الأخ الأكبر

الأخ الأكبر

ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بالأخ الأكبر؟
أعلى المصادر التى تكتب عن الأخ الأكبر
تدوينة عن الثورة والإنترنت وما فعلاه بجيلنا أحمد شهاب الدين ٢١ سبتمبر ٢٠١٧ «اتخرجنا من الجامعة، ودخلنا سوق العمل، حصلت ثورة ٢٠١١، بدأنا نقطع شوط في شغلنا، حصلت ثورة ٢٠١٣، وأول ما فكرنا في الجواز جا قرار التعويم، احنا جيل منحوس.» هكذا رأى صديق صحفي يبلغ ٢٨ عامًا مشوار جيله في الحياة العملية، في ما لا يختلف كثيرًا عن المسار الاجتماعي والنفسي. ربما لم يتعرض جيل سابق لمؤثرات دراماتيكية متناقضة ومتعاقبة مثلما تعرض هذا الجيل، من الإسلام السياسي والتشدد الوهابي القادم من جزيرة العرب، إلى التحرر والإباحية القادمين من شبكات الإنترنت، زلزال يناير ٢٠١١، اضطرابات وأحلام احتجاجات السنوات التي أعقبتها، تلك التي حفرت في نفسي الأثر الأعمق.. ألا تتفق معي يا علي؟ طرحت السؤال على صديق صحفي يبلغ ٢٧ عامًا ويعمل في صحيفة موالية للنظام، وعلى قدر كراهيته للنظام السياسي الحالي كان التزامه في عمله لاحتياجه للمرتب الذي يكاد يكفي احتياجاته، وذلك بعد حملة شرسة للنظام على كثير من منافذ الإعلام المستقل والمعارض. يذكّرني موقف علي بشخصية إليوت في مسلسل «مستر روبوت»، وكان يعمل مهندسًا للأمن الرقمي نهارًا في شركة «إي كورب»، المسيطرة على تفكير الناس وكأنها صورة لـ«الأخ الأكبر»، وفي الليل يعمل قرصانًا رقميًا ضد الشركة ذاتها، كما يتزعم حركة راديكالية ضد النظام المالي الأمريكي باسم «فَك سوسايتي»، في فصام يجسد أزمة جيل يتمرد على عالم، ساهم هو نفسه في صناعته مضطرًا لضيق خياراته، أو لإشباع طموحه ومتطلبات حياته. ولكن بعيدًا عن الازدواجية، فعلي يعتبر نفسه من «المحظوظين الناجين» بين أبناء جيله، فزملاء الجامعة يعملون إما في مصانع أو في مهن متواضعة، والمحظوظ منهم سافر الخليج، في جهاد مرير لإنشاء حياة عائلية لائقة. عصر الإنترنت انطلقنا لسوق العمل في أواخر العقد المنصرم، ووقتها برزت ظاهرة المدونات، وتابع كثيرون منا مدونات مثل «الوعي المصري» لوائل عباس، التي كانت جريئة في نقدها لشخصيات مهمة في نظام مبارك، كما كانت تجسيدًا للفضاء الذي أتاحته الشبكة العنكبوتية. لن تعرف الأجيال القادمة ماذا يعني اختبار المرء لشبكة الإنترنت للمرة الأولى؛ الهزة المفاجئة عندما يتصفح الشاب «جوجل» للبحث عن أي شيء، غير مصدق أن بإمكانه العثور على ما يريد، الأغاني التي يحبها، الكتب التي يعشق قراءتها، حتى المواقع الجنسية؛ تخيل ما تشاء، ابحث عنه جيدًا، وستشاهده. كان بعض الأهالي يحاولون جاهدين حبسنا داخل المنزل، بعيدًا عن الشارع سيء السمعة، وكانت هناك دائرة لا تنتهي من محاولات الفرار من البيت، ثم ما يتبعها من العقاب. ولكن الأمر اختلف بعد ظهور الحاسوب الشخصي والإنترنت، حيث باتت الجلسة في المنزل تعني أشياء كثيرة؛ التحدث إلى أجنبيات، لعب الفيفا، مشاهدة الأفلام الجنسية، قراءة الكتب، الاطمئنان على الأصدقاء، تعلم مهارة كتابية أو لغوية، كل ذلك وأنت جالس في مكانك. من هذه الحالة خرجت تجربة المدونين الأوائل. المدونات في نظام مبارك في هذا الوقت، كان النظام يسخر من المدونين الأوائل، بوصفهم محبوسين في العالم الافتراضي، ولا يفقهون في السياسة المرتبطة