توفيق الشاوي

توفيق الشاوي

القاضي المستشار الدكتور / توفيق محمد إبراهيم الشاوى ولد الدكتور توفيق الشاوى في (١٥ أكتوبر ١٩١٨ - ٨ أبريل ٢٠٠٩)، بقرية الغنيمية – مركز فارسكور – دمياط وهو أحد الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين ممن رافقوا الإمام حسن البنا توفي في ٨ أبريل ٢٠٠٩.إلى جانب هذه المسيرة الطويلة كأستاذ جامعى فإن له دور كبير في طريق العمل للصحوة الإسلامية في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي.في عام ١٩٥٦ م كان المغرب وتونس قد أعلنتا استقلالهما، ودعاه أصدقاؤه من الوزراء المغاربة إلى مشاركتهم في إعداد النظم والقوانين الحديثة، ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بتوفيق الشاوي؟
أعلى المصادر التى تكتب عن توفيق الشاوي
أخيرا آن لأحد فوارس صحوتنا الاسلامية الكبار أن يترجل، بصمت وبهدوء وكأنه لم يرغب في أن يزعج أبناء قومه، أو يشغلهم بما كابده طيلة السنوات الأخيرة في مصارعة المرض وقبلها بسنوات السجن. أخيرا ترجّل الفارس المحتسب الشيخ مهدي عاكف، ومضى للقاء ربه بسيطا، متواضعا، كواحد من أبناء شعب مصر، يمرض بمرضهم، ويفرح بفرحهم، ويحزن بحزنهم، لكن الجسد لم يستطع أن يقاوم كل الضغوطات التي عاشها رحمة الله عليه، رغم ذلك باقي شامخا كالطود الاشم .. أخيرا ترجل الفارس، ولم نسمع منه كلماته الأخيرة، لكننا نستطيع استقراءها من مسيرته التي لم يهن فيها يوما، ولم يخن، ولم يحبط، ولم يتزعزع عن الإيمان بحق شعبه في الحرية، وفي الكرامة.. ترجل الفارس ومضى بعيدا، مثلما ترجل قبله رفاق وإخوة له منحوا أرواحهم وحياتهم وشبابهم وأموالهم لتحرير أوطانهم وشعوبهم من الاستعمار ومن الاستعباد ومن القهر .. أرادوا أن ينكسوا رأسه بفتوى "طاعة الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " أراد جلادو مصر أن يهزموا فيه إسلامه ووطنيته فانتصر عليهم بإرادة صبره أمام المغريات و الشهوات.. بل أراده بعض علماء السلطان حتى من المنتسبين للإخوان ذليلا فوقف لهم شامخا كالطود الاشم عزيزا، مرددا قول سلفه شيخنا المرحوم الدكتور توفيق الشاوي " ليس للحياة معنى إذا عشنا كما تعيش الفئران في الجحور أو ارتضينا حياة الإذلال والاستكانة والخنوع والانقياد كالدواب... ليس لها هم الا العلف والتكاثر". أرادوا أن ينكسوا رأسه بفتوى " طاعة الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " فامتشق لهم حساما حاسما في الثبات والشجاعة، رافعا الهامة فوق مفاهيم الانبطاح و الانصياع والخضوع و فضل السباحة في وطنه ضد تيار الغدر، متمردا حتى على السياحة خارج الحدود و الاسوار أرادوا أن يجعلوا منه عبرة لغيره من السياسيين والمصلحين، فصنع لهم من صبره وتماسكه بطل يحسب له ألف حساب، فحق اليوم لتلاميذه عبر العالم ترديد قول الشاعر و رفيق دربه الشهيد "سيد ظلال القرآن" أخـي أنت حــرٌ وراء السـدود ** أخــي أنت حـــرٌ بتلك القيود إذا كـنـت بالله مستعـصـــما ** فمــــاذا يضيرك كيـد العبيـد أخــــي ستبيد جيوش الظـلام ** ويشــــرق في الكون فجر جديد فــأطلق لروحــك إشراقــها ** تـرى الفـجر يرمـقـنا من بعـيد قيادات إخوانية منتفخة ومعروفة "خنست " في تقديم حتى التعزية جهارا! أقول اليوم هذا الكلام، كما سبق أن قاله إخواني من مؤسسة السننية للدراسلات الحضارية، في تعزيتهم للمرحوم، إنه ليست لنا أية علاقة بالإخوان المسلمين، إلا أن واجب الإنصاف للعلماء والمصلحين أحياء وأموات والشد على أيديهم، يلزمنا أن نترحم على هذا الرجل الممتحن، وأن نواسي أهله ومحبيه عبر العالم، وأن نعبر عن حزننا لفراق رجال أمثاله.. فالشيخ عاكف عالمي بامتياز، و ليس ملكا لمصر وحدها كما هو الشأن لرجالات الامة الكبار، لما لا و قد عرف عنه في خمسينات القرن الماضي أنه ساهم في جمع التبرعات للثورة الجزائرية كما جمعها قبل ذلك للقضية الفلسطينية، وشعب مصر ،حينها فقير محاصر من كل جانب.. هذا الأمر جعلني أحتار اليوم حتى من مَن يدعون أنهم إخوان و قيادات إخوانية منتفخة معروفة "خنست" في تقديم حتى التعزية للعائلة جهارا، مخافة أن يجرفهم السيل من الضفة الأخرى للخليج ويصابون في مقتل ...يصابون في قوتهم ومصالحهم الدنيوية التافهة الفانية .. أي إخوانية هذه تدعونها يا قومنا؟ التعزية تقدم حتى لغير المسلمين، فما بالكم برجل نحسبه من المصلحين حتى لو اختلفنا معه سياسيا أو مذهبيا و منهجيا.. فإنه سيظل من الرجال الذين أثروا في تاريخ المجتمع المصري ومسيرة حركة الصحوة الروحية والاجتماعية في العالم الإسلامي، كما سيظل "الإخوان" من أكبر الحركات الفكرية والاجتماعية التي أثرت بعمق في المجتمع المصري، وامتد تأثيرها الكبير إلى شتى أقطار العالم الإسلامي بل وخارجه، بالرغم مما يتعرضون له اليوم من حرب شاملة تشبه حروب الإبادة الجماعية مع الأسف الشديد في الشرق كما في الغرب .. ما هي إلا أسابيع من لقائنا حتى تم توقيفه في يوليو ٢٠١٣م والعبد لله لا يعرف شخصيا الشيخ محمد مهدي عاكف و لم يلتقي به إلا عابر سبيل في تركيا في إحدى الندوات بإسطنبول، حيث تناولنا فطور الصباح سويا مع سيدة كانت ترافقه وتسهر على صحته أظنه ابنته، وكان يحمل هم مستقبل الأجيال في أوروبا بنفس نبرة هم أجيال مصر و العالم الإسلامي، وأصر أحد إخواني أن نأخذ صورة معه في بهو الفندق، فسايره وقبل رغم ألم المرض و هو متكأ على عكازه.. وما هي إلا أسابيع من لقائنا في تركيا حتى تم توقيفه في يوليو ٢٠١٣م، عقب الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بمصر، ضمن آخرين من قيادات جماعتهم، وخلال السنوات الأربعة التالية للقبض عليه، تدهورت حالته الصحية، وسط تقارير حقوقية وصحفية تتحدث عن إصابته بانسداد في القنوات المرارية والسرطان، و قد كتبت عن محنته هذه التي تزامنت مع رحيل مصري آخر في السجون الامريكية هو المرحوم الشيخ عمر عبد الرحمان في مقال مطول بجريدة الحوار الجزائرية و أسبوعية البصائر، نقلته مواقع عربية و مصرية بعنوان “نأسى لك يا مصر.. أن أنزلتك الأقدار بهذه المنزلة” ،و هي الكلمة التي قالها العلامة الإبراهيمي منذ ٦٥ سنة، و الذي كان المرحوم عاكف يعرف عنه الكثير، يوم كان العلامة الابراهيمي لاجئا في مصر أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر في خمسينات القرن الماضي. مقامك يا سيدي عند ربك أن تموت على فراش السجن مناضلاً وليس على فراش البيت”.. إذ أشرت في مقالي آنف الذكر تزامن رحيل المرحوم الشيخ عمر عبد الرحمان، مع المرض المزمن الذي أقعد شيخ مصري آخر، هو الشيخ مهدي عاكف وهو في سجن بلده بمصر وليس في الغرب أي أمريكا تحديدا، وذلك بعد الضغوطات التي تعرض لها الشيخ عاكف وهو الشيخ المسن في التسعين، وتمت مساومته للإفراج عنه بتقديم تنازلات في صورة تصريحات منذ يوم اعتقاله، إلا أنه رفض رفضاً قاطعاً وأقفل باب المناقشة في هذه الأمور، حيث قال أحد تلاميذه “ربما أراد الله لمهدي عاكف أن يختم حياته مجاهداً مناضلاً كما بدأها، وكأنها طوال عمره، إلا أنني أدعو الله أن يمد في عمره حتى يرى بعينيه مصارع الظالمين وسارقي الأوطان”، مضيفا بقوله ”أو ربما مقامك يا سيدي عند ربك – كما نحسبك أن تموت على فراش السجن مناضلاً وليس على فراش البيت”.. وفعلا وقع ما تمناه تلميذه. غادر بعد رحلة شاقة في السجون منذ عهد الملكية والجمهورية بكل مراحلها وحتى آخر يوم في حياته.. علما أن تاريخ نضال الشيخ مهدي عاكف بدأ من زمان بعيد وتحديدا بعد الثورة المصرية وحدوث الصدام بين تنظيم الإخوان والرئيس عبد الناصر عام ١٩٥٤، حيث تم القبض عليه وحكمت عليه المحكمة المصرية بالإعدام، فواجه الحكم باستهانة وثبات، وفي ليلة التنفيذ جاء القرار بتخفيف الحكم للمؤبد، قضى منها عشرين عاماً كاملة.. لا ننسى أن الرجل الذي غادر هذه الدنيا اليوم بعد رحلة شاقة طويلة، قضى منها ثلث عمره تقريبا في السجون، منذ عهد الملكية والجمهورية بكل مراحلها وحتى آخر يوم في حياته.. شهيد لم يسقط في المعركة، لكنه لم ينم يوما إلا والمعركة في باله أنا إذ أكتب عنه اليوم للمرة ثانية، أعجز عن الكتابة عن هذا الشهيد الجديد، شهيد لم يسقط في المعركة، لكنه لم ينم يوما إلا والمعركة في باله، وبين عينيه، يعيشها بجوارحه، ويتابع محطاتها وأصداءها القادمة من كل مكان بقوة وعزم أسطوري، وبقدرة خارقة على التحمل والصبر، قد تعد لأبناء جيلي " الكارتوني" أنها ليست بشرية بل ربانية سماوية .. أقول عنه هذا الكلام، ليس لأمدحه، فلا يحتاج مديحا من صغار أمثالي، خاصة وهو الآن بين يدي خالقه، و قد تحرر فعلا من سجنه، ومن ظلم سجَّانيه، والشامتين به، والحاقدين عليه، وهو الآن يلقى ربه مرتاح البال، دون أن يتزحزح قيد أنملة عن مواقفه الصلبة في مقاومة الفساد والظلم في وطنه، والانحياز لثورة "الغلابة" والمظلومين التواقين إلى العيش الكريم، والحرية والعدالة الاجتماعية، كما نادى بذلك المصريون في ثورتهم السلمية المجهضة، وما كلفته من المتاعب والآلام، وهو على مشارف التسعين من عمره. أقول هذا الكلام، ولا أطمع من وراءه في شهرة أو تزكية كما كان يتودد إليه بعض متملقي الشهرة في الجماعة، ليس لأني لا أنتمي إليهم، بل لأنني أريد أن أقدم شهادة للتاريخ عن هذا الرجل، الإنسان، ما دمت لم استطع أن أفعل ذلك في حياته حتى لا يعتبر ذلك رياء أو نفاقا، علما أني لم أتعرف عليه عن قرب إلا في آخر عمره و في لقاء عابر، ليس كما عرفه كل