٠١١. وبالتالي فإن التصعيد الخطابي المفاجئ ومحادثات السلام تعطي انطباعًا ببداية جديدة، وهو نهج فرنسي أكثر حكمة تجاه ليبيا. غير أن خطوات باريس تدعم حفتر منذ ما يقرب من ثلاث سنوات حتى الآن. التغيير الوحيد الذي طرأ في ظل حكم ماكرون هو مزيد من العلانية. لكن تفكير فرنسا وسياستها الفعلية لم تتغير. ليس هناك «بداية جديدة». مدى مصر نحن إذن بصدد تطور «مفاجئ» و«جديد» في تعامل فرنسا مع الشأن الليبي. أتساءل عما إذا كان بمقدورك أن ترسم المزيد من الخطوط العريضة عن خلفية الوضع بشأن سياسة باريس تجاه ليبيا، من حيث الفاعلين الأساسيين والمواقف الرئيسية، وكيف تبدل ذلك تحت حكم ماكرون، إذا كان قد تغير شيء. جلال حرشاوي البطل الرئيسي في باريس وراء التفضيل الملحوظ لحملة حفتر العسكرية في ليبيا كان جان إيف لو دريان، وهو أحد صقور الإدارة الفرنسية، وأوصى عدة مرات منذ سبتمبر ٢٠١٤ بالتدخل العسكري الفرنسي في ليبيا. في السنوات الخمس السابقة لتعيينه وزيرًا للخارجية في مايو، كان لو دريان، وزير دفاع شديد التأثير تحت حكم هولاند. ولا أتوقع أن يكون بنفس القوة في ظل الرئيس الحالي، كما كان في الفترة من ٢٠١٢ إلى ٢٠١٧. ولكن، من المثير للاهتمام، أن ماكرون، منذ وصله إلى السلطة في ١٤ مايو، احتوى وجهات نظر لو دريان وأفكاره حول الشرق الأوسط وأفريقيا . وهذا هو الحال بالنسبة لليبيا. مدى مصر في حين يبدو أن فرنسا تدعم التحالف الوطني الليبرالي، هل لدى حفتر أو سراج المزيد ليكسباه في الشراكة مع البلد الأوروبي؟ أدرك أن هذا سؤال اختزالي بمعنى ما، لأنه يتجاهل أن هناك العديد من الفاعلين في ليبيا. لذلك، في حين لا نتجاهل وجود ديناميكية القوة بين الشخصين الأكثر بروزًا، هل يمكننا أن نقول إن تركيز باريس على حفتر وسراج دون غيرهما يفتح طريقًا أمام التقدم السياسي الحقيقي؟ جلال حرشاوي هناك العديد من السمات في نهج باريس التي تساعد حفتر هيكليًا. منذ بداية حملته العسكرية على مدى ثلاث سنوات، كانت السمة الثابتة لموقف حفتر هي أنه لا يتحدث مع خصومه السياسيين. وهذا هو السبب في إصرار اتفاقية الصخيرات المدعومة من الأمم المتحدة في ديسمبر ٢٠١٥ على الإدماج السياسي. إن رفض التحدث مع الجماعات العسكرية القوية يزيد من احتمالات اللجوء إلى العنف لحل الوضع. وفرنسا قوة عالمية كبرى. كان يمكن أن تمارس بعض الضغط على حفتر. بدلا من ذلك، اختارت أن لا تضم عدة فصائل ليبية، الأمر الذي أدى تلقائيًا إلى إضفاء الشرعية على حملته العسكرية التي استمرت ٣٩ شهرًا. بل أن ماكرون قال حتى إن هذا الأخير يملك «الشرعية العسكرية». وهذا التشجيع لا لبس فيه. والجدير بالذكر أن مصر عملت في الأسابيع الأخيرة على محادثات سلام بين المعتدلين في مصراتة ومعسكر ليبيا الشرقي. حتى الآن، دون جدوى. مدى مصر وما هي الاستجابة الأولية لتدخل فرنسا من جيران ليبيا تونس والجزائر ومصر؟ جلال حرشاوي يمكن تلخيص رد فعل كل من تونس والجزائر على خطوة ماكرون بأنها عدم ارتياح مهذب. وبعبارة محددة، ماذا يعني عندما تشجع فرنسا حفتر بالاعتراف به؟ ماذا يقول حفتر، في كل مرة تقريبًا، يتحدث إلى الصحافة؟ يقول بشكل منهجي ودائم أنه لا يؤمن بالحلول السياسية. وهو يعرف نفسه أولًا وقبل كل شيء كزعيم لحملة عسكرية. لذلك، فإن منحه شرعية تكاد تكون متساوية مع تمكين حملته العسكرية لتحقيق تقدم في غرب ليبيا، وهي منطقة أكثر كثافة سكانية من برقة. البلدان الأقرب من غرب ليبيا الجزائر وتونس وإيطاليا تدرك تمامًا هذا الواقع الجغرافي. وهذا هو السبب الرئيسي لعدم رضاهم عن باريس. الأمر يتعلق بالجغرافيا، وليس السياسة. إن تعرض فرنسا لارتفاع مستوى العنف في غرب ليبيا لا يقارن بتعرض هذه البلدان الثلاث له. وفيما يتعلق بمصر، يجب أن نلاحظ أنه لا يوجد خصومة بين القاهرة وباريس حول ليبيا. لم يقل المصريون شيئا على وجه الخصوص، وذلك ببساطة لأنهم يتفقون إلى حد كبير مع الفرنسيين. ومصر سعيدة نوعًا ما بالتطورات الأخيرة فيما يخص ليبيا. ولكن ما يثير الاهتمام هنا هو أن مصر لا تعتبر فرنسا زعيمًا محتملًا حين يتعلق الأمر بمعالجة أزمة ليبيا. وبالنسبة للقيادة المصرية، يبقى القائد الحقيقي لهذا الملف هو الإمارات العربية المتحدة. فمن بين جميع الدول الأجنبية التي تدعم حفتر، تظل الإمارات العربية المتحدة هي الأكثر نشاطًا. إذا نظرتم إلى النهج الدبلوماسي لرئاسة ماكرون تجاه ليبيا منذ مايو، فإنها تحاكي عن كثب نهج أبو ظبي. أما بالنسبة لليبيا، فإن الإمارات تلعب دورًا محوريًا من حيث الاعتبارات العسكرية والدبلوماسية. مدى مصر قبل ما يزيد قليلًا على الأسبوع من محادثات باريس، أشار ماكرون، وهو يقف إلى جانب رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، مخاطبًا الصحفيين، إلى أن فرنسا والولايات المتحدة تشتركان في نفس النوايا بشأن ليبيا. هل يمكننا أن نفهم جزئيًا الدوافع الفرنسية في في ضوء الموقف الأمريكي؟ جلال حرشاوي الديناميكية بين فرنسا والولايات المتحدة بشأن أفريقيا ككل ليست بالتأكيد ديناميكية منافسة أو عداء. والواقع أن لدى واشنطن تقليد عريق في عدم اعتبار القارة الأفريقية ذات مصلحة استراتيجية حيوية. يجب أن نضع ذلك في الاعتبار أفريقيا لا تهم الأمريكيين كثيرًا. وبمجرد أن أعلن وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، روبرت جيتس، عن إنشاء أفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا) قبل ١٠ سنوات، انبرى واضعو السياسات الأمريكيون في الإشارة إلى أن المصالح الأمريكية والفرنسية قد «تتقاطع» في أفريقيا. لذلك، ومنذ عام ٢٠٠٧، كان لدينا هذه الفكرة الثابتة في واشنطن أنه بالإمكان الاعتماد على فرنسا (وغيرها من القوى الأوروبية أو الخليجية الراغبة في المساعدة) عندما يتعلق الأمر بالأمن الأفريقي. ومن ثم فإن فرنسا تجد لها موقعًا في الإطار الذي تسعى إليه الولايات المتحدة. الأمريكيون بما في ذلك الإدارة الحالية يريدون من فرنسا أن تلعب دورًا أكبر في أمن أفريقيا، وعندما يتعلق الأمر بليبيا على وجه التحديد وقد كان ذلك صحيحًا في عام ٢٠١١ تُذكر ديناميكية «القيادة من الخلف» التي رغب فيها الرئيس أوباما. ولا زال الوضع كذلك اليوم تحت حكم ترامب. وقد أوضح الأخير أنه لا يريد أن تلعب الولايات المتحدة دورًا بارزًا في ليبيا. وإذا كانت فرنسا والإمارات ومصر والمملكة العربية السعودية قادرين على رعاية ليبيا، فإن إدارة ترامب سوف تكون مسرورة. مدى مصر يوم ٢ أغسطس، أطلقت البحرية الإيطالية بعثة لمساعدة خفر السواحل الليبية على كبح تدفق المهاجرين. وكان رد فعل حفتر أن أمر قواته بصد «أي سفينة بحرية تدخل المياه الوطنية دون إذن من الجيش». وقد أجرى قائد الجيش الوطني الليبي في وقت لاحق مقابلة مع صحيفة كوريير ديلا سيرا الإيطالية، وصف فيها تنسيق سراج مع إيطاليا بأنه «غير شرعي وغير قانوني»، مضيفًا «أنه قدم إلى ماكرون قائمة باللوازم والتدريب المتعلق بالرقابة على الهجرة التي جاءت بتكلفة ضخمة قدرها ٢٠ بليون دولار. تبدو هنا توترات واضحة بين فرنسا وإيطاليا، تتراوح بين «أزمة» نظام الحدود الأوروبي وبين المصالح الهيدروكربونية في البحر الأبيض المتوسط. جلال حرشاوي يعلم حفتر أن إيطاليا تتعامل مع الجهات الفاعلة في غرب ليبيا، لذلك لديه حافز في أن يشهد انهيار تلك الصفقات. وبعد أقل من عام سوف تواجه الحكومة الحالية في روما الانتخابات، وهي تدرك أن لأزمة المهاجرين الحالية أولوية عاجلة. في الوقت نفسه، من الهام أن ندرك أن فرنسا معزولة نسبيًا عن هذه الظاهرة. ونتيجة لذلك، لا تشعر باريس بالحاجة إلى وضع ترتيبات مع الجهات الفاعلة الغربية الليبية، ناهيك عن المحافظة عليها. ذلك أن ٨٥% من الوافدين الجدد إلى أوروبا يتوجهون ويبقون في إيطاليا. ولا ترغب بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى في تقاسم هذا العبء مع إيطاليا. وحتى الآن، ظل المعبر الحدودي عبر جبال الألب مع فرنسا محصنًا إلى حد كبير في وجه المهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون إلى مغادرة إيطاليا. لذلك لديك تباين عميق بين مواقف دولتي الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بمستنقع ما بعد القذافي. إضافة إلى ذلك، فإن روما لديها مصالح كبيرة في غرب ليبيا الغني بمصادر النفط والغاز، على حين ليس لفرنسا الكثير لتفقده في هذا الشأن. مدى مصر فلنبق على المستوى الدولي. يوم ١٢ أغسطس سافر حفتر إلى روسيا لإجراء محادثات مع وزير الخارجية، سيرجي لافروف، وفي الأيام التالية، بدا أن الجميع أعلنوا فشل اتفاق باريس، مع إبداء لافروف احترامه للأمم المتحدة باعتبارها الهيئة الوحيدة القادرة على حل الأزمة. ما الذي يمكننا استخلاصه من هذه التصريحات حول توازن القوى بعد ٢٥ يوليو، فيما يخص العلاقات الفرنسية الروسية بشأن ملف ليبيا؟ جلال حرشاوي الركن الأساسي في موقف موسكو هو فكرة أن الدول الغربية لا يمكن الاعتماد عليها بطبيعتها، حتى عندما يدعمون الجانب صاحب الحق في الصراع. لقد منح ماكرون المزيد من الاعتراف بمعسكر روسيا المفضل في الحرب الأهلية الليبية. وبالإضافة إلى ذلك، أشار ماكرون إلى رغبته التعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب في البلدان الإسلامية، بما في ذلك ليبيا. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذا، لا يزال وزير الخارجية الروسي يؤكد على أنه لا يبالي بالقيادة الفرنسية. وعندما تقول روسيا إن جميع الدول التي تتدخل في الشؤون الليبية يجب أن تمتثل لإطار الوساطة في الأمم المتحدة، فإن ذلك يعني فعليًا أنه لا يجب على فرنسا أن تأخذ زمام المبادرة في الدبلوماسية الليبية. وقد وافق حفتر، الذي يتمتع بالذكاء، بالطبع على هذا الموقف وأيد موسكو في هذا الخطاب بالذات. هذا يعطيه مساحة للحركة، ويسمح له بحصاد إيجابيات قمة باريس دون أي أضرار. مدى مصر أخيرًا، أود أن أفهم كيف يتم التعامل مع موضوع الانتخابات العامة، أحد شروط اتفاق باريس، من قبل مختلف الجهات الفاعلة، خاصة أن انتهاء الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات في عام ٢٠١٥ يلوح في الأفق. هل تبقى باريس ملتزمة بالصخيرات أم أن لديها نفوذًا كافيًا لتغيير مسار مستقبل ليبيا السياسي؟ جلال حرشاوي إذا لاحظت، من بين العشر دول المتورطة في الصراع الليبي، يصر كل واحد بشكل قاطع على أنه ملتزم باتفاق الصخيرات، إلا أن البعض أكثر صدقًا من البعض الآخر. ماذا تقول وثيقة الصخيرات؟ يستبعد اتفاق الصخيرات حلًا عسكريًا ويؤكد السيطرة المدنية على القوات المسلحة. كما يدعو إلى إدماج أكبر عدد ممكن من المتنافسين السياسيين الليبيين. ومن الواضح أن العديد من الدول الكبرى في ليبيا تنتهك هذه المبادئ بطريقة فظة. والسبب الذي يجعلهم يكررون دعمهم للصخيرات هو أنه من غير المرجح أن يتكرر إنجاز ديسمبر ٢٠١٥. ليبيا أكثر استقطابًا اليوم مما كانت عليه قبل ٢٠ شهرًا. وبعبارة أخرى، يوفر الإطار المدعوم من الأمم المتحدة قشرة ثمينة جدًا من الشرعية، للدول المهتمة بالتأثير في الصراع الليبي. أما فيما يتعلق بانتخابات مارس ٢٠١٨، فإنني متشكك. إذا نظرتم إلى کیف بدأت الحرب الأهلية الجاریة في مایو ٢٠١٤، فإن الكثير، ولیس کل، من مرحلتها الأولیة كان مرتبطًا بالانتخابات البرلمانیة في ٢٥ یونیو ٢٠١٤. لقد كانت ليبيا منذ عام ٢٠١١، بلد طغت عليه وفرة غير عادية من الأسلحة والجهات الفاعلة المسلحة. وهذا يعني، على نحو ملموس، أن الفصيل السياسي، الذي يظهر ضعفه في الانتخابات، يملك من الوسائل ما يمكنه من رفض النتائج باستخدام القوة. وهذه إحدى المشاكل الرئيسية في ليبيا الجماعات المسلحة. كان هذا صحيحًا في يونيو ٢٠١٤، ومن المرجح أن يظل صحيحًا في ربيع عام ٢٠١٨. لذلك، وفي حين أن الانتخابات الناجحة لا تزال ممكنة، إلا أنني أعتقد أن هناك أيضًا العديد من السيناريوهات التي يمكن أن تتعقد فيها الأمور. في الصباح التالي للانتخابات، هل تعتقدون أن الجماعات المسلحة التي لا تحظى بشعبية ستقول «حسنا، سوف نضع أسلحتنا جنبا الآن». بالطبع لا. وثمة جانب هام آخر، هو كيف يستغل بعض الفاعلين فكرة أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سوف تجري في عام ٢٠١٨، وأن ذلك سوف يحمل حلا لكل شيء. هذا المنطق مثالي للأحزاب، الدولية منها أو الليبية، المهتمة بالتهرب من أي شكل من أشكال الحوار الحقيقي مع خصومها السياسيين. إن ما يقلقني هو تلك الفترة ما بين الآن والانتخابات المقترحة، خاصة مع العلم أنه لم يتم تحديد موعد محدد بعد، وأن عملية صياغة مسودة الدستور الجارية في البيضا هي أبعد ما تكون عن السلاسة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ترجمة عايدة سيف الدولة