بـ«الواقع» شيئًا. يقول وائل عباس «متحفظ على ما قلته من أننا أسرى العالم الافتراضي، لأن في الواقع وفي الحقيقة، تجربة التدوين المصرية تحديدًا بتتميز عن باقي تجارب التدوين في العالم، في إيران أو في السعودية أو في الدول الأخرى، فإن المدونين كان لهم، زي ما أحد المدونين أصدقائي قال، ‘رِجل على الإنترنت ورِجل تانية في الشارع’». «رجل على الانترنت ورجل ثانية في الشارع»، عبارة تصلح لوصف علاقة جيلنا بالتكنولوجيا، فهو لم يبن من التكنولوجيا سجنًا يحبسه، قدر ما جعل منها منطلقًا لتحقيق ما يريد في الواقع. عن طريق الإنترنت عرفنا الكثير من العلاقات والصداقات التي كانت مستحيلة من دونه، وكثرت الصداقات العادية القادمة من التكنولوجيا. وطرح جيلنا تساؤلاته عن هذا الشكل من التعارف هل يمكن للفرد الزواج بفتاة عرفها من مواقع الدردشة، هل يثق فيها، هل تتحدث مع العشرات من الشباب غيره؟ وهي التساؤلات ذاتها التي حملتها الفتيات، اللاتي رأين في هذه المواقع مساحات للتعارف مع الشباب وتحسين فرص الزواج. كل هذا مصحوبًا بانعدام اليقين الذي لازم تلك الطريقة من التعارف. مع هذا، لم نتكيف تمامًا مع التكنولوجيا، فقد فصلتنا بعض الشيء عن نظرة آبائنا إلى الحياة، التي نراها مغلقة تمامًا، ولكنها في الوقت نفسه، لم تجعلنا متمردين جذريًا على تلك الحياة. أبعدنا الإنترنت عن جيل آبائنا بعشرات الأعوام، مقارنة بالفارق بين جيلهم وجيل الأجداد، ولكنه في نفس الوقت لم يطبعنا بطبعه، لم يترك بصمة كافية على عقولنا لتجعلنا أقدر على قطع صلتنا بمن قبلنا. المشهد المبهر جاءت ثورة ٢٥ يناير، لتتورط شرائح من جيلنا فيها، رافعين شعارات إنسانية. أبهرنا المشهد؛ حشود لا تنادي بحكم الإسلام، ولكن بالحرية والعدالة الاجتماعية. تحولت الـ١٨ يومًا من تجمع سياسي مطالب بإسقاط النظام إلى حالة اجتماعية وفردية. لم يُلاحَظ وجود حالات من التحرش الجنسي في الميدان. لا تزال مطبوعة بذاكرتي صورة الميدان وهو مقسم في الفجر بين من يؤدون الصلاة جماعة، وبين شباب وفتيات يردّدون الأغاني الوطنية ويرقصون عليها. هربت فتيات من منازل أسرهن للالتحاق بالثورة، وواصل بعضهن هذه المسيرة من «التمرد» لتعملن في المجال الحقوقي والصحفي. تحمس علي صديقي للثورة كثيرًا، كما حكى لي وكما رأيت أنا أيضًا حينها، وامتن لاختياراته التي قادته للقاهرة، ليشارك في هذا الكرنفال الاحتجاجي، وارتفع سقف طموحاته لحياته الشخصية ولبلاده، فانضم لحركات شبابية عدة، وأخذ يخطط لإنشاء مركز لحقوق إنسان، ولكن في النهاية لا شيء؛ بدت الحركات السياسية غير قادرة على استيعاب هذا التدفق الجماهيري إليها، وتوظيفه لتحويل الحراك الثوري العفوي إلى نشاط سياسي منظم، وفي نفس الوقت، فإن معظم علاقات الحب التي شهدتها انتهت هكذا، كأن الطرفين كانا موقنين أن الأمور لن تستمر. العديد من الأصدقاء القادمون من الريف حيث الإحساس البسيط والواضح بالحياة والبشر، كانت الثورة بالنسبة لهم كل شيء؛ الصداقات والجنس والعمل والحلم والعائلة. أخذت صدمة الإحساس بالواقع المعقد منهم وقتًا طويلًا؛ في البداية شعروا بنفور كبير لعدم وجود الحالة المثالية التي حلموا بها في المدينة، ثم بدأوا يفقدون إيمانهم بالبشر وقرروا أن يكونوا عمليين وأكثر اهتمامًا بحياتهم المباشرة، وقد تستمر تلك الحالة معهم