أو معظم أبناء حركته، بشكل أو بآخر. إذ قرأت في ملامح الرجل، من أول يوم، قرأت فيه المعلم السمح المتواضع، والرجل الصلب الذي لا يلين عند المواجهة كما يشهد تاريخه ومواقفه رغم أمراضه المزمنة، وأيضا لاحظت كما يكون قد لاحظ غيري أنه الرجل الرحيم العطوف على أبناء حركته يوم كان مرشدا عاما للجماعة، ساترا لعيوبهم، رغم كل ما قد صدر من أصحابه أحيانا في حقه من اتهامات، وتشكيك بعد أن طال الصراع على المناصب بين الاجيال في التنظيم الدولي. وكأنهم حملوه وحده و بعض رموزهم ثقل التركة، ولكنه رغم ذلك لم يتذمر، بل تحمل العبء بصمت، وتحمل النقد بصمت، حتى خبا بصمت.. الموت يوحد الفرقاء معارضون ومؤيدون يوجهون انتقادات لاذعة للحكومة وقد نعى اليوم، معارضون ومؤيدون لجماعة الإخوان المسلمين مرشدها السابق، محمد مهدي عاكف. واجتمع الفريقان على توجيه انتقادات لاذعة للسلطات المصرية بشأن ما أسموه الإصرار على حبس عاكف (٨٩ عاماً)، وعدم الإفراج الصحي عنه، و أيضا منع تشييعه في جنازة شعبية، إذ لم يحضر لدفنه إلا خمسة أفراد من عائلته مع المحامي و تحت حراسة أمنية مشددة، مثل ما وقع في مراسم دفن سلفه الشهيد حسن البنا، رحمة الله على الجميع.. و من باب رب ضارة نافعة، ها هو ربك يفتح باب الدعاء و الاجر العميم للميت لكي يصلي عليه العالم أجمع " صلاة الغائب". . بحيث علق أكاديمي ليبرالي مصري، عبر "فيسبوك" "أتمنى ألا تقودنا الخصومات السياسية إلى مواقف لا تتناسب مع جلالة الموت واحترام مشاعر البشر الذين لا نشاركهم مواقفهم السياسية، ولكننا جميعاً أمام الموت سواء". كما علق على موته برلماني كويتي على صفحته في "تويتر" بقوله يسجن لعقود وثبت على الحق لعقود.. هكذا هي قصة الحق وأهله.. رحمة الله عليه. أما عبدالعزيز الفضلي الكاتب في جريدة "الرأي" الكويتية علق قائلاً هكذا هم الأبطال يصبرون على السجون ولا يتنازلون عن المبادئ، ولا يقولون كلمة باطل ترضي طاغوتاً أو ظالماً. وكتب عمرو دراج، الوزير الأسبق في عهد حكومة مرسي ستكون دماء البطل لعنة على من تواطأ في الجريمة. كما علق الفلسطيني ياسر الزعاترة قائلاً يرحل الشيخ التسعيني إلى حيث لا ظلم ولا تعب ولا نصب، يرحل إلى ربه راضياً مرضياً، ويبوء الطغاة بالإثم والعار.. مضيفا بقوله " شتان بين من يجعلون الحياة محطة للنعيم، وبين من يجعلونها محطة للجحيم". وبدوره، قال أستاذ النظم السياسية ، سيف الدين عبدالفتاح، عبر "تويتر" "سيظل مهدي عاكف شاهداً على حقارة الانقلابيين ووضاعتهم عندما تركوا رجلاً بلغ التسعين ومريضاً بالسرطان يموت في السجن بلا تهمة". لعمرك يا مصر إنهم لم يقاتلوك بالحديد والنار، إلا ساعة من النهار ولكي تستيقظ مصر من كبوتها و تضمد جراحها عليها أن تقرأ التاريخ بعين وتبكي بعين على أبنائها البررة، ولو عدنا للتاريخ القريب لرأينا جمعية علماء الجزائر، تقف مع مصر في محنها وهي ذاتها تئن تحت نير الاستعمار الفرنسي في سنوات ١٩٥١ ١٩٥٢ في أوج فوران مصر للتخلص من المستعمر البريطاني، بل ويصدر رئيسها العلامة البشير الإبراهيمي عدداً خاصاً من البصائر عن مصر ونضالها، افتتحه بمقالة