محمد عمارة

محمد عمارة

محمد عمارة مصطفى عمارة (٢٧ رجب ١٣٥٠ هـ/٨ ديسمبر ١٩٣١ - ٤ رجب ١٤٤١ هـ/٢٨ فبراير ٢٠٢٠) هو مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، ورئيس تحرير مجلة الأزهر حتى ١٦ يونيو ٢٠١٥. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بمحمد عمارة؟
أعلى المصادر التى تكتب عن محمد عمارة
سُئل مرة أحد العارفين لو كانت هناك أمنية واحدة تُلبى لك الآن ماذا ستتمنى ؟، فقال راحة البال، نعم يا سادة يا كرام ، "راحة البال".... اليوم وكأنني للمرة الأولى أقرأها في كتاب الله {ﻭَﺃَﺻْﻠَﺢَ ﺑَﺎﻟَﻬُﻢْ }، توقفت ملياً عند هذه الآية .. كلمة (بال) كلمة فصيحة وكنت أظنها عاميّة، أصلح الله بالكم؛ دعاء جميل جداً في الآية لم أكن أتفطن له؟ والبال هو موضع الفكر، والفكر موضعه العقل و القلب. فأنت حين تقول أصلح الله بالك، أي أصلح الله خاطرك، وتفكيرك، وقلبك، وعقلك ويقول الله سبحانه في سورة محمد {ﻭَﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﻭَﻋَﻤِﻠُﻮﺍ ﺍﻟﺼَّﺎﻟِﺤَﺎﺕِ ﻭَﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﺑِﻤَﺎ ﻧُﺰِّﻝَ ﻋَﻠَﻰ ﻣُﺤَﻤَّﺪٍ ﻭَﻫُﻮَ ﺍﻟْﺤَﻖُّ ﻣِﻦ ﺭَّﺑِّﻬِﻢْ ﻛَﻔَّﺮَ ﻋَﻨْﻬُﻢْ ﺳَﻴِّﺌَﺎﺗِﻬِﻢْ ﻭَﺃَﺻْﻠَﺢَ ﺑَﺎﻟَﻬُﻢْ}،فشروط إصلاح البال ثلاثة مذكورة في كتاب الله الإيمان بالله وعمل الصالحات والعمل بتعاليم ما نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ بشكل فعلي، كما جاءت لفظة صلاح البال في السنة النبوية المطهرة بعد الدعوة بالهداية لمن عطس، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ (ص) قَالَ (إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ). أراح الله بالي و بالكم هذه الأيام، وكفّر سيئاتي وسيئاتكم، وهداني وإياكم طريق الصواب، في أيام تشريق مشرقة بحول الله.. هذه المنحة الطيبة العجيبة ، خانت هذه الأيام قومنا في المشرق كما في المغرب من الأحرار والعبيد، و تحديدا يوم عيد الأضحى السعيد، الذي صادف يوم الجمعة الماضية، إذ لوحظ تخبط الناس و تشتت المسلمين في أداء صلاة الجمعة من عدمها بعد أداء صلاة العيد صباحا، محتارين هل يصلونها ظهرا فرادى، و يهجروا مساجدهم في ذلك الوقت بما فيهم أئمة المساجد ؟، ولاحظ بعضهم أن سقوط أداء الجمعة واجب، فترخصوا في ترك صلاة الجمعة وصلوها فرادى ظهرا . قد يقبل هذا الأمر بشكل أو بآخر وتحديدا في بعض الدوال الغربية لجاليتنا المسلمة، منها مثلا الدول التي لا تعترف رسميا للمسلمين بعطل الأعياد الدينية، فيصعب التغيب عن العمل في نفس اليوم مرتين بعذر ديني كما يقال لهم عموما.. أما في الدول الإسلامية التي عطلتها يوم الجمعة فهناك متسع لاجتهادات علماء البلاد، و لهم حق الترخيص من عدمه، حسب المذهب والعرف و ما ذهب إليه أهل العلم من أهل البلد، وقد استوقفتني ردود الأفعال العديدة أيام التشريق هذه خاصة ما تناقلته منابر التواصل الاجتماعي، فمنهم مبيح و منهم مكره و منهم متهم بالبدعة؟!. الذين لا يثقون في أصحاب الدار يستفتون من خارج الأسوار! كما استوقفتني أسئلة وجيهة لأحد المشايخ في الجزائر، الذي استفسر من متصفحي موقعه، مناشدا بعضهم بقوله أريد أن أحلل معكم الظاهرة، أي ظاهرة سقوط صلاة الجمعة يوم العيد، متسائلا هل هو أثر اللامذهبية؟ أم هل هو أثر القنوات الإعلامية؟ أم هل هي عقدة الانسياق خلف ما يأتي من الخارج، واستضعاف ما يأتي من الداخل؟ أم هل هي رقة في تدين الناس بحيث يأخذون بالرخص حيثما وجدت؟ أم هل هو ضعف المرجعية المحلية أو غيابها؟!. وهي أسئلة منطقية ووجيهة في عمومها، وقد تجتمع كل هذه التساؤلات لدى شريحة معينة من الناس، مما حدى ببعض الأخوات ، التعليق بقولها "للأسف من الجزائريين من لا يثقون في أصحاب الدار ويستفتون من خارج الأسوار! وأردفت تقول "استمعت شخصيا لمحمد صالح المنجد في قناة مكة يفتي جزائريا استفتاه قبل العيد بيومين.. عن صلاة الجمعة في يوم العيد فأعطاه فتوى عامة بجواز عدم أدائها والأفضل ان يؤديها فماذا يُفهم من هذه الفتوى؟ على الرغم من المسالة فيها تفصيلات واستثناءات على قلة معلوماتي الفقهية". وعلق آخر، قائلا "من الأمور التي صادفتني أن في المسجد الذي صليت فيه، كانت مجموعة من الناس يذكرون الله جماعة كما تعودنا عليه من قبل في حضرة مشايخ، إلا أن مجموعة كانت تذكر الله بطريقة فردية و كان ذلك يشوش على الذكر الجماعي فساد المسجد نوع من الفوضى و ارتفاع الأصوات بطريقة فوضوية، يعتبر البعض أن الذكر جماعة بهذه الطريقة بدعة !" وعلق ثالث، قائلا "منعهم تكبير النّاس جماعة على نسق واحد في العيد ووصف ذلك بالبدعة، والتّحقيق الأصوليّ يقتضي أنّ البدعة هي في قولهم هذا لا في تناسق التّكبير"، متسائلا بقوله "متى كان الشّرع المطهّر يأمر بالاختلاف والتّباين والفوضى وتشويش النّاس بعضهم على بعض، ويجعل ذلك من مطالبه، وينهى عن الاتّحاد والاجتماع والتّوافق". العيد عنوان الحرية و الانعتاق للشعوب المتحضرة كل هذا اللغط و الخلط من دخلاء على الدين، متناسين رحمة تغافر العيد وأخوة الاسلام وأتباع أولي الامر والفضل في الفتوى في البلد، متناسين أن مناسبات الأعياد الإسلامية شكلت حافزا للوحدة والتآزر ولا زالت مادة خصبة للفقهاء والعلماء والشعراء منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وتفاوتت معرفتهم وأحاسيسهم به قوة وضعفُا، عبادة وعادة، وأخذ هذا الاهتمام مظاهر عديدة، ومن هذه المناسبات، إن لم يكن من أهمها العيدين؛ فهي تتكرر كل عام مع اختلاف الظروف والأحداث التي قد يمر بها عالم من نخبة القوم خاصة أو تمر بها بالأمة الإسلامية عامة، وقد تفاعل الشعراء مع الأعياد تفاعلاُ قويًا ظهر في أغراض شعرية منوعة. ونحن لا نختلف في أن العيد من شعائر الإسلام، وله أحكام شرعية تتعلق به من أجل ذلك قام فقهاء وعلماء منذ قرون، الحديثَ عن معنى العيد وحكمة مشروعية العيدين، وحكم صوم العيدين وأيام التشريق الثلاثة، وحكم التكبير وأنواعه وصفته، ومشروعية صلاة العيدين وحكمها ووقتها، وصفة صلاة العيد ومكان إقامتها، وآداب الخروج إلى مصلى العيد، وحكم قضاء العيد، وصفة التهنئة بالعيد، وصفة اللهو والغناء المباح، وحكم زيارة المقابر يوم العيد، وحكم اجتماع العيد مع الجمعة وهو ما صادف هذه السنة أيضا واثار المشكلة.. طبعا، إن صحت حسابات فلكيينا وأجهزتهم، لأن بعضهم يجزم أن عيد الأضحى يوم الخميس وليس الجمعة؟؟ لا علينا.. فالعيد شعار راحة البال و عنوان الحرية والانعتاق للشعوب المتحضرة، فماذا عن من أمضى يوم العيد خلف قضبان السجون، و ماذا عن العيد و بعض دولنا تحت الاحتلال و الحصار، و ماذا عن العيد و أمم تباد بالجوع والخوف و الأمراض و الأوبئة.. كيف يبدع الأدباء و الشعراء يوم العيد وهم وراء القضبان؟ لذا حبذا لو يتدبر من ينعمون بالخيرات أيام الأعياد ما جرى لأسلافنا ولازال، و لبعض أهالينا وجيراننا و لازال، من محنة السجن والانقطاع عن الأهل والأحباب والأبناء في مثل هذه المناسبات، إذ يأتي العيد عليهم؛ وهم خلف القضبان، فتثور في نفوسهم الذكريات؛ فهذا سيد قطب يبدع بظلال القرآن في ظلمة السجون، و يبعث للأمة بأنفس تفسير، وهذا الشاعر مفدي زكريا، شاعر الثورة الجزائرية يبدع في كتابة النشيد الوطني في الزنزانة رقم ٦٩ بسجن بربروس أثناء الاحتلال، ويكتب نشيد "نحن طلاّب الجزائر"، و نشيد"العلم" الذي كتبه بدمه بدل ميداد الاقلام، يهديه للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وكذا نشيد "الشهيد" الذي نظّم بتاريخ ٢٩ نوفمبر ١٩٥٦ بالزنزانة رقم ٦٥، وطلبت جبهة التحرير الوطني من المحكوم عليهم بالإعدام بترديده قبل الصعود إلى المقصلة !.. ومن المعاصرين عمرو خليفة النامي الليبي الذي كتب قصيدته (يا ليلة العيد) وهو بين قضبان السجون يصوّر فيها ما يعانيه هو وأحباؤه من مأساة الظلم والطغيان، فما أشد ما يلاقيه الشاعر وهو في زنزانة ضيقة تطوف بخاطره وخياله صورة أطفاله وهم ينتظرونه في ليلة العيد، حتى يصور الشاعر نفسه كأنه يبصر أولاده والدمع ينهمر من أعينهم شوقًا إليه، فكيف تكون فرحة الأطفال بالعيد والآباء يرسفون في السلاسل والقيود؟‍ يا ليلة العيد كم أقررت مضطربًـا *** لكن حظي كان الحــزن والأرق أكاد أبصرهم والدمع يطفر مـن *** أجفانهم ودعاء الحـب يختنـق يا عيد، يا فرحة الأطفال ما صنعت *** أطفالنا نحن والأقفـال تنغلـق ما كنت أحسب أن العيد يطرقنا *** والقيد في الرسغ والأبواب تصطفق إنها مشاعر جياشة تثور مع عودة العيد كل مرة على المشردين و المهجرين قصرا والمعتقلين في السجون خصوصًا إذا كان السجن ظلمًا، فتثور الذكريات ويعيش كل منهم ذكرياته مع الأهل والأصدقاء والأطفال. يا عيد إن لقيناك اليوم بالاكتئاب؛ فتلك نتيجة الاكتساب وهذا العلامة محمد البشير الابراهيمي يخاطب العيد بسيف قلمه البتار وبلسان أمته المكلومة، ويصف حال الأمة الإسلامية في العيد، حتى لكأنه يتحدث عن حال المسلمين اليوم، مع أنه قد كتب تلك المقالات منذ ما يزيد عن سبعين عاماً، يقول رحمه الله " يا عيد إن لقيناك اليوم بالاكتئاب؛ فتلك نتيجة الاكتساب، ولا والله ما كانت الأزمنة، ولا الأمكنة يوماً ما جمالاً لأهلها، ولكن أهلها هم الذين يُجَمِّلونها ويُكَمِّلونها، وأنت يا عيد ما كنت في يوم جمالاً لحياتنا، ولا نضرة في عيشنا، ولا خضرة في حواشينا حتى نتَّهمك اليوم بالاستحالة، والدمامة، والتَّصوُّح.. وإنما نحن كنا جمالاً فيك، وحِلْيَةً لِبُكرِك وأصائلك؛ فحال الصبغ، وحلم الدبغ، واقشعر الجناب، وأقفرت الجنبات، وانقطعت الصلة بين النفوس وبين وحيك؛ فانظر أيُّنا زايل وصفَه، وعكس طباعه؟ بلى إنك لم تزل كما كنت، وما تَخَوَّنتَ ولا خنت، وتوحي بالجمال ولكنك لا تصنعه، وتلهم الجلال ولكنك لا تفرضه.. ولكننا نُكِبْنَا عن صراط الفطرة، وهدي الدين؛ فأصبحنا فيك كالضمير المعذب في النفس النافرة([آثار الإمام الابراهيمي ٣ ٤٨١،])." وسطية الإسلام رافضة للغلو المادي والروحي في العيد و غير العيد وبالتالي نقول للذين يفسدون علينا أعيادنا من مرة لأخرى، إرحمونا من جهلكم وتطرفكم فالإسلام دين الوسطية، ولقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الوسطية (جَعْلاً إلهيّا)، وليس مجرد خيار من خيارات المؤمنين بالإسلام، فقال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة ١٤٣). ونحن نلاحظ أن هذه الآية الكريمة قد جعلت الوسطية علة وسببا يترتب عليه اتخاذ الأمة الإسلامية موقع (الشهود) على العالمين، بما في هذا العالمين من أمم وشعوب وملل ورسالات وثقافات وحضارات. وذلك التعليل وثيق الصلة بمعنى (الوسطية) ومعنى (الشهود).. فالوسط ـ كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ هو العدل. والعدل هو الشرط المؤهل للشهادة والشهود على العالمين. ولأن هذه الأمة الخاتمة قد آمنت بكل النبوات والرسالات والكتب السماوية، كانت وحدها المؤهلة عدالتُها بالشهادة على العالمين، بما في ذلك الشهادة على تبليغ كل الرسل رسالاتهم إلى أمم هذه الرسالات فوسطية الإسلام الرافضة للغلو المادي والغلو الروحي، كما يعرفها الدكتور محمد عمارة حفظه الله هي وسطية لا تلغي المادة والمادية ولا الروح والروحانية كليا، وإنما هي (الوسطية الإسلامية الجامعة) تصوغ الإنسان الوسط راهب الليل وفارس النهار، الجامع بين الفردية والجماعية، بين الدنيا والآخرة، بين التبتل للخالق والاستمتاع بطيبات وجماليات الحياة التي خلقها الله وسخرها لهذا الإنسان بن باز الواجب على الإمام أن يقيم الجمعة يوم العيد وأن يحضر في المسجد ويصلي بمن حضر و حتى الإمام بن باز، في فتاويه، لما سئل، ما حكم صلاة الجمعة إذا صادفت يوم العيد هل تجب إقامتها على جميع المسلمين أم على فئة معينة، ذلك أن بعض الناس يعتقد أنه إذا صادف العيد الجمعة فلا جمعة إذاً !؟ فقال الواجب على إمام الجمعة وخطيبها أن يقيم الجمعة وأن يحضر في المسجد ويصلي بمن حضر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيمها في يوم العيد يصلي العيد والجمعة عليه الصلاة والسلام وربما قرأ في العيد وفي الجمعة جميعا بسبح والغاشية فيها جميعا، كما قاله النعمان بن بشير رضي الله عنهما فيما ثبت عنه في الصحيح، لكن من حضر صلاة العيد ساغ له ترك الجمعة ويصلي ظهرا في بيته أو مع بعض إخوانه إذا كانوا قد حضروا صلاة العيد، وإن صلى الجمعة مع الناس كان أفضل وأكمل، وإن ترك صلاة الجمعة لأنه حضر العيد وصلى العيد فلا حرج عليه لكن عليه أن يصلي ظهرا فردا أو جماعة. يتقاضانا العرف والعادة أن نفرح في العيد ونتبادل التهاني صحيح أن المرء يكون أحيانا في حيرة من أمره، أمام تعدد الفتاوى و الاجتهادات وتنوعها، لكن ذلك كله لا يجب أن ينسينا بأي حال أننا مسلمون.. أننا محاسبون اليوم قبل الغد، عن "ماذا قدمنا لقضيتنا، لا بل لقضايانا المتعددة و جراحات أمة محمد الدامية؟ أما اليوم، فـقد يتقاضانا العرف والعادة أن نفرح في العيد ونبتهج وأن نتبادل التهاني، وأن نتهادى البشائر و نكف عن الضغائن"، أو كما قال الامام الابراهيمي في مثل هذه الأيام زمن الاستعمار الحالك "اليوم يوم عيد، لكن تتقاضانا الأيامى والثكالى والأيتام، اليوم يوم عيد، لكن يتقاضانا الشهداء والمجاهدون المخلصون المشردون في الفيافي؛ أبدانهم للسوافي، وأشلاؤهم للعوافي.. أن نكون أوفياء للعهد، وأن لا نخون قضيانا العادلة، وأن ننأى بها عن أسواق المزاد العلني التي دخلها الكثير من تجار المبادئ، وسماسرة القضايا ! يتقاضانا الأسرى والجرحى، أن لا ننعم حتى ينعموا، وأن لا نطمئن حتى يفرحوا بنصر الله، وبعودة الحقوق إلى أهلها في عزة وكرامة" .. إنما العيد لمن طاعاته تزيد أما هؤلاء القوم المتشاكسون اليوم على فراغ و في فراغ، يحلو لنا تكرار ما قاله العلامة الابراهيمي في ذات المناسبة و هو يبكي على جرح الجزائر و فلسطين "حرام عليكم أن تنعموا وأهلكم من المسلمين بؤساء، وحرام أن تطعموا وإخوانكم جياع، وحرام أن تطمئن بكم المضاجع وإخوانكم يفترشون الغبراء، ويسومهم زبانية الغدر وسماسرتها سوء العذاب.. أيها المسلمون، "أفهموا ما في هذا العيد من رموز الفداء والتضحية والمعاناة، لا ما فيه من معاني الزينة والتفاخر المادي، ذاك حق الله على الروح، وهذا حق الجسد عليكم. وصدق من قال "ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن طاعاته تزيد "، نعم ليس العيد لمن لبس الجديد و أكل اللذيذ إنما العيد لمن طاعاته تزيد.. أراح الله بالي و بالكم ، وكفّر سيئاتي وسيئاتكم ، وهداني وإياكم سبيل الرشاد. ..
الدعاة في الميدان أنواع و طباع وأشكال وأحجام، والأفكار أمزجة وأمتعة، وكما قال بعضهم، بل إنهم بمثابة الأقلام، كل يكتب في صحيفته و بمداد محبرته، فهناك قلمٌ يحرِّر.. وآخر يِقرّر.. وآخر يغرّر.. وآخر يبرّر، وآخر يحاول جاِهداً أن يمرّر وآخر .. وهناك قلمٌ أمير و قلمٌ أجير و قلمٌ أسير.. كما يوجد قلم حرٌ حذر وآخر غِرٌ قذر. وهناك فِكر "متَسرّب" وآخَر "متَغرّب.. وآخر "مجِرّب" وآخر "مقَرِّب.. وآخرَ "مهرِّب" وآخر "معرِّب" وآخر "مخرِّب .. ، وهناك فكر قوي وآخر غيَر سوي، هكذا هِي سنَة الحياة، للحق أتباع وللجيف ضباع، فقِلةٌ فيِ إنصِياعْ والأكثرَون فيِ ضياع.. تلك هي حياتنا على حد تعبير أحد الاخوة الدعاة. الأفكار تتغير بفعل الزمان والمكان، وحتى المبادئ تتغير وإذا أردنا تلطيف العبارة نقول أنها ترمم، لكن لما يقفز بعض الدعاة على ما كان يقولونه لبني قومهم بالجملة والمفرق، ويتعدوا الحواجز الكثيرة من غير أن ينتبه بعضهم للزاد المعرفي الذي يمتلكه وحلبة الصراع التي تنتظره، متناسيا أنه عندما يختار بإرادته أن يكون شخصية عامة؛ سيكون عليه التخلي عن جزء كبير من حريته الشخصية، سواء في أفعاله أمام العامة أو في التعبير عن رأيه في بعض القضايا، خاصة إن كان شخصية تمثل ديانة سماوية فما بالكم برجل الرسالة الخاتمة؟. أين دعاتنا من شعار" تعالوا نحب بعض .. تعالوا نحضن بعض" عن هذه الأقوام والأقلام، نشرت يومية الحوار الجزائرية منذ أزيد من شهر مقالا مطولا بعنوان "حقائق وأسرار عن زيارة عمرو خالد للجزائر.."