مدى الحياة. يضاف لهذا عنصر مهم وسائل التواصل الاجتماعي. يكشف تحليل نشرته صحيفة «واشنطن بوست» لبيانات وسائل التواصل الاجتماعي، في فترة «الحراك الثوري» بعد سقوط مبارك، عن إسهامها في نشر الاستقطاب، بطريقة قوّضت الانتقال الديمقراطي. استنتج التقرير أن مشاركة الناس على وسائل التواصل استدعت ردود الأفعال الأكثر تطرفًا، وحرّضت الناس على الانقسام لمجموعات متشابهة ومنغلقة، كما غذت في الوقت ذاته خوف كل مجموعة من الآخرى. الحرب على الإرهاب بعد عام ٢٠١٣ خفتت حالة ميدان التحرير، وكأنها الثورة التي لم تكن، بتعبير مجلة «تايم». زادت موجة محاربة الإرهاب التي سدّت الأفق السياسي. بدأت أنا وعلي، مع الكثير من أصدقائنا، نغرق في مشاكلنا الخاصة، كما عانى شباب كثيرون في الميادين من مشاكل نفسية عديدة، بسبب حجم الدم والقتل الذي اختبروه. شخصيًا، عانيت من اكتئاب حاد استمر ثلاثة أعوام بسبب مقتل شخص بجواري بساطور في أحداث العباسية، كنت أعتقد أنه قُتل بالنيابة عني، وأني أنا المقصود، وأصبحت أشاهد الناس في كوابيس متكررة يجرون خلفي بالسواطير. لي أصدقاء كثر لكل منهم حكايته الخاصة في الاكتئاب، البعض غرق في موجة من التصرفات العبثية، كإدمان المخدرات والإباحية، وكثير من زملائي وأصدقائي من ذوي التوجه الفني حوّلوا الاكتئاب إلى حالات مسرحية أو روائية أو شعرية، واتخذوه منطلقًا لرؤية حياة سوداوية بلا أمل. آخرون بدأوا في التردد على عيادات الطب النفسي، والبعض رغبوا في العمل بأعمال مجهدة تستنزف قدرتهم على التفكير في أمور العمل والحياة، والبعض سافر إلى الخليج أو أوروبا. منذ ٢٠١١ حتى ٢٠١٤ أنشأ بعض الشباب كافيهات في وسط البلد تحوي غرف سينما ومقاهي ثقافية، استطاعت جذب الشخصيات المتشابهة من «الثوريين» ذوي الفكر المنفتح، وكذلك استطاعت فعاليات مثل«الفن ميدان» لمَّ شمل تلك القطاعات المشاركة في ثورة يناير، ولكن السلطات أبت إلا أن تغلق الكافيهات، ووقف فعاليات «الفن ميدان»، وتكثفت الحملات الأمنية على سكان الشقق المفروشة في وسط البلد، ليقف كل منا أمام مشاكله المباشرة، منعزلًا بأوجاعه، مع ذكريات مبهجة ومؤلمة من السنوات الثلاث. ثورة صامتة والآن، ماذا حدث للجيل الذي تربى على «كابتن ماجد» وسلاسل مثل «رجل المستحيل» و«ما وراء الطبيعة»، وشهد بدايات انطلاق الأقمار الصناعية وإنترنت الهاتف والمدونات والفيس بوك وتذوق العالم الرقمي بما فيه من انفتاح غير محدود على ثقافات وتجارب تأملية، وإباحية، والذي هتف وسط الغاز وأمام عربات الأمن المركزي «الشعب يريد إسقاط النظام». صديق لي، مخرج أفلام تسجيلية يبلغ ٣٣ عامًا، ترك مهنة المحاماة منذ عامين، في خطوة فكّر فيها منذ ٢٠١١، حين سأم العمل الذي يتربح منه ومال إلى امتهان ما يحبه، يقول «الناس باتت أكثر جرأة، من يصدق أن الإخوان يجلسون الآن على المقاهي يدخنون الشيشة، ويستمعون إلى الناس بأدب وهم يتندرون على الله والتابوهات!؟ من يصدق أننا لم نعد نقول كلمة ‘زنا’، وإنما ‘جنس ‘و’طلعة’ و’وحايد؟» صديقي المخرج الذي يعيش في قرية من قرى الجيزة وسط عائلة محافظة يرى تلك الظواهر علامات تحلل اجتماعي ليس إلا. يشير تقرير نشرته «فورين بوليسي» إلى «ثورة صامتة» تندلع في مصر، حيث التيار المعاكس للتشدد الديني بات واضحًا؛ سيارات التاكسي لم تعد تشغل القرآن، والفتيات يخلعن الحجاب، وجيل الثورة لا يحضر الصلاة إلا قليلًا، والجيل الأصغر سنًا لم يعد يحترم المشايخ، «وآخرون يذهبون إلى أبعد من ذلك حيث يغازلون الإلحاد». حكايات أميرة ودنيا ومروة في «فورين بوليسي» نجدها بين إخوتنا وأقاربنا وأصدقائنا؛ التمسك بارتداء الحجاب في سن صغيرة جدًا، وخلعه بعد حوالي العشر سنوات، في الوقت الذي يميل الوالدان فيه للتدين والمحافظة. في التقرير، تقول دنيا، التي تبلغ ٣٥ عامًا، واصفة شعورها عندما خلعت الحجاب «أمكنني الشعور بمرور الماء على جسدي... هذا ثاني أفضل شعور بالحرية أحسه بعد سقوط مبارك». هل انتهت الثورة؟ كتاب «المدينة دائما تربح» للصحفي والمخرج عمر روبرت هاملتون، يسلّط الضوء على الحياة المتداخلة للنشطاء، وعبر قصة حب فاشلة لمريم وخالد، فهو يرى أن اللحظة التي نعيشها لا يمكن قياس نجاحها أو فشلها بدقة، لذا اتجه إلى مجال الرواية، فالتركيز على أحداث منفصلة يمنح الرواية الكاتب حرية النظر إلى دواخل من شكلوا أحداث يناير، وهو لا يطرح تساؤلًا حول نجاح الثورة أو فشلها، ولكن هل يمكن تصور أن الثورة لا تزال حية؟ مريم وخليل، بطلا هذا الكتاب، من نشطاء التحرير، كافحا لجعل الثورة حية، ولجعل حبهما مستمرًا، ولكن ماذا حدث؟ انتهت القصة هكذا، بلا نهايات مأساوية، بلا دموع أو صراخ، كأنهما كانا يعرفان أن نهاية علاقتهما حتمية؛ انتهى الحب واستمرت صداقتهما. إذن هل انتهت الثورة؟ بحسب هاملتون فإن تجربة الثورة لا تتعلق بالحلم بنظام مثالي، تتحقق فيه الحرية والعدالة، ولكن بشعور من شكلوها بالضرورة الملحة لفعل شيء ما. ثورة يناير هي «الخبرة المعاشة لتلك الضرورة». أما علي فيرى أن «هناك أشياء تحدث بفضل يناير، مثلًا بدأ الشباب يربطون بين تحكمات الأسرة وقمع الدولة، بين سلطة الكنيسة أو الجامع وسلطة الدولة. الثورة لا تزال موجودة اجتماعيًا بين الشباب. الثورة فتّحت مداركهم كثيرًا.»
بالصور مكان شوكان بين الأمل والذكرى كتبت لينا الديب تصوير محمد الراعي ١٤ أغسطس ٢٠١٧ قبل أربع سنوات صَوَّرَ محمود أبو زيد، المعروف بشوكان، فَضّ اعتصام رابعة العدوية، ولم نعرف ما صوّره حتى الآن، لأنه حُبس، من وقتها، احتياطيًا. بينما تبدو أسرته، وسط صوره المعلقة على الجدران، والشعارات الثورية المتناثرة بالبيت متمسكة بأمل بينما تسيطر ذكرى حبسه وقد اكتمل غيابه ليصل إلى العام الرابع. وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قررت، السبت الماضي، تأجيل قضية «فَضّ اعتصام رابعة العدوية» إلى جلسة ١٩ أغسطس الجاري، لاستكمال المرافعات والاستماع للشهود. وقد حُبس شوكان على ذمة القضية منذ أربع سنوات. في أحد العقارات السكنية بشارع حسن محمد، في منطقة فيصل بالجيزة تسكن أسرة محمود، بينما تتحدر أصولها من جرجا بمحافظة سوهاج. وكانت الأسرة قد سافرت إلى الكويت حيث كان عبد الشكور أبو زيد، والد شوكان، يعمل كمدرس لغة عربية. يكبر محمود بأربعة أعوام أخوه محمد، ويعمل الأخ الأكبر مُفتشًا للآثار. وقال لـ «مدى مصر» «لم أعد أتمنى شيئًا، هذا ليس فقدان للأمل أو ما أشبه. لكن القضية تأخذ منحنيات أوصلتها إلى مصير لا يعلمه إلا الله». شوكان كما عرفته أسرته يحب الحياة، لكنه، بعد ٤ سنوات من الحبس، يبدو منطفئًا فيما تقل رغبته في الحديث، حسب تعبير محمد أبو زيد. وأضاف «يبدو منغمسًا في حالة من اليأس واللامبالاة». قبل حبسه لم يكن والده يُحذره من تغطية المظاهرات. كان يعامله كرجل ناضج ومدرك لأبعاد مهامه والمخاطر التي قد تلحق بها. وقال عبد الشكور أبو زيد، والد شوكان، لـ «مدى مصر» «هذا هو عمله، ولا بد أن يؤديه في أي مكان أو موقف وتحت أي ظرف. كنتُ أحيانًا أنصحه بأن يبعد عن المناطق التي بها إشكالات، ولكنها نصيحة وهو، في النهاية، رجل ناضج ويعرف أكثر مني». كان شوكان يحب الرسم منذ صغره، لكنه كان متيمًا بالتصوير. وكان مكتب التنسيق للقبول بالجامعات السبب وراء عدم التحاقه بكلية تناسب اهتماماته، فصار طالبًا بكلية آداب قسم فلسفة بجامعة القاهرة، لكنه لم يلتزم حتى بحضور الامتحانات. فقام بتحوّيل أوراقه إلى أكاديمية أخبار اليوم، ليدرس بقسم الصحافة. كانت آخر زيارة لوالدي شوكان للمصور، في محبسه، يوم الخميس الماضي. ويستعيد الوالد كيف غاب ولده عنه خلف القضبان، موضحًا «علمنا أنه احتجز أثناء تغطية الفَضّ. لم أكن أصدق أن هذا حدث فعلًا فقلت لأخيه محمد أن يذهب ليتأكد ووجده في قسم مدينة نصر أول، قبل أن يتمّ ترحيله إلى سجن أبو زعبل». وقد استمر حبس شوكان من وقتها. لا تتوقع الأسرة أن تصدر المحكمة حُكمًا في القضية المحبوس على ذمتها ولدهم قريبًا، إلا أن المكان الذي تركه شوكان، قبل أربع سنوات، يخيم عليه تناغم بين الأمل والذكرى. تناغم يعوض سكان المكان عن غياب المصور الذي صوّر فَضّ اعتصام، بينما تبدو الأسرة واقعة أسيرة بين فقد الأمل بأن يعود للبيت وبين العيش على ذكراه.
الوطنية الزائفة حكم الكتالوج والأخ الأكبر محمود الشريف ١٠ أغسطس ٢٠١٧ «المعلومة قبل أي شيء آخر»، تلك هى قاعدة أجهزة الاستخبارات فى العالم أجمع، ولكن في الحقيقة، فلا تهم صحة المعلومة وجدواها طالما أنها تتفق مع مصلحة من يروج لها. حيث تبني سيناريوهات كاملة على قاعدة من المعلومات الزائفة والمفبركة، لرسم خطوط عامة وأولية لسياسة يجب أن تتبع وفق هذا البناء. لضمان نجاح هذه العملية المعقدة نسبيًا، تلجأ السلطة أو جهاز المخابرات إلى «الشريحة المثقفة» التي تكن لها الولاء، لا لاعتبارات «وطنية»، بقدر ما هو لاعتبارات المصالح المادية المباشرة التي تأتي بالنفع لتلك «النخبة المثقفة التنويرية» و«الوطنية». وتصبح مهمة هذه الفئة هي تغليف المعلومة وإخراجها ضمن النسق القومي والسياسي، سواء جاءت المعلومة في طورها الجديد للتوجيه لفعل معين وإما للنهي عن إتيان آخر. وتحدث عملية التغليف والإخراج تلك في سياق بروباجندا إعلامية وأعمال درامية وسينمائية دعائية، لتصل في نهاية المطاف لسيادة «المواطن» الجالس أمام التلفاز يشاهد مبتهجًا بحقه «الممنوح» في «المعرفة». لا يتعلق الأمر ببلد أو دولة بعينها، بل بكتالوج تعمل وفقه جميع الدول وأنظمة الحكم، متقدمة أو نامية، ملكية أو ديكتاتورية شمولية عسكرية أو ديمقراطية برلمانية شكلية. والهدف الرئيسي لهذا «الكتالوج» هو السيطرة على عقول المواطنين، عبر تشكيل وصياغة وعي يتوافق مع مبدأ «سيادة القانون» الخاص بالطبقة الحاكمة، التي تسيّر هذا المبدأ وتحظره على نفسها، فالقانون في رؤيتها هو مجموعة القواعد الثابتة التي تربي بها الدولة – أو الجهاز المؤسسي والإداري للطبقة الحاكمة – مجموع المواطنين. وعليه، فإن اخترقت هي تلك القواعد، لا