تبين حكمته وتقواه جاء فيها "فلعمرك يا مصر إنهم لم يقاتلوك بالحديد والنار، إلا ساعة من النهار؛ ثم بالكتاب الذي يزرع الشك، وبالعلم الذي يمرض اليقين، وبالصحيفة التي تنشر الرذيلة، وبالقلم الذي يزين الفاحشة، وبالبغي التي تخرب البيت، وبالحشيش الذي يهدم الصحة، وبالممثلة التي تمثل الفجور، وبالراقصة التي تغري بالتخنث، وبالمهازل التي تقتل الجد والشهامة، وبالخمر التي تذهب بالدين والبدن والعقل والمال، وبالشهوات التي تفسد الرجولة، وبالكماليات التي تثقل الحياة، وبالعادات التي تناقض فطرة الله، وبالمعاني الكافرة التي تطرد المعاني المؤمنة من القلوب". يا مصر، إن القوم تجار سوء، فقاطعيهم تنتصري عليهم داعيا بقوله " فإن شئت يا مصر أن تذيبي هذه الأسلحة كلها في أيدي أصحابها فما أمرك إلا واحدة، وهي أن تقولي إني مسلمة... ثم تصومي عن هذه المطاعم الخبيثة كلها... إن القوم تجار سوء، فقاطعيهم تنتصري عليهم... وقابلي أسلحتهم كلها بسلاح وهو التعفف عن هذه الأسلحة كلها... فإذا أيقنوا أنك لا حاجة لك بهم، أيقنوا أنهم لا حاجة لهم فيك وانصرفوا.. وماذا يصنع المرابي في بلدة لا يجد فيها من يتعامل معه بالربا؟" هذا هو الدرس البليغ الذي يجب أن يقرأه اليوم و كل يوم ليس فقط شعب مصر أم الدنيا، و لا حتى شعوب العالم العربي ، بل أن تقرأه الإنسانية قاطبة و تردد صداه على الأشهاد. وبهذه المناسبة الأليمة، نتوجه، بخالص التعازي والمواساة للجميع في مصر عسكرا ومدنيين، أفاضل مسالمين كانوا أم صعاليك انقلابيين، داعين الله تعالى أن يتغمد الفقيد برحمته الواسعة، وأن يتجاوز عنه، وأن ينزله مقعد صدق مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يجعلنا من المنصفين للعلماء والمصلحين أحياء وأمواتا، وأن يطهر قلوبنا من الغلِّ لهم، وألسنتنا من الولغ في أعراضهم، وأن يجعلنا من الذين {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[الحشر ١٠].
الدعاة في الميدان أنواع و طباع وأشكال وأحجام، والأفكار أمزجة وأمتعة، وكما قال بعضهم، بل إنهم بمثابة الأقلام، كل يكتب في صحيفته و بمداد محبرته، فهناك قلمٌ يحرِّر.. وآخر يِقرّر.. وآخر يغرّر.. وآخر يبرّر، وآخر يحاول جاِهداً أن يمرّر وآخر .. وهناك قلمٌ أمير و قلمٌ أجير و قلمٌ أسير.. كما يوجد قلم حرٌ حذر وآخر غِرٌ قذر. وهناك فِكر "متَسرّب" وآخَر "متَغرّب.. وآخر "مجِرّب" وآخر "مقَرِّب.. وآخرَ "مهرِّب" وآخر "معرِّب" وآخر "مخرِّب .. ، وهناك فكر قوي وآخر غيَر سوي، هكذا هِي سنَة الحياة، للحق أتباع وللجيف ضباع، فقِلةٌ فيِ إنصِياعْ والأكثرَون فيِ ضياع.. تلك هي حياتنا على حد تعبير أحد الاخوة الدعاة. الأفكار تتغير بفعل الزمان والمكان، وحتى المبادئ تتغير وإذا أردنا تلطيف العبارة نقول أنها ترمم، لكن لما يقفز بعض الدعاة على ما كان يقولونه لبني قومهم بالجملة والمفرق، ويتعدوا الحواجز الكثيرة من غير أن ينتبه بعضهم للزاد المعرفي الذي يمتلكه وحلبة الصراع التي تنتظره، متناسيا أنه عندما يختار بإرادته أن يكون شخصية عامة؛ سيكون عليه التخلي عن جزء كبير من حريته الشخصية، سواء في أفعاله أمام العامة أو في التعبير عن رأيه في بعض القضايا، خاصة إن كان شخصية تمثل ديانة سماوية فما بالكم برجل الرسالة الخاتمة؟. أين دعاتنا من شعار" تعالوا نحب بعض .. تعالوا نحضن بعض" عن هذه الأقوام والأقلام، نشرت يومية الحوار الجزائرية منذ أزيد من شهر مقالا مطولا بعنوان "حقائق وأسرار عن زيارة عمرو خالد للجزائر.."، حيث تأسف فيه الكاتب محمد يعقوبي عن مواقف استعلائية لداعية مسلم تجرد فيها عن التواضع والأخوة التي كثيرا ما كان يدعو بها ويلوكها حد الاجترار يوميا كقوله " تعالوا نحب بعض .. تعالوا نحضن بعض".. إذ إشترط عمرو خالد تصريحا لا تلميحا على مضيفيه، "أن ينزل ضيفا على الجزائر بشروط منها أن تأتيه دعوة رسمية من هيئة حكومية، ويتم استقباله رسميا من كبار المسؤولين في الجزائر".. كما حجز لإقامته في فندق الأوراسي الفخم بالعاصمة الجزائرية، وخصص له جناحان، أحدهما للإقامة، والآخر للاستقبالات، كأنه رئيس دولة!! وقد كان حينها “مصروعا” باستقبال أسطوري خصه به الملك عبد الله في الأردن، فأراد أن يكون له استقبال مماثل من طرف الجزائر، على حد تعبير الإعلامي محمد يعقوبي في مقاله آنف الذكر هليكوبتر لعمرو خالد ليتنقل من مدينة إلى أخرى! والعبد لله، من خلال معرفته "البعيدة" بعمرو خالد، لا يستغرب أن يتصرف الرجل بهذا الطيش، لا لشيء إلا لأنه في ذلك الوقت تحديدا أو قبله بأشهر، لما رغب بعض الأخوة في أوروبا استضافته عندنا في سويسرا، طلب منا شروطا تعجز الدول المبذرة عن تلبيتها فما بالكم بجمعيات ومراكز إسلامية تقتات من فتات رواتب أعضائها، ومن هذه الشروط الخيالية طلب ضيفنا أي عمرو خالد أن يحجز له جناح أو غرف له ولمرافقيه في أفخم الفنادق السويسرية، أي خمسة نجوم فما فوق على حد تعبير ممثله الشخصي والأدهى والأمر أنه طلب حجز طائرة هليكوبتر ليتنقل بها من مدينة إلى أخرى!! نعم.. طلب كراء هليكوبتر في بلد صغير الحجم مثل سويسرا يتنقل فيها رئيس الدولة ووزرائه بالقطار العمومي مع الشعب؟؟ بين عبد الاله بن كيران وعمرو خالد، شتان بين الثرى و الثريا! هكذا أخبرني أحد الإخوة المشرفين على استضافة الداعية المصري فلما سمعت بهذا الكلام، تأسفت لحال عمرو خالد وحال دعوته الشابة الناشئة، ولما أُخبِر أحد المشايخ بـ"السالفة"، قال "هذا إجرام في حق الإسلام وفي حق الدعوة، إن أحضرتموه لسويسرا، بل يجب فضحه قبل أن يحتال على آخرين في دول أخرى"، فنهرت هذا الأخ وقلت له " أستر، ما ستر الله"، مذكرا إياه، بقصة داعية مغربي نقيضة لذلك تماما، حكاها لنا أحد الاخوة، أن الأستاذ عبد الاله بنكيران قبل أن يصبح وزيرا في الحكومة المغربية، دعاه إخوة من أوروبا لإلقاء محاضرات بمناسبة رمضان في النمسا، فرفض " الشيخ" بن كيران المبيت في الفنادق وفضل الإقامة مع الطلبة واللاجئين، وقال "أنا آتيكم للدعوة فلا بأس أن أنام في سدة المسجد، أو أتقاسم غرفة مع أحد الطلبة، وثمن كراء غرفتي في الفندق ادخروه لتسديد مصاريف مسجدكم"، فشتان بين الثرى والثريا، وأين بنكيران من عمرو خالد ؟؟.. وقد استفسرت شخصيا من الأستاذ عبد الاله بنكيران منذ أشهر فقط على