هل تنجح خطة الحكومة للاعتماد على الديون الخارجية طويلة الأجل؟ اثار توسع الحكومة فى الحصول على القروض الخارجية خلال السنوات الثلاث الماضية تساؤلات كثيرة حول مدى قدرة مصر على سداد الديون الخارجية مقارنة بمصادر تدفقات النقد الأجنبى الطبيعية. وضاعفت مصر قروضها الخارجية منذ عام ٢٠١١، لترتفع من ٣٥ مليار دولار إلى ٧٤ مليار دولار حاليا، وجاء معظم الزيادة فى العامين الماضيين، حيث كانت تبلغ ٤٨ مليار دولار فى نهاية ٢٠١٥. وتوسعت الحكومة، منذ عام ٢٠١٥، فى الحصول على القروض الخارجية والتمويلات الثنائية من مؤسسات التمويل الدولية، حيث اتفقت مع البنكين الدولى والأفريقى للتنمية على قروض بقيمة ٤.٥ مليار دولار على مدار ٣ سنوات، تحصل على آخر دفعة منهم بنهاية العام الجارى بقيمة ١.٥ مليار دولار. وحصلت مصر فعلياً من صندوق النقد الدولى على نحو ٤ مليارات دولار تمثل الشريحتان الأولى والثانية من قرض اتفقت عليه مع الصندوق فى أغسطس ٢٠١٦، بقيمة ١٢ مليار دولار، ضمن برنامج إصلاح اقتصادى يشمل تحرير سعر صرف الجنيه وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وتخفيض دعم الطاقة، وإصدار بعض القوانين الخاصة بالاستثمار وبيئة الأعمال. كما نجحت الحكومة فى طرح سندات دولارية فى الأسواق الدولية منذ بداية العام الحالى حيث طرحت ٧ مليارات دولار فى بورصة لوكسمبرج، وتلقت عروضا للاكتتاب بقيمة ٢٤ مليار دولار. ووفقا لبرنامج الإصلاح الاقتصادى الذى اتفقت عليه الحكومة مع صندوق النقد الدولي، سيصل الدين الخارجى إلى مستوى ٨٢ مليار دولار العام المالى الحالى و١٠٢.٤ مليار دولار بحلول العام المالى ٢٠٢٠ ٢٠٢١. وقدر برنامج مصر مع صندوق النقد الدولى وصول الدين الخارجى لمصر خلال العام المالى الماضى إلى ٦٦ مليار دولار حتى العام الحالى، وخدمة دين تصل إلى نحو ٥.٨ مليار دولار، إلا أن مستويات الاستدانة الفعلية تجاوزت تلك التوقعات لتسجل ٧٣.٨ مليار دولار بنهاية مارس الماضي. قال مسئول فى البنك المركزى إن مصر تعمل حاليا على إحلال الدين الخارجى قصير اﻷجل بآخر طويل اﻷجل من خلال اﻹصدارات فى الأسواق الدولية التى تتراوح بين ٥ و٣٠ عاما، إضافة إلى قرض صندوق النقد الدولى الذى يبلغ أجله نحو ١٠ أعوام. واعتمد البنك المركزى والحكومة على الديون بشكل أساسى، ﻹعادة بناء احتياطى النقد اﻷجنبى، وهى واحدة من النتائج التى تحققت من سد الفجوة التمويلية عبر الاقتراض الخارج، وسجل احتياطى النقد اﻷجنبى أعلى مستوى فى تاريخه ليصل إلى ٣٦ ملياراً و٣٦ مليون دولار بنهاية يوليو الماضي. وعلقت وكالة موديز للتصنيف الائتمانى على ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى بقولها، إنه بالرغم من التحسن الكبير فى مركز السيولة الخارجية فى مصر على مدى الشهور اﻹثنى عشر الماضية، إلا أن الزيادة فى الاحتياطيات الدولية كانت مدفوعة بالدرجة الأولى بتدفق الديون، ما أدى إلى رفع مستوى الدين الخارجى والدين بالعملات الأجنبية. وقال واحد من كبار مساعدى محافظ البنك المركزى طارق عامر لـ«البورصة» إن مصر مطالبة بسداد أكثر من ١٠ مليارات دولار خلال العام المالى الحالى، معظمها عبارة عن ودائع حصلت عليها من دول الخليج العربى خلال أعوام ٢٠١٣ و٢٠١٤ و٢٠١٥. أضاف المسئول البارز أن البنك المركزى سيكون قادرا على سداد كل تلك الالتزامات، نتيجة للإصلاحات الاقتصادية التى قامت بها الحكومة والبنك المركزى والتى أدت لزيادة التدفقات بالعملة الصعبة واحتياطيات النقد الأجنبى. ويرى محللون أن مصر لديها القدرة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية وسداد خدمة الديون خلال الفترة المقبلة، مشيرين إلى أن مصر طوال السنوات الماضية لم تتأخر فى سداد الالتزامات الخارجية التى حان أجلها. ويستحوذ بند الحكومة المركزية ووحدات الحكم المحلى على أعلى قيمة فى الديون الخارجية بنحو ٣٢.٢ مليار دولار، يليه السلطة النقدية بنحو ٢٩.٩ مليار دولار، والقطاعات الأخرى ٧.