ينطبق عليها القانون، ويُردُّ هذا عادة لاعتبارات الأمن القومي، ولوجود خطة «استخباراتية» من «الدولة المُربِيّة» لضرب الأعداء في مقتل، حتى وإن كان واضحًا للكفيف قبل المبصر أن ذاك الفعل هو في حقيقة الأمر خدمة للأعداء! وإن كنت أحد مواطني هذا الكتالوج، فعليك استقبال المعلومة، سواء في صيغة الأمر أو النهي، دونما تفكير أو نقد، وإن شككت مجرد شك في أهلية من يمسك بزمام السلطة في هذا الكتالوج، أو في أحقية هذا النظام المجتمعي والطبقى فى البقاء، فمصيرك إما الإخفاء أو السجن أو القتل عن طريق التصفية. بين الشرق والغرب، المخابرات واحدة! تختلف مسميات أجهزة الاستخبارات من دولة إلى أخرى، كما تختلف في أسباب نشأتها، والتي ترجع لمكونات النظام الاجتماعي الحاكم نفسه والظروف المادية والموضوعية التي أدت لإحداث انقلاب اجتماعي في بلد أو إقليم ما، يدفع بالنظام الجديد للإمساك بزمام السلطة. بعد ثورة أكتوبر ١٩١٧ شُرع في تأسيس جهاز استخبارات للدولة السوفيتية الناشئة وقتذاك، وهو ما عرف فيما بعد باسم «الكي جي بي»، وكان الهدف الرئيسي من تأسيسه هو التصدي لمحاولات إجهاض الثورة من قبل الدول الاستعمارية الأوروبية الكبرى المتحالفة مع بقايا النظام القيصري السابق، فى فترة الحرب الأهلية الروسية بين الجيشين الأحمر والأبيض. إلا أنه، وبعد نهاية الحرب الأهلية، أصبحت المهمة الرئيسية لهذا الجهاز هي ترسيخ الديكتاتورية الستالينية، وحكم الفرد أو الحزب الواحد المغلف بشعارات التضامن الأممي والعمالي، لتبرير سحق حركات الاحتجاج العمالية والاجتماعية، التي تقع خارج حدود الاتحاد السوفييتي، ولا تتفق مع خط النظام الستاليني. استمر هذا طيلة الحرب الباردة حتى انهيار المنظومة الستالينية بأكملها فى ١٩٨٩. وبالمثل أيضًا المعسكر المضاد، فنشأة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «السي آي إيه»، أتت بعد ما أسفرت عنه الحرب العالمية الثانية من تقسيم للعالم ومقدراته بين طبقاته الحاكمة، لتجد الولايات المتحدة نفسها حاملة للواء الإمبريالية العالمية ما بعد الحرب. لم تختلف البروباجندا التي استُخدمت وقتذاك عن اليوم، وهى إيجاد عدو معين يهدد «الأمن القومي الأمريكي» والسلام العالمي، سواء كان هذا العدو موجودًا بالأساس أم لا، فتارة هو العدو الأحمر وتارة الإرهاب ثم الإسلام الراديكالي. وكل هذه البروباجندا مغلفة في النهاية بذات الروح الوطنية الزائفة وتضخيم الذات الأمريكية وحلمها. وكم من الأفلام أُنتجت لترسيخ هذا المفهوم، المتناقض في واقع الأمر مع تاريخ تدبير الإنقلابات العسكرية فى العالم الثالث ودعم تلك النظم بكل قوة، أو حتى تدريب أجهزة مخابرات لدول أخري كما حدث في الاشتراك مع الموساد في تدريب جهاز «السافاك» في نظام الشاه العسكري في إيران، إلى تدبير احتلال العراق فى ٢٠٠٣ الذي قام على معلومات أثبت الواقع عدم وجودها من الأساس. القائمة تطول إذن أيها الأخ الأكبر! البداية في مصر «القاهر» و«الظافر»! وبالقياس على منطقتنا العزيزة، فنشأة أجهزة الاستخبارات ومسارها التاريخي فى دولها، تتماثل مع النشأة والمسار التاريخي للأنظمة الرثة التي حكمت هنا طيلة عقود. اعتمدت نشأة أجهزة مخابرات الدولة المصرية ما بعد يوليو ١٩٥٢، فى تمكين ركائزها، على نفس الكتالوج المكرر، ولكن لاختلاف الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية، فالروح الوطنية هنا لم تكن زائفة وحسب، بل مشوشة بدرجة كبيرة أيضًا، فكان الاعتماد في البداية على دعاية صاروخي «القاهر» و«الظافر» لردع الإمبريالية والاستعمار وعصابات الكيان الصهيوني وتحقيق الوحدة، قبل أن يحدث تحول كبير فى مضمون تلك الدعاية بعد كامب ديفيد، لتُصوّر من وقتها إلى اليوم تبعية مصر للسياسة الأمريكية والصهيونية، بوصفها دور مصر «الاستراتيجي» فى حماية أمنها القومى ودعم «السلام» فى المنطقة للقضاء على «أهل الشر». ثم تلجأ المخابرات العامة المصرية في النهاية للبحث عن شركة علاقات عامة أمريكية للترويج للنظام المصري الحالي، وعلى رأسه السيسي بوصفه حليفًا إستراتيجيًا هامًا لإدارة ترامب. الإجابة ليست نموذجية دائمًا أيها الأخ الأكبر كثيرًا ما صادف المرء أثناء مراحل تعليمه المختلفة تلك الجمل المطعمة بالحس الوطني الزائف، أو مواضيع التعبير التي يطلب منه كتابتها عن «مجد الوطن» وتقدمه الذي لن يأتي بدون شباب الأمة، الذين هم «عمادها» و«صلاحها» و«سعدها». ومن يكتب خارج هذا النموذج، ولمجرد تفكيره على غير ما يريد منه الأخ الأكبر التفكير، يصبح «مُسخة» الفصل. ينشأ مفهوم «الأخ الأكبر» من مرحلة المدرسة، وقد يكون «أمين الفصل» أو «العصفورة»، كما كان يُسمى حين يكون المدرس خارج الفصل، أو «المدرّس» عندما يكون «حضرة الناظر» جالسًا فى مكتبه، أو «حضرة الناظر» نفسه عندما يمر في جولة على الفصول. فالأخ الأكبر هنا لا يراقبك فقط، بل يضع لك قالبًا من الوطنية على هيئة مناهج دراسية أتت إليه من أخ أكبر منه، لتلبسها في هدوء ودون شوشرة. لا يجب على المرء مثلًا حلَّ مسألة هندسية بطريقة غير التي أرشده لها الأخوة الكبار، حتى لو كان المنطق الرياضي البحت، وكذلك معطيات المسألة نفسها، تسمح باتخاذ طريق مغاير. لنفترض مثلًا، وبتجريد تام، أنك مواطن في الدولة «س»، تعمل عدد ساعات العمل الرسمية وغير الرسمية، وتقرأ الصحف الرسمية وتتابع البرامج الحوارية التي تبث الخطاب «الوطني» للدولة، وتصدق كل ما يقال لك دون بحث أو نقد أو مجرد تفكير بأبسط القواعد المنطقية، هنا يصبح نمط حياتك نفسه هو الإجابة النموذجية على ما تريد الدولة سؤالك عنه، من دون أن تسألك مباشرة. ولكن كيف سترد على الدولة «س» إن هجّرتك من منزلك عنوة بحجة البناء المخالف أو الرغبة في بناء مشروع استثماري سياحي في منطقتك، وسيعود بالنفع عليها؟ المنطقي أنك ستثور ضد هذا الأمر وستواجهه، ولكن حينها ستخرج من إطار «الإجابة النموذجية» وستقع تحت طائلة قانون الطبقة الحاكمة للدولة، وستوصم بـ«الخائن» و«المرتزق» و«الخارج عن الأعراف الوطنية»، تمامًا، كما حدث عندما وجد الطالب «المسخة» حلًا مغايرًا للمسألة الهندسية المطروحة عليه. هكذا كان الأمر بعد ثورة يناير ٢٠١١ وكافة ثورات الربيع العربي. فجميع النظم التي حكمت لعقود اعتمدت على هذا فى الحفاظ على مكوناتها بعد انحسار مد الانتفاضات. إجابتك النموذجية عن تأييدك لنظام «الثورة المضادة» تأييدًا أعمى هي الضمانة الوحيدة للحفاظ على أمنك الشخصي، بالإضافة لعدم تململك من غلاء الأسعار أو نهب الثروات أو سحق أي رأي خارج السرب، أو تبعية القرار لمنظومة الحكم العالمية. فثورة يناير والربيع العربي لم يكونا الإجابة النموذجية لأسئلة