، حيث تأسف فيه الكاتب محمد يعقوبي عن مواقف استعلائية لداعية مسلم تجرد فيها عن التواضع والأخوة التي كثيرا ما كان يدعو بها ويلوكها حد الاجترار يوميا كقوله " تعالوا نحب بعض .. تعالوا نحضن بعض".. إذ إشترط عمرو خالد تصريحا لا تلميحا على مضيفيه، "أن ينزل ضيفا على الجزائر بشروط منها أن تأتيه دعوة رسمية من هيئة حكومية، ويتم استقباله رسميا من كبار المسؤولين في الجزائر".. كما حجز لإقامته في فندق الأوراسي الفخم بالعاصمة الجزائرية، وخصص له جناحان، أحدهما للإقامة، والآخر للاستقبالات، كأنه رئيس دولة!! وقد كان حينها “مصروعا” باستقبال أسطوري خصه به الملك عبد الله في الأردن، فأراد أن يكون له استقبال مماثل من طرف الجزائر، على حد تعبير الإعلامي محمد يعقوبي في مقاله آنف الذكر هليكوبتر لعمرو خالد ليتنقل من مدينة إلى أخرى! والعبد لله، من خلال معرفته "البعيدة" بعمرو خالد، لا يستغرب أن يتصرف الرجل بهذا الطيش، لا لشيء إلا لأنه في ذلك الوقت تحديدا أو قبله بأشهر، لما رغب بعض الأخوة في أوروبا استضافته عندنا في سويسرا، طلب منا شروطا تعجز الدول المبذرة عن تلبيتها فما بالكم بجمعيات ومراكز إسلامية تقتات من فتات رواتب أعضائها، ومن هذه الشروط الخيالية طلب ضيفنا أي عمرو خالد أن يحجز له جناح أو غرف له ولمرافقيه في أفخم الفنادق السويسرية، أي خمسة نجوم فما فوق على حد تعبير ممثله الشخصي والأدهى والأمر أنه طلب حجز طائرة هليكوبتر ليتنقل بها من مدينة إلى أخرى!! نعم.. طلب كراء هليكوبتر في بلد صغير الحجم مثل سويسرا يتنقل فيها رئيس الدولة ووزرائه بالقطار العمومي مع الشعب؟؟ بين عبد الاله بن كيران وعمرو خالد، شتان بين الثرى و الثريا! هكذا أخبرني أحد الإخوة المشرفين على استضافة الداعية المصري فلما سمعت بهذا الكلام، تأسفت لحال عمرو خالد وحال دعوته الشابة الناشئة، ولما أُخبِر أحد المشايخ بـ"السالفة"، قال "هذا إجرام في حق الإسلام وفي حق الدعوة، إن أحضرتموه لسويسرا، بل يجب فضحه قبل أن يحتال على آخرين في دول أخرى"، فنهرت هذا الأخ وقلت له " أستر، ما ستر الله"، مذكرا إياه، بقصة داعية مغربي نقيضة لذلك تماما، حكاها لنا أحد الاخوة، أن الأستاذ عبد الاله بنكيران قبل أن يصبح وزيرا في الحكومة المغربية، دعاه إخوة من أوروبا لإلقاء محاضرات بمناسبة رمضان في النمسا، فرفض " الشيخ" بن كيران المبيت في الفنادق وفضل الإقامة مع الطلبة واللاجئين، وقال "أنا آتيكم للدعوة فلا بأس أن أنام في سدة المسجد، أو أتقاسم غرفة مع أحد الطلبة، وثمن كراء غرفتي في الفندق ادخروه لتسديد مصاريف مسجدكم"، فشتان بين الثرى والثريا، وأين بنكيران من عمرو خالد ؟؟.. وقد استفسرت شخصيا من الأستاذ عبد الاله بنكيران منذ أشهر فقط على هامش ندوة بالمدينة المنورة عن قصة إقامته في فيينا وأكد لي صحتها، بل ويذكرها ويذكر أصحابها واصفا إياها بأنها كانت أيام مباركات.. ولا يزال بتواضعه الإسلامي حتى وهو في سدة الحكم بطريقة أو بأخرى. "إرحموا عزيز قوم ذل" أو زل بالتعبير المصري و كلاهما يؤدي المعنى بصراحة لا يداخلها شك، أني لم أكن أنوي الكتابة عن عمرو خالد بعد كل ما قيل و يقال عن شخص الداعية المغلوب على أمره، ليس من باب "لكل جواد كبوة" ولا من باب "تلك الأيام نداولها بين الناس"، ولا حتى "إرحموا عزيز قوم ذل"، أو زل بالتعبير المصري و كلاهما يؤدي المعنى، بل من باب " أذكروا موتاكم بخير".. بالنسبة لي الرجل انتهى، حتى لما نسمع عن عمرو خالد والمسجد الأقصى محاصر هذه الأيام وتمنع فيه الجمعة من طرف إسرائيل، يدعو هو الشباب من جهته للابتعاد عن السياسة و الاكتفاء بترديد قراءة سورة العصر عدد من المرات لرد العدوان الإسرائيلي .. أي ضحك على الأذقان هذا؟؟".. ثم لماذا لم يدعو أيضا هذا الأسبوع حكومة بلاده للسماح بمرور قافلة الادوية الجزائرية الى غلابة فلسطين، عبر معبر رفح، وهذا عمل إنساني وليس سياسي؟؟ هنا لم يبقى مجال للتزكية ولا متسع للمجاملة، خاصة أن القارئ الكريم يذكر جيدا، إني كنت من أكبر المدافعين عن عمرو خالد في بداية مشوار نشر كتيباته وتداول أشرطته منذ أزيد من ١٥ سنة خلت، وقد كتبت يومها ردا صريحا عن افتراءات وتدليس بعض منتقديه كالذي نشرته مجلة جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية اللبنانية " الهرارية "، إذ خصصت مجلة "منار الهدى" في عددها الـ ١٠٦، خمس صفحات للتشهير بعمرو خالد ووصفه بأوصاف لا تليق بمسلم، إذ حاول أصحاب المقال تلمس عثرات الرجل في العديد من أشرطته وإبرازها على أن الرجل جاهل وضال إلخ..، علما أن كل التعاليق الواردة في المقال محل نقاش وخلاف بين أهل العلم والفضل منذ قرون. لذلك أذكر أني كتبت يومها مقالي "دفاعا عن عمرو خالد"، لأن أصحاب المجلة ذهبوا بعيدا إلى حد النبش في أمور تافهة للغاية، كقولهم أن عمرو خالد حليق الذقن وتخصصه محاسبة بعيدا عن الشريعة الإسلامية ولم يدرس عن شيوخ.. مع الإشارة إلى أن عمرو خالد نفسه اعترف بأنه لم يتتلمذ على يد أحد من المشايخ، إنما تأثر ببعضهم، كما اعترف بأنه ليس أهلا للفتوى ولا متخصصا فيها. "حَلُمتُ أن الرئيس السيسي بيوزع تفاح وعنب في الجنة" أما اليوم وهذه الأسابيع الأخيرة فإن فيديوهات تتداول أثارت جدلا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، تصريحات منسوبة لعمرو خالد بشأن الرئيس المصري السيسي، منها قوله "حَلُمتُ أن الرئيس السيسي بيوزع تفاح وعنب في الجنة، وده يعني إن خير قادم لمصر إن شاء الله." كما أنه تم تداول فيديو لعمرو خالد، يظهر فيه وهو يصافح شابا خليجيا ويتودد إليه متبسما، ولكنه فور علمه أنه من دولة قطر، سارع بتركه والانصراف عنه؟!. وبما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد فإن الكتابة في هذا الصدد تعتبر من الفروض، ويتحتم علينا أن نقول كلمتنا، ولو كان عمرو