هامش ندوة بالمدينة المنورة عن قصة إقامته في فيينا وأكد لي صحتها، بل ويذكرها ويذكر أصحابها واصفا إياها بأنها كانت أيام مباركات.. ولا يزال بتواضعه الإسلامي حتى وهو في سدة الحكم بطريقة أو بأخرى. "إرحموا عزيز قوم ذل" أو زل بالتعبير المصري و كلاهما يؤدي المعنى بصراحة لا يداخلها شك، أني لم أكن أنوي الكتابة عن عمرو خالد بعد كل ما قيل و يقال عن شخص الداعية المغلوب على أمره، ليس من باب "لكل جواد كبوة" ولا من باب "تلك الأيام نداولها بين الناس"، ولا حتى "إرحموا عزيز قوم ذل"، أو زل بالتعبير المصري و كلاهما يؤدي المعنى، بل من باب " أذكروا موتاكم بخير".. بالنسبة لي الرجل انتهى، حتى لما نسمع عن عمرو خالد والمسجد الأقصى محاصر هذه الأيام وتمنع فيه الجمعة من طرف إسرائيل، يدعو هو الشباب من جهته للابتعاد عن السياسة و الاكتفاء بترديد قراءة سورة العصر عدد من المرات لرد العدوان الإسرائيلي .. أي ضحك على الأذقان هذا؟؟".. ثم لماذا لم يدعو أيضا هذا الأسبوع حكومة بلاده للسماح بمرور قافلة الادوية الجزائرية الى غلابة فلسطين، عبر معبر رفح، وهذا عمل إنساني وليس سياسي؟؟ هنا لم يبقى مجال للتزكية ولا متسع للمجاملة، خاصة أن القارئ الكريم يذكر جيدا، إني كنت من أكبر المدافعين عن عمرو خالد في بداية مشوار نشر كتيباته وتداول أشرطته منذ أزيد من ١٥ سنة خلت، وقد كتبت يومها ردا صريحا عن افتراءات وتدليس بعض منتقديه كالذي نشرته مجلة جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية اللبنانية " الهرارية "، إذ خصصت مجلة "منار الهدى" في عددها الـ ١٠٦، خمس صفحات للتشهير بعمرو خالد ووصفه بأوصاف لا تليق بمسلم، إذ حاول أصحاب المقال تلمس عثرات الرجل في العديد من أشرطته وإبرازها على أن الرجل جاهل وضال إلخ..، علما أن كل التعاليق الواردة في المقال محل نقاش وخلاف بين أهل العلم والفضل منذ قرون. لذلك أذكر أني كتبت يومها مقالي "دفاعا عن عمرو خالد"، لأن أصحاب المجلة ذهبوا بعيدا إلى حد النبش في أمور تافهة للغاية، كقولهم أن عمرو خالد حليق الذقن وتخصصه محاسبة بعيدا عن الشريعة الإسلامية ولم يدرس عن شيوخ.. مع الإشارة إلى أن عمرو خالد نفسه اعترف بأنه لم يتتلمذ على يد أحد من المشايخ، إنما تأثر ببعضهم، كما اعترف بأنه ليس أهلا للفتوى ولا متخصصا فيها. "حَلُمتُ أن الرئيس السيسي بيوزع تفاح وعنب في الجنة" أما اليوم وهذه الأسابيع الأخيرة فإن فيديوهات تتداول أثارت جدلا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، تصريحات منسوبة لعمرو خالد بشأن الرئيس المصري السيسي، منها قوله "حَلُمتُ أن الرئيس السيسي بيوزع تفاح وعنب في الجنة، وده يعني إن خير قادم لمصر إن شاء الله." كما أنه تم تداول فيديو لعمرو خالد، يظهر فيه وهو يصافح شابا خليجيا ويتودد إليه متبسما، ولكنه فور علمه أنه من دولة قطر، سارع بتركه والانصراف عنه؟!. وبما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد فإن الكتابة في هذا الصدد تعتبر من الفروض، ويتحتم علينا أن نقول كلمتنا، ولو كان عمرو خالد من أعز الناس لدى بعض أتباعه، لأنه من غير