ومناهج ومواضيع تعبير نظام مبارك وأقرانه. حتى لو كانت الثورة هي الإجابة الصحيحة، فهي لن تجد للترويج لها ما لدى الأولى من متاريس إعلامية وأجهزة مخابرات ونفوذ مالى لطبقة أوليجاركية مالية حاكمة، كما لن تجد مؤتمرًا تلو المؤتمر تتحذلق فيه مجموعة من المتسلقين بوصفهم «شباب الغد» – أو «شباب الجيل»، لن تفرق – أمام الأخ الأكبر «المحلي» من أجل إرضاء إحساسه بالزهو والترويج لتعليماته وقوله الزائف بوصفه وحيًا سماويًا خطر للحاكم بأمر الله في لحظة شرود، وهي أمور طالما اتصف بها أى ديكتاتور يعمل وفق كتالوج مخابراته الداخلية، وبدعم من الإدارة الأمريكية ومخابراتها. ليس من الغريب إذن أن يصبح الترويج المتزايد لتوسيع التطبيع مع الكيان الصهيوني «مسألة أمن قومي» في رؤية من يعملون على تسيير هذا الكتالوج. ولما كانت الثورة المصرية وثورات الربيع العربي لم تنجح بعد في هدم النظم الطبقية الحاكمة بكل ركائزها البالية، وتأسيس مجتمع جديد قائم على انعدام الطبقية والتبعية للغرب، فسيبقى هذا الكتالوج قيد العمل. وأيًا يكون ما يكتب أو ما يؤخذ من مواقف، فسيوضع على ميزان الوطنية الخاصة، ووفق مبدأ «سيادة» القانون الخاص بتلك المنظومة. وأي منفذ يخرج منه ما لا يتفق مع هذا الخط المتبع، ومصلحة من يسيّره، فسيكون مصيره الحجب والمنع، لأن الإجابة ليست نموذجية كما يريدها الأخ الأكبر وزبانيته. ولا تصبح هناك قيمة للحديث عن المنجز البشري التاريخي الذي أدي لظهور هذا المنفذ أو ذاك، أي الثورة المعلوماتية وحرية تداول الأراء عبرها. القوة أم الحق؟ «القوة هي التي تنشئ الحق وتحميه»، من القواعد القانونية التي علّمها لنا أحبار القانون في كلية الحقوق. للوهلة الأولى، ورغم منافاتها لجوهر فلسفة القانون، يُخدع المرء بحجية تلك القاعدة، ولكن عندما يضعها أمام أبسط قواعد المنطق سيكتشف زيفها، وأنها وجدت بالأساس للحفاظ على تركيب النظام الطبقي الحاكم. وبتطبيق هذه القاعدة على الواقع المادي واليومي تتضح الصورة بدرجة كبيرة. فالحق في المعرفة منشأه إذن القوة التي يمتلكها، القوة التي يمتلكها من أدوات سيطرة وقمع للحريات ومنظومة اقتصادية وإعلامية مافياوية تعمل على بث رسائل دولة «الأخ الأكبر»، من معلومات مشوشة تنافي الواقع اليومي المفضوح، تلك القوة أيضًا هي ما تعطيه الحق في احتكار المعلومة (المعرفة) وإخفاء كل ما يؤكد الحقيقة، وهي ذات القوة التي تمنحه رداء الوطنية الزائف بحجة محاربة الإرهاب، وإن نظرتَ في المرآة لن تجد سوى صورة الأخ الأكبر أمامك، ذلك إن كنت لا ترى الحقيقة بأم عينك! الروح الشعبية الحقيقية، والثورية بطبيعتها، لا تحتاج لأجهزة مخابرات وبروباجندا إعلامية نظامية حتى تتجلى، وفق «الإجابة النموذجية الوطنية»، لأنها تجلت ببساطة لأكثر من مرة عبر التاريخ المصري، من المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي والبريطاني، لرفض الهزيمة الكارثية فى يونيو ١٩٦٧، إلى أعظم تجلياتها في ثورة يناير ٢٠١١. وديكتاتور يخاف من الحقيقة هو ديكتاتور كاريكاتوري ليس أكثر، فالإجابة النموذجية التي يبتسم لسماعها مضللة وغير صحيحة أبدًا، ووحدها الإجابة الشعبية هي الأصح، وهي الحقيقة الباقية، والأيام دول. حطموا الأصنام فلن تبقى القيود أبد الدهر.
قارن الأخ الأكبر مع:
شارك صفحة الأخ الأكبر على