٧ مليار دولار، والبنوك نحو ٤ مليارات دولار. وقال الدكتور فخرى الفقي، أستاذ الاقتصاد ومساعد مدير تنفيذى سابق بصندوق النقد الدولي، إن مصر لديها القدرة على الوفاء بالتزامات مصر الخارجية سواء كانت القروض المضمونة من قبل الحكومة، أو القروض التى تحصل عليها الحكومة. وأضاف أن الدين الخارجى يشكل حالياً ٣٠% من الناتج المحلي، ويتم سداد الأقساط من الاحتياطيات الأجنبية، بخلاف النقد الأجنبى بالقطاع المصرفي. وذكر أن فائض ميزان المدفوعات يصب فى الاحتياطى بطريقة مباشرة، والقدرة على السداد لا ترتبط بالموارد الطبيعية للعملة الأجنبية فقط، فمصر لديها بعض الودائع الخليجية التى تعد مملوكة لها حتى يحين استحقاقها. وحقق ميزان المدفوعات فى الفترة بين يوليو ومارس خلال العام المالى الماضى فائضاً قدره ١١ مليار دولار، منه فائض يصل ٩ مليارات دولار يخص الفترة التى أعقبت تحرير سعر صرف الجنيه فى مطلع نوفمبر الماضي، وذلك مقابل عجز كلي بلغ ٣.٦ مليار دولار خلال نفس الفترة فى العام المالى السابق عليه. قال الفقى إن أغلب الديون التى حصلت عليها مصر مؤخراً ديون طويلة الأجل، حيث أن شريحة بعض السندات الدولية تصل إلى نحو ٣٠ عاماً. ووفقاً لبيانات البنك المركزي، فإن الديون طويلة ومتوسطة الأجل تستحوذ على النسبة الأكبر بنسبة ٨٣% وبقيمة ٦١.٣ مليار دولار، فى حين تمثل التمويلات قصيرة الأجل النسبة المتبقية بقيمة ١٢.٦ مليار دولار. وأرجع الفقى لجوء مصر إلى الاقتراض الخارجى خلال السنوات الماضية، فى الأساس، إلى انخفاض الفائدة عليها مقارنة بالديون المحلية كأدوات الدين الحكومي، حيث إن الفائدة منخفضة، فضلاً عن توفير نقد أجنبى للسوق. ويقول البنك المركزى إن أكثر من نصف الدين الخارجى لمصر لا يخص الحكومة، ويعادل نصيب الحكومة من الدين الخارجى نحو ١٨% من الناتج المحلى اﻹجمالى، بينما يبلغ إجمالى الدين الخارجى نحو ٤١% من الناتج المحلى. وبلغت معدلات خدمة المديونية الخارجية نحو ١٥.٦% من حصيلة الصادرات السلعية، مرتفعة من ١٢.٣% فى ديسمبر ٢٠١٥. وساهم تحرير سعر صرف الدولار فى نوفمبر الماضى ورفع أسعار فائدة الإيداع والإقراض بنحو ٧٠٠ نقطة أساس منذ القرار، فى زيادة اكتتابات الأجانب فى أدوات الدين الحكومي، التى تخطت الفائدة عليها نحو٢٠%. وأوضح الفقى أن المصادر الطبيعية للعملة الأجنبية فى مصر تتمثل فى قطاع البترول وقناة السويس، مشيراً إلى أن مصر ستوفر ٥ مليارات دولار عقب بدء العمل بحقول الغاز المستكشفة حديثاً. ومن المنتظر أن يبدأ حقل ظهر لإنتاج الغاز الطبيعى فى الإنتاج قبل نهاية العام الحالي، وقال طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، مؤخرا إن المراحل الأولى من إنتاج حقل «ظهر» ستدخل قبل نهاية العام الحالى، وتستكمل باقى المراحل على مدار ٢٠١٨، ليصل إنتاجه الكلى إلى ٢.٧ مليار قدم مكعبة يوميا، بما يعادل نصف إنتاج مصر الحالى من الغاز الطبيعى. وتعد قناة السويس والخدمات السياحية من أهم المصادر الطبيعية للعملة الأجنبية للاقتصاد المصري. وقال عمرو حسنين رئيس شركة ميرتس للتصنيف الائتماني، أن مصر لديها القدرة على خدمة الدين الخارجى خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن مصر لم تتأخر فى سداد الالتزامات الدولية خلال ٤٠ عاماً مضت. وأضاف أن مصر لديها مصادر مختلفة للنقد الأجنبي، منها الدعم الخارجى والتمويلات الثنائية التى تحصل عليها من الدول والمؤسسات الدولية. وذكر حسنين أنه رغم ارتفاع معدلات الدين وزيادة مخاطرة، إلا أن مصر ستكون قادرة على سداد تلك الديون. واستبعد رئيس ميرتس للتصنيف الائتمانى وجود أزمة فى ارتفاع أرصدة الديون الخارجية لمصر، إلا أن الأهم من ذلك هو وضع خطة لعملية سداد الديون وخدمات الدين. وقال إن البناء المؤسسى لمصادر النقد الأجنبى يحتاجل إلى إعادة هيكلة لزيادة الإيرادات، والمتمثلة فى التمكين الداخلى بدعم المؤسسات التى تزيد من حجم الصادرات المصرية. ووفقاً للبيانات التى تضمنها برنامج صندوق النقد الدولى مع مصر، تبلغ خدمة الدين نحو ٣.٥ مليار دولار خلال العام المالى الحالي، و٣.٤ مليار دولار العام المالى المقبل، و٣.٦ مليار دولار خلال العام المالى ٢٠١٩ ٢٠٢٠. أكثر من ٦ سنوات فى البورصة