المقبول أن يسهم في خلخلة الجدار الذي أراده المسلمون أن يبنوه ليس عزلة ولكن كرامة، وأنفة، وحتى يتعلم الآخرون بأن هذه الأمة تمرض لكن لا تموت.. " المصري، لا ينطق سبعة أحرف أساسية من اللغة، كالقاف والجيم والثاء و الذال و.." ما فهمته ولا أحسبه يدخل ضمن دائرة "اجتنبوا كثيرا من الظن فإن بعض الظن إثم" أن عمرو خالد تعود على الأضواء ولا يستطيع أن يعمل شيئا دون أن يوازنه بميزان الفضائيات، واعتماده على قدراته العلمية وهي ضحلة، وزاد من تحريفها بلهجته المصرية التي لا أدري لماذا يريد أن يقحم نفسه بها دائما، علما ان العالم العربي بأسره يفهم اللغة العربية الفصحى، وإني أتصور لو أن داعية مثل عمرو خالد يطلع من المغرب أو الجزائر، ويتحدث بلهجة مغاربية فهل سيفهم عمرو خالد ما يقول، وقس على ذلك من اللهجات التي تزخر بها دولنا العربية التي من الصعب فك طلاسمها. وهنا أذكر أن العلامة الشيخ محمود بوزوزو رغم احترامه الشديد للأشقاء في مصر، ومن أعز أحبابه الأوائل الشيخ محمد الغزالي والدكتور توفيق الشاوي والدكتور سعيد رمضان وقد تتلمذ على كتب محمد عبده و سيد قطب و محمد عمارة وغيرهم من أهل مصر، إذ كان كثيرا ما يشيد بعلمهم، رغم ذلك كان يوصينا بقوله " لا تتركوا المصري يدرس الأطفال أبجديات اللغة العربية في مسجدنا، لأن أهل أم الدنيا، لا ينطقون سبعة أحرف أساسية من اللغة العربية، كالقاف والجيم والثاء و الذال و.."، فهل آن الأوان لعمرو خالد والدعاة أمثاله أن يتركوا ركاكة لهجاتهم ويحدثوننا بلسان عربي مبين؟. الخسائر نتحملها جميعا، سواء كانت الأقاويل حقيقة أم مجرد إشاعات والأمر الأكثر خطورة، هو كثرة تواجد عمرو خالد و أمثاله من دعاة مصر والخليج على صفحات الجرائد ومواقع التواصل الإعلامي، واسم الواحد منهم يجاور كلمة «فضيحة»؛ تلك الكلمة التي تخشاها أية شخصية عامة، وسواء كانت هذه الأقاويل حقيقة أم مجرد إشاعات؛ فيجب القول إن الأخبار الكاذبة لها خسائر ايضًا، ولأن المعني داعية إسلام، فمجرد تواجده في مكان عام مع فتاة غير محجبة؛ يظهر الود بينهما، أو يلعب مع فتيات في حديقة عامة؛ في نظر بعض محبيه؛ قد تكون تلك المواقف بالرغم من صِغر شأنها تعتبر «فضيحة» بالنسبة لقطاع كبير من جمهوره. أما تملق بعض الدعاة و المشايخ انقلاباتهم الأخيرة ١٨٠ درجة، في أزمة الخليج الأخيرة فحدث عن البحر ولا حرج، لذلك أنا لا أطالب دعاتنا بدول المشرق و المغرب بالتوقف عن عملهم وهجر الأضواء التلفزية التي لا يقتاتون إلا بأنوارها، لكن من باب"سددوا و قاربوا"، واضعا نقدنا الاخوي هذا للأبرياء منهم، ضمن حكمة الامام الشافعي التي يقول فيها "من يظن إنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون، قالوا عن الله ثالث ثلاثة وقالوا عن حبيبنا محمد ساحر ومجنون، فما ظنك بمن هو دونهما ؟"” فكلام الناس مثل الصخور، إمّا أن تحملها على ظهرك، "فينكسر"، أو تبني بها برجًا تحت أقدامك فتعلو وتنتصر”!! والله يقول الحق وهو الهادي إلى سواء السبيل..
قارن توفيق الشاوي مع:
ما هي الدول التي تتحدث صحافتها عن توفيق الشاوي؟
شارك صفحة توفيق الشاوي على