خالد من أعز الناس لدى بعض أتباعه، لأنه من غير المقبول أن يسهم في خلخلة الجدار الذي أراده المسلمون أن يبنوه ليس عزلة ولكن كرامة، وأنفة، وحتى يتعلم الآخرون بأن هذه الأمة تمرض لكن لا تموت.. " المصري، لا ينطق سبعة أحرف أساسية من اللغة، كالقاف والجيم والثاء و الذال و.." ما فهمته ولا أحسبه يدخل ضمن دائرة "اجتنبوا كثيرا من الظن فإن بعض الظن إثم" أن عمرو خالد تعود على الأضواء ولا يستطيع أن يعمل شيئا دون أن يوازنه بميزان الفضائيات، واعتماده على قدراته العلمية وهي ضحلة، وزاد من تحريفها بلهجته المصرية التي لا أدري لماذا يريد أن يقحم نفسه بها دائما، علما ان العالم العربي بأسره يفهم اللغة العربية الفصحى، وإني أتصور لو أن داعية مثل عمرو خالد يطلع من المغرب أو الجزائر، ويتحدث بلهجة مغاربية فهل سيفهم عمرو خالد ما يقول، وقس على ذلك من اللهجات التي تزخر بها دولنا العربية التي من الصعب فك طلاسمها. وهنا أذكر أن العلامة الشيخ محمود بوزوزو رغم احترامه الشديد للأشقاء في مصر، ومن أعز أحبابه الأوائل الشيخ محمد الغزالي والدكتور توفيق الشاوي والدكتور سعيد رمضان وقد تتلمذ على كتب محمد عبده و سيد قطب و محمد عمارة وغيرهم من أهل مصر، إذ كان كثيرا ما يشيد بعلمهم، رغم ذلك كان يوصينا بقوله " لا تتركوا المصري يدرس الأطفال أبجديات اللغة العربية في مسجدنا، لأن أهل أم الدنيا، لا ينطقون سبعة أحرف أساسية من اللغة العربية، كالقاف والجيم والثاء و الذال و.."، فهل آن الأوان لعمرو خالد والدعاة أمثاله أن يتركوا ركاكة لهجاتهم ويحدثوننا بلسان عربي مبين؟. الخسائر نتحملها جميعا، سواء كانت الأقاويل حقيقة أم مجرد إشاعات والأمر الأكثر خطورة، هو كثرة تواجد عمرو خالد و أمثاله من دعاة مصر والخليج على صفحات الجرائد ومواقع التواصل الإعلامي، واسم الواحد منهم يجاور كلمة «فضيحة»؛ تلك الكلمة التي تخشاها أية شخصية عامة، وسواء كانت هذه الأقاويل حقيقة أم مجرد إشاعات؛ فيجب القول إن الأخبار الكاذبة لها خسائر ايضًا، ولأن المعني داعية إسلام، فمجرد تواجده في مكان عام مع فتاة غير محجبة؛ يظهر الود بينهما، أو يلعب مع فتيات في حديقة عامة؛ في نظر بعض محبيه؛ قد تكون تلك المواقف بالرغم من صِغر شأنها تعتبر «فضيحة» بالنسبة لقطاع كبير من جمهوره. أما تملق بعض الدعاة و المشايخ انقلاباتهم الأخيرة ١٨٠ درجة، في أزمة الخليج الأخيرة فحدث عن البحر ولا حرج، لذلك أنا لا أطالب دعاتنا بدول المشرق و المغرب بالتوقف عن عملهم وهجر الأضواء التلفزية التي لا يقتاتون إلا بأنوارها، لكن من باب"سددوا و قاربوا"، واضعا نقدنا الاخوي هذا للأبرياء منهم، ضمن حكمة الامام الشافعي التي يقول فيها "من يظن إنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون، قالوا عن الله ثالث ثلاثة وقالوا عن حبيبنا محمد ساحر ومجنون، فما ظنك بمن هو دونهما ؟"” فكلام الناس مثل الصخور، إمّا أن تحملها على ظهرك، "فينكسر"، أو تبني بها برجًا تحت أقدامك فتعلو وتنتصر”!! والله يقول الحق وهو الهادي إلى سواء السبيل..
قارن محمد عمارة مع:
شارك صفحة محمد عمارة على