هشام بركات

هشام بركات

المستشار هشام محمد زكي بركات (٢١ نوفمبر ١٩٥٠ – ٢٩ يونيو ٢٠١٥) النائب العام المصري منذ ١٠ يوليو ٢٠١٣ حتى مقتله، وهو النائب العام الثالث في مصر بعد ثورة ٢٥ يناير.أصدر الرئيس محمد مرسي إعلاناً دستورياً تم بمقتضاه عزل المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام السابق من منصبه، وتعيين المستشار طلعت إبراهيم بدلاً منه، لكن حكمت محكمة النقض المصرية ببطلان هذا التعيين وبعودة عبد المجيد محمود الذي استقال من منصبه بعد تعيينه. فقام مجلس القضاء الأعلى المصري، في الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠١٣، بالموافقة على ترشيحه وتعيينه رسمياً في منصبه، وهو من القضاة المدافعين على استقلال القضاء المصري، ثم قام بأداء اليمين الدستورية أمام الرئيس المستشار عدلي منصور. وفي أول تصريحاته الصحفية، أكد أنه سيسعى لإجراء تحقيقات موسعة بمعاونة أعضاء النيابة العامة، من أجل الانتهاء من جميع القضايا المفتوحة، وأضاف أنه سأل الله أن يكون معه في تحمل المسئولية. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بهشام بركات؟
أعلى المصادر التى تكتب عن هشام بركات
بمناسبة ذكرى مذبحة رابعة، نعيد نشر مقال محمد فودة عما رآه في عملية الفض يومها من وسط الجحيم هكذا رأيت فض رابعة محمد فودة ١٩ أغسطس ٢٠١٥ رغم خوضي لبعض معارك ثورة يناير ضئيلة الحجم عظيمة الأثر في نفسي ونفوس كثير عاشوها أو عاصروها وظنناها علي الأقل في حينها ملهبة ومرعبة؛ فإنها جميعًا على اختلاف من قامت ضده تتضاءل وتنكمش أمام ما حدث قبل عامين في ميدان «رابعة العدوية» الصغير الكائن بحي مدينة نصر بالقاهرة. حينما تعالت النداءات من أبواق عدة في ساعات الصباح الأولي لتدعو الآلاف من المصريين الذين اعتصموا لأيام في ذلك الميدان وحوله في خيام من القماش والورق المقوي دفاعًا عما كانوا يؤمنون به وما ظنوه على الأقل هم فقط دفاعًا عن الحق والدين؛ تدعوهم لفض اعتصامهم والرحيل، ولتنذرهم بالفض بالقوة إذا لم يستجيبوا وينصاعوا لتلك النداءات، لم يكن هؤلاء المعتصمون يدركون حجم ما يواجهونه من خطر حينما أيقظتهم تلك الأصوات والتحذيرات من نومهم. ربما لم يسمع بعضهم في قلب الاعتصام على بُعد عشرات الأمتار تلك النداءات، ربما ظنوا أن خيامهم وسواترهم التي بنوها من بعض ألواح الخشب والمعدن والحجارة ستحميهم، ربما انخدعوا ببعض نفر منهم تسلحوا بأسلحة هزيلة مثلهم، وربما ظنوا أنهم في سبيل الله يجاهدون واليوم إما النصر أو الشهادة. في كل الأحوال فقد برحوا في أماكنهم واقفين وتجاهلوا النداءات المتكررة ولم تمهلهم الشرطة وقتًا ليفعلوا التي انطلقت من أبواق يحملها كبار ضباط العمليات الخاصة الذين حضروا بأعداد كبيرة من ضباطهم وجنودهم المتمرسين في القتل مدججين بأسلحة خفيفة ومتوسطة أتوماتيكية وأسلحة قنص وخوذات ودروع شخصية ومركبات مدرعة قتالية وكأنهم يواجهون أحد الجيوش. كنت أحد المتابعين لما يحدث منذ الساعات الأولى وخرجت من بيتي القاطن بالحي نفسه الذي سيشهد بعد قليل أعنف مجزرة عرفها المصريون في تاريخهم الحافل بمشاهد القتل والقمع وهدر الحياة، وتوجهت صوب الاعتصام لمراقبة ما سيحدث. أنكر عدم تفاجئي بحجم وأعداد وتسليح القوات التي وجدتها تحاصر منطقة الاعتصام من الجهة التي اقتربت منها أخذًا في الاعتبار كل التهديدات المتكررة والمتصاعدة والشحن والحشد الإعلامي والسياسي والجماهيري ضد المعتصمين الذين كنت أختلف معهم فكريًا وسياسيًا وتكتيكيًا، وأتفق معهم في حقهم في ممارسة التجمع السلمي الذي شابه ككثير غيره بعض الخروج عن تلك السلمية والشحن والحشد المضادين. خابرني أحد الأصدقاء هاتفيًا، وهو محام حقوقي ورفيق لصيق في النضال، ليخبرني أنه سينضم إليّ حينما علم بوجودي بجوار منطقة الاعتصام. وبعد ما يقارب الساعة وقبل أن ينتصف اليوم كنا معًا نراقب ما يحدث؛ حيث قد بدأت قوات الشرطة والعمليات الخاصة الفض بالقوة وباستخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية. مر بعض الوقت ونحن نتحرك ذهابًا وإيابًا في الشوارع المجاورة للاعتصام من الجهة الشمالية الشرقية خلف مركز «طيبة التجاري» محاولين رؤية الأوضاع؛ حيث شاهدنا جماعات صغيرة متفرقة من بعض الهاربين من جحيم القتل يحاولون الهروب من الشوارع الجانبية يلاحقهم بعض الجنود في مشاهد حرب عصابات. لا أعلم على وجه اليقين إن استطاعوا الهرب أم وقعوا بين براثن الشرطة، فقد كنا نحاول البقاء قريبين بما يكفي لمراقبة الأحداث دون أن نوضع في الكفة نفسها معهم فينالنا ما ينالهم أو أن تبعدنا القوات التي كنا شبه ملازمين لها فلا نرى تطور الأحداث. بعد ما يقارب الساعة كنا قد شاهدنا ما يكفي في هذا الجانب وقررنا الدوران حول الاعتصام لنرى ما يحدث من جهة أخرى، وتحديدًا من جهة شارع «عباس العقاد» الذي كان خاويًا تمامًا من أي مشهد للحياة فيما عدا بعض المخاطرين أمثالنا. حين اقتربنا من تقاطع الشارع مع طريق «النصر» وجدنا أعدادًا متوسطة من قوات الجيش مدججين أيضًا بالسلاح والدروع مانعين عبور أي أحد خلف تلك النقطة. عدنا أدراجنا لندور حول المنطقة حتى دخلنا طريق النصر من ناحية قسم أول مدينة نصر، وهناك وجدنا بعض أفراد قوة القسم يحاولون منع الناس من الاقتراب أكثر، لكنهم لم يكونوا صارمين في ذلك فاستطعنا ضمن الكثير التسلل من جوارهم لننضم لعشرات وربما مئات آخرين تجمعوا عند ميدان «الساعة» أمام حاجز أمامي من قوات الجيش التي منعت أي تقدم أكثر من ذلك. كان معظم هؤلاء من المؤيدين للمعتصمين الذين يريدون الانضمام إليهم أو ممن لهم أقرباء أو أصدقاء بالداخل. ولم يكن كلانا مختلفًا عنهم، فقد كان لكل منا أحد الأقارب أو الأصدقاء بالداخل كما كان لكثير من المصريين في حينها قبل أن تفرقهم حدة الاستقطاب إلى أحد المعسكرين أو إلى قوقعتهم محاولين التشبث بما تبقى لديهم من عقل. بالإضافة إلى هؤلاء انضم بعض الفضوليين والمراقبين والصحفيين، كلٌ يحاول سبر أغوار المشهد الواضح الغامض. لم يمر الكثير من الوقت قبل أن تبدأ بعض المناوشات بين من يحاولون دخول الاعتصام من المؤيدين له وقوات الجيش الموجودة انتهت إلى استخدام القوات قنابل الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية التي بدا في حينها أن استخدامها بقصد القتل أسهل على حامليها من محاولة استخدام أية كلمات أو وسائل أقل قسوة ورد المناوشون بالحجارة، وتفرقت عن رفيقي فجأة لبضع دقائق حينما بدأ إطلاق الرصاص العشوائي وسقط البعض مضرجًا بالدماء. بعد حوالي الساعة لم يبد أنه سيحدث جديد من تلك الناحية ولم يبدو أن هناك مخرجًا لمن بالداخل أو مفرًا من القدر المكتوب. تحركنا لنعاود الالتفاف حول الاعتصام قاصدين هذه المرة محاولة إيجاد طريق لدخول الاعتصام لاستطلاع الوضع داخله، ومحاولين الوصول إلى أقاربنا لإنقاذهم من الموت شبه المحقق. وصلنا بعد مرور ما يقارب الساعة من البحث إلى مدخل شارع جانبي ضيق موازٍ لشارع الطيران لسبب ما لم يكن محاصرًا من قوات الشرطة؛ حيث رأينا بعض الخارجين من الاعتصام تظهر عليهم كثير من أمارات التعب، وتغطي كثير منهم آثار الدماء والدخان. رغم كل المخاطر اتفق كلانا على ضرورة الدخول للأسباب السالف ذكرها؛ فسلكنا طريقنا إلى الداخل ورافقنا قلة ممن أرادوا الانضمام لمن بالداخل وبعض ممن يحاولون إنقاذ ذويهم أو أصدقائهم. كلما اقتربنا من الاعتصام رأينا المزيد من الوجوه المعفرة بالتراب والدخان والملابس المخضبة بالدماء والنظرات الذاهلة، وتعالت أصوات الرصاص وتعالت معها أصوات الصرخات حتى وصلنا إلى أرض الاعتصام من جهة مدخل مشفى رابعة العدوية حوالي الثالثة مساءً. لا أزال أذكر تلك اللحظات القصيرة والمشاهد الرهيبة والمرعبة التي رأيناها بالداخل وكأنها حدثت للتو. أصوات الطلقات المتطايرة تدفعك للإحساس بأنك داخل أحد الخنادق على الجبهة الأمامية لحرب مستعرة بين جيشين، رائحة الدخان المسيل تزكم الأنوف، وتجبر دموعك على النزول إن لم تدمع عيناك لمشاهد المصابين الذين يحاولون النجاة بحياتهم. منظرهم خارجين من باب المشفى وهم يحاولون عبور تلك الفجوة بينها وبين المكان الذي كنا نقف فيه، والتي يبدو أن أفراد قناصة الشرطة يستهدفون أيًا كان من يعبر خلالها برصاصة قاتلة، كان مشهدًا مثيرًا للجزع بشدة. ترى حولك الجميع في ذهول، شباب وفتيات ورجال ونساء وأطفال، إما غير مصدقين ما يحدث لهم من تقتيل بأيدي شرطة كان أولى بها أن تحميهم، وإما مصدومين من هول الموقف ومشاهد الدم. هناك من يحاول الاحتماء خلف مبنى والرعب يتملكه والدموع تغلبه. وهناك من يحاول صد بعض الهجوم بالحجارة أو بأي شيء يقابله في طريقه. بعض الصحفيين الأجانب والمصريين كانوا بالداخل، ميزت بعضهم من الكاميرا والهوية وواقي الصدر الذي كتب عليه «صحافة» بلغة إنجليزية. كانوا يحاولون تسجيل المشاهد لكن الجميع كان يحاول الاحتماء من الرصاص المتطاير. لمدة تربو على العشر دقائق رأيت إحدى الطائرات المروحية تحلق واقفة في مكانها في سماء الاعتصام وكأن من بداخلها يسجل ما يحدث كما زعموا لاحقًا أو أنها حَوَتْ قناصة للشرطة لاستهداف المزيد من تلك النقطة الكاشفة، كما ظن كثير وأنا منهم. لا أدري على وجه التأكيد، ولكن ما كنت متأكدًا منه أن البقاء هنا أكثر من ذلك قد يعني البقاء للأبد والخروج من الحياة كلها. حاول كل منا التواصل مع من يخصه علّ أيدينا تصل إليهم قبل أيدي الموت، لكن فشلت محاولاتي المتكررة؛ حيث كان هاتفه مغلقًا، ونجح رفيقي في التواصل مع قريبه الذي كان محتجزًا في ركن عبر الناحية المواجهة من شارع الطيران. كانت مخاطرة عبور الشارع عالية للغاية؛ حيث تجعلك مكشوفًا لكل القناصة وقوات العمليات الخاصة الذين اقتربوا كثيرًا من مكاننا، إلا أن خوفه على حياة قريبه جعله يأخذ المخاطرة ويذهب. هل كان ضربًا من الجنون؟ ربما ولكن أي جنون لا يقارن بما كان يحدث من قتل وحرق وتدمير. بدأ رفيقي التحرك للعبور إلى الناحية المواجهة من الشارع وبقيت أنا أحاول التواصل مع قريبي دون جدوى فظللت منتظرًا في مكاني. بعد حوالي عشر دقائق أخرى بدأت أرى مقدمة المركبة المدرعة التي تتقدم جنود الشرطة تقترب وبدا مستحيلا أن يعود رفيقي وهم بهذا القرب الذي سيضعه بلا شك تحت طلقات بنادقهم إن لم يكن تحت أيديهم، لكن لم يكن أمامي سوى الانتظار. فجأة ألقت القوات المهاجمة قنبلتين صوتيتين فدوى انفجاران مدويان صموا أذناي ففقدت السمع لبعض الوقت، ورأيت أحدهم يسقط برصاصة قبل أن أرى رفيقي يعود ومعه قريبه مهرولين وقد نجوا بأعجوبة. وحيث فشلت كل محاولاتي للوصول إلى قريبي ووجد صديقي ضالته أصبح البقاء داخل الاعتصام ضربًا من الجنون التام ومحاولة غير رومانسية للانتحار. تحركنا فورًا لنسلك طريق الخروج من الممر نفسه مع اقتراب وتعالي أصوات الرصاص من كل جانب مما ينذر باقتراب القوات المهاجمة بشدة من قلب الاعتصام. بعد دقائق كنا خارج منطقة الاعتصام في وضع آمن إلى حد ما غير مصدقين أننا نجونا من القتل بعد أن قضينا ما بين ٣٠ و٤٥ دقيقة داخل ذلك الجحيم، جحيم القتل. بعد قليل تحركنا بسيارتي لأوصل رفيقيَّ إلى بيت أحد أقاربهم قاطني حي مدينة نصر، فقد كنا مرهقين بشدة ومذهولين ونحتاج إلى الابتعاد قدر الإمكان. بعد حوالي الساعة تواترت الأخبار عن انتهاء الفض وفتح ممرات آمنة واستطعت التواصل مع قريبي فتحركت مرة أخرى لمنطقة الاعتصام لأُقِلُّه بعيدًا بعد أن كتبت له النجاة؛ حيث كان من المحبوسين داخل مشفي رابعة في الساعات الأخيرة من الفض. لاحقًا في تلك الليلة قابلت بعض الزملاء والزميلات حيث توجهنا لمسجد «الإيمان» الكائن بشارع مكرم عبيد لتوثيق أعداد الشهداء والذين استطاعوا نقلهم من مشفى رابعة إلى هناك. داخل المسجد رائحة الموت تطبق على المكان وصراخ الأهل والأصدقاء الذين مات لديهم آخر أمل لبقاء ذويهم على قيد الحياة برؤية الجسد المسجى. تراصت المئات من تلك الأجساد المكفنة على عجل ولا يزال بعضها ينزف دمًا، وأخرى محترقة ومتفحمة وآثار الرصاص القاتل بالرأس والرقبة والصدر في كثير مما رأيت. كانت مذبحة بكل ما تحمله الكلمة من معان. أكثر من ألف قتيل في رابعة وما يقارب الألفين أزهقت أرواحهم في كل مصر في هذا اليوم الأسود تحت لواء حماية السكان وتطبيق القانون وفرض النظام. كلمات فارغة لا تساوي شيئًا أمام ما حدث. تزاحمت برأسي الأفكار والأسئلة كيف يمكن لبشر أن يرتكبوا مثل هذه الجريمة، وأي مبرر يمكن أن يردده هؤلاء لتبرير فعلتهم تلك وكل ما لحق من جرائم ارتكبتها أيديهم؟! هل أخطأ الإخوان ومؤيدو ما سمي بـ«الشرعية» في رفع مطالبهم؟ لا لم يخطئوا؛ فمن حق كل شخص أن يطالب بما يريد حتى لو تعارض ذلك مع الآخرين طالما فعل ذلك بسلمية. وهل كانت هناك بعض الأسلحة داخل الاعتصام؟ نعم تلك فرضية صحيحة لكن مع قلة قليلة ولم تتعد الأسلحة المضبوطة ١٥ بندقية حسب تصريحات وزير الداخلية نفسه. ولم تتعد خسائر الشرطة في الأرواح ٨ ضباط وأفراد حسب تصريحات وزارة الداخلية وهو الرقم نفسه الذي ذكره تقرير «هيومان رايتس ووتش»، الذي صدر في وقت لاحق بعنوان «حسب الخطة» موثقة به تلك الأحداث. هل استحق ذلك قتل أكثر من ألف معظمهم من الأبرياء؟ بالقطع لا وألف لا. والسؤال الأهم والبدهي هل كان بالإمكان تجنب ذلك؟ بالتأكيد نعم! وليس أدل على ذلك من تصريحات بعض العاقلين في المعسكرين التي أكدت وجود مفاوضات غير مكتملة سابقة على الفض، مما يوحي بوجود نية مبيتة للقتل لدى واضعي خطة الفض وتجاهل تام لذلك من أرفع المناصب في السلطة، إن لم يباركوا ذلك بمن فيهم النائب العام هشام بركات قبل أن يتم اغتياله مؤخرًا في تفجير استهدف موكبه الذي أعطى موافقته للتنفيذ. فلكل من اقترفت يداه الآثمة تلك الجريمة وغيرها مما سبق أو لحق من الجرائم الأقل بشاعة في حق المصريين، أو شجع على ارتكابها، أو وقف متفرجًا حين كان قادرًا على التدخل، أو هلل لحدوثها، أو حتى بررها بأي شكل، لكل هؤلاء أقول لا شيء سيمحو أفعالكم فقد نحتت في ذاكرة الوجع، وكتبت سطورها بمداد من دماء بريئة، وانطبعت مشاهدها على صفحات العقول والقلوب التي بقي فيها بعض من الإنسانية. يمكنكم الصراخ حتى لا يُسمع غيركم، أو الكذب حتى لكي لا تُعرف الحقيقة، أو التبرير حتى ترتاح ضمائركم. لكن هيهات! فمثلكم مات فيهم الضمير واضمحل عندهم العقل ونزعت الرحمة من قلوبهم، فأصبحتم متكبرين متجبرين. افرحوا بما لديكم اليوم فلستم على كراسيكم وعروشكم خالدين. إذا نسي التاريخ الذي تزورونه بأيدي مريديكم ولن يفعل فلن ننسي. حاول غيركم الكثير فأُسْقِطَ في أيديهم كما سيُسْقِطَ في أيديكم. وما نسينا بغداد والقلعة ووارسو وصبرا وشاتيلا ودير ياسين والشيشان ولا الهنود الحمر والأرمن والسود وغيرهم. كثيرة هي مذابح من على شاكلتكم. لم يوقفهم دين ولا عرف ولا إنسانية عن اقتراف جرائمهم وتبريرها كما لم يوقفكم. ينعرون باللون والعرق والدين والوطنية والقومية والفوقية ونعرات أخرى أوقدوا نارها فما أطفأتها إلا أنهار دماء الأبرياء وعبرات الثكالى. تأتي الذكرى الثانية لجريمتكم الشنعاء وتظنون أنكم قد أفلتم بها من عقاب استحققتموه.. لكن هيهات! فستلاحقكم تلك الدماء من تحت التراب، وستحيل أحلامكم كوابيس كما فعلتم معهم ومعنا. ستصم آذانكم صرخات الأب والأم والزوج والابن والبنت والأخ والأخت، وستلاحقكم أوجاعهم التي ما فتئت تعاودهم وتعتصر قلوبهم كلما اجتمعوا حول أي شيء. فاجتماعهم سيظل منتقصًا للأبد، وأفراحهم ستظل باهتة وعزاءاتهم ستظل قائمة حتى يقتصوا منكم ويلحقوا بذويهم في حياة أخرى. ستلاحقكم بعض ضمائر لم تغتالها بعد رغبات الحكم الزائلة، ولا أموالكم الملوثة، ولا منطقكم الفاسد. ستلاحقكم ثورات وأدتموها في مهادها، وثوار قتلتم آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم. ستلاحقكم أقلام لا يزال مدادها الحق والحق فقط. اليوم أنتم ها هنا تفرحون وغدًا يأتيكم القصاص من حيث لا تدرون أو تدركون، ثم أنتم لرب منتقم جبار لعائدون. حين لا ينفع مال ولا بنون، ولا أسلحة تختزنون، ولا أنصار منافقون. سننتظر ذلك اليوم الآت لا محالة، وستدفعون الثمن، في هذه الحياة أو في حياة أخرى
قارن هشام بركات مع:
شارك